شارك هذا الموضوع

كيف يُقرأ الملف النووي الإيراني

مثلما كان مُتوقعاً قبل الثالث عشر من شهر سبتمبر الجاري فقد تأجّمحمد عبد اللهل النظر في ملف إيران النووي إلى الخامس والعشرين من شهر تشرين الأول / نوفمبر القادم وهو القرار الذي اتخذه مجلس الحكّام التابع للوكالة الدولية للطاقة الذرية بدفوع قوية من الدول الأوروبية الثلاث بريطانيا وفرنسا وألمانيا وبتشذيب لمواده السابعة والثامنة من قِبَل سفراء دول حركة عدم الانحياز، إلاّ أن الذي لم يكن متوقعاً هو اعتراف مدير عام الوكالة محمد البرادعي في تقريره أن التخصيب العالي 36 و54 في منشآت نطنز والأجهزة الكهربائية لم يحدث داخل إيران، وإن الوكالة كانت تعلم بموقع بارجين (الذي أثارته وكالة المخابرات الأمريكية) وأنها ليست لديها ما يُشير إلى أن هذا الموقع يُستخدم لتصنيع قنابل نووية، وهو ما حدا بأمين المجلس الأعلى للأمن القومي حسن روحاني وكذا المتحدث باسم الوفد الإيراني لدى الوكالة حسين موسويان لأن يصفوه بأنه موقف واقعي وواضح أكثر مما سبقه من تقارير .


اتفاق سعدآباد
المتابع لما يجري في أروقة الوكالة الدولية وما تقوم به الدول الأوروبية الثلاث الآن من سلوك غير قانوني وبالخصوص قرارها الأخير الذي اعتبرته طهران ذات طابع سياسي، سيتبدى له أن تلك الدول التي وقعت اتفاق سعدآباد في طهران قد شعرت بالهزيمة السياسية في جولتها تلك مع الإيرانيين خصوصاً وأن طهران استطاعت في ذلك الاتفاق أن تُخرج محطة بوشهر النووية من أي مناقشات أو مفاوضات تُجرى مع الوكالة، والاحتفاظ لنفسها بإعادة البدء في تخصيب اليورانيوم عندما يُتَقرر إيقافـه من قِبَلِها في أي وقت تشاء كما ذكر ذلك صراحة حسن روحاني بحضور وزراء خارجية الدول المُوقَّعَة، كما حصلت على وعد مكتوب منهم بتزويدها بالتكنولوجيا النووية، لذلك فقد سارع الأوربيون بعد فترة ليست بالطويلة إلى الحنث بما أقروا به في سعدآباد رغم التزام الجانب الإيراني بتعهداته والقبول بتوقيع البرتوكول الإضافي الذي يسمح بعمليات تفتيش مباغتة وبدون إشعار مسبق، هذا إلى جانب قوة الضغوط الأمريكية عليهم والتي لا يُمكن التقليل منها .


وهنا يُمكن الإشارة إلى أمر في غاية الأهمية قد يغيب على البعض بسبب تسارع الأحداث وهو ما يتعلق بتحقيب برنامج إيران النووي قبل دخول روسيا على الخط في العام 1992 ومدى حجم المساعدات التي قدمتها بعض الدول الأوروبية لطهران في عملية وضع اللبنات الأساسية، وهو ما ذكره صراحة تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فبراير الماضي :


• الولايات المتحدة تُسلّم الشاه مفاعل نووي صغير يُستخدم فيه اليورانيوم المُخَصَّب حتى نسبة 93 بالمائة .


• ابتداءً من العام 1988 و1989 ولغاية اليوم تقوم جنوب أفريقيا بتزويد إيران بالمواد الخام الرئيسية والتي تحتاجها في أنشطتها النووية .


• الحكومة الإيرانية تقوم في منتصف الثمانينات بنقل المتخصصين والتجهيزات والمعدات النووية من مركز أبحاث أميرآباد النووي إلى مُجمَّع للبحوث النووية بالقرب من إصفهان ثم بناء مركز جديد بجامعتها بمساعدة فرنسية، وأنه ووفقاً لتقرير الوكالة فإن الإيزوتوب الليزري ومفاعل الماء الثقيل كانا من أهم الأنشطة النووية الرئيسية لإيران خلال تلك الفترة .


• في العام 1987 إيران تُعلن أن لديها مشروعات في محافظة يزد تهدف إلى تجهيز وتوفير احتياجاتها الخاصة بالأنشطة النووية، كما قامت في ذات الفترة بشراء دي أكسيد اليورانيوم من الأرجنتين عن طريق الجزائر، وبعدها موافقة بيونس آيرس على بيع يورانيوم إلى إيران بقيمة 5.5 مليون دولار .


• إيران تُبرم اتفاقية مع الصين في العام 1990 يقضي بتعليم المتخصصين النوويين الإيرانيين في بكين، وفي العام 1991 تُوقّع الدولتان أيضاً اتفاقاً لإنشاء لجنة علمية صناعية وتكنولوجية من أجل حماية الأمن القومي بهدف بناء مفاعل بحثي صغير بقدرة 27 كيلووات داخل المنشآت البحثية النووية في أصفهان، بالإضافة إلى تزويد طهران بجهاز إلكترومغناطيسي لفصل الإيزوتوب .


• في أواخر العام 1987 وأوائل العام 1988 زارت إيران مجموعة من الشركات الألمانية وقدمت لها اليورانيوم المخصب بنسبة 20 بالمائة والتكنولوجيا اللازمة للاستخدام المتجدد للبلوتونيوم .


• وفد مُكون من عشرة أشخاص يتبع وزارة الصناعة الإيرانية يصل مدريد ويُفاوض مدير مجموعة شركات اليورانيوم الوطنية آدولفوجارسيا رودريجوئيز من أجل تجديد وترميم واستكمال بناء المفاعلات غير المُكتملة .


المهم في تلك المحطات أنها تُبيّن مدى التعاون الذي أبدته بعض الدول الغربية تجاه متطلبات إيران النووية وبالتالي فإن تلك الأنشطة كانت بعلم تلك الدول بل وتحت سيطرتها، وهو ما يُدعّم من موقف طهران في مفاوضاتها الجارية مع الوكالة .


وأخيراً
على كل حال البائن من كل ما يجري أن الموقف الإيراني هو جيد (تفاوضياً وقانونياً وسياسياً) خصوصاً وأن القرار الأوروبي على الرغم من أنه لم يُرضي الإيرانيين بالشكل الكافي إلاّ أنه في نفس الوقت منح طهران مُهلة لغاية نوفمبر القادم لإزالة الشكوك في قيامها بتطوير أسلحة نووية سراً، كما أنه لا ينص على رفع المسألة إلى مجلس الأمن تلقائياً إذا فشلت في القيام بذلك، أضف إلى ذلك أنه وبعد ضغوط دول عدم الانحياز لتعديل المادتين 7 و8 من القرار أقرّت الدول الثلاث بأنها لا تنوي حرمان إيران من حقها في استخدام الطاقة النووية .


وأمام تلك المعطيات فإن طهران :
• لن تقوم بإيقاف تخصيب اليورانيوم لمدة غير محددة ومرجعيتها في ذلك اتفاق أكتوبر الماضي مع الدول الثلاث .


• لن تقوم بتعليق جديد لصناعة قطع تدخل في تركيب أجهزة الطرد المركزي، خصوصاً وأنها قد توصلت في مجال تصنيع القطع والتجميع وازدياد نسبة الدقة النووية .


• تستطيع ووفقاً للمادة رقم 22 من ضمانات السلامة على أنه في حالة عدم تسوية الخلافات بين بلد والوكالة الدولية عن طريق المحادثات فإنه يُمكن متابعة القضية من اللجوء إلى محكمة العدل الدولية وهو خيار يُمكن أن يسحب البساط من تحت أي تحرك لرفع الملف النووي الإيراني لمجلس الأمن .


• إن طهران تستقوي في موقفها ببعض الدول المُهمّة كالصين التي هددت باستخدام حق النقض الفيتو حسب مصادر غير رسمية .


الآن يبدو أن إصرار إيران على التمسك بمرجعية سعدآباد هو إحراج للموقف الأوروبي وللوكالة الدولية، خصوصاً وأن ذلك الاتفاق لم يُوقّع في غُرف مظلمة أو سرية بعيدة عن الأضواء، ولكن تبقى الأيام القادمة حبلى بالمفاجئات .

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع