تحدث الشيخ عبدالله الديهي حول الآية المباركة (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ. مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ. إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) وعن خمسة أمور أولا ما هو العهد الخاص والعام الذي أخذه الله على البشر وثانيا لم جعل الله غاية خلق الجن والإنس العبادة ؟ وثالثا ما هي دواعي العبادة أما رابعا فإذا كانت العبادة محصورة بالله فلم سجد الملائكة لآدم عليه السلام ؟ وخامسا إشكال قديم حديث يقولون فيه لم السجود على تربة الحسين ، أليس السجود عليها عبادة لها ؟
أما الأمر الأول فإن الله أخذ على البشر عهد خاص على الأنبياء إذا أدركوا النبي الخاتم أن يؤمنوا به وأن ينصروه إن احتاج ، ولعل هذا يشير لقضية الرجعة والدليل على هذا من القرآن (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ ) والسؤال هنا ما معنى مصدق لما معكم ، وهنا رأيان الأول مصدق لما جاء به الأنبياء السابقون من نبوة أو كتاب أو أحكام ، والرأي الآخر للخميني يقول أن الله جعل محمد في عالم الذر يمضي على نبوة الأنبياء ، أما العهد العام فإن الله أخذ عهدا من الناس من عالم الذر (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى) ولذلك نجد أن النبي يقول أن الإنسان يولد على الفطرة وهي الإسلام وأبواه إما يهودانه أو ينصرانه ، والإمام الصادق عليه السلام يقول أن فاطمة عليها السلام ولدت على الفطرة ، فما الفارق بيننا وبينها ؟ هي ولدت على العصمة ونحن ولدنا على الإسلام ، وبذلك يبين أن الخلق كلهم مسلمون فطرة (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ) ، وقد تجادل البعض في ديانة إبراهيم حتى نزلت الآية (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) وأول من اعترف بربوبية الله وإلهيته هو رسول الله في عالم الذر أما من ناحية ظاهرية فإن آدم هو أول ناطق بعهد الربوبية (وَلَقَدْ عَهدْنَا إلَى آدَم منْ قَبْل فَنَسيَ) وهناك ثلاثة احتمالات للعهد، الأول أن المراد هو عدم الاقتراب من الشجرة ، أما الثاني فيقول أن العهد هي مكائد الشيطان وحيله (يَا آدَمُ إِنَّ هَٰذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ) وهنا لفتة جميلة حيث أن آدم هو من يشقى حين خروجه لأنه الرجل وعليه النفقة، والثالث المراد منه العهد العام أنه هو الرب والمعبود وعليه رزقهم ، وهذا ما قاله النبي في خطبة الوداع (إن أخي جبرئيل نفث في روعي أنه لا تموت نفس حتى تستكمل رزقها).
أما الأمر الثاني فأجاب الشيخ على السؤال الذي يقول لم حصر الله غاية الخلق في العبادة ؟ وقال الشيخ أن الإنسان مكون من عقل وبدن وروح ولكل غذاء فالعقل غذاءه العلم ، ولكن هل العلم لوحده يوجب التكامل في الفكر والسلوك ، كلا لأن العلم غير ناقص لكن القتل والظلم في المشرق والمغرب ، فنحتاج لتغذية الروح بالعبادة ، ولذلك نلاحظ أن العبادة تركز على السلوك (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ) والسلوك يتحول لمعروف وحق فيمثل الله على الأرض لأنه خليفته ، حتى قال الرسول لأبي ذر: إن استطعت أن تجعل طعامك قربة لله فافعل ، وأما البدن فغذاءه الطعام وهنا صنف الشيخ الناس لثلاثة أصناف أحدها يعيش ليأكل كالبهيمة ، وقسم يعيش ليأكل والأخير يأكل ليقوى على عبادة الله وهذا ما يريده الإسلام. ولذلك ترى العرفاء دائما مع الله في كل أفعالهم. وأضاف العابد لله حر وغيره عبد ، من يعبد الله يحصل على حرية وكرامة وعزة ، فهو يكون عبدا لله أمام شهواته لأن الشهوات تذل قال أمير المؤمنين (إن عبد الشهودة أذل من عبد الرق)، العبد إذا وقف أمام السلطان الجائر فهو يكون عبدا عزيز ورفيع الرأس ويمارس أفضل الجهاد فإن أفضل الجهاد كلمة حق أمام سلطان جائر ، والعبد أمام المصائب والمشاكل يكون من عباد الله الصابرون المحتسبون تنزل عليهم المصيبة فيقولون إنا لله وإنا إليه راجعون وأمام المسؤولية هؤلاء هم عباد الله الأمناء لذلك فإن العبادة تكامل عقلي وعلمي وروحي وسلوكي وتكامل للحريات وللعزة وللكرامة ولا تجدها إلا عند الله.
بخصوص دواعي العبادة فهي ثلاثة إما خوف أو طمع أو تعظيم وشكر ، وفي الأول قال الشيخ أن الله بيده ملكوت كل شيء والأمن والأمان (إن خاف الله أخاف الله منه كل شيء وإن لم يخف من الله خاف من كل شيء) ، أما في الطمع فطرح الديهي تساؤلا استنكاريا وهل تجد ما يلبي حاجاتك غير الله (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ) وفي المقابل (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى) وكفاية أن في الجنة ما لا تجده عند غير الله ، أما العبادة لتعظيم الله وشكره على نعمه كالعقل والوجود والبيان والسمع والبصر واليدين ، فهي ما يستحقه الله من عباده شكرا وتعظيما ، يقول أمير المؤمنين: أن قوما عبدوا رغبة فتلك عبادة التجار وأن قوما عبدوا رهبة فتلك عبادة العبيد وأن قوما عبدوا شكرا فتلك عبادة الأحرار ويقول أمير المؤمنين إني ما عبدتك خوفا من نارك ولا طمعا في جنتك ولكني عبدتك لأنك أهلا لذلك وابتغاء رضوانك ورحمتك ومغفرتك.
أما سجود الملائكة لآدم فإن السجود ذاك ليس بمعنى الخضوع وكذلك خضوع الابن لوالديه (واخفض لهما جناح الذل من الرحمة) ، وخضوع الطالب لمعلمه (من علمني حرفا صرت له عبدا) وخضوع المؤمن لأخيه ليس عبادة فهناك سجودان عبادة وتعظيم ولذلك يقولون أن سجود الملائكة سجود تعظيم لأن العادة في الأزمان السابقة أن هناك سجودا للسلاطين (إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ ) (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا) وإنما سجد الملائكة لآدم لأنه خليفة الله في الأرض وقول آخر أنه سيخرج من صلب آدم النبي محمد فتعظيم له سجدوا وهو سجود لله في النهاية لأنه أمر فهذا امتثال لأمر الله (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ )، والله نهى عن السجود لغيره لكنه أمر هنا فهنا امتثال لأمر الله.
أما إشكال السلف فإنهم يعترضون من زمن بعيد للسجود على التربة ويقولون أننا نعبدها ، ونحن نسجد عليها لا لها ولو كان السجود على شيء عبادة لها فهم يسجدون على الفرش فهل يسجدون له ، ومن الصحابة من سجد على الحصباء والحصير فإنه يجوز السجود على الأرض أو ما أنبتت غير ملبوس ولا مأكول ، ونحن نمتثل لحديث الرسول (جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا) وهو التراب وأخيرا نحن نكرمها لأن الرسول أكرمها وشمها وقبلها ونحن نقتدي به.
التعليقات (0)