في ليلة وصية أمير المؤمنين عليه السلام طرح الشيخ الدكتور عبدالله الديهي موضوعا عن دولة الإمام علي عليه السلام صاحب المصيبة وهيكليته السياسية، فافتتح موضوعه بقول عن أمير المؤمنين (ع):(أتأمرونني أن أطلب النصر بالجور فيمن وليت عليه والله به ما أطور ما سمر سمير ولا أم نجم نجما لو كان المال لي لسويت بينهم فكيف والمال مال الله)، ووعد الشيخ أن الحديث سيكون في محورين وهما كالتالي:
المحور الأول: كيف أقام الإمام (ع) بنيته وهيكليته السياسية مع العلم بقصر مدة خلافة علي (ع) التي لم تتجاوز خمس سنوات ؟
قال الذكتور عبدالله الديهي أنه ومن خلال مطالعاته وجد بعض الكتاب يستشكلون بالسؤال السابق، ويضيفون كيف يمكن له بناء دولته وسط تمردات وفتن عصفت في عصره، بل وابتلي باختلالات اقتصادية وثقافية وعسكرية. وأجاب الشيخ الديهي أن الإمام جاهد وكافح من أجل تطبيق العدل في كل صغيرة وكبيرة حتى في القتال، وعلي عليه السلام لم يكن يحتاج الوقت ليطبق ما يقوله، ووضع الإمام عليه السلام في دولته مبادئ عدة ذكرها الشيخ وفصل فيها بشيء من التفصيل، أما المبدأ الأول هي العلاقة بين الراعي ورعيته، التي كانت في عهده علاقة فعل وتأثير بين السلطة والشعب واعتبر حقوق الشعب من أفضل الحقوق التي فرضها الله حيث قال عليه السلام:(أعظم ما افترض سبحانه من تلك الحقوق حقّ الوالى على الرّعيّة ، و حقّ الرّعيّة على الوالى ، فريضة فرضها اللّه سبحانه لكلّ على كلّ ، فجعلها نظاما لألفتهم ، و عزّا لدينهم فليست تصلح الرّعيّة إلاّ بصلاح الولاة ، و لا يصلح الولاة إلاّ باستقامة الرّعيّة ، فإذا أدّت الرّعيّة إلى الوالى حقّه ، و أدّى الوالى إليها حقّها ، عزّ الحقّ بينهم ، و قامت مناهج الدّين ، و اعتدلت معالم العدل ، و جرت على أذلالها السّنن ، فصلح بذلك الزّمان ، و طمع فى بقاء الدّولة ، و يئست مطامع الأعداء . و إذا غلبت الرّعيّة و اليها ، أو أجحف الوالى برعيّته ، اختلفت هنالك الكلمة ، و ظهرت معالم الجور)، وما سبق من قول للإمام علي يلخص بقية المبادئ التي ثانيها أن الرعية لا تصلح إلا بصلاح الراعي، والمبدأ الثالث هو ضرورة عمل الحاكم على إصلاح الناس لأنه هو من يملك أدوات الإصلاح فقد قال عليه السلام:(أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ لِي عَلَيْكُمْ حَقَّاً، وَلَكُمْ عَلَيَّ حَقٌّ: فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَيَّ فَالنَّصِيحَةُ لَكُمْ، وَتَوْفِيرُ فَيْئِكُمْ عَلَيْكُمْ، وَتَعْلِيمُكُمْ كَيْلا تَجْهَلُوا، وَتَأْدِيبُكُمْ كَيْمَا تَعْلَمُوا. وَأَمَّا حَقِّي عَلَيْكُمْ فَالْوَفَاءُ بِالْبَيْعَةِ، والنَّصِيحَةُ في الْمَشْهَدِ وَالْمَغِيبِ، وَالإجَابَةُ حِينَ أَدْعُوكُمْ، وَالطَّاعَةُ حِينَ آمُرُكُمْ). أما المبدأ الرابع فيتمثل في أن استقامة الراعي من استقامة الرعية حيث أن الراعي ينشأ بين رعيته، أما آخر مبدأ وهو أهم مبدأ من خلال وجهة نظر الدكتور الديهي وهو مبدأ النقد والتقويم، لأن الساكت عن الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو كالمشارك في الظلم.
المحور الثاني: الأيدي التي ساعدت عليا في سياسته وهيكليته
وقال الشيخ في هذا المحور أن الولاة الذين عينهم الإمام ومعهم الوزراء والمستشارون والكتاب والعمال هم من ساعدوا الإمام عليه السلام، ولم يعين الإمام ولاة إلا بالصفات التي عددها الشيخ كما أمر بها علي (ع)، وأول صفة وأصعبها هي العدل مع الله والعدل مع الناس، وبعدها تأتي السيرة الصالحة لأن الوالي سيكون قدوة لغيره (من ينصب نفسـه للنـاس إمامـاً، فليبـدأ بتعليـم نفسـه قبل تعليم غيــره)، وثم عدم الرضا بأنصاف الحلول، وأيضا هناك صفة التعاطف مع الضعفاء من القوم، وأخيرا أن لا يكون الحاكم مستأثرا بالحق المشترك (إياك والاستئثار بما الناس فيه أسوة) وهكذا كان التاريخ يشهد فكل من ظلم لم يؤخر الإمام إقالته وتنحيته.
التعليقات (0)