اما لو كان تمرد الزوجة ناشئا عن نوع من الرغبة في الانتقام، وكانت تحاول، من خلال ذلك، تحطيم شخصية الزوج واهانته، كان عليه نصحها ووعظها والتحدث معها بلين ورفق، فان تمادت في غيها كان له الاعراض عنها وهجرها بعزل الفراش عنها مؤقتا، ومن ثم ضربها ضربا غير مبرح، فيكون ذلك نوعا من التحذير والتوبيخ المناسبين المعربين عن اعتراضه ورفضه لموقفها تجاهه، فان تمادت في غيها لا يكون امام الزوج، في هذه الحالة، سوى طرق باب المحكمة، ولا ينبغي التسرع في مثل هذا الموضوع الخاص، والباعث للحياء، والمكتنف بنوع من الغموض، في مراحله الاولى بطرحه على المحكمة العامة وامام الملا العام، فيمس ذلك حيثية كل من المراة والرجل ويذهب بماء وجهيهما، بل من الاولى معالجة ذلك في جو مغلق وعلى نطاق محدود كالبيت اولا.

وعلى كل حال، فانه لا بد للحاكم من رعاية مصلحة كل من المراة والرجل، كما ولا بد من ان يكون هذا الحكم في جهة اصلاح المراة المتنكرة لحق الزوج والمستبدة، وايضا في جهة اجراء الحق والعدل وتطبيقهما، وينبغي للزوج ان لا يعداسباب ظلم زوجته بنفسه، فان الضرب الخفيف وغير المبرح - والذي يكون بعد الياس من اصلاح المراة - قد يكون افضل من جميع سبل الحلول الودية.
يقول الفقيه الكبير الشيخ محمد حسن النجفي (صاحب كتاب جواهر الكلام): «لا يجوز له ضربها والحال هذه، اما لو وقع النشوز - وهو الامتناع عن طاعته في ما يجب له - جاز ضربها ولو باول مرة، لكن يقتصر على ما يؤمل معه رجوعها ما لم يكن مدميا ولا مبرحا»((338)).

ولا يجوز ان يكون الهجر في المضجع بقصد الظلم والتنكيل بالمراة، وصورة الهجر ان يحول اليها ظهره في الفراش، وهوالمروي عن الامام ابي جعفر الباقر(ع).
ثم ان النشوز لا يصدق بمجرد اصابة المراة بحالة نفسية سريعة الزوال كالاعراض عن الزوج او العصبية او غير ذلك، فان اللغويين فسروا النشوز بالكراهة والظلم والجفاء والامتناع والعصيان و...

وروي، ايضا، عن ابي جعفر الباقر(ع)، انه قال: «انه الضرب بالسواك»((339))، والسواك عود خفيف لا يكون الضرب به موجعا، وبذلك افتى جميع الفقهاء ولم يجوزوا الضرب المبرح والمدمي او استعمال الشدة والغلظة، كما انه لم يجوزاحد منهم استعمال القوة مع المراة الناشز او الاضرار بها جراء الضرب. ومن المعلوم ان المراد من قوله تعالى: (اضربوهن...) ليس الايذاء والتنكيل، بل هو مجرد انذار واعراب عن سخط الزوج لزوجته المتنكرة للمسؤولية، والغرض من ذلك هو تامين ما فيه صلاح الطرفين، لا اشباع حس الانتقام او التشفي الذي حرمه الفقهاء العظام، امثال الشهيدالثاني الذي صرح بحرمة قصده مطلقا، بل من دون القصد الماذون لاجله، ذلك ان الضرب المبرح والادماء محرم بحدذاته ويعد جرما في حق المراة((340))، ولذا اشترط الفقهاء فيه ان لا يكون مؤديا الى الجرح والادماء قليله او كثيره، وايضالا يكون سببا في ادخال الحرج على المراة، او يكون فيه نوع من التعذيب الجسدي والتشفي والقسوة، والا ففيه الغرم والدية، ففي حديث عن رسول الله(ص) انه قال: «ايضرب احدكم المراة ثم يظل معانقها»((341)).

ولا يخفى ان الاية المباركة المذكورة آنفا تحدثت عن رجل الحت به الحاجة الجنسية المشروعة الى زوجته، وانه، في موقف حساس وحرج، قد امتنعت فيه المراة، ولغير عذر، عن تلبية حاجته الجنسية، فان امتناعها يضر بسلامة اعصابه وطبيعة مزاجه و...

والامر الاخر هو ان سلوك طرق الحل التدريجية الثلاثة المذكورة: الاعراض والهجر في المضجع والضرب مشروط باحتمال التاثير، فلو علم الرجل، بداية، عدم تاثير ذلك في المراة كان تكون قد اتخذت موقفا عزمت فيه على النشوز، اوكان لها ما يمكنها الاعتماد عليه من ادلة واثباتات في نزاعها مع الرجل وتمنعها عليه، وانها لا يمكن ان تركن اليه بحال،فانه - وطبقا للاية الاخرى من النساء (35) - لا بد من حل التشاجر والنزاع بينهما ومن دون حاجة الى الهجر او الضرب،وذلك بان يبعثا - الزوج والزوجة - حكما من اهله وحكما من اهلها ليصلحا بينهما.

وايضا لو كان سلوك الطرق الثلاثة المذكورة يؤدي الى اخافة المراة فقط من دون ان يدفعها نحو العمل بوظيفتها تجاه زوجها، ففي هذه الحالة، لا بد من وضع حل جذري للمسالة؛ وذلك بسبب تاصل جذور الفساد.

ثم ان الحلول المذكورة تتضمن اصلاحات شخصية وفردية، سواء كانت تصب في صالح المراة ام في صالح الرجل،وليست بمثابة الحكم او الحق المطلق، ولذا فانه يرجع في حالة احتمال عدم تاثير الاهل الى الحكمين اللذين ذكرتهماالاية الشريفة، او يرجع الى الحاكم، هذا كله في نشوز المراة.
اما بالنسبة الى نشوز الزوج، فالاية (128) من سورة النساء لحظت هي الاخرى حق المراة ايضا.

ثم انه لو كان نشوز الزوج وعدم رغبته الجنسية وعدم اهتمامه بزوجته طبيعيا وناشئا عن المرض، مثلا، فهذا النحو من العارض والمانع غير الارادي، او الاختياري، لا يعد ضربا من الهرب من المسؤولية، بل على المراة ان تقف الى جانب زوجها في هذه المحنة حتى يتم علاجه النفسي او الجسدي، كما ان على الزوج ايضا ان يسعى في علاج نفسه ليتمكن من القيام بوظائفه تجاه زوجته.
نعم، لو كان الداعي للزوج في التباطؤ والتثاقل عن مسؤوليته تجاه زوجته، هو اهانتها واشباع حس الانتقام لديه وغيرذلك من الرذائل الخلقية، فانه يعد حينئذ جانيا في حق زوجته، والاسلام يحرم جميع انواع الاجرام، وان للحاكم تاديبه وانزال العقوبة به. وبالطبع، طرق الحل المذكورة بالنسبة للمراة الناشز - اعني الهجر في المضجع والضرب غير المبرح لاتكون ناجعة هنا في حق الرجل الناشز؛ وذلك للفرق الاساسي بين المراة والرجل من حيث الوضع النفسي والجسدي والرغبات الجنسية، حتى انهما يختلفان في كيفية ممارسة العملية الجنسية، فان فاعلية احدهما وقابلية الاخر تجعل لكل منهما مكانته الجنسية والنفسية الخاصة به من دون الاخر، ومن هنا لا يمكن ان يكون لاعراض المراة والرجل وعدم رغبتهما في الجنس حكمان متساويان وطريق حل واحد ومشترك، هذا في الوقت الذي يكون فيه الحق الجنسي للمراة محفوظا تماما. غاية الامر انه لوحظت فيه الفوارق الروحية والجنسية بينها وبين الرجل، كما انه اخذ في الحلول المذكورة ايضا ما بينهما من فروق جسدية ونفسية.

ان الغرض الذي يتوخاه القرآن الكريم هو اصلاح ذات البين وتقوية العلاقة بين المراة والرجل في ما يكون لصالحهما، ولا بد من ان يكون هذا الاصلاح وحسم النزاع بينهما في بداية الامر خاصا وداخل نطاق محدود كالاسرة، فان لم ينجع استعانا بالحكمين من قبلهما، والا فبالقانون والمحاكم، باعتبار ذلك المرحلة الاخيرة في حسم النزاع.

ثم ان المراة لا يمكنها ان تضطر الرجل او تكرهه على الوقوع في حبها؛ وذلك بان تستعمل من الطرق المالوفة لدى النساء، وكذلك لا ينبغي لها تعاط ي هذا الموضوع - الاضطراب والتلكؤ الحاصل في تبادل الحب بينها وبين الرجل وسوقه الى المحكمة في بدايات وقوع النزاع.

وهذا الانموذج من تفسير الاية الكريمة وفهم كلام القرآن الكريم واحد من نماذج عدم الدقة في فهم كلام الله، تعالى، ويمكن ان يكون المنشا للكثير من حالات سوء التفاهم الحاصل جراء البحث في حقوق المراة والحديث عنها.

3 - نساؤكم حرث لكم
الانموذج الاخر: قوله تعالى في سورة البقرة: (نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم انى شئتم) [البقرة:223]، ولا بد من دراسة هذه الاية من عدة جهات:
أولا - ليس من الواضح لماذا يعد بعضهم موضع الحرث، الكاشف عن الواقع الطبيعي في الانجاب، نوعا من الاهانة بالنسبة للمراة؟ اليس بدن المراة والرحم فيها محل تربية الجنين وتكامله؟ ثم اليس الرحم فيها كالارض التي يترعرع فيها البذر ويخرج منها النبت؟! اليست المراة مهد الاجيال الجديدة؟!
اليس هذا الامر، في النساء فريدا، من نوعه في عالم الخلق والتكوين؟! وهل هناك من تنكر هذه الحقيقة او تعترض عليها؟
وثانيا - لماذا لا يلتفت الى الاية السابقة على هذه الاية من السورة نفسها ليتضح المراد منها؟ لقد نهى الله، تعالى، الرجال في الاية السابقة، عن الاقتراب من زوجاتهم في ايام الحيض (الدورة الشهرية)؛ حيث عبر عن ذلك بقوله: «هو اذى»، بمعنى ان في الاقتراب من النساء في هذه الايام، اذى لهن، (فاذا تطهرن فاتوهن من حيث امركم الله) مراعين ذلك ما فيه صلاحهن.

ويتابع القرآن الكريم هذه القضية فيسمح للازواج، في الاية اللاحقة، بان ياتوا نساءهم وحرثهم انى شاؤوا، من دون انتهاج السبل التي تشمئز منها النفوس وتنفر منها الطباع، فان موضع الحرث مختص بعملية الانجاب والتناسل فحسب،ولا علاقة له بالكشف عن هوية المراة وبيان معالم شخصيتها التي طالما صرح القرآن الكريم بمساواتها للرجل.

لقد اهتم القرآن الكريم بالمراة، وعلى خلاف الثقافة المادية التي جعلت من رحمها محلا لقضاء حاجة الرجال، وصيرته آلة لارضاء الحاجة الجنسية من دون اي قيد او شرط.
المراة التي هي مهد ترعرع الانسان الجديد ومحل تكامله، وفيها موضع الحرث المقدس، ليست كنيفا نقالا يفرغ فيه الرجال شهواتهم ولذاتهم الجنسية الهوجاء.

فعلى الرجل، اذا، ان يراعي، لدى مضاجعته زوجته، ما فيه صلاحها، وان يراعي حرمة رحمها وقدسيته، وياخذ بعين الاعتبار قدسية هذا العمل الخطير، الا وهو اعداد الاجيال.

4 - نقص الايمان والعقل...
ولنعد الان، مرة اخرى، الى الرواية التي ذكرناها في صدر المقال، والتي اشارت الى نقص الايمان والعقل، فقد شكك بعض الباحثين في صحة سندها شكا جديا لمخالفتها الكثير من الايات والروايات الاخرى ومخالفتها للعقل، ومن هناشكوا في صحة صدورها عن الامام(ع)، بل منعوه، وعد بعض آخر صدور هذه الرواية عنه(ع) نوعا من الجدل، بمعنى ان النقص في المراة، لما كان امرا مسلما به لدى عامة الناس آنذاك، ولدى الجماعة المخاطبة بذلك، حاول الامام(ع)الافادة من ذلك، وبيان الامر لهم بما هو مسلم به لديهم، فانكر عليهم، بعد تسليمهم بالمقدمة المذكورة - اطاعتهم لعائشة في الحرب.

والصحيح، في نظرنا، انه - حتى بناء على التسليم بصحة السند وقطعية الصدور، وبعد البحث بدقة في مفادكلامه(ع) يمكننا الوصول الى ادراك اكثر عمقا وصحة مما تقدم، لما سوف نرى من ان التعبير بذلك لا يستلزم الانتقاص من شان المراة ولا النيل من منزلتها ومكانتها من حيث الانسانية.

فهل المراد، اذا، من النقص الحط من شان المراة ومكانتها بلحاظ الخلقة والتكوين؟!

صرحت الايات الكثيرة، من محكمات القرآن الكريم، وكذلك الروايات المتضافرة عن امير المؤمنين(ع) والائمة(ع) من ولده، بما يخالف هذه الدعوى، فالامر اذا ليس كما ذكر، بل ان تعبيره(ع) بذلك اشارة صرفة الى بيان حقيقة طبيعية،وهي مساواة المراة للرجل، وان النقص عليها كمي لا كيفي، والنقص الكيفي هو المعيار في القيم والمبادى، بمعنى ان المراة، بلحاظ الكيفية والقيمة، ليست باقل من الرجل، وتتشخص معالم الفارق الطبيعي المذكور في موارد ثلاثة هي:

أ - نواقص الايمان:
ببيان ان المراة تترك، ايام الدورة الشهرية، الصلاة والصوم، ولا يجب عليها شيء من ذلك، وليس هذا بمعنى ان المراة، في تلك الايام، تكون فاسقة وغير عادلة، او كاذبة، ولا بمعنى كونها مضطربة العقيدة، وانما تعين عليها ترك ذلك من اجل الوضع النفسي الخاص الذي تمر به في تلك الاونة. وقد تعرض اطباء النفس لدراسة الوضع النفسي المذكور بالتفصيل، فالتكليف بالصلاة انما رفع عنها لاجل عدم توافر صلاتها على شرط التوجه والدقة الذي لابد منه حال الصلاة، وكذلك الامر بالنسبة للصوم، فانه نظرا لاهمية الاكل والشرب وضرورتهما واطلاق العنان للجهازالهاضم والمعدة ايام الحيض رفع عنها هذان التكليفان.

وعلى كل حال، فعلاقة المراة بربها، جل شانه، تبقى محفوظة ودائمة بجلوسها في مصلاها اوقات الصلاة، واشتغالهابذكر الله، تعالى، من دون ان تشعر بحرج التكليف المعين. واما بالنسبة الى الصوم فبامكانها قضاء ما فاتها في تلك الاونة وتعويضه بصيام غيره من الايام.

وما يتضح، من مطاوي هذا البحث، ان المقصود من نقص ايمان المراة ليس النقص في علاقتها مع الله، تعالى، بل المقصود تلك الحالة الاستثنائية الطارئة والمؤقتة العارضة على بدن المراة المرافقة، في الغالب، لتغيرات نفسية تجعل المراة في حل من حرج التكليف المعين، وهذا ليس معناه نقصان الايمان لدى المراة، بل معناه رفع قلم التكليف عنهافي بعض الاعمال العبادية الخاصة في ايام معدودات.

ب - نواقص العقول:

وظاهر هذين اللفظين هو نقصان عقول النساء قياسا الى عقول الرجال، وذلك لامرين:
الاول: ان المراد من النقص ليس نقصان قيمة المراة ومكانتها، وذلك نظير ما يحدث للمراة من محدودية خلال مدة الحمل؛ حيث تفقد تلك الصلابة التي تمنحها جراة الوقوف في وجه الحوادث التي تكون بحاجة الى قوة في الموقف، فان ذلك لا يعد انتقاصا لقيمتها.

تعيش المراة، خلال مدة الحمل، اهم حدث في حياتها، وهو عبارة عن السعي المقدس الذي تبذله في انبات البذرة الحاملة للروح الانسانية، السعي الذي من دونه يتوقف جهاز الخلق عن العمل الجاد.
فلو دققنا النظر، في الدور الذي انيط بالرجل، وفي ما له من نصيب في استمرار جهاز الخلق وبقائه، لراينا ان هذا الدوريتلخص في بضع لحظات محدودة من المتعة واللذة يعيشها الرجل حال قذفه للنطفة، وتقل قيمة هذا الدور ولا يكون شيئا قياسا الى دور المراة التي تحاول جادة، وبكل ما اوتيت من قوة، في سبيل تطبيق احكام النظام التكويني الحاكم بضرورة استمرار الخلق.
اذا، فكما ان انعدام دور الرجل في تطبيق الامر التكويني المذكور باستمرار الخلق لا يعد انتقاصا من قيمة الرجل ومكانته، كذلك عدم اطلاق عنان العقل النظري المحض - الذي يكون سببا في التجرد وغير ذلك - لدى المراة قياساالى الرجل، لا يعد ايضا نقصا في قيمة المراة، بل هو مائز طبيعي.

الثاني: عدم تساوي الرجل والمراة في الشهادة - التي اشار اليها الامام امير المؤمنين(ع) في كلامه : نظرا الى وجود بعض الموانع الطبيعية التي تمنع المراة من معايشة الاحداث والقضايا الاجتماعية الكثيرة والمتنوعة عن كثب، الاحداث التي يكون الرجل غارقا فيها الى ام راسه، وتكون له القدرة على دراسة اسبابها وخصائصها ومعرفة نتائجها اكثر من المراة،ذلك ان دقة الرجل في هذا المجال ومحاولته التعرف الى الحقائق، وما يتمتع به من بعد نظر ونفوذ فكري من اجل التعرف الى اصول الاحداث وجذورها، ذلك كله امر طبيعي بالنسبة للرجل يحصل نتيجة معايشته لاحداث الحياة المتنوعة وغوره في هذا البحر المتلاطم الامواج...

نظرا الى ذلك كله، لو فرضنا ان رجلا كان في معزل تماما عن وقائع الحوادث الملتوية في الحياة، فان ارتباطه الواسع بالعالم المحسوس والحياة سوف يكون محدودا، كما انه لا ريب في ان شهادته ايضا - في امور يكون بعيدا عنها عادة وفي مناى عنها - لا تكون خالية من الاشكال. ومن هنا نجد ان شهادة النساء - حتى في حالة عدم تعدد الشهادة - تكون مساوية لشهادة الرجال في موارد كثيرة يكون موضوع الشهادة فيها امر لا يعلم الا من قبلها، نظير شهادتها بانها طامث،وفي ايام الحيض، او انها في طهر ونقاء، او ان الطفل الذي في بطنها لهذا الرجل او ذاك، وغير ذلك.

والامر الحري بالذكر هو ان المراة بمثابة الحارس الطبيعي للحياة، فقد جعل الله، تعالى، عواطفها واحاسيسها اقوى بكثيرمن عواطف الرجل واحاسيسه. وان تلك العواطف والاحاسيس تختلف الى حد ما عن عواطف الرجل واحاسيسه، لان بقاء الحياة البشرية واستمرارها - بلحاظ الحاجة والشعور باللذة والالم - بحاجة اكثر الحاحا الى العواطف والاحاسيس منها الى البرهان والدليل التجريدي.

ان وجود هذه النعمة العظيمة في النساء تمنعهن من النزوع نحو شؤون الحياة الجافة، فان تلك الشؤون، بالنسبة للمراة،هي في الدرجة الثانية من الاعتبار، وتعد جانبية بالنسبة لها.
ج - نواقص الحظوظ: ذكرت الخطبة المذكورة فرقا ثالثا بين المراة والرجل، وهو نصيبها من الارث المذكور في الاية الكريمة من سورة النساء، قال تعالى: (يوصيكم الله في اولادكم للذكر مثل حظ الانثيين) [النساء:11]، وبالطبع لا عموم وشمولية.

ليس من عمومية وشمولية لهذا الحكم بالنسبة الى جميع الموارد ومسائل الارث، فمن تلك الموارد:

1 - لو كان الوارث هو الاب والام وولد فقط، كان المال بينهم ستة اقسام، اربعة منها للولد، وللاب والام قسمان، لكل منهما قسم.
2 - لو كان للميت عدة اخوة واخوات من الام كان المال بينهم بالسوية.
3 - يقسم نصيب اولاد الاخ والاخت من الام بين المراة والرجل بالسوية.
4 - لو كان وارث الميت منحصرا في الجد والجدة للام كان المال بينهما بالسوية.
5 - لو كان وارث الميت خالا وخالة وكان كل منهما ابا واما، او ابا وحده واما كذلك، كان المال بين الرجل والمراة بالسوية.

اما الموارد التي يكون فيها نصيب الرجل ضعفي نصيب المراة ففهمها يعود الى جملة اسباب منها: ان مسؤولية ادارة شؤون الزوجة والاسرة، من تامين المعاش والنفقة، هي من وظائف الزوج، وان المراة، وان كانت لها حقوق اقتصادية، ولها حق العمل والادخار الا انها غير مسؤولة عن الاسرة والزوج من الناحية الاقتصادية.

فالكلام، اذا، في النقص المذكور في الامور الثلاثة المتقدمة (العقل والايمان وفريضة الارث) لا بد من ان يكون عن الكمية والمقدار لا عن الكيفية والفوارق الشانية والقيمية، او عن شخصية المراة والرجل.

فهذا الامر، اذا، ليس عاما وشاملا، بمعنى انه لا يشمل ابعاد العقل والايمان جميعها ولا انواع الارث وجميعها.
اما العبارة الاخرى الواردة في ذيل هذه الرواية، التي قد يساء فهمها ايضا، فهي عبارة عن التحذير من معاشرة النساءالشريرات، والايصاء بالاحتياط في التعامل مع النساء جميعهن حتى في اعمال البر، وهذا النحو من التعبير قد يساءفهمه ايضا.

والتحذير المذكور من الشر والاشرار لا يختص بالنساء الشريرات فقط، بل لا بد من تجنب كل من لا يتورع عن ايذاء«الغير»، ممن يتصف بخبث الباطن والرذائل الخلقية سواء كان رجلا ام امراة.
ولما كان موضوع البحث، في هذا الكلام،هو امراة اشار(ع) فيه الى شر المراة.

اما ما ورد، في ذيل الحديث، بالنسبة للاحتياط في العمل بوصايا النساء، حتى في المواضع الصحيحة، فليس المراد من ذلك النساء الصالحات، لان القرآن الكريم جعل المؤمنات من النساء عدولا، وفي مرتبة المؤمنين من الرجال، حيث امرهما معا، وجعل لهما الولاية في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، والامام(ع) لم يرد مثل هذه الموارد، بل انه(ع)عبر بذلك، ان صح النقل، من اجل حسم مادة الفساد والاغواء في ما يرتبط بوساوس المراة، وايضا من اجل ايقاظ ضمير المخاطب وتحذيره من المخاطر التي تحيط به، خصوصا مع ملاحظة ان السيدة عائشة كانت زوجة الرسول(صلوات الله عليه وآله) وكانت قد عرفت بالصلاح، وهذا هو السبب في التغرير بالراي العام، وفي نشوب حرب الجمل واراقة دماء المسلمين.

لا ريب في ان الامور المرتبطة بعلم النفس، المختص بالجانبين النفسي والروحي للمراة اشكالية جديرة بالبحث،خصوصا بعد ان تتم معرفة الفوارق والميزات الروحية والنفسية والفسلجية بين النساء والرجال... ومن الموضوعات الفائقة الاهمية ايضا، تقييم اوجه الاشتراك والافتراق والتمايز بين هذين الجنسين، اللذين يمثلان نوعا واحدا ولهما روح انسانية مشتركة، وفي الوقت الذي توجد بينهما اوجه افتراق اساسية حرية بالبحث والنظر والتحقيق.

وبلحاظ هذه النظرة، يعد البحث في الابعاد النفسية للمراة عملا مهما في نفسه، وبحاجة الى دراسة اخصائيين يتمتعون بسعة صدر وعمق في التفكير يمكناهم من القيام بدراسة الامور النفسية للمراة من اجل معرفة اوجه الفرق والتمايز بينها وبين الرجل.

ولا يخفى ما انجز، في هذا المجال، من دراسات وما الف من كتب؛ الامر الذي يسهل دفع عجلة الجهود، ويساعد في تدعيمها وتكثيفها من اجل استمرار الحركة العلمية وترشيدها اكثر فاكثر. ولهذا ينبغي على العلماء المسلمين تقييم هذاالموضوع ودراسته ضمن اطر التعاليم الاسلامية بغية صيانة الحقوقيين وعلماء الاجتماع من الانحراف، او اتباع منهج يؤدي بهم الى سلوك طريق الافراط او التفريط.

وينبغي، في بداية الحديث، التعرف الى حقيقة لا يمكن اغفالها، وهي وجود الفوارق - اي المعرفة الخارجية والعينية لكل من الجنسين (المراة والرجل) - الامر الذي تثبته الدراسات العلمية. يقول احد الاخصائيين في هذا المجال: «ان بين المراة والرجل - بلحاظ كونهما من جنس ذكوري وانثوي فقط - اختلافا وتمايزا، على خلاف ما ذكره المغالون الرافعون لشعار «المساواة بين حقوق المراة والرجل»، فان لكل من المراة والرجل نشاطات حيوية ورؤية كونية وحالات نفسية متفاوتة ومختلفة عن الاخر، حتى ان علماء النفس العصريين صاروا - وبمقتضى التصنيف بلحاظ التركيبة الفسلجية الى مذكر ومؤنث - في صدد تعيين الروح المذكرة والروح المؤنثة - ودراستهما وبيان ما لهما من حالات»((342)).

ولم تتمكن المجتمعات التي حاولت تطبيق اصل المساواة بين الذكر والانثى، في جميع ميادين الحياة ومجالاتها، من انكار هذا التمايز الذي لمسوه بشكل عيني ومحسوس وجربوه من خلال ممارساتهم في الحياة بشكل واضح.

«يعترف اغلب علماء التربية بوجود تمايز واختلاف جذريين بين البنين والبنات في المدارس الابتدائية، ولم يذكرواتوجيها واضحا للاختلاف المذكور، وذلك في بلد كالولايات المتحدة الامريكية التي تتميز فيها المراة بمكانة اجتماعية رفيعة ومرموقة، ويذكر اساتذة التربية والتعليم، من المربين الذين تقع على عاتقهم مسؤولية ادارة صفوف البنات والبنين، وايضا من المسؤولين عن تفتيش الصفوف (المفتشون) الذين يتنقلون بين صف وآخر في مرحلة زمنية معينة،تحدث هؤلاء عن الحد الفارق بين فئتين في المجتمع وعن ضرورة التجانس والتطابق بينهما، ولكن مع ذلك تبقى اشكالية الاختلاف والتمايز بين الجنسين في صف مختلط مثلا - وهذا ما يتواجد الى حد ما في جميع القرى - تبقى الاشكالية قائمة يمكن مشاهدتها ولمسها بوضوح...

ان الفارق الجسدي والذهني موجود قطعا بين الاكثرية الساحقة للرجال والاكثرية الساحقة للنساء، وان اختلاف الادوارالناتج عن تلك الفوارق قد ادى الى ظهور فكرة النماذج «المذكرة والمؤنثة»، وهذا الامر، وان كان مجردا ذهنيا - كما لاريب فيه - فانه مؤثر بهذا المقدار ايضا.

ومن جهة اخرى، فان الانسان سوف يدرك عاجلا ام آجلا انه متعلق ومنتم - وفي جميع مراحل حياته - الى احد هذين الفريقين، وسواء آمنا بهذه الفكرة ام ابينا الايمان بها فانها تؤدي دورا مؤثرا - كما سوف نرى - في سلوك الفرد، خصوصافي حياته الاجتماعية، نظير سلوكه ومعاشرته لاسرته او في دراسته او في مجال علمه...»((343)).

الاختلاف والتمايز شاملان ولا ينحصر تاثير الاختلاف بين الرجل والمراة في الصور الظاهرية والاشكال الخارجية لكل منهما، بل ينسحب على جميع ابعادهما الوجودية، ما يستدعي تثبيت التمايز والاختلاف بينهما، الامر الذي يمكن من القطع بصحة كون الفوارق الجسدية هي من ابرز ما يميز بينهما.

يقول ترمن: «ان كل خلية في بدن الانسان تحمل علامة ذلك الجنس بعينه...».
«... وان في آحاد خلايا البدن، بما فيها الاجهزة العضوية، وخصوصا القوة العصبية، فيها من العلامات ما يدل على انها من ذلك الجنس»((344)).
ولا ريب في وجود علاقات ومؤثرات بين الاشكال والصور الظاهرية وبين الجوانب الفسلجية والروحية للانسان، فان لهيئة البدن وفسلجته، من حيث الحجم والابعاد من الطول ونحوه ومقدار الجمجمة ووضعها، وايضا الدماغ وسائرالاعضاء، تاثيرا بالغا على حالات الانسان النفسية والروحية، هذا مع غض النظر عن الفوارق العضوية والفسلجية الموجودة بين الجنسين.
يعكس الاختلاف في الطول والوزن والشكل والهيئة وكثير من الخصائص الفسلجية الاخرى الفوارق الشخصية الموجودة بين الجنسين..

ان هناك اسسا يقر بها علم النفس - حتى علم النفس في الجنس الواحد - وهي عبارة عن وجود تاثيرات لاوضاع الجسد وفسلجته على الحالات النفسية العارضة على الانسان، ولذلك يصنف علماء النفس القضايا النفسية على اساس الشكل والهندام، اذ ان للشكل الباطني عندهم وللهيكل العظمي او لطول القامة وقصرها تاثيرا على النفس، كما انهم يقولون ان لكل شخص خصائص مختصة بشخصه تميزه من الاخرين، بحيث يكون ذلك مؤثرا، نظير الوقوع في الجريمة، الاستعداد والكفاءة في التعلم، الذوق الفني المرهف، نوع النزعات وغير ذلك.

والانسان في علم النفس - سواء الانسان المنزوي والقابع ام الانسان المنفتح - وليد هذه الاستعدادات الجسدية: «... ان هيئتنا، او شكلنا الظاهري، هو المعرف لعاداتنا وطبائعنا وكذا وضعنا الفسلجي وحتى طريقة تفكيرنا العادية، فمن خلال ملامح الوجه وتقسيماته يمكن معرفة امور كثيرة، ولا يقف الامر عند معرفة العيوب او الفضائل والمحاسن من الذكاءوالفطنة، او البلادة والبلاهة وسائر العادات والاحاسيس الخفية عند الشخص، بل يمكن معرفة التركيبة والهيكلية العامة لجسده، ومعرفة ردود الفعل لديه ومناعته تجاه الامراض سواء كانت جسدية ام نفسية، فالشخص الذي عنده المام بهذاالمجال بامكانه ان يعط ي وصفا متكاملا من خلال ملامح الوجه، كما انه يعط ي صورة واضحة عن جسد ذلك الشخص وروحه، ولذا لا ينبغي للانسان ايجاد تغييرات في حجم جسده لغرض اضفاء طابع الجمال والقوة على عضلاته من دون ادنى تفكير في عواقب ذلك، فان التغيير في فسلجة البدن مهما كان طفيفا وبسيطا يترك بصمات واضحة وتطورات واسعة وكبيرة في النشاطات الفسلجية والنفسية للانسان، وبشكل عام فغير البدين - مثلا - شديد الحساسية تجاه الامور، نشط، صلب العود، شديد المقاومة، وهذه الحالات والصفات تصدق على النوابغ ايضا... خصوصا ان الشكل الظاهري والحركات والهيئة تكون معرفة صفاتنا البدنية ومرآة لاحاسيسنا ومشاعرنا، كما ان النشاطات النفسية ترتبط بالنشاطات والفعاليات الفسلجية للبدن»((345)).
الفوارق وسنحاول، الان، الاشارة الاجمالية الى بعض الفوارق بين الجنسين:

1 - التكامل لدى البنات والبنين
ذكر الاخصائيون ان: «... التكامل لدى الفتيات اسرع منه لدى الفتيان، بمعنى ان اشتداد العظم لدى الفتيان وبروز الاسنان وتكامل الغدد التناسلية يكون لدى الاناث اسرع منه لدى الذكور، فتتقدم الفتيات على الفتيان في العمربلحاظ المعدل المتوسط - بما يقرب من السنة او السنتين، ويكون ذلك ثابتا في جميع مراحل الطفولة والبلوغ»((346)).

2 - المقدرتان البدنية والعملية
لا ريب في ان القدرة البدنية، لدى الكائنات الحية، تكون اقوى لدى الجنس الذكر منها لدى الانثى، لما للذكور من قدرة على تحمل الشدائد والصعاب تفوق قدرة الاناث، اذا ان القدرة التي يتمتع بها الجنس المذكور والتي تمكنه من دخول حلبة الصراع في الحياة، تكون اشد خطورة وصلابة: «.. فالذكور، وبلحاظ سعتهم الوجودية - خصوصا بلحاظ القوة العضلية - اكثر قوة ونشاطا من الاناث في جميع مراحل الحياة... باستثناء ما بين مرحلة الحادية عشرة الى الرابعة عشرة من العمر لدى الفتيات؛ حيث يشاهد فيها لديهن تطور وتقدم بسيط، ولكن مع ذلك يبقى النشاط لدى الذكور اكثر منه لدى الاناث في جميع مراحل الحياة».

3 - الغدد التناسلية والانجاب
يختلف وضع الغدد التناسلية لدى الرجل عن وضعها لدى المراة اختلافا ملحوظا، حيث تختلف الغدد في كل منهمابنحو خاص، فان الغدد المذكورة تتحمل مسؤولية البناء والحفاظ على النسل وبقائه، كما انه يوجد اختلاف كثير ايضابلحاظ الزمان بين النشاطات التي يقوم بها كل من الذكر والانثى. والاختلاف المتقدم ثابت في امور جانبية اخرى كالتاثيرات الجينية والسلوك والطبائع الوراثية الكثيرة والمليئة بالاسرار والعجائب. والموضوع الاكثر اهمية من ذلك كله هو ان هذا الامر لا ينتهي الى هذا الحد بل يترك آثارا واسعة وكثيرة في البنية والهيكل الوجودي العام (جسديا ونفسيا) بالنسبة للمراة والرجل.

والفوارق والتمايزات بين افراد النوع البشري تؤكد هذا التمايز بين هذين الموجودين تماما، كما تترك الفوارق المذكورة اثرا على البعد العاطفي لدى الجنسين، وكذا على البعد النفسي، كما يتاثر الذهن والفطنة والذكاء بهذه الفوارق ايضا، بل هي تؤثر ايضا تاثيرا كبيرا على الاذواق والطباع والمشاعر الفنية المرهفة للانسان، وهي تترك، اخيرا، اثرا على شخصية كل من المراة والرجل فتصنع منهما شخصيتين متمايزتين ومختلفتين، ولنترك في هذا المجال الحديث للاخصائيين:

«... لا تتوقف مهمة الغدد التناسلية عند حفظ النسل والنوع البشري وحسب، بل لها تاثير ايضا في تشديد النشاطات الفسلجية والنفسية والمعنوية في الانسان وتقويتها، فنحن لا نجد بين «الخناثى» فلاسفة وعلماء كبارا، بل ولا نجد فيهم حتى مجرمين محترفين!

ان للخصيتين والبويضات نشاطات واسعة النطاق، فانها اول ما تصنع الخلايا المذكرة او المؤنثة... ويترشح منها في الوقت نفسه مواد تصب في الدم تظهر آثارها في انسجة ابداننا واحاسيسنا، ومن ثم تخلق فينا خصائص الرجولة اوالانوثة، كما وتدب في جميع نشاطاتنا الجسدية رشحات القوة والشدة.

وتترك الترشحات الخارجة من الخصيتين حالة من التهور والهيجان والخشونة، وهذه الحالة هي التي تميز العجول التي تراض للمبارزة والقتال عن العجول التي تستخدم للحرث في المزارع، كما يؤثر الترشح الحاصل من البويضات لدى المراة بالطريقة نفسها، على وجودها الا ان نشاطه هنا محدود وموقوف على مرحلة معينة من حياتها، ثم تضعف البويضات فيها وتتحجم وتتوقف عن العمل حتى تصل المراة الى سن الياس، ونتيجة لقصر فترة نشاط البويضات في المراة فانها تبدو اكثر ذبولا وعجزا من الرجل في سن الشيخوخة، وهذا بخلاف الخصيتين عند الرجل فانهما يبقيان الى آخر العمر في نشاط وحيوية مستمرين.

ثم ان الفرق بين المراة والرجل لا يتمثل في الهيئة والتركيبة الجنسية في كل منهما، او في الرحم والانجاب لدى المراة،ولا حتى في التعلم فقط، بل ان ذلك كله حصيلة سبب اعمق يكون ناشئا من تاثير المواد الكيميائية المترشحة من الغددالتناسلية في الدم. ونتيجة للغفلة عن هذه المسالة الاساسية والمهمة نجد ان اتباع النهضة النسوية ذهبوا الى القول: انه بامكان كل من الجنسين ممارسة نوع واحد من التعليم والتربية ومزاولة الاعمال والقيام بالمسؤوليات على حد سواء!

الا ان المراة - في الواقع - تختلف عن الرجل من جهات كثيرة..
ان الخصيتين، لدى الرجل تسهمان دائما ومدى العمر في بناء النواة الاولى التي تكون سببا في توليد الخلايا الجديدة نتيجة الانشطارات المتاخرة فيها، ولكن الام - المراة، واضافة الى مشاركتها في تكوين نصف مواد نواة الخلية الاولى، تنفرد في تجميع البروتوبلازما اللازمة لهذه النواة التي تستقطب الخلية المذكورة، ومن ثم كانت مهمة الام في تكوين الجنين اهم من مهمة الاب...
ان امد الانجاب عند الرجل قصير، ولكنه عند المراة طويل يمتد تسعة اشهر او نحوها، حيث ان الجنين، وطوال هذه المدة، يتغذى وينمو بسبب ما يصله من غذاء مصفى وبسبب ما يصله من دم الام، والطفل - في الوقت الذي ياخذ فيه ما يحتاجه لنموه من الام ليصنع به انسجة وخلايا جديدة - يخلف بعض ترشحات انسجته في بدن الام... فهو يؤثرطوال مدة الحمل على امه، حتى انها قد تصاب بالتسمم بسببه.

واخيرا، فان تواجد الجنين في رحم امه يؤثر عليها بشكل كبير، وذلك لعدم انسجام او تجانس انسجته معها، ومن هنانشاهد التغيرات الفسيولوجية والنفسية تظهر على الام طوال مرحلة الحمل وبشكل واضح»((347)).

«... ويترشح من خلايا الاعضاء الجسدية مواد تصب في الدم، وهي تؤثر - وبشكل قطعي - على نشاط الانسان النفسي والمعنوي.

ان للخصيتين تاثيرا اكبر من تاثير بقية الغدد الداخلية على قوة الجسد والحالات النفسية والروحية العارضة، فان الرغبة الجنسية لدى الفنانين وكبار الشعراء والقديسين وذوي الفتوحات الكبيرة تكون شديدة في الغالب، وعند استئصال الغدد الجنسية تحصل تغيرات - حتى لدى البالغين - في الحالات النفسية، وعند استئصال المبيض من المراة تصاب بحالة من الخمول وفقدان بعض النشاط الفكري، او الحس الخلقي المرهف، كما تمحق شخصية الرجل باستئصال الخصيتين جراحيا..
لقد كان اغلب عظماء الفنانين عشاقا، وكان الغدد الجنسية ضرورية في كسب الالهام، فالعشق لما يبلغ مراده يثير في الروح هيجانا، فلو ان «بتريكس» كانت قد تزوجت «دانتي» فلعل اثرا مثل «الكوميديا الالهية» لم يخرج الى ساحة الفن...»((348)).

«... لو فرضنا ان بامكان المؤثرات التي تحرك الغدد الترشحية التاثير على سلوك الانسان، فلا غرو في اننا سوف لا نجداختلافا -بحسب اللحاظ النفسي في الصفات المميزة بين الذكر والانثى فحسب، بل سوف يكون لنا حديث آخر مع الرغبات البارزة والمختصة بكل جنس، تلك الرغبات الواقعة تحت تاثير التغييرات الفردية المهمة.. ولكن للمسالة -وخارجا عن اطار الهيجان النفسي المتاثر بالجنس، بما فيه من ظواهر اخرى - تاثيرا خاصا في تكامل الشخصية...»((349)).

4 - البعد العاطفي
من الواضح ان بين المراة والرجل فوارق كثيرة في البعد العاطفي، فان للنساء عاطفة جياشة اشد مما هي عند الرجال، اذان المراة تتاثر، وبسرعة، بالمواقف العاطفية المثيرة، وترتبط المثل والقيم العاطفية في هذين الجنسين بنوع جنس كل منهما، فالمراة تنظر للامور والموضوعات وسائر امور الحياة، بل الى جميع البشر، بعين الانوثة، ويرى الرجل ذلك جميعه بعين الذكورة.

ولو صح هذا الكلام - ولو بشكل نسبي - يكون للانسان في آرائه وحكمه على الامور في كل شيء دور المشاهدوالممثل في آن واحد، وعلى اي حال، فان لكل ظاهرة لونا وحالة تستلهمهما من الخصوصيات الشخصية الفردية، فان الخصائص الجنسية تلعب دورا اكثر خطورة في كيفية النظرة والرؤية لدى المراة والرجل. وان تمتع المراة بالعواطف الجياشة يعد في حد ذاته حكمة بالغة في نظام الخلقة من اجل استمرار عملية الانجاب والتناسل، ومن اجل ان يشادصرح البناء العائلي بشكل مستمر ودائم.

5 - البعد العقلي
يعد الاختلاف في وزن الدماغ، لدى كل من الرجل والمراة، احدى اهم المميزات الاخرى بين الجنسين، فان استيعاب المراة ومدى تحملها وحجم جمجمتها ومقدار النخاع لديها اقل مما هو لدى الرجل، ولا يتجاوز طولها - من اي قومية او شعب كانت - مقدار طول الرجل، وكذلك لا تتجاوز نسبة وزن دماغها المئتي غرام - اي بما يقل عن وزنه عندالرجل وحينئذ فلا بد من الاقرار بهذه الحقيقة؛ وهي ان بين الجنسين فوارق في الوقت الذي يكونان فيه متساويين،وهذا عين الحكمة والصواب، فان لهذين الجنسين مهمات ووظائف خاصة قد وضعها على عاتقيهما النظام الكوني،ومن لوازم تلك المهمات والمسؤوليات الخاصة وجود فوارق وتمايزات في الهيئة العامة والفسلجة الجسدية ووضعية اعضاء كل منهما، وهذه حقيقة لا يمكن انكارها.

يقول كبار المفكرين وذوي الاختصاص: «ان الانسان يفكر ويدرك ويتعلم ويتعقل الامور بكل وجوده، فان تكن الاداة المباشرة والاساسية لذلك، هي الدماغ، الا ان الانسان ليس متحررا عن مجموعة المؤثرات الجسدية الكثيرة ابدا، فالهرمونات والغدد التناسلية، والهيئة العامة للبدن، ووزن الدماغ، والطول، ومراحل الحمل بالنسبة للمراة، وآلاف النشاطات الفسلجية والنفسية المتعلقة بالوضع البدني - وغير ذلك من المواصفات المعروفة او التي سوف تعرف تلك الامور جميعها تؤثر على تفكير الانسان وادراكه.
وفي جملة واحدة نقول: ان الانسان، وفي الوقت الذي يفكر فيه بدماغه ويستعمل جميع قواه الجسدية، فانه مع ذلك يحب ويتالم ويشكر ويدعو و...»((350)).

وفي هذه الحالة، لا ريب في صحة القول: ان للوضع العقلي لدى المراة والرجل فوارق وامتيازات، خصوصا بعد ان عرفنا بوجود علاقة بين الغدد الجنسية والدماغ. ومن هنا يمكن القول: ان ما تحمله الام من افكار لو كانت جافة يعلوهاشيء من الجمود، فان الوليد سيعاني من نقص تربوي وتدن في الحالة العاطفية، وان من شان ذلك ان يوجه اضراراجسيمة الى الجيل البشري.
ولعل للاختلاف في المخ الذي تحدثنا عنه آنفا - وهو يحدث اي نقص في نوع انسانية المراة - ابعادا في تفتح الابعادالعاطفية والحسية ونضجها، واعداد الارضية المناسبة لبناء الانسان (اعني دور الامومة)، ومن هنا فان للميول والنزعات لدى الجنسين فوارق طريفة ودقيقة.

«... تعمل النساء، وبشكل اوسع من الرجال، في مجال الموسيقى، ولكن الاثار الموسيقية الخالدة التي ابدعتها النساءاقل من الاثار الخالدة التي ابدعها الرجال»((351)). وان جميع ذلك يحصل جراء نوع من الميل والرغبة والحب، فمنهم من يكون عاشقا للموسيقى بشغف ياخذ بجوانب قلبه، وآخر يميل الى ابداع السمفونيات والالحان، وهذا ما قد يشاهدتحققه في القضايا العلمية والفلسفية والاختراعات ايضا، فقد كان تاسيس قواعد المذاهب الفلسفية العظمى على ايدي الرجال، وايضا كانت الابداعات والاختراعات العظيمة تتحقق في الغالب على ايدي الرجال.

التكامل والمساواة
ان مما لا يعتريه الريب ان الغرض من التكامل العقلي في هذه الحياة هو الوصول الى السعادة، وان الكمال الانساني يعدامرا ضروريا ولازما، وهذا ما نجده ونلمسه لدى النساء، ومن هنا فلا فرق بين المراة والرجل في الامور التي يشترط فيهاالتكامل العقلي والتكامل في الادراك، كما لا فرق بينهما في العقل ايضا بلحاظ كونه افضل اداة يملكها الانسان من اجل هدايته نحو معرفة المبدا وكشف عجائب الايات الالهية، كما ان العقل هو الذي يبلغ بالانسان الى الخلود في دارالسعادة والعمل بالقيم الرفيعة والسامية، فانا نجد ان الايات القرآنية تذكر - وبشكل بين وصريح - المراة المؤمنة الى جانب الرجل المؤمن، والعابدة والقانتة الى جانب العابد والقانت، والخاشعة الى جانب الرجل الخاشع، و... وانهمامتساويان واحدهما يقف الى جانب الاخر، وهذا يدل على حقيقة تساوي المراة والرجل في العقيدة - الايمان باللهتعالى - وتساويهما في ضرورية التكامل الديني، وبهذه المناسبة نشير اشارة خاطفة الى موردين:

أ - عد الاسلام الرشد العقلي شرطا في المسائل المالية والاقتصادية، وهذا ما تعرض الفقهاء لبحثه لدى بيانهم للاحكام المرتبطة بالبلوغ الجنسي والاجتماعي، فان البلوغ، او التكامل، العقلي والاجتماعي، هو التكامل الاكثر اهمية من البلوغ او التكامل الجنسي، ولا فرق في هذا التكامل بين الانثى والذكر؛ فان بلوغ كل منهما ذلك الكمال والرشد العقلي يسمح له بالمشاركة في مختلف النشاطات الاقتصادية.

ب - ان للاب والجد تجاه الفتيات - غير الرشيدات - نوع من الولاية والمسؤولية، فانه لا بد من احراز رضاهما في امرالنكاح واختيار الزوج، وهذه الولاية لا تشمل الفتيات اللواتي بلغن مرحلة الرشد العقلي، اذ ليس للاب والجد مثل هذه الولاية عليهن في هذه المرحلة. وهذا بحاجة الى دقة وتامل، فمع كون ولاية الاباء وارشادهم للاحداث من الفتيات الفاقدات للتجربة العملية في الحياة - ضرورة عقلية واجتماعية ملحة من اجل تامين والحفاظ على مصالحهن. اقول: مع ذلك كله، فان هناك من بلغت من الفتيات مرحلة الرشد؛ حيث تتمكن من اتخاذ القرار والموقف في الامورالخطيرة والحساسة والمصيرية كاختيار الزوج المناسب من دون الوقوع في الخطا، ومن دون حاجة الى استشارة ذوي الاختصاص والخبرة ممن يهمه امرها، وهذا امر تنبغي دراسة جوانبه بشكل اوسع، فان امثال هذه المعايير توضح هذه الحقيقة، وهي ان تلك الاحكام رات الى المرحلة الزمنية التي كانت تعيشها تلك الفتيات، فلو اختلفت حالة النساء، في يوم من الايام، وبلغت المراة مرحلة عالية من الكمال العقلي والثقافي الذي تتمكن معه من معرفة تامين مصالحها،لاختلفت المعايير والموازين ايضا، وما لم يكن الاسلام من مختصات زمن او مجتمع معين نجد انه قد ذكر احكام تلك التطورات والمستجدات.

ولعل من المناسب اضافة مورد ثالث الى الموردين السابقين، وهو النيابة في الحج، فان موضع نيابة المراة من المسائل التي تعرض لبحثها الفقهاء في فريضة الحج، والنيابة شرعت في حق العاجز عن القيام باداء مناسك الحج بنفسه،والسؤال هو: هل ان بامكان المراة ان تحج حجا نيابيا عن الرجل؟ الجواب: نعم، وان كانت النيابة في حج الرجل ضرورة(الحج الاول)، فقد ورد عن الامام الصادق(ع) انه سئل عن المراة تحج عن الرجل الضرورة؟ قال: «ان كانت قد حجت،وكانت فقيهة، فرب امراة افقه من رجل»((352)).

والمسالة المهمة، في كلام الامام الصادق(ع) التي لا بد من الالتفات اليها، هو ما ذكره(ع) عن تفقه المراة ومعرفتها بالدين، وانها قد تنال بالسعي والمثابرة في تعلم الفقه والدين مقاما يفوق ما يناله الرجل من ذلك.

كما نشاهد اليوم نماذج كثيرة لذلك، حتى ورد انه سيكون للمراة في عصر ظهور صاحب الزمان(ع) حضورا في ميدان الفقه والدين، قال الامام الباقر(ع): «وتؤتون الحكمة في زمانه حتى ان المراة لتقضي في بيتها بكتاب الله تعالى وسنة رسول الله»((353))، خصوصا مع الالتفات الى ان من الشروط اللازمة في القضاء الفقاهة والمعرفة الصحيحة بالاحكام.

اداء الدور في اطار السنن الطبيعية الحاكمة في الوقت الذي يكون فيه الانسان - سواء كان امراة ام رجلا - حرا ومختارا، وبامكانه اتخاذ القرار واختيار اصلح الطرق والاعمال، يكون، مع ذلك كله، اسير جملة من القوانين والسنن الكونية والطبيعية القاهرة التي تابى التخلف والاختلاف والتبدل والتغيير، فلا يمكنه اجتياز تلك العقبة او التخلص منها، فالانسان عندما يجوع بامكانه ان يسد رمقه من الطعام،وعندما يحتاج الى استنشاق الهواء عليه ان يستعمل جهازه التنفسي، وحينما يصاب بمرض فانه يحتاج الى الدواء،وعندما ينتهي به العمر الى الشيخوخة تجده قد تلاشت قواه بالتدريج ومن ثم يفقد قواه بالمرة، ثم يكون مصيره الموت والفناء. فليس للانسان ارادة ولا اختيار في مثل هذه الامور، كما انه لا مجال له في الخلاص منها، ولا سبيل امامه سوى التسليم والانقياد.

وبعد بيان هذا الامر العام والاصل الثابت، نصل الى الحديث عن محور اساسي، وهو ان القوانين الجبرية الحاكمة على كل كائن وموجود لا تقبل التغيير او البطلان، وان السعي الى تغييرها يخل بوجود ذلك الموجود ويؤول به الى العدم، ولوافترضنا له الحياة والبقاء فمن المحتمل ان لا يكون هذا الموجود مفيدا او مجديا في ما بعد.

ان القوانين والسنن الحاكمة على الكون، والتي تابى التخلف والاختلاف، حاكمة كذلك على هذا الكائن الذي يحمل اسم الانسان بما فيه المراة والرجل، وان لذلك ارتباطا وثيقا بما يؤديه كل منهما من دور وما يحمله من رسالة، فيتحتم على كل واحد منهما البحث عن دوره ومهمته في اطار تلك السنن والقوانين، لكون كل منهما محكوما بذلك، وان عليهما اخراج نفسيهما من دائرة التصور القائل: ان بامكان الجنس المؤنث ان يؤدي دور المذكر، وان بامكان الجنس المذكر ان يؤدي دور المؤنث، معتبرا ذلك نوعا من التكامل والتطور او الطفرة: «... ان القوانين الفسيولوجية هي، ايضا، نظير القوانين والسنن الحاكمة على عالم الوجود، فهي قوانين صعبة تابى التغيير، ولا يمكن للرغبات البشرية ان تجداليها سبيلا او تنفذ اليها ابدا»((354)). وعليه فلا بد لكل انسان من ان يسعى ويجد في تحصيل ذلك ضمن اطار هويته الوجودية وكيانه الانساني، وان عليه ان يجد في ميادين العلم والعمل، وان ينهض بنفسه وينتشلها من حضيض الحياة المادية ليبلغ الكمال المنشود.
ومن خلال هذا الميزان الدقيق يتسنى الحديث عن المهمة الخاصة التي يتحملها كل من الرجل والمراة، فهما - وفي الوقت الذي يشتركان فيه في النوع البشري الواحد - يحملان رسالة مهمة خاصة تكون خطة التنفيذ فيها مطابقة لقوانين الطبيعة، فمهمة المراة تحتم عليها ان تكون امراة صالحة، ومهمة الرجل ان يكون رجلا صالحا، وذلك بالعمل وفق ماتمليه قوانين الطبيعة وماتجعله على عاتق كل منهما، وما عليهما الا اداء ذلك على اكمل وجه.