اعتلى الشيخ عبدالله الديهي منبر حسينية الحاج أحمد بن خميس ليلة استشهاد أمير المؤمنين عليه السلام ، فافتتح موضوعه بقول الله عز وجل (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) ، وقولين للإمام علي عليه السلام وهما «ليس أمري وأمركم واحداً، إنَّني أريدكم للّه وأنتم تريدونني لأنفسكم» و «قَدْ يَرَى الْحُوَّلُ الْقُلَّبُ وَجْهَ الْحِيلَةِ وَدُونَهَا مَانِعٌ مِنْ أَمْرِ اللهِ وَنَهْيِهِ، فَيَدَعُهَا رَأْيَ عَيْن بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا، وَيَنْتَهِزُ فُرْصَتَهَا مَنْ لاَ حَرِيجَةَ لَهُ فِي الدِّينِ» ، بعد ذلك قال أننا تارة ندرس علي عليه السلام على أنه معصوم ولذلك بعض العلماء قالوا أن كل ما يصدر عن المعصوم فهو وجه الحكمة ، وتارة أخرى ندرس الإمام من باب الظروف الموضوعية المحيطة به ، ثم طرح الشيخ الديهي خمسة إشكالات وجهت لحكومة علي عليه السلام وردوداً على كلٍ منها.
الإشكال الأول: الإمام علي عليه السلام لم يمارس الحكومة كحاكم وإنما كواعظ ومرشد مع أنه كان يمتلك أدوات السلطة كالمال والجيش والشرطة لكنه لم يتعامل مع من يخالف أمره البطش ولا المال ولا القوة العسكرية لمخالفيه الذين لم يحملوا السلاح.
الرد: أجاب الشيخ الديهي على ذاك الإشكال بأنه قال أن من طرح ذاك الإشكال قاس علي عليه السلام مع بقية الناس وهو مختلف عن بقية الناس حتى قال أحمد بن حنبل فيه علي نفس رسول الله كما قال القرآن (وأنفسنا وأنفسكم) ولم يخرج الرسول (ص) إلا علياً ومن هنا وقع الإشتباه ، بل وحتى أرسطو الذي هو من العلماء الفرنسيين الذي لم يعاصر علي عليه السلام قال أن «علي مثّل تمام الإنسان في كل مواقفه». وأضاف الديهي أن من طرح الإشكال كان يريد من علي عليه السلام أن يقوم بأمور استباقية ويحاسب الناس على نواياهم وهذا ليس من العدل. وأنهى الديهي الرد على هذا الإشكال بقوله أنه لو لم يكن علي عليه السلام يتصرف كالحكام لما خاض الحروب التي خاضها ، ولفت الشيخ أيضاً أن علي عليه السلام لم يكن كما يتصور البعض أنه سافك للدماء وسيفه يقطر منها ، بل إنه كان يتخذ الحرب والقتال كعلاج أخير.
الإشكال الثاني: علي عليه السلام لم يكن كسابقيه الذين أجبروا الذين تخلفوا عن البيعة للبيعة ، فلِم لَم يستعمل نفس الأسلوب ؟
الرد: قال فيه الدكتور عبدالله أن علياً يرى أن الإجبار مناقض للعدالة والفطرة والعقل والقانون والشرعة ، فالرسول (ص) يقول "لا بيعة لمستكره" ، وهو لم يستعمل ذاك الأسلوب لأنه لا يرى أن للأكثرية حق في الضغط على الأقلية إلا في حالة أن الأقلية منعت الأكثرية من تطبيق الحكم ، وهناك حالتان معارضة سلمية وهي مشروعة ومعارضة عسكرية إن حملوا السلاح ، وعليٌ عليه السلام كان ليواجه من حمل السلاح وليس من عارض بشكل سلمي.
الإشكال الثالث: طلحة والزبير عرف الإمام علي عليه السلام أنهما خرجا للثورة كما قال عليه السلام: "ما أردتما العمرة وإنما أردتما الغدرة" فلِم لَم يمنعهما من السفر أو يوقفهما أو يسجنهما؟
الرد: أجاب الديهي بأنه لو منعهما من السفر لمكة والمدينة لثار عليه المسلمين أولاً ، ولانطبقت عليه الآية المباركة ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا ) ثانياً ، ولو سجنهما بدون وجود مبرر لقال الناس أن علياً ظالم ، وأيضاً لا يجوز القصاص إلا بعد الجناية ثالثاً ، ولو منعهما علي عليه السلام من السفر أو أوقفهما أو سجنهما لكانت حجة إضافية لعائشة في ثورتها الباطلة رابعاً ، أما خامساً فإن قضية ثورة عائشة لم تحتج لطلحة والزبير فهما أدوات والرأس الحقيقة للثورة هي عائشة فهي المخططة التي تملك المال والرجال ، ولذلك كان موقف علي عليه السلام موافقاً للحكمة.
الإشكال الرابع: علي عليه السلام ، لما رفعت المصاحف وجاء أمر التحكيم و هو القائد العام لِم رضخ لرأي الأكثرية ، لِم لَم يواصل القتال وبعدها يشرح لجيشه الموقف ؟
الرد: كيف يواصل علي عليه السلام القتال وأكثرية الجيش ضده ، فهناك الخوارج وألوف من غيرهم ضد الإمام ويعتبرون مواصلة القتال إثم وحاول إقناعهم ولم يقتنعوا ، حتى قال عليه السلام "كنت أميرا للمؤمنين والآن مأمور وكنت ناهياً والآن منهي" ، وأيضاً علي عليه السلام لم يكن معه إلا مالك الأشتر وفرقته فقط فكيف يضحي بتلك الصفوة الصافية من أصحابه ، وأضاف أنه لو استمر في القتال لكان القتال حرب داخلية بين جيش علي وبعضهم البعض ، ودلل الشيخ الديهي على ذلك بأنه قد وقع بين الأشتر وبقية الجيش اصطدام والأشتر قابلهم فضربوا وجه دابته بالسوط وكادت المعركة أن تقع لولا رفع علي عليه السلام الشجار ، ولو تقاتل جيش علي عليه السلام فيما بينه لورثوا العداء لأبنائهم وأخيراً ليس ببعيد تسليم علي عليه السلام لمعاوية عليه اللعنة أو يغتالوه في موقع القتال ، وهذا سيفرق الجيش وبالتالي ستحصل كارثة على الأمة الإسلامية.
الإشكال الخامس: لماذا علي عليه السلام اصطحب الأشعث وبعد ذلك ثبت تآمره ونفاقه فلِم لَم يعاقبه علي عليه السلام ، ومن هنا سنصل إلى أنه اشترك في اغتيال الإمام علي عليه السلام.
الرد: أجاب الشيخ عبدالله بأن علياً كان يحكم ببشريته دون استخدام عالم الغيب ، وحتى الرسول يقول القرآن له (لا تعلمهم نحن نعلمهم) ، فهل يمكن أن نعتبر الرسول (ص) سطحي ، كثير ممن كانوا مع الرسول (ص) من المنافقين لم يعاقبهم الرسول (ص) ، إما لأنه لا يوجد بينة على نفاقهم أو يرجو حسن إسلامهم أو يكون شقاق إن عاقبهم لأنهم أصحاب قبائل ، وكذلك كان الأشعث فكان زعيم كندة وهي قبيلة كبيرة وأهل الكوفة يمانيون والأشعث من اليمن ، فلو عوقب لثارت كندة والكوفيون ، فهو كان يريد تحمل الضرر الأقل.
وفي النهاية طرح الشيخ بعض الشواهد التاريخية التي تؤكد أن الأشعث كان من ضمن المخططين لاغتيال أمير المؤمنين عليه السلام ، اللهم العن قتلة أمير المؤمنين.
التعليقات (0)