تحدث الشيخ علي البني حول الحديث القدسي عن الله عز وجل (لا يزال العبد يتقرب إلي بالنافلة حتى أحبه) في ثلاث محاور ، حيث توقف أولاً على ثلاثة أنماط من الروايات التي تتحدث عن العمل المستحب ، فهناك من الروايات ما تجيز ترك المستحب وهي ما دلل الشيخ علي عليها برواية عن أمير المؤمنين عليه السلام حيث قال: "إِنَّ لِلْقُلُوبِ إِقْبَالًا وَ إِدْبَاراً فَإِذَا أَقْبَلَتْ فَاحْمِلُوهَا عَلَى النَّوَافِلِ وَ إِذَا أَدْبَرَتْ فَاقْتَصِرُوا بِهَا عَلَى الْفَرَائِضِ" ، ونوع آخر من الروايات يقوم على أن من ترك النافلة فقد ارتكب معصية وبالمثل استدلَّ الشيخ علي برواية عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام يقول فيها: (إنّ تارك الفريضة كافر ، وإنّ تارك هذا -أي العمل المستحب- ليس بكافر ، ولكنّها معصية ، لأنّه يستحبّ إذا عمل الرجل عملاً من الخير أن يدوم عليه). أما آخر نوع من الروايات فبينت أن العمل المستحب له ثمرة لا يدركها المرء بغيرها من الأعمال ومن جملة هذه الأعمال هي زيارة الحسين عليه السلام حيث أنه عن أبي عبدالله عليه السلام «قال : قال لي : يا معاويةُ لا تَدَع زيارةَ الحسين عليه السلام لخوفٍ فإنَّ مَن تركه رأى مِن الحسرة ما يتمنّى إنَّ قبرَه كان عِنده، أما تحبُّ أن يَرَى الله شخصَك وسوادَك فيمن يدعو له رَسولُ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وعليٌّ وفاطمةُ والأئمّة عليهم السلام ؟! أما تحبُّ أن تكون ممّن ينقلب بالمغفرة لما مضى ويغفر لك ذنوب سَبعين سَنة؟! أما تحبّ أن تكون ممّن يخرج مِن الدُّنيا وليس عليه ذنبٌ تتبع به؟! أما تحبُّ أن تكون غداً ممّن يصافِحُه رَسولُ اللهِ صلّى الله عليه وآله وسلّم». وانتقل الشيخ البني بعد كل ذاك لمحوره الثاني الذي عنونه بـ"إضاءات من تقيد المتشرعة بالعمل المستحب" ، ولعَلَّ الرواية التي ذكرها الشيخ علي تبرز المعنى دون الحاجة للتفصيل ، ابن جندب قال: (كنت في الموقف فلما أفضت لقيت ابراهيم بن شعيب فسلمت عليه وكان مصاباً باحدى عينيه، واذا عينه الصحيحة حمراء كأنها علقة دم، فقلت له: قد أصبت باحدى عينيك وأنا والله مشفق على عينك الأخرى، فلو قصرت من البكاء قليلاً.فقال: لا والله يا أبا محمد ما دعوت لنفسي اليوم بدعوة.فقلت: فلمن دعوت؟ قال: دعوت لاخواني.سمعت أبا عبدالله الامام الصادق عليه السلام يقول: من دعا لأخيه بظهر الغيب وَكَّل الله به ملكاً يقول: ولك مثلاه، فأردت ان أكون أنا أدعو لاخواني، ويكون الملَك يدعو لي، لأني في شك من دعائي لنفسي، ولست في شك من دعاء الملَك لي). أما آخر المحاور فذكر الشيخ البني فيه بعض الروايات التي بينت كيف أن العمل المستحب يقرِّب العبد من الله عز وجل ، ومن هذه الروايات الحديث القدسي في بداية الحديث ( مَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ ).
التعليقات (0)