بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد
س: ما رأيكم فيما يفعله بعض المؤمنين في مواليد الأئمة من الخروج إلى الشوارع وتوزيع الحلوى وتزيين الطرقات؟
ج: إنَّ كل ما ذُكر يقع في سياق الإحياء لأمر أهل البيت (ع) وهو أمر راجح حضّت عليه الروايات وأفادت أنَّ( شيعتنا خُلقوا من فاضلِ طينتنا يحزنون لحزننا ويفرحون لفرحنا )، كما ورد عن الصادقين(ع) قولهم: ( أحيوا أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا ).
ولذلك جرت سيرة المؤمنين من الشيعة ومنذ عصورٍ متقدمة على إحياء هذه الذكريات المباركة.
ومظاهر الإحياء وإن اختلفت صورها باختلاف الزمان والمكان إلا أنها بقيت في سياق واحد تستهدف التوثيق للصلة بين أهل البيت (ع) وبين شيعتهم، وتعبِّر عن تمسكها وولائها لهذه الرموز الإلهية، وتستوحي من ذكرياتها السجايا النبيلة والأخلاق الفاضلة التي كان عليها أهل البيت (ع)، وعلى ذلك نربِّي ناشئتنا وصغارنا فإذا ما كبروا كبرت في جوانحكم معاني الفضيلة وتجذَّرت في قلوبهم أغصان العشق والولاء لأصفياء الله ونجبائه (ع)، عندها نكون قد وفينا بعهدنا وأنجزنا الوعد الذي تواثقنا عليه مع ربِّنا عزَّ وجل.
فنحن نؤيد كلَّ مظاهر الإحياء لمواليد الأئمة (ع) ونشدُّ على أيدي كلِّ من ساهم في ذلك ونبشِّره بالرضوان الإلهي على أن يكون ذلك في سياق الضوابط الشرعيّة، إذ لا يُطاع الله عزَّ وجل من حيث يُعصى.
وانطلاقاً من ذلك ومن مسؤليتنا الدينية نرى من المناسب التنبيهَ على مجموعةٍ من الأمور :
الأمر الأوّل: ينبغي أن لا يستخفَّ بنا الفرح فنغفل عن أهدافنا التي أشرنا إليها آنفاً، وعندئذٍ قد نمارس ما لا ربط له بالغرض من الإحياء.
الأمر الثاني: ينبغي أن نُراقب وبشكلٍ دائم كل ممارساتنا وأفعالنا حتى لا نتوّرط بمخالفة شرعيّة تُحوِّل طاعتنا إلى معصية.
الأمر الثالث: إنَّ الإحتفال بمواليد الأئمة (ع) وإبداء البهجة والسرور لذلك أمر مشروع وراجع لمطلق الرجال والنساء، إلا أن لكلٍ محفلهُ فمن غير الجائز أن تأتي النساء لمحافلِ الرجال ومحال تجمعهم، فإنَّ ذلك مما لا يرضاه أهل البيت (ع)، وقد نهى عنه الإمام علي ابن أبي طالب (ع) في نهج البلاغة كما نهى عن ذلك أهل البيت (ع).
فما يفعله بعض النساء من الذهابِ إلى محافل الرجال في الطرقات لتناول الحلوى وتبادل التبريكات أمرٌ منافٍ لتوصيات أهل البيت (ع) حتى وإن كانت النساء في كاملِ حجابهن وعفتهن، إذ ما من موضع يجتمع فيه الرجال والنساء إلا وكان الشيطان بينهم. وهذه الظاهرة وإن لم تكن رائجة إلا إننا نخشى من رواجها عند من يتساهل في الدين.
كما انَّ ما يفعله بعض الأخوة الأعزاء من ايقاف السيارات لتقديم الحلوى لأصحابها حتى وإن كنَّ نساء أمر منافٍ لتوصيات أهلِ البيت (ع) خصوصاً وانَّ ذلك قد يتم مع تبادل التحيَّات والإبتسامات، وتلك هي حبائلُ الشيطان التي يصطادُ بها فرائسه، وقد يندسُّ بين المؤمنين من لا دينَ له فيستثمر هذه الفرصة لأغراضه الشخصية الخبيثة، فنكون قد ساهمنا في أن يُعصى الله عز وجل من حيث لا نشعر.
فإذا كنا لا نتمكن من ضبط هذا الأمر فعلينا أن نُلغي هذا النوع من التعبير عن الفرح ونبحثُ عن وسيلة أخرى نكون معها قادرينَ على التحفُّظ على الموازين الشرعيّة والاخلاقية.
الأمر الرابع: إنَّ ما يفعله بعض الأخوة من فتح مكبِّرات الصوت ليُذاع منها أناشيد لهوية أمرٌ غير جائز شرعاً كما أن الإنشاد بصوت مرتفع يصل إلى حد الضجيج أمر غير مناسبٍ أخلاقياً.
الأمر الخامس: الازدحام الموجب لإعاقة حركة السير وتعطيل الطرقات يُفتي الفقهاء بحرمته، وذلك لأنَّ الطرقات حق مُشاع لجميع المسلمين لا يجوز تعطيلها.
الأمر السادس: أوصي الأخوة الأعزاء في كل منطقة تشكيل هيئة منظِّمة لمراسم الإحياء، وذلك لمراقبة سيرها والتأكد من التزامها بالضوابط الشرعيةّ والاخلاقية حتى لا يندسَّ في أوساط المؤمنين من يبتغي الحصول على مآرب دنيئة.
أدعولكم في الختام بالتوفيق والتسديد وأن تكون أعمالكم خالصة لوجه الله عزَّ وجل وأن نكون وإياكم مشمولين لدعوات صاحب العصر والزمان أرواحنا له الفداء.
والحمدُ للهِ ربِّ العالمين ،
سماحة الشيخ محمد صنقور
12 شعبان 1425هـ
التعليقات (0)