جرى حديث الشيخ علي البني حول الآية المباركة (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنْكُمْ) فذكر بداية رواية عن الإمام الصادق عليه السلام حاصلها أنه لما رفض إبليس السجود لآدم قال: يا رب اعفني من السجود لآدم وأنا أعبدك عبادة لم يعبدها مَلَكٌ مُقَّرَّب ولا نَبِيٌّ مُرسل ، وإذا بنداء الله عز وجل: لا حاجة لي في عبادتك، إنما تعبدني من حيث أُريد لا من حيث تُريد. من هذه الرواية استخلص الشيخ علي محصلتين أساسيتين أولاهما أن السلوك العبادي لا يكشف الجانب الروحي في قلب الإنسان بالضرورة وإنما العبادة الحقة لله هي ما تنسجم مع إرادة الله عز وجل ، أما المحصلة الثانية فإن هناك علاقة وثيقة بين الجانب الروحي والممارسة العبادية. ولم يترك الشيخ علي هذه الركيزة دون ان يدلل عليها برواية ، فنقل الشيخ عن ما ورد في الكافي الشريف عن أحدهما - أي الباقر أو الصادق عليهما السلام - دخل رجلان المسجد أحدهما عابد والآخر فاسق، فخرجا من المسجد والفاسق صِدِّيق، والعابد فاسق، وذلك أنه يدخل العابد المسجد مدلأ بعبادته، يدل بها فتكون فكرته في ذلك، وتكون فكرة الفاسق في التندم على فسقه، ويستغفر الله عز وجل مما صنع من الذنوب. بعد أن انتهى الشيخ من تلك الركيزتين طرح تساؤلاً مفاده ما ينبغي أن يكون حالي عليه لكي لا تكون عبادتي مجرد سلوك ظاهري ؟ وقبل أن يجيب على السؤال قال أنه لا بد الوقوف على تنبيهين ، التنبيه الأول هو أن البعض يخطأ ويعتقد أن العبادة محصورة في الصلاة والحج والصوم والحقيقة أن العبادة لها حدود واسعة ، وليؤكد الشيخ ذلك نقل رواية فيها أنه أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجل مقنع بالحديد فقال: يا رسول الله أُقاتِل أو أُسلِم قال: أَسلِم ثُمَّ قاتِل فَأَسلَم ثُمَّ قَاتَل فَقُتِل فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: عمل قليلاً وأُجِر كثيراً. أما التنبيه الآخر فقال فيه الشيخ علي أن الروايات والآيات بينت أن هناك علقة وثيقة بين الجانبين العبادي والجهادي ، وما الآيتان المباركتان المتلاحقتان إلا دليل على ذلك (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111)التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) وكأنما القرآن يقول أن الجهاد متوقف على أناس بلغوا الكمال الروحي والانشداد لله عز وجل. وهنا استطاع الشيخ الإجابة على السؤال الذي طرحه حيث قال أن العبادة يجب أن تقوم على مقوِّمين لكي تكون أكثر من مجرد سلوك ظاهري ، وهما التسليم للحكم الشرعي كما فعل إبراهيم الخليل عليه السلام مثلاً حين أمره الله بذبح ابنه ، والاستقامة والتي لها معنيين أحدهما الالتزام بالجانب العبادي الذي أمر به الله والمعنى الثاني هو الصبر في جنب الله كما صبر السحرة حين هددهم فرعون بقطع أيديهم وأرجلهم عن خلاف ، ولكي يربط الشيخ الموضوع بالآية الذي استهل الحديث بها قال أن الناس في الجاهلية حين كانوا يحجون ويذبحون أضحية العيد يصبغون الكعبة بدماء أضاحيهم وحين جاء الرسول (ص) نزلت الآية المباركة عليهم (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنْكُمْ) لتبين لهم أن الله لن يحصل على دماءها ولا لحمها ولكنه يريد التسليم والاستقامة من هذا السلوك العبادي وفقط.
التعليقات (0)