سأحاول في الأسطر القادمة أن ألخص للقارئ ما جاء في كتاب "المعالم الملكوتية" حول تاريخ مسجد المقبرة، والذي يحتاج منا إلى إيضاح أو تعليق أو تصحيح سنقوم بذلك، وهو في الحقيقة ملخص لتاريخ قرية السنابس، وللمقبرة تحديدا، وكيف بُنيت، وعلى يدي من، وفي أي فترة، ولأية غاية.. ومن خلال تلك الأسطر سيدرك القارئ بلا شك قيمة الكتاب، وأهمية هذا العمل الفذ.
"انتشرت في البحرين بعض الأوبئة الفتّاكة، التي كانت تحصد المئات من الأرواح، كمرض الجدري الحاد الذي أودى بحياة الكثيرين، ومن ضمنهم أهالي قرية السنابس، حيث كثرت حصيلة الأموات عندهم، وجاء بعده السنة الشهيرة بـ "سنة الرحمة" عام 1337هـ الموافق 1919م، والذي انتشر فيها وباء مجهول فتّاك حصد أرواح الملايين من مختلف مناطق الخليج العربي والعراق. وكانت أموات أهالي البلدة سابقا تنقل لمقبرة مروزان التي كانت تكتظ بالأموات، ولمقبرة جدحفص وأبو عمبرة، فاقترح حينها الشيخ أحمد بن عبد الرضا آل حرز (1852-1918م) على رجل الإيمان ووجيه البلدة وكبيرها الحاج أحمد بن خميس رحمه الله- وكانت بين الاثنين علاقة وصداقة طيبة- أن يؤسس مقبرة في بلدته، لتتسع لموتاهم، نظرا لتزايد الأموات في تلك السنوات واحتياج الأهالي الماس للمقبرة، لكونوهم يدفنون موتاهم في أماكن بعيدة وشاقة مع قلة وسائل المواصلات مما يجعل ذلك حرجا عليهم، فامتثل الحاج أحمد بن خميس لقول الشيخ وأسّس المقبرة في الموقع الحالي، بعدما كانت أرضها خالية رحمانية، وقام في أول الأمر ببناء مغتسل في تلك الأرض، وعمل بجانبه عريش من سعف النخل للصلاة على الأموات تحت ظله" (ص69).
(1) المرض المجهول الذي يشير له الكتاب في الأسطر السابقة والذي جاء البحرين عام 1919م وانتشر فيها في تلك السنة هو وباء أنفلونزا سمي بوباء الأنفلونزا الأسباني، وقد دخل للبحرين في نهاية الحرب العظمى، أو التي تعرف بالعالمية، وقد سبّب 1500 حالة وفاة مذكورة في سجلات مستشفى الإرسالية والتي أثارت حالة استنفار بين جميع طواقم مستشفى الإرسالية.
(2) أما عبارة "سنة الرحمة" والتي شاعت وعرفت في كل مناطق الخليج التي اجتاحها المرض أو الأمراض الفتاكة فليس هي سنة 1919م كما يشير لذلك الكتاب، وإنما سنة الرحمة كانت في السنوات (1903-1904-1905-1907م)، ثم عاد للظهور سنة 1924م حيث اجتاح البحرين مرض الطاعون والكوليرا. ويذكر مجموعة من المؤرخين أن سنة الرحمة هي فترتان، وهما التاريخان اللذان ذكرناهما لظهور الطاعون ومعه الكوليرا. يذكر الدكتور خليل إبراهيم رجب في كتابه المهم " تاريخ الخدمات الصحية في البحرين" ص 61 الأسطر التالية:" المرحلة الثالثة (1902-1925) .. لقد كانت بداية هذه الفترة بالغة القسوة على البحرين وعلى الأطباء والمبشرين الذين جاؤوا للعمل بها، إذ بدأت بوباء طاعون دملي (Bubonic) بقي في الهند لمدة 7 سنوات سابقة قبيل انتقاله للبحرين في شهر مايو، وانتهى في أواخر يونيو من عام 1903م، وخلال هذين الشهرين فقط تشير سجلات مستشفى الإرسالية إلى حدوث 600 إصابة بالطاعون و301 حالة وفاة، وكأن هذا لم يكن كافيا إذ أصيبت البحرين في السنة التالية 1904م بوباء كوليرا بدأ هذه المرة في جنوب العراق ثم انتقل إلى إيران ومنها إلى موانئ الخليج وبالذات إلى البحرين في مدينتي المنامة والمحرق. وقد بدأ هذا الوباء في شهر أبريل واستمر إلى سبتمبر، ولسرعة انتشار الكوليرا في البحرين في تلك السنة أعلنت حالة استنفار بين العاملين في المستشفى وصار الكثير منهم يعمل ليلا ونهارا تحت ضغط شديد، إذ بلغ عدد المصابين 3000 حالة، مات منهم 2000 شخص، وأطلق الناس عليها اسم "سنة الرحمة"، ولم تلبث أن حدثت أوبئة مماثلة في موانئ الخليج للطاعون والكوليرا. بالمناسبة سنة الرحمة تعبير محلي شائع وعلى ما يبدو مستعملا في الإحساء أيضا وهو كناية إما عن الوباء الذي حدث في ذلك العام، أو للوباء الأخير في منتصف العشرينيات من القرن الماضي.
في عام 1905م رجع الطاعون للبحرين، بلغت فيه عدد الحالات بين المصابين الذين أدخلوا للمستشفى 400 حالة تصاحبها نسبة عالية من الوفيات. وفي عام 1907م بين شهر أبريل ويوليو حلَّ في البحرين وباء طاعون كارثي بلغ عدد المصابين فيه 3121 شخص، مات منهم حوالي 1889. ويُقال إن آخر وباء طاعون قد بدأ في دبي ثم انتقل إلى البحرين وكان تأثيره شديدا وتشير وثائق مستشفى الإرسالية أن 4000-5000 مواطن قد توفي بسبب الوباء". إذن سنة الرحمة هي مطلع 1903م وسنة 1924م عندما عاد المرض للبحرين من جديد.
نرجع مرة أخرى لبناء المقبرة ومسجدها حسب ما جاء في الكتاب.
بجانب المغتسل قام الحاج أحمد بن خميس رحمه الله بحفر بئر يستخرج ماؤها لغسل الأموات والاحتياجات الأخرى، وبجانب المغتسل حفرة يخرج ماء الغسل منها ويجري عبر منفذ ويصب في تلك الحفرة كما هو مستحب.
فابتدأ حينها الدفن فيها، وبعد إنشاء المقبرة لم يكن يوجد لها مسجد آنذاك غير المظلة، فقام الوجيه نفسه بن خميس بتحويل تلك المظلة إلى مسجد يهيئ للناس المكان المناسب لمراسيم تجهيز الأموات من الصلاة فيه، والجلوس ونحوها، فبناه على نفقته، وكان بناؤه عبارة عن غرفة صغيرة، أصغر من حجمه الحالي، حَجَرية البناء، لها فناء خارجي. ومرّت السنين والمقبرة على ذلك الحال، حتى قام الوجيه الحاج السيد عبد الله كاظم الفلّة ولأول مرّة بتسوير الجزء الشمالي والشرقي منها، والعمل بذلك خوفا من سرقة أجزاء أرضها، وأراد أن يتم العمل إلا أنه لم يحصل على الأيدي العاملة والداعمة لذلك.
وكان السيد الفلة هو الذي يتبرع بشكل مستمر للمقبرة بجلب كل ما تحتاجه من مواد بناء القبور، من الصخور البحرية (الفروش) والطابوق ونحوها، وكذلك يقوم بدفع فاتورة الكهرباء المستحقة على المسجد.
وقام السيد مع الأهالي بجمع التبرعات والعمل من أجل توسعة المقبرة جنوبا، لتغطي مساحتها كامل الأرض الرحمانية ( الأرض الرحمانية مصطلح بحراني يُقصد به الأرض الواسعة التي لم يملكها أحد وتُقال رحمانية باعتبارها لازالت طبيعية ملك للرحمن لم يغيرها شخص أو يملكها ملكا اعتباريا) الواسعة جنوبا قريبا للشارع العام لحاجة المقبرة إليها.
علي المحرقي
5/5/2013م
التعليقات (2)
سنابسي
تاريخ: 2013-05-25 - الوقت: 10:56 مساءًاحسنت استاد علي افتني كثير بهذه الكتابات اتمنى منك المواصلة
تاريخ تأسيس المقبرة
تاريخ: 2013-06-24 - الوقت: 05:49 صباحاًهذه تكمله تعد من اساس المقال ونتيجته لم يشر إليها الملا!! فعليه فإذا كانت سنة الرحمة التي انتشر فيها الوباء محصورة في هذه السنوات (1903-1904-1905-1907م)، وإذا كانت وفاة الشيخ أحمد بن عبد الرضا آل حرز الذي اقترح على الحاج أحمد بن خميس تأسيس مقبرة السنابس كانت في عام (1918م) النتيجة يمكن حصر سنة تأسيس المقبرة في السنوات الممتدة بين عام 1903م إلى عام 1918م وعليه يكون عمر مقبرة السنابس الآن حدود المائة عام وأول ضريح لعالم يدفن فيها ضمته هو سماحة الشيخ ابراهيم مولانا قدس سره الشريف