عبد الرحمن بن مُلْجم الحميري تارة والمرادي تارة أخرى، حسب المصادر التاريخية واختلاف الروايات. ولا يعرف تاريخ مولده في أرض مراد الواقعة أسفل نجران إلا أنه كان شاباً حديثاً حين التقى الصحابي معاذ بن جبل الأنصاري الشاب الذي كان أعلم الأمة بالحلال والحرام، فأصبح في عداد تلك الطبقة من الدعاة التي عرفت باسم القراء أو العباد القانتين أو أصحاب الجباه السود من أثر العبادة والتشدد في الدين والمتحمسين للإسلام والمتمسكين أحياناً بحروفه دون روحه. عُدَّ من المصريين إذ شهد فتح مصر وشهد أحداث الفتح كلِّها وعاش فيها ما بين عامي 21/34هـ وتكتفي المصادر التاريخية بالقول: «إنه كان له ذكر بمصر وإنه كان فارس قومه المعدود فيهم .." ، ولكن ابن حجر العسقلاني في كتابه «لسان الميزان» يذكر أن الخليفة عمر طلب من عمرو بن العاص أن «يقرِّب دار عبد الرحمن بن ملجم من المسجد ليعلِّم الناس القرآن والفقه فوسَّع له فكانت داره إلى جانب دار عبد الرحمن بن عديس.." أي أنه كان جاراً لسيد قبيلة (بَلِيّ) أحد قادة الفتح ومن أهل الراية شديدي اللصوق بعمرو بن العاص.
لاتشير المصادر إلى اسمه في أحداث الفتنة التي انتهت بمقتل الخليفة عثمان، ولا بعدها من الأحداث الجسام، ولا تذكر اشتراكه في معركة الجمل سنة 36هـ وفي صفين سنة 37هـ، ولايرد له ذكر في معركة النهروان سنة 38هـ، وإن كان شريكاً في المؤامرة السياسية لقتل القادة الثلاثة، الخليفة علي بن أبي طالب "ع" ومعاوية بن أبي سفيان والي الشام وعمرو بن العاص والي مصر، وتذكر الروايات أن ابن ملجم والبرك بن عبد الله وعمرو بن بكر التميمي اجتمعوا في مكة المكرمة في أثناء الحج «فتذاكروا أمر الناس وعابوا على ولاتهم، ثم ذكروا أهل النهروان وقالوا: ما نصنع بالبقاء بعدهم شيئاً، فلو شرينا أنفسنا فأتينا أئمة الضلالة فالتمسنا قتلهم فأرحنا البلاد منهم وثأرنا لإخواننا»، فتكفل عبد الرحمن بن ملجم بقتل الخليفة علي بن أبي طالب "ع"، وتكفل البرك بن عبد الله بقتل معاوية والي الشام، وعمرو بن بكر بقتل عمرو بن العاص والي مصر، ثم تعاهدوا وتواثقوا بالله واتعَّدوا لسبع عشرة من رمضان أن يثب كل واحد منهم على صاحبه الذي توجه إليه، وأقبل كل رجل منهم إلى المصر الذي فيه صاحبه الذي يطلبه.
قدم ابن ملجم إلى الكوفة واجتمع بأصحابه، وكاتمهم أمره كراهة أن يظهروا شيئاً من أمره، وفي الكوفة لقي امرأة من تميم الرِّباب يقال لها قَطام بنت الشِّجنة وكانت فائقة الجمال، فأعجب بها ثم خطبها فقبلت شريطة أن يكون مهرها ثلاثة آلاف درهم وعبد وقينة وقتل علي بن أبي طالب لأن أباها وأخاها قُتلا يوم النهر، فأخبرها بأنه ما جاء إلى الكوفة إلا لقتل علي بن أبي طالب، فلما كان اليوم الذي واعد فيه ابن ملجم صاحبيه جلس مقابل السدَّة التي يخرج منها علي فلما خرج لأداء صلاة الفجر ضربه ابن ملجم فأصاب جبهته إلى قرنه ووصل إلى دماغه، وطلب علي من أبنائه أن يحسنوا نزله ويكرموا مثواه، فإن بقي قتله أو عفا عنه. وإن مات فليقتلوه كما قتله "إن الله لا يحب المعتدين".
تتعدد الروايات عن موت ابن ملجم ولكنها روايات لاتثبت ولاتنسجم مع روح الدين الإسلامي الذي كان عليٌّ"ع" خير من يعيها، ولا مع خلقه وسلوكه أميراً للمؤمنين، ولعل رواية السجستاني في كتابه «المعمرون والوصايا» هي أصدقها «إنَّ الحسن ضربه ضربة تلقاها بخنصره فقطعها، ثم انثنى عليه بضربة أخيرة في الموضع الذي أصاب فيه أباه فقتله». دفن غربي جبَّانة الكوفة، ويقال إن ابن بطوطة رأى قبره يُزار ليلعن، وأنه سأل عنه فقيل إنه قبر الشقي. زهير محمد ناجي
ويحاول البعض أن يثبت بأن عبدالرحمن ابن ملجم كان قد تربى في كنف أمير المؤمنين "ع"، وهذا الكلام غير صحيح، فعبد الرحمن بن ملجم (لعنه الله) كان في مصر، وكان أول لقائه بالإمام (عليه السلام)عندما بعث محمد بن أبى بكر وفداً من مصر فيهم عبد الرحمن ولم يكن يعرفه قبل ذلك بل قال له عند قراءة اسمه في كتاب محمد بن أبي بكر أنت عبد الرحمن؟ وهذا دليل على عدم معرفته السابقة به وكان علي (عليه السلام) يعرف أن عبد الرحمن سوف يكون قاتله وكان يصرح بذلك للبعض. فقد قال (عليه السلام): (إذا سركم أن تنظروا إلى قاتلي فانظروا إلى هذا) قال بعض القوم أولا تقتله؟ فقال من أعجب من هذا تأمروني أن اقتل قاتلي.
وفي بعض الأخبار أن عبد الرحمن كان ممن قاتل أمير المؤمنين (عليه السلام) في النهروان وفلت من القتل وتعاهد هو واثنان من أصحابه على الثأر لأصحابهم في النهروان فهذه حال عبد الرحمن وعداوته الباطنية لأمير المؤمنين (عليه السلام), والإمام كان عارفاً بذلك فلذلك عندما بايع عبد الرحمن الإمام (عليه السلام) دعاه وتوثق منه وتوكد عليه ألا يغدر ولا ينكث, ففعل ثم أدبر عنه فدعاه أمير المؤمنين (عليه السلام) ثانية فتوثق منه وتوكد عليه ألا يغدر ولا ينكث ففعل, ثم أدبر عنه فدعاه أمير المؤمنين (عليه السلام) الثالثة فتوثق منه وتوكد عليه ألا يغدر ولا ينكثه, فقال ابن ملجم: والله يا أمير المؤمنين ما رأيتك فعلت هذا بأحد غيري فقال أمير المؤمنين:
أريد حياته ويريد قتلي عذيرك من خليلك من مراد
امض يابن ملجم فو الله ما أرى أن تفي بما قلت, فلم تكن علاقة عبد الرحمن بالإمام (عليه السلام) سوى كونه فرداً من الأمة بايع الإمام بعدما جاء من مصر وظل في دولة الإمام إلى أن خرج عليه في النهروان وقتله بعد ذلك ثأراً لأصحابه وتلبيه لرغبة امرأة تعلق قلبه بها.وكونه كان من أهل الكوفة أو انه قاتل مع الإمام (عليه السلام) في إحدى حروبه لا يعني انه ممن تربى على يد الإمام (عليه السلام) فالكثير من الذين خرجوا مع الإمام (عليه السلام) كانوا ضعيفي الولاء له حتى أنهم خرجوا عليه بعد التحكيم وقاتلوا ضده في معركة النهروان والإمام علي (عليه السلام) كان حاكماً لجميع المسلمين في زمن خلافته، فلا يستكشف من وجود أحد الأشخاص في جيشه أنه موال له ومقتدى بإمامته وعصمته وغير ذلك من الأمور التي نقول بها نحن الشيعة، ولا يستكشف أيضا وجود مثل هكذا شخص في دولة الإمام (عليه السلام) أو في جيشه انه تربى في كنف الإمام (عليه السلام) فالإمام جمع في خلافته كل المسلمين الموجودين تحت سيطرته على اختلاف طوائفهم ومعتقداتهم منهم بل حتى اليهود والنصارى المرتبطين بذمام مع المسلمين.
الإمام يعرف أن ابن ملجم قاتله:
الإمام علىّ : إنّما يقتلني رجل خامل الذكر ، ضئيل النسب ، غيلةً في غير مأقط حرب ، ولا معركة رجال ، ويلُمّه أشقى البشر ، ليودّن أنّ أمه هبلت به ! أما إنّه وأحمر ثمود لمقرونان في قرن . الإرشاد عن أبى الطفيل عامر بن واثلة : جمع أمير المؤمنين الناس للبيعة ، فجاء عبد الرحمن بن ملجم المرادي لعنه الله فردّه مرّتين أو ثلاثاً ثمّ بايعه ، وقال عند بيعته له : ما يحبس أشقاها ؟ فو الذى نفسي بيده لتخضبنّ هذه من هذا . ووضع يده على لحيته ورأسه ، فلمّا أدبر ابن ملجم عنه منصرفاً قال متمثّلاً :
اُشدد حيازيمك للموت فإنّ الموت لاقيك
ولا تجزع من الموت إذا حلّ بواديك
كما أضحكك الدهر كذاك الدهر يبكيك
الإرشاد عن المعلّى بن زياد: جاء عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله إلى أمير المؤمنين يستحمله ، فقال له : يا أمير المؤمنين ، احملنى . فنظر إليه أمير المؤمنين ثمّ قال له : أنت عبد الرحمن بن ملجم المرادي ؟ قال : نعم . قال: أنت عبد الرحمن بن ملجم المرادي ؟ قال : نعم . قال : يا غزوان ، احمله على الأشقر . فجاء بفرس أشقر فركبه ابن ملجم المرادي وأخذ بعنانه ، فلمّا ولّى قال أمير المؤمنين :
أريد حباءه ويُريد قتلى عذيرك من خليلك من مرادِ
قال : فلمّا كان من أمره ما كان ، وضرب أمير المؤمنين قُبض عليه وقد خرج من المسجد ، فجيء به إلى أمير المؤمنين ، فقال: والله لقد كنت أصنع بك ما أصنع ، وأنا أعلم أنّك قاتلي ، ولكن كنت أفعل ذلك بك لأستظهر بالله عليك. الطبقات الكبرى عن محمّد بن سيرين: قال علىّ بن أبى طالب للمرادي:
أريد حباءه ويُريد قتلى عذيرك من خليلك من مراد
الإرشاد عن الأصبغ بن نباتة : أتى ابن ملجم أمير المؤمنين فبايعه فيمن بايع ، ثمّ أدبر عنه فدعاه أمير المؤمنين فتوثّق منه وتوكّد عليه ألاّ يغدر ولا ينكث ، ففعل ، ثمّ أدبر عنه ، فدعاه الثانية أمير المؤمنين فتوثّق منه وتوكّد عليه ألاّ يغدر ولا ينكث ففعل ، ثمّ أدبر عنه ، فدعاه أمير المؤمنين الثالثة فتوثق منه وتوكد عليه ألاّ يغدر ولا ينكث . فقال ابن ملجم : والله يا أمير المؤمنين ما رأيتك فعلت هذا بأحد غيري . فقال أمير المؤمنين :
أريد حباءه ويريد قتلى عذيرك من خليلك من مراد
امض يابن ملجم فو الله ما أري أن تفي بما قلت.
تاريخ اليعقوبي : قدم عبد الرحمن بن ملجم المرادي الكوفة لعشر بقين من شعبان سنة (٤٠) ، فلمّا بلغ عليّاً قدومه قال : وقد وافى ؟ أما إنّه ما بقي عليّ غيره ، هذا أوانه . فنزل على الأشعث بن قيس الكندي ، فأقام عنده شهراً يستحدّ سيفه.
وللحديث تتمة
علي المحرقي
11/8/2012م
التعليقات (1)
عبدالله
تاريخ: 2012-08-15 - الوقت: 04:43 مساءًشكرا جزيلا استاذي على جهدك الكبير في تتويرنا بحقائق لا نعرفها مع الاستدلال بالمصادر في انتظار المزيد فأنا من المتشوقين لكتاباتكم الشيقة ذات الاسلوب السلس دمتم سالمين