في الليلة الثامنة و العشرين من شهر رمضان المبارك ، اعتلى سماحة الدكتور عبدالله الديهي منبر حسينية الحاج احمد بن خميس ، حيث ابتدأ خطابته الحسينية بالآيات الكريمة من سورة التوبة : " خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " ، أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ " . و قسم موضوعه الى أربعة أقسام ، الأمر الاول ، الآيه فيها معطوف ومعطوف عليه وعادة فاللغة العربية لابد ان تكون علاقة بين المعطوف والمعطوف عليه .. ما هي العلاقه بين التوبة - وهي أمر معنوي - وبين الصدقات - وهي أمر مادي - ، هل هناك تناغم و ارتباط بين هذين الأمرين ؟ الأمر الثاني ، القرآن الكريم يحرص على ان يربطنا حتى في الامور المعنوية بالأمور الحسيّة ، التوبة شيء معنوي ، " ياخذ الصدقات " ، وهو أمر حسي ، لماذا يركز القرآن على الجانب الحسي مع العلم ان الغرض هو المعنوي ، الأمر الثالث ، أن مسالة الصدقات قبل ان تكون مسأله مادية فهي مساله اجتماعية والمراد منها تأليف القلوب ، من طبيعة الحياة أن تكون طبقات وهو امر لا مفر منه لان الإنسان يختلف بعقله ، بحنكته و بقدرته ، ولكن الإسلام أراد أن يقارب بين الطبقات ، الأمر الرابع ، أن مسألة التضامن والتكافل الاجتماعي من خلال الزكاة والخمس والصدقه ليست فقط جانب اجتماعي ونفسي ، بل فيها حفظ للثروة العامة وصيانتها و كيف لنا ان نصور هذا المعنى في مسألة الصدقات ؟
الأمر الأول ، القرآن الكريم جاء بمعطوف ومعطوف عليه ، المعطوف الصدقات ، المعطوف عليه التوبة ، ما هو الرابط بينهما ؟ التوبة مكفرة للذنوب والصدقات مكفرة للذنوب ، هذا المعنى موجود في كثير من مواطن الشرع الإسلامي ، أحدها ، تحسين الوضوء وليس المقصود هنا الوسواس ، لا يمكن ان تدخل الصلاة الا بوضوء وله فوائد تحسينة ، أحد الفوائد يخفف أو يزيل عذاب القبر، و غفران لما بين الوضوءات . العمل بالنوافل ( إن للقلوب اقبالا وادبارا فاذا اقبلت فعليك بالنوافل واذا ادبرت فعليك بالفرائض ) ، العلاقه بين التوبة والصدقات ، التوبة هي أن يندم الإنسان على ما فعل وينوي انه يستمر في العمل الصالح ولها آثار ، أنها تمحي خطاياك السابقة ، و الصدقات هي بنفسها توبة ، و تستنزل الرحمة من الله ، و الله عز وجل يطهر بها القلب ويزكي بها النفس .
الأمر الثاني ، هناك رابط حسي ، القرآن دائما يربطنا بالحس ، لماذا ؟ أولا ؛ لأننا مخلوقون من مادة ، فهاذا هو أصلنا ، و نحن نميل للحسيات ، حتى في مسألة تمني الجنة ، نبتغي المادة باعتبارنا حسيين ، ولذلك القرآن يركز على الجانب الحسي ، و يشجعنا لعمل الخير ، و من هذه الأمثلة من القرآن الكريم ، من سورة الأنفال " وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " ، وهنا ربط القرآن بين الجانبين لأن الله هو المسدد ، و أيضا في قضية البيعة من سورة الفتح " إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا " ما المقصود بيد الله ؟ هي الواسطه للوصول الى الجانب المعنوي ، وهذا الأمر يرتبط أيضا بالصدقات ، فالأموال إما تكون لله ، أو ان الله يخصص لها ملائكة لكي تصرفها .
الأمر الثالث ، أن فيها معنى اجتماعي وهذا ما تواردت عليه القرآن والسنة ، من سورة الذاريات ،" وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ " والحديث القدسي عن الله عز وجل " الفقراء عيالي والأغنياء وكلائي فإذا بخل وكلائي على عيالي أخذت مالي ولا أبالي " وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : " إن الله عز وجل فرض على أغنياء الناس ما يسع فقراءهم فان جاع الفقير او اجهد او عري فإن الله محاسبهم على ذلك يوم القيامة ومعذبهم عذابا عظيما " ، وعن أمير المؤمنين عليه السلام ، " ما رأيت نعمة موفورة إلا والى جانبها حق مضيّع " فهذه حالة إجتماعية ، المجتمع الذي لا يكون متكافلا تتكون فيه طبقتان ، طبقة مدخومة ، وطبقة محرومة ، طبقة مسحوقة ، الطبقة المسحوقة ، عندها مشاكل ، تريد أن تتلذذ فاذا لم تجد لا دولة و لا مؤسسة تقف بجانبها فانه ينزرع في قلبها الظعن والحقد وكل ما تراكم ذلك ، تراكم العنف ، فالعنف صنعته المؤسسات و أحيانًا الدولة تكون هي من تصنعه .
التعليقات (0)