من خلال استقراء الوثائق القديمة ومجموعة من المخطوطات وكتب التراجم والتاريخ المفصل لجزيرة أوال يتضح لنا بأن منطقة مني (السنابس الشرقية) تعد هي الأقدم وربما الأصل في قرية السنابس الأم، أما وسط السنابس ففي الأصل أغلبه كان بحرا ً، والمنطقة المسكونة يُلاحظ من خلال مسميات الأسر بأنها جاءت من خارج السنابس وليست من أصل المنطقة، من مثل: ( الديري، السماهيجي، الساري، المحرقي، البصري، بربري، الحوري، الخابوري، المصلي، العماني.. الخ) . ويعزز هذا الرأي عدة أمور ذات أهمية، وذات اعتبار:
1. نلاحظ بأن أهل مني لا يدفنون موتاهم في مقبرة السنابس، وذلك مشيا على سيرة آبائهم، والذين يدفنون موتاهم في مقبرة أبو عنبرة، وهي مقبرة قديمة جدا، مما يدلل على أن هناك ارتباطا قديما بين مني وبين هذه المقبرة وبين أهل البلاد القديم . ومما يشير إلى أن في الزمن القديم كان هناك سكنة في هذه القرية الصغيرة ولكن لا توجد مقبرة، مما يضطرهم للدفن في أبو عنبرة، ولو كانت هناك مقبرة في السنابس لما لجئوا للبلاد القديم، أما المقبرة الموجودة الآن في السنابس فنرجح في أغلب الظن أنها جاءت فيما بعد مع استقرار كثير من الأسر في وسط السنابس، وأغلب هذه الأسر كما أشرنا جاءت من خارج السنابس ، وعلى إثر ذلك تحرك هؤلاء لإنشاء مقبرة لدفن موتاهم فيها.
2. يشير الباحث عبد الله آل سيف إلى هذه الحقيقة، بل يؤكدها في كتابه "المأتم في البحرين" ج2، حين يتعرض إلى الحديث عن المآتم في قرية السنابس، وذلك في قوله: " كانت قرية مني قرية مستقلة" (80) .
3. وجدت في كتاب الأستاذ سالم النويدري " أعلام الثقافة الإسلامية في البحرين" ج2/269 إشارة إلى فقيه كان معاصرا للشيخ يوسف البحراني صاحب الحدائق والشيخ يوسف البلادي والشيخ ياسين البلادي والسيد هاشم التوبلاني وغيرهم من أعلام القرن الثاني عشر الهجري، ونعني به الفقيه الشيخ يوسف بن علي المنوى، وفي التعريف به جاء نصا في كتاب النويدري ما يأتي :
" هو الشيخ يوسف بن الحاج علي بن فرج المنوى البلادي.
بلدته:
أصله من قرية (مني) إحدى القرى الصغيرة في البحرين وتقع شرقي قرية السنابس الشهيرة، وسكن البلاد القديم وقد ينسب إليها.
عصره:
كان رحمه الله معاصرا للعلامة الشيخ عبد الله بن صالح السماهيجي المتوفى سنة 1135هـ، فقد ذكره في إجازته للجارودي المؤرخة في 23 من صفر سنة 1128هـ بقوله :" وأخي الشيخ يوسف ابن الحاج علي بن فرج المنوى أصلا البلادي سكنا .. الخ" ولم يشر إلى وفاته في هذه الإجازة، والراجح أنه كان حيا سنة 1128هـ أي زمن تحرير الإجازة المذكورة.
هجرته:
وقف له الشيخ البلادي على رسالة في بعض أحكام الزواج كما ذكر في الأنوار، فرغ من تحريرها يوم 18 من صفر سنة 1100 هـ في بلدة القطيف. وهذا يدل على هجرته إلى هذه البلاد كما يقول في الأنوار :" بعد الواقعة الكبرى التي تفرقت منها العباد في أطراف البلاد ولا سيما القطيف لقربها من البحرين .. " .
من أقوال العلماء فيه:
1. قال فيه الشيخ السماهيجي في (الإجازة) كما نقل صاحب الأنوار ما لفظه : " وهذا الشيخ فاضل فقيه .. وهو أيضا حسن الأخلاق والسجايا والإنصاف والتواضع ".
2. ووصفه صاحب الأنوار بـ " العالم العامل الفاضل التقي " .
من آثاره العلمية :
1. شرح (الإرشاد) للعلامة الحلي (ره).
2. شرح رسالة (في الصلاة) للعلامة الشيخ سليمان الماحوزي.
3. رسالة في (بعض أحكام الزواج.
من خلال ذلك نخلص إلى أن قرية مني قرية تضرب بجذورها في القدم، وبمكانتها في التاريخ العلمي لجزيرة أوال حتى تخرج فقيها في القرن الثاني عشر الهجري على الرغم من صغرها ، وهذا يعني أنها قبل ذلك كانت ذات تاريخ وعلم وعلماء ونشاط ثقافي، وإلا لما كان بالإمكان أن يخرج من وسطها فقيه هكذا من غير أرضية يقف عليها.
4. نأتي للإشارة الرابعة، والتي تنبثق من أصل التسمية وهو مني ، ففي الأقوال التي قيلت تفسيرا لهذا الاسم دلالة على أن هذه البقعة الصغيرة جد قديمة ، وممتدة في الزمن الغابر . فقد قيل في اسمها التالي :
"تقع قرية منى ( السنابس الشرقية ) اليوم على الساحل الشمالي لجزيرة البحرين الأم إلى الغرب من عاصمة المنامة ويرجع تسميتها بهذا الاسم وعلى حسب روايات مشايخ القرية إلى أن ( منى ) تعني منى النفس أي أن ما يحيط القرية بالبساتين وخضرة و على جنبيها , حقق لأهاليها أمانيهم وشرح لهم صدورهم. وقد حورت الكلمة بعد ذلك إلى مني (بفتح الميم) , ورواية أخرى ترى أن منى إنما تعود إلى أول من سكن هذه القرية ويقال أنه أرمني ولعله من أرمينيا المعروفة اليوم , وتداولها على الألسنة بأخذ بالنصف الثاني من الكلمة و استغنى عن أولها. " ( موقع السنابس الشرقية) .
ومن خلال التتبع والقراءة وجدت أن لفظة مني لفظة قديمة جدا وعريقة في القدم، وكان العرب يستخدمونها وذلك بإطلاقها على بعض المناطق من دون حرج، فياقوت الحموي في كتابه "معجم البلدان " يذكر :" مني ٌ : بلفظ مني الرجل : ماء بقرب ضرية في سفح جبل أحمر من جبال بني كلاب ثم للضباب منهم " (5/219- طبعة دار صادر)
خلاصة كلامنا هذا أن مني في الأصل كلمة مستخدمة عند العرب، وكانت مناطق تطلق عليها هذه التسمية، مع أنها تعني في الوضع اللغوي ماء الرجل، ولكن لا حرج في ذلك، وحتى المصادر العلمية القديمة حين جاءت على ذكر فقيه مني الشيخ يوسف أشارت إلى قريته مني.
لذا لا أجد ما يستدعي استنكاف أو خجل الإخوان في قرية مني من هذه التسمية الأصيلة للقرية، والسعي لاستبدالها بمسمى السنابس الشرقية، لتصبح كأنها التابع مع أنها هي الأصل كما أرى، بالإضافة إلى أن هذا تاريخ ولا يوجد ما نخجل منه في كلامنا حين نقول توجهت لمني، أو جئت من مني ، فالعرف يتقبل ذلك بكل أريحية، ولا يذهب في مخيلته لما يستقبح، وإلا إذا كان الأمر كذلك فإننا لابد أن نستبدل ونغير أسماء قرى كثيرة في البحرين توحي بما يخجل منه الإنسان، أو يثير في نفسه شيئا من القبح ، من مثل : سفالة ومركوبان ومهزة والمقشع والدير وسافرة والزنج والحجر والجنبية.
علي المحرقي
10/10/2012م
التعليقات (4)
متابع
تاريخ: 2012-10-26 - الوقت: 05:34 مساءًشكرا للأستاذ على المعلومات القيمة وننتظر منه المزيد
البصري
تاريخ: 2012-10-31 - الوقت: 08:33 مساءًلم يذكر الاخ علي المحرقي الاسر الاصلية في مني . أما عن الدفن في مقبرة (اهل السنابس الشرقية يدفنون في البو عنبرة لان هناك إقتناع على ان هذه المقبرة قطعة من الجنة حسب الرواية المتعارف عليها)وليس دليل مقنع على انهم سكان القرية الاصلية
عابر سبيل
تاريخ: 2012-11-01 - الوقت: 07:33 صباحاًسمعنا من بعض الآباء أن أغلب سكان السنابس - عدا السنابس الشرقية - كانوا يدفنون موتاهم في مقبرة أبوعمبرة ولكن بعد انتشار مرض الطاعون ولكثر الموتى تم استخدام مقبرة السنابس لقرب المسافة ولكثرة الضحايا.. ومن ذلك الحين ازداد استخدامها، لكن لا أتوقع وجود قبر عمره أكثر من 70 سنة مثلا في مقبرة السنابس فهي مقبرة حديثة
ابو ياسر
تاريخ: 2013-02-06 - الوقت: 07:33 مساءًاستادي وزميلي كم عمر مقبرة مروزان