رفض الإمام الحسين ( عليه السلام ) البيعة ليزيد
مات معاوية وجاء إلى الحكم ابنه يزيد ، وكان أول ما قام به هو أن بعث برسالة إلى " الوليد " حاكم المدينة المنوّرة وأمره أن يأخذ البيعة من سيدنا الحسين ( عليه السلام ) بالقوة .
بَعَثَ الوليدُ بنُ عُتبةٍ فِي استِدعاءِ الإِِمامِ الحُسينِ ( عليه السلام ) ، وَقَد كَانَ الإِِمامُ يَعلَمُ الأمرَ الذي مِن أَجلِهِ أَرسَلَ الوَليدُ فِي طَلَبِهِ .
وَهذا لأََنَّهُ ( عليه السلام ) رأَى في رُؤياهُ كَأنَّ معاويةَ مَنكوسٌ على رأسِهِ ، وَالنارُ تَشتَعِلُ فِي بَيتِهِ ، فَعَلِمَ مِن ذلِكَ بِهَلاكِهِ ، والوليدُ الآنَ يُريدُ أَن يَأخُذَ البَيعةَ مِنهُ لِيزِيدَ .
اِغتَسَلَ الإِمامُ ( عليه السلام ) وَصَلّى رَكعتَينِ ، ثُمَّ دَعا ربَّهُ بِما أَحَبَّ ، وأَرسَلَ فِي طَلَبِ فِتيانِهِ وَمَوالِيهِ وأَهلِ بَيتِهِ .
فَأَعلَمَهُم ( عليه السلام ) : بِشَأنِهِ قائِلاً : ( لِيأخُذ كُلُّ مِنكُم سَيفَهُ مَسلولاً تَحتَ ثِيابِهِ ، وَكُونوا بِبابِ هذا الرجُلِ ، فَإِني ماضٍ إِليه ومُكَلِّمُه .
فَإِن سَمِعتُم صَوتِي قَد عَلا مَعَ القَومِ وَصِحتُ بِكُم : يا آلَ الرَسُولِ ، اِقتَحِمُوا البابَ بِغيرِ إِذنٍ ، وَاشهَرُوا السيُوفَ وَلا تَعجِلُوا ، فَإِن رَأَيتُم مَا تَخشَونَ ضَعُوا سِيوفَكُم فِيهِم ، وَاقتَلُوا مَن أَرادَ قَتلِي ) .
فخَرَجَ الحُسينُ ( عليه السلام ) مِن مَنزِلِهِ ، وَمَعَهُ ثَلاثُونَ رَجُلاً مِن أَهلِ بَيتِهِ وَمُوالِيهِ وَشِيعَتِهِ ، فَأَوقَفَهُم عَلى بابِ الوَليدِ قائِلاً لَهُم : ( اُنظُروا مَا أَوصَيتُكُم بِهِ فَلا تَعِدُوه ، وأَنا أَرجُو أَن أَخرُجَ إَليكُم سالِماً إِن شاءَ اللهُ ) .
وَدَخَلَ عَلى الوَليدِ فَسَلَّمَ عَلَيهِ ، ثُمَّ قَالَ : ( كَيفَ أَصبَحَ الأََميرُ اليَومَ ؟ وَكَيفَ حَالُهُ ؟ ) .
فَرَدَّ عَليهِ الوَليدُ بنُ عُتبةَ رَدّاً حَسَناً وأَدناهُ منه فَأَجلَسَهُ قُربَهُ ، وَمروانُ بنُ الحَكَمِ - ذلِكَ الخَبيثُ - كانَ جالِساً يَنظُرُ إِليهِما .
فَأَجابَ الوَليدُ : دَعَوتُكَ للبَيعةِ التي اجتَمَعَ الناسُ عَلَيها ، فَقالَ الإِمامُ الحُسينُ ( عليه السلام ) : ( أَيُّها الأََميرُ ، إِنَّ مِثلِي لاَ يَعطِي بَيعَتَهُ سِرّاً ، وَإِنَّما يَجِبُ أَن تَكونَ البيعةُ عَلانيةً بِحَضرَةِ الجَماعَةِ ، فَإِذا دَعوتَ الناسَ غَداً إلى البَيعةِ دَعَوتَنا مَعَهُم ) .
فَردَّ عليهِ الوليدُ : وَاللهِ لَقَد قُلتَ فَأَحسَنتَ ، وَهكَذا كانَ ظَنّي بِكَ .
وَهُنا قامَ مَروانُ صارِخاً بالوليدِ : أَيُّها الأَميرُ إن فارقَكَ الساعةَ ولم يُبايع ، فَإنّك لا تَقدِر مِنهُ عَلى مِثلِها أَبداً ، فَاحبِسهُ عِندَكَ وَلاَ تَدَعهُ يَخرجُ حَتّى يبايعَ ، وَإن لَم يَفعل فَاضرِب عُنُقَهُ .
فَقَالَ لَهُ الإِمامُ الحُسينُ ( عليه السلام ) : ( وَيلِي عَليكَ يا ابن الزَرقاءَ ، أَتأمُرُ بِضَربِ عُنُقِي ؟! كَذَبتَ واللهِ ولَؤُمتَ ، وَاللهِ لَو رامَ ذلِكَ أَحدٌ لَسقِيتُ الأََرضَ مِن دَمِهِ ، فَإِن شِئتَ ذلِكَ فَرُم أَنتَ ضَربَ عُنُقِي إِن كُنتَ صادِقاً ) .
ثُمَّ التفتَ ( عليه السلام ) إلى الوليدِ قائلاً : ( أيُّها الأَمير إنّا أهلُ بيتِ النُّبوةِ ، ومَعدَنِ الرسالَةِ ، ومُختَلَفِ المَلائِكَةِ ، وَمَهبطُ الرَحمَةِ ، بِنا فَتَحَ اللهُ وبِنا خَتَمَ ، ويَزِيدُ رَجلٌ فاسقٌ ، شاربٌ للخَمرِ ، قاتلٌ للنَّفسِ ، ومُعلِنٌ للفِسقِ ، فَمِثلِي لاَ يُبايِعُ مِثلَهُ ، سنُصبحُ وتَصبَحُونَ ، وَنَنظُرُ وَتَنظُرونَ ، أَيُّنا أَحقُّ بِالخِلافَةِ والبَيعَةِ ) .
وسَمَعَ الذينَ عَلى البابِ صَوتَ الحُسينِ ( عليه السلام ) قَد عَلا ، فَهَمُّوا أَن يَقتَحِمُوا عَلَيهِم المَكانَ بِسِيُوفِهم ، وَلكنَّهُم فُوجِئُوا بِالإِِمامِ الحُسينِ ( عليه السلام ) يَخرُجُ إِليهِم ، فَأَمَرَهُم بِالاِِنصِرافِ إِلى مَنازلِهِم .
فخَرَجَ الإِمامُ الحُسينُ ( عليه السلام ) لَيلاً إلى قَبرِ جَدِّهِ الرَسُول ( صلى الله عليه وآله ) فَصلّى هُناكَ ، وَلمّا فَرَغَ مِن صَلاتِهِ جَعَلَ يَدعُو قائِلاً :
( اللهُمَّ إِنَّ هذا قبرُ نبيِّك محمدٌ ( صلى الله عليه وآله ) وأَنَا ابنُ بِنتِ نَبيِكَ ، وَقَد حَضَرَني مِنَ الأََمرِ مَا قَد عَلِمتَ .
اللَّهُمَّ إِنّي أُحِبُّ المَعرُوفَ وأَكرَهُ المُنكَرَ ، وَإِنّي أَسألُكَ يا ذا الجَلالِ والإِِكرامِ بِحَقِّ هذا القَبرِ وَمَن فِيهِ ، اِختَر لِي مِن أَمريَ مَا هُوَ لَكَ رِضىً ، ولِرَسُولِكَ رِضىً ، وَللمؤمنينَ رِضىً ) .
ثُمَّ جَعَلَ يَبكي ( عليه السلام ) حَتّى صارَ قريباً مِنَ الفَجرِ ، وَضَعَ رَأسَهُ على القبرِ فَأَخَذَتهُ إِغفاءةٌ ، وَإِذا بِرَسُولِ اللهِ ( صلى الله عليه وآله ) قد أقبلَ عَلَيه بَين كَتِيبةٍ مِنَ المَلائِكَةِ ، فَضَمَّهُ إلى صَدرِهِ ، وَقَبَّلَه بِينِ عَينَيهِ ، ثُمَّ قالَ ( صلى الله عليه وآله ) لَهُ : ( حَبيبي يا حسينُ ، كَأَنِّي أَراكَ عَن قَرِيبٍ مُرَمَّلاً بِدِمائِكَ ، مَذبوحاً بأَرضِ كَربلاءِ ، بَينَ عِصابَةٍ مِن أُمَّتي ، وَأَنتَ عَطشانٌ لاَ تُسقى ، وظَمآن لا تُروى .
حَبيبي يا حسينُ ، إِنَّ أمَّكَ وَأَباكَ وأَخاكَ قَدِمُوا عَليَّ ، وهُم إِليكَ مُشتاقُونَ ، وَإِنَّ لَكَ في الجنَّةِ دَرجاتٍ لا تَنالُها إلاّ بالشهادةِ ) .
الكوفة تستنجد بالإمام
كان المسلمون يتململون من ظلم معاوية وكانوا يتمنون أن تعود حكومة علي بن أبي طالب . . حكومة العدل الإسلامي .
وعندما سمع أهل الكوفة أن الإمام الحسين قد رفض البيعة ليزيد ، بعثوا برسائلهم إلى الإمام يطلبون منه القدوم إلى الكوفة و إنقاذهم من الظلم والجور .
وصل عدد الرسائل التي تسلّمها الإمام الحسين اثني عشر ألف رسالة كلّها كانت تقول : اقدم يا بن رسول الله ، فليس لنا أمام غيرك .
سفير الحسين
أرسل الإمام الحسين ( عليه السلام ) ابن عمه " مسلم بن عقيل " سفيراً إلى الكوفة ، و سلّمه رسالة إلى أهل الكوفة جاء فيها : أما بعد فقد أتتني كتبكم وفهمت ما ذكرتم من محبتكم لقدومي عليكم ، وقد بعثت إليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل .
استُقبل مسلم بن عقيل استقبالاً حاراً ، والتف حوله الناس يبايعون الإمام الحسين.وبلغ عدد الذين بايعوا أكثر من ثمانية عشر ألفاً .عندما كتب مسلم بن عقيل رسالة إلى سيدنا الحسين يخبره فيها اجتماع أهل الكوفة على نصرة الحق ورفض البيعة ليزيد ، ويطلب من الإمام القدوم في أول فرصة .
بدأ " ابن زياد " سياسته في الإرهاب والقتل وتقديم الرشاوى ، وراح يهدد الناس بجيش سوف يصل من الشام .كما بدأوا يُشيعون بين أوساط الناس روح التخاذل ، والدعوة إلى حفظ الأمن والاستقرار لغرض كسب الوقت ، وتفتيت قوى الثوار .
استمرت الأوضاع هكذا في الكوفة ، والناس تنصرف شيئاً فشيئاً عن مسلم بن عقيل (عليه السلام) حتى لم يبق مع مسلم إلا عشرة رجال ، صلى بهم جماعة فلما انتهى التفت إلى خلفه فلم يجد أحداً منهم .
وبعد مواجهة هذا المنظر المروع راح يسير في شوارع الكوفة حتى يهتدي إلى حل أو طريق للخروج من الكوفة قبل إلقاء القبض عليه من قبل سلطات ابن زياد كي يُبلغ الإمام الحسين ( عليه السلام ) بانقلاب الأوضاع كي لا يقع في حبائل الغدر والخيانة .
ثم أصدر ابن زياد أوامره بتحرّي بيوت الكوفة بيتاً بيتاً وتفتيشها ، بحثاً عن مسلم بن عقيل ( عليه السلام ) ، الذي كان قد اختبأ في بيت إمرأة مجاهدة ومحبة لآل البيت ( عليهم السلام ) اسمها ( طوعة ) .
فلما علم ابن زياد بمكانه ، أرسل له جيشاً إلى تلك الدار ، فقاتلهم مسلم بن عقيل ( عليه السلام ) أشد قتال ، إلا أن الأقدار شاءت فوقع بأيدي قوات بن زياد .
ثم أرسلوه إلى القصر ، فدارت بينه وبين ابن زياد مشادة كلامية غليظة ، حتى انتهت بقول ابن زياد لمسلم ( عليه السلام ) :
إنك مقتول ، ثم أمر ابن زياد جلاوزته أن يصعدوا به أعلى القصر ، ويضربوا عنقه ويلقوا بجسده من أعلى القصر .
ثم انهال على مسلم ( عليه السلام ) سيف الغدر ، وحال بين رأسه وجسده ، ليلتحق بالشهداء والصديقين والنبيين الصالحين ...
جَمَعَ الإِِمامُ الحُسينُ ( عليه السلام ) أصحابه الذِينَ عَزَمُوا عَلى الخُروجِ مَعَهُ إِلى العراقِ .وَبَعدَها تَهيّأَ ( عليه السلام ) لِلخروجِ ، فَحَمَلَ بَناتَهُ وأَخواتَهُ عَلى الَمحمَلِ ، وَخَرجَ مِن مَكةَ يَومَ الثُلاثاءِ يَومَ التَروِيَةِ ، لِثمانٍ مَضَينَ مِن ذِي الحَجّةِ ، وَمَعَهُ اثنانٍ وَثَمانُونَ رَجُلاً مِن شِيعَتِهِ ومَوالِيهِ وأَهلِ بَيتِهِ مُتَوجِّهاً إلى العراقِ .
وَهُوَ ( عليه السلام ) يَعلَمُ أَنَّهُ لاَ يَجنِي مِن ثَورَتِهِ هذهِ نَصراً ماديّاً ظاهريّاً ، بَل سَوفَ يُستَشهَدُ هُوَ وَأَولادُهُ وَأَصحابُهُ واِخوَتُهُ ( عليهم السلام ) .
وكذلك سَتُسبى نِساؤُهُ ، فَكَيفَ سَيَستَطِيعُ الإِمامُ الحُسينُ ( عليه السلام ) بِهذا إِحياءَ الرسالةِ المُحمّدِيةِ ؟!
نَعَم إِنَّ وَضعَ المُجتَمعِ الإِِسلامي فِي مِثلِ هذِهِ الظُروفِ كانَ يَتَطَلَّبُ القيامَ بِعَمَلٍ استِشهادِيٍّ فَاجِعٍ ، يُلهَبُ الروحَ الجِهادِيَّةَ فِي هذا المجتَمَعِ ، وَيَتَضَمَّنُ أَسمى مَراتبِ التضحِيَةِ فِي سَبيلِ هذا المبدأ .
وذلك كَي يَكونُ مَناراً لِجَمِيعِ الثائِرينَ حِينَ تَلُوحُ لَهُم وَعورَةُ الطَريقِ ، وتَضَمَحِلّ أَمامَهُم احتِمالاتُ الفَوزِ .لِذلِكَ شَيَّعَ الإِمامُ الحسينُ ( عليه السلام ) خُرُوجَهُ إلى مَعركَةِ الطَفِ بِكَلِماتِهِ الخالِدةِ : ( لَم أخرج أشِراً ولا بَطِراً ، وَلا مُفسِداً ولا ظالِماً ، وإنّما خَرَجتُ لطلبِ الإصلاحِ فِي أمَّةِ جَدّي رسولِ اللهِ ( صلى الله عليه وآله ) ) .
وفي يوم 10 محرّم وكان الحرّ شديداً ، وعظ سيدنا الحسين ( عليه السلام ) الناس وحذّرهم من عاقبة عملهم :أيها الناس انسبوني من أنا ، ثم ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها وانظروا هل يحلّ لكم قتلي وانتهاك حرمتي . . ألست أنا ابن بنت نبيكم وابن وصيه وابن عمه وأول المؤمنين بالله والمصدق لرسوله .
أو ليس حمزة سيد الشهداء عم أبي ؟!
أو ليس جعفر الطيّار عمّي ؟ !
أو لم يبلغكم قول رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لي ولأخي : هذان سيدا شباب أهل الجنّة ؟!.
كان أهل الكوفة يعرفون جيداً ، ولكن الشيطان قد غرّهم ، ففضّلوا حياة الذلّ مع " يزيد " و" ابن زياد " وتركوا الحسين ( عليه السلام ) وحيداً .
قالوا لسيدنا الحسين ( عليه السلام ) :
بايع يزيد كما بايعناه نحن .
أجاب الحسين ( عليه السلام ) : لا والله لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل ولا أفرُّ فرار العبيد .
أصدر " عمر بن سعد " قائد جيش " يزيد " أمره بالهجوم على معسكر الحسين (عليه السلام )
وحدثت معركة ضارية سقط فيها خمسون شهيداً ، وبقي مع الإمام عدد قليل من أصحابه و أهل بيته ، فكانوا يتقدمون إلى الموت الواحد تلو الآخر بشجاعة وبسالة دون أي إحساس بالخوف ، وكانوا يعتقدون انهم سوف يستشهدون في سبيل الله ويذهبون إلى الجنّة .
وَفِي ساحَةِ المعرَكَةِ سَقَطَ شَهِيداً أَخُوه أَبو الفضلِ العبّاسُ ( عليه السلام ) وَهُوَ مَقطوعُ الكَفَينِ عَلى شاطِىءِ الفُراتِ ، فِي مُحاولةٍ مِنهُ لِجَلبِ الماءِ إِلى النِساءِ والأََطفالِ .
واستُشهِدَ ابنُهُ عليٌّ الأَكبرَ ( عليه السلام ) ، والقاسمُ بنُ الحَسَنِ ( عليهما السلام ) ، وأَصحابُهُ الذينَ آثَروا البَقاءَ مَعَهُ
استِشهد وَلَدِهِ عَبدِ اللهِ الرضيع ( عليه السلام ) ، الذي لَم يَتَجاوَزَ عُمرُهُ بِضعَةَ شُهورٍ .فكانَ قَد جَفَّ اللبَنُ فِي صَدرِ أمِّهِ الرَباب ، فَحَمَلَهُ الإِِمامُ الحُسَينُ ( عليه السلام ) بَينَ يَدَيهِ ، وَوَقَفَ بِهِ أَمامَ الأََعداءِ مُخاطِباً إِياهُم : ( أَنتُم تُقاتِلُونِي وأُقاتِلُكُم ، فَما ذَنبُ هذا الطفلِ الرَضِيعِ يُعانِي مِن شِدَةِ الظَمَأَ ؟ خُذُوهُ أَنتُم مِنّي ، واسقُوهُ جُرعَةَ ماءٍ ) .
فَأَجابُوهُ بِسَهمٍ أَطلَقَهُ مُجرِمٌ مِنهُم - يُدعى حَرمَلَةَ بنَ كاهلٍ - نَحوَ عُنُقِ الرَضِيعِ ، فَذَبَحَهُ مِنَ الوَريدِ إِلى الوَرِيدِ .
استشهد جميع أصحابه وأهل بيته وبقي سيدنا الحسين وحيداً ، فودّع عياله وأمرهم بالصبر والتحمل في سبيل الله ، ثم ركب جواده وتقدم يقاتل آلاف الجنود لوحده ..
إِلاّ أَنَّهُ شَهَرَ سَيفَهُ وَنَزَلَ لِمواجَهَةِ الأََعداءِ ، وَحَمَلَ عَليهم حَملاتٍ مَشهودةً ، فَما لَبِثَ أن رَماهُ أَحدُهُم بِحَجَرٍ عَلى جَبهَتِهِ ، فَجَعَلَ الدَمَ يَسِيلُ عَلى عَينَيهِ وَوَجهِهِ .
وبَينما هُوَ يُحاوِلُ مَسحَ الدمَ رَماهُ آخَرُ بسَهمٍ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ ، فَخَرَقَ السَهمُ قلبَ الإِمامِ الحُسينِ ( عليه السلام ) ، وَجَعَلَ الدَمَ يَتَدَفَّقَ بِغَزارَةٍ .
وَعِندَها راحَ الإمامُ يُلَطِّخُ وَجهَهُ ولِحيَتَهُ بالدِماءِ الطاهِرَةِ قائِلاً : ( هوَّنَ عليَّ مَا نَزَلَ بِي إنَّه بِعينِ اللهِ ، هَكَذا أكونُ حَتَّى أَلقى جَدّي رَسولَ الله ( صلى الله عليه وآله ) وأنَا مُخَضَّبٌ بِدَمِي ، فَأَقولُ لَهُ : قَتَلَنِي فلانُ وفلانُ ) .
يجثم فوقَه اللعين شِمرٌ بنُ ذِي الجوشن ، وهو يحِزّ رأسَه الشرِيف بالسيف ومِن حوله آخرون ومنهُم من يسلبه عمامتَه ، ومنهم من يسلبه سيفه ، ومنهم من يسلبه ثَوبه ، ومنهم يحاوِل سلب خاتمه فلم يستطع انتزاعة فيقطع اصبع الامام ليحصل على ذلك الخاتم ( عليه السلام ) .
.لم يكتف " ابن زياد " بقتل سيدنا الحسين بل أمر بعض الفرسان الذين باعوا ضمائرهم بأن يدوسوا على صدره ، فانبرت عشرة خيول وراحت تمزّق صدر الحسين بحوافرها .
بعدها أمر " ابن سعد " بإضرام النار في خيام الحسين بعد أن نهبوها ..
فَيُشاهِدَ العالِمُ نِساءَ الإِمامِ الحُسينِ ( عليه السلام ) وأَطفالَهُ ، وَهُم يُقادُونَ أُسارى إلى مَجلِسِ يَزيدَ بنِ مُعاوِيَةَ ، وَمِن حَولِهِم الرؤوسُ مَرفُوعةٌ على الرِماحِ ، رَأسُ الإِِمامِ الحُسينِ ( عليه السلام ) ورُؤوسُ أَهل بَيتِهِ وَأَصحابِهِ ( عليهم السلام ) ، الذِينَ أَضاءَت أَنوارُهُم دُروبَ الإِنسانيةِ ، وأَحيَت مَعانِيَ التَضحِيةِ وَالفِداءِ مِن أَجلِ نُصرَةِ الحَقِّ وَالدينِ .
لَقَد استُشهِدَ الإِمامُ الحُسينُ ( عليه السلام ) مِن أَجلِ إِحياءِ الرِسالَةِ المحمَّدِيةِ ، وَبِهذِهِ الفاجِعَةِ التِي سَتَهِزُّ ضَمِيرَ المجتَمعِ الإِِسلامي ، وَتُشَكّلُ انفِعالاً عَمِيقاً يَغمُرُ النَفسَ فَيَدفَعَها إلى الثَورَةِ مِن أَجلِ كَرامَتِها .ويَبعَثُ فِي الروحِ الهامدةِ جُذوَةً جَدِيدةً لا يَخمِدُ أَوارُها عَلى مَرِّ الأََعوامِ والقُرونِ .
التعليقات (0)