في ليلة التاسع عشر من شهر رمضان المبارك التي تصادف أول ليالي مصيبة أول مظلوم من أهل البيت ، أمير المؤمنين عليه السلام افتتح الشيخ عبدالله الديهي حديثه بالآية المباركة (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ۚ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) ، وأيضا ذكر قول علي عليه السلام في وصف بيعة المسلمين له بالخلافة إذ قال أمير المؤمنين عليه المسلمين "وبسطتم يدي فكففتها، ومددتموها فقبضتها، ثم تداككتم علي، تداك الإبل الهيم على حياضها يوم ورودها حتى انقطعت النعل وسقطت الرداء ووطئ الضعيف وبلغ من سرور الناس ببيعتهم إياي أن ابتهج بها الصغير وهدج إليها الكبير، وتحامل نحوها العليل، وحسرت إليها الكعاب".
فنظر الشيخ أولا قبل بداية موضوعه في تلك الكلمات لأمير المؤمنين حيث يصف عليه السلام كيف جاء الناس للبيعة وهم يتداككون أي يزدحمون كما تزدحم الإبل الهيم أي العطاشى ، ومن أثر ذاك التزاحم انقطعت النعل وسقط الرداء وديس على الضعيف ، وابتهج حتى الصغير ما يدل على أنه كان يشعر بالإجحاف قبل حكومة علي عليه السلام ، والكبير هدج أي مشى بارتعاش وضعف وهو ما يدل على شدة رغبتهم لبيعة علي عليه السلام ، بل وحتى المريض غادر فراشه والجاريات ذهبن حاسرات للمبايعة.
وبعد تلك النظرة الخاطفة للخطبة اتجه الشيخ الديهي لمقدمة قال فيها أنه عندما ندرس علي عليه السلام فتارة ندرسه كمعارض حيث أنه حمل لواء المعارضة لربع قرن وأشار في كلام له عليه السلام لمعاوية حين قبض الرسول: "لعمري لو أن الناس حين قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سلموا لنا واتبعونا وقلدونا أمورهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم" ، وتارة أخرى ندرس علي عليه السلام وهو في منصب الحاكم ، وأضاف الشيخ الديهي أن علي عليه السلام خلال الفترتين لم يتخل عن مبادئه فكان مع الحق في كل زمان ، ولم يكن يهم علي عليه السلام من المعارضة والحكم إلا رفعة الإسلام والمسلمين فلا يهم الملك بذاته فهو وسيلة ، والدليل أنه دخل عليه أبن عباس وهو في منطقة ذي قار رآه يصلح نعله الإمام التفت الإمام إلى أبن عباس قال له: ( يا أبن عباس ما قيمة هذه النعل؟! قال: درهمان، قال: أنها خير لي من أمرتكم لولا أن أقيم حق أو أدفع باطلا) ، وأيضا لم يزح علي عليه السلام مرضاة الله من أمامه وكان اندفاعه حين المعارضة حين الحكم من حب الله، حتى أشاد به ابن حنبل فقال "إن عليّاً لم تزنه الخلافة ولكنه زانها".
وتطرق بعد تلك المقدمة الدكتور الديهي لأربع نقاط هي صلب الموضوع ، فكانت النقطة الأولى تبحث في مشروعية حكم علي عليه السلام هل كانت شرعية إلهية نابعة من الله ورسوله وهو ما يقول به أصحاب مدرسة أهل البيت وتعتمد على النص والتعيين ، ولها من الآيات أدلة كثيرة منها (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً) و (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ۖ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) و (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) وحديث الثقلين وحديث الغدير. أم كانت كانت مشروعيته من رؤيا الشورى ، أم من خلال رؤيا الشعب مصدر السلطات وهو ما يسمى بالديموقراطية.
أما ثاني النقاط التي تحدث عنها ففي موقف النبي في تحديد شكل الحكم من عدمه ، وفضل الشيخ الديهي أن يجيب على ذاك من خلال بحث للشهيد الصدر اختصره في نقاط معدودة ، فقال نقلا عن الشهيد أن النبي كان له من مستقبل الحكم ثلاثة احتمالات ، إما ترك الأمة لظروفها وهذا غير معقول ولا منطقي ، أو يلجئ الأمة للشورى وهذا منفي منطقيا لأن أبو بكر وصى حين وافته المنية بأن يكون عمر بعده ، فلو كان الأمر شورى لتم الاتجاه للشورى ، لكن نرى أبو بكر وصى ، فهل أبو بكر أخوف على الإسلام من النبي محمد (ص) ؟!!! أما الاحتمال الأخير وهو الأصح أنه تم تعيين الإمام من قبل الله عز وجل وهو ما ثبت عند الشيعة الإمامية بأكثر من ألفين دليل من ضمنها ما سبق ذكره.
وللإيجاز فإن النقطة الثالثة فهي عبارة عن تساؤل يقول لم تعتبر حكومة علي عليه السلام في قمة المشروعية والجواب أنها كانت في القمة المشروعية لأنها جمعت الشرعية من الله عز وجل ومن الشعب والدليل على إجماع الشعب خطبة علي عليه السلام المختصرة في بداية الحديث ، والنقطة الرابعة ذكر الشيخ الديهي فيها تدعيما تاريخيا على أن علي عليه السلام بايعه غالبية الشعب فقال أن أعيانا من المهاجرين والأنصار اقترحوا أن يكون علي عليه السلام هو الحاكم ، وعلى رأسهم عمار بن ياسر وأبو أيوب الأنصاري وجمع كبير حضروا المسجد واقترحوا الاقتراح على الناس فاستحسن الناس المالئون للمسجد بأن يكون علي عليه السلام هو الحاكم فتوجهوا لداره لكنه توقف لصعوبة الأمر حيث أنه بعد خمسة وعشرين سنة من وقوع الخلافة في يد من لا يستأهلها فأفسدوا الوضع وكان الإصلاح صعب.
وأنهى الشيخ الحديث من خلال نقله لهذا الكلام عن علي عليه السلام ، َأيْنَ إِخْوَانِي الَّذِينَ رَكِبُوا الطَّريقَ، وَمَضَوْا عَلَى الْحَقِّ؟ أَيْنَ عَمَّارٌ؟ وَأَيْنَ ابْنُ التَّيِّهَانِ؟ وَأَيْنَ ذُوالشَّهَادَتَيْنِ؟ وَأَيْنَ نُظَرَاؤُهُمْ مِنْ إِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ تَعَاقَدُوا عَلَى الْمَنِيَّةِ، وَأُبْرِدَ بِرُؤوسِهِمْ إِلَى الْفَجَرَةِ؟ قال: ثمّ ضرب (عليه السلام) بيده إلى لحيته، فأطال البكاء، ثمّ قال: أَوْهِ عَلَى إِخْوَانِي الَّذِينَ تَلَوُا الْقُرْآنَ فَأَحْكَمُوهُ، وَتَدَبَّرُوا الْفَرْضَ فَأَقَامُوهُ، أَحْيَوُا السُّنَّةَ، وَأمَاتُوا الْبِدْعَةَ، دُعُوا لِلْجِهَادِ فَأَجَابُوا، وَوَثِقُوا بِالْقَائِدِ فَاتَّبَعُوا. ثمّ نادى بأعلى صوته: الْجِهَادَ الْجِهَادَ عِبَادَ اللهِ! أَلاَ وَإِنِّي مُعَسْكِرٌ فِي يَوْمي هذَا، فَمَنْ أَرَادَ الرَّوَاحَ إِلَى اللهِ فَلْيَخْرُجْ. لكن عزمه ذاك تبعه بأسبوع فقط ضربة المحراب من اللعين ابن ملجم.
التعليقات (0)