رجال من زمن اللؤلؤ - (20)
أحمد بن خميس يواجه «الدقاقه» والنهابة
المحرق - محمد حميد السلمان
أجد لزاماً في بداية هذه الحلقة أن أنقل مشاركة العديد من القراء في دعم هذه السلسلة التراثية البحرينية بمعلومات قيمة بين الحين والآخر وهم يتابعون فصولها. وقد جاءت ملاحظة مهمة من أحد قاطني منطقة البلاد القديم، وهي عاصمة البحرين القديمة كما تعلمون، يبدي فيها تعليقاً طريفاً بغيرة محمودة على أننا كررنا في موضوع المدرسة المباركية العلوية أن موقعها في الخميس وأنها سميت مدرسة الخميس، مع أن الواقع يقول إنه لا توجد منطقة مترامية الأطراف وسكنية قديمة تدعى الخميس. وغاية ما كان موجوداً وإلى اليوم هو مسجد الخميس بسبب ارتباطه أساساً بسوق الخميس الذي اندثر موقعه ومكان إقامته كل خميس. أما التسمية الحقيقية فهي منطقة البلاد القديم، وبالتالي يجب أن يذكر أن مدرسة المباركية العلوية هي في البلاد القديم وليس الخميس إحقاقاً للبحث التاريخي. ولذا وجب علينا تثبيت هذه الملاحظة القيمة.
وتقديراً لعبدعلي عباس أديبي الذي زودنا بمعلومات وافية عن المدرسة العلوية طوال فترة وجوده بها بين أعوام 1939- 1957، فإننا ننشر صورته يوم كان مديراً لمدرسة القضيبية للبنين العام 1957 بعد نقله من المباركية على أن ننشر حديثاً مطولاً عنه وسيرته التربوية كاملة وعن تاريخ والده في أول تنظيم لشرطة البحرين في العشرينيات من القرن الماضي في سلسلة أخرى قريباً بعنوان «تربويون من بلدي». كما يحق علينا نظراً لتزاحم الصور في الحلقة الماضية أن ننشر تقدير وزارة التربية والتعليم لدور أحمد بن خميس التربوي بتأسيس المدرسة المباركية من خلال الشهادة التي مُنحت له في احتفال المدرسة باليوبيل الماسي العام 2005م.
أحمد بن خميس يواجه «الدقاقه» والنهابة
مرت على البحرين في زمن اللؤلؤ مع بدايات القرن العشرين فترات من عدم الاستقرار السياسي وكثرة الفتن وانعدام الأمن بين الناس خصوصاً في مناطق تركز تجار اللؤلؤ والطواويش و(نقع) (1) سفن الغوص قرب السواحل الشمالية والشمالية الغربية. وكما يقول عبدعلي أديبي إنه قبل فترة الميجور ديلي - وهو مؤسس أول جهاز للشرطة - لم يكن هناك أي جهاز للأمن الوطني في البلاد. وحتى بعد تأسيس الجهاز الأمني لم يمتد كثيراً إلى خارج العاصمة المنامة إلا في السنوات التالية. ومن هنا كانت مناطق السواحل والقرى تعيش في قلق من كثرة النهابة والسراق لموارد رزق الناس والذين أُطلق عليهم في منطقة السنابس «الدقاقة». لا سيما وأن السنابس بوجود تاجر اللؤلؤ بن خميس وغيره تعتبر من المناطق الغنية بالإضافة لوجود المزارع والأرض ذات المحاصيل المربحة.
فكلما غابت الشمس وأرخى الليل سدوله يبدأ أهالي السنابس يشعرون بخطر محدق بهم يضطر بعضهم للسهر طوال الليل لرعاية أولاده أو حلاله خوفاً من السراق والنهابة الليليين والذين كانوا لا يتورعون ليس فقط عن سرقة أموال وقوت الناس بل وهتك الحرمات أيضاً. وتذكر الروايات الشفاهية - على لسان عبدالأمير وجميل وعلي من عائلة بن خميس - أنه بعد أن ضج الناس من كثرة اللصوص ووحشيتهم ضد الأهالي، قدم أحمد بن خميس أكثر من شكوى (للميجور ديلي) عن تلك الحالة من انعدام الأمن والأمان التي تعيشها السنابس والقرى المحيطة بها بسبب «السراق الليليين». إلا أنه نظراً لقلة أفراد جهاز الشرطة آنذاك لم يستطع تلبية طلبه لحفظ الأمن في تلك المناطق. ولذا فقد بدأ الحاج أحمد بن خميس - والعهدة على الرواة - وهو الغيور على بني وطنه بإعداد جماعات أشبه بالكشافة أو حرس الحدود المتطوعين للدفاع عن الديار. وهذا هو السبب الذي من أجله استأذن بن خميس السلطات المحلية بالسفر إلى المحمرة عاصمة إمارة عربستان (2) للقاء الشيخ خزعل بن جابر بن مرداو للحصول على بعض قطع السلاح التي كانت تتولي بريطانيا وفرنسا تحديداً آنذاك عملية إدخاله إلى الخليج وتسويقه بشكل مباشر أو غير مباشر على شيوخ وأمراء الخليج بضفتيه العربية والإيرانية، ولا يخلو الأمر بالطبع من وجود المهربين كما هو الحال في كل زمان. والمفارقة في الأمر أن البنادق التي حصل عليها بن خميس من شيخ المحمرة كانت ألمانية الصنع وليست إنجليزية. وللعلم فقط، أن هذا الوضع الذي نتحدث عنه لم يكن شيئاً غير اعتيادياً في تلك الفترة القلقة والمضطربة من تاريخ الخليج بوجود الهيمنة والحماية البريطانية والشعور الوطني الرافض لذلك التحكم البريطاني في المنطقة ولعدم وجود قوى أمنية أو جيوش وطنية؛ أن تنتشر عملية بيع السلاح وامتلاكه بين بعض ملاك الأراضي والتجار الكبار لحماية أنفسهم وأملاكهم من العبث والسراق هنا وهناك باتخاذ حرس خاص بهم يرافقهم أحياناً في كل مكان.
وقد جعل بن خميس من الحسينية التي يديرها مركزاً لإدارة عملية الدفاع عن السنابس والقرى المحيطة بها. وتم وضع المتاريس على شكل نصف دائري حول القرية من جهة الساحل والجنوب. ولم يكن بن خميس شخصياً تغمض عيناه إلا بعد أن يطمئن على الأمن في قريته ويتفقد التلال والمتاريس وصحوة الحراس في أزقة وكواليس القرية ليشعر الناس من حوله بالطمأنينة التامة. وفعلاً فقد خفت وطأة اللصوص والسراق الليليين بعد ذلك التنظيم الأمني لفترة، ولكنهم كما يبدو قد انكفؤوا لتجميع قواهم من جديد والعودة لمهاجمة القرية.
وذات ليلة من مطلع العام 1926 والعيون الساهرة في مخابئ الديرة تراقب البر والبحر عبر مداخل القرية ومخارجها، وإذا بطارق ليلي يقترب من السنابس ولم يكن في حسبانه ما حدث بها. فمن هو ذاك الطارق؟ وماذا حدث له؟
في الحلقة القادمة مازال هناك الكثير ليحكى عن بن خميس.
--------------------------------------
(1) النقع: جمع نقعة، وهي عبارة عن أحواض ساحلية شيدها أهل السواحل في الخليج ومنهم البحرين لحماية سفنهم من العواصف والأمواج التي تحدثها رياح الشمال بعد العودة من موسم الغوص. والنقعة عبارة عن سور من الصخور البحرية التي تقتطع من (الفشوت) يحيط بجزء من الساحل وله منافذ عديدة لتسهيل حركة الماء في تلك الأحواض في حالة المد أو الجزر. وقد اشتهر تجار اللؤلؤ في الكويت بإطلاق أسمائهم على معظم النقع في بلادهم. أما في البحرين فلم يكن ذلك طابعاً مميزاً لتجار اللؤلؤ ونواخذة الغوص وإن كنا قد سمعنا عن «نقعة مقرن» في ساحل البديع إلا أن الباحثين في التاريخ يرجعونها لزمن مملكة الجبور التي امتد حكمها في عهد مقرن بن زامل الجبري إلى جزر البحرين.
(2) الشيخ خزعل بن جابر بن مرداو: هو ابن الشيخ جابر الذي كان أميراً على المحمرة خلال الصراع بين بريطانيا وناصر الدين شاه في إيران، وقد مُنح الاستقلال بإقليم عربستان بموجب مرسوم ملكي من قبل ملك إيران ناصر الدين بعد عقد الصلح بينه وبين بريطانيا العام 1857 على أن تكون إمارة عربستان للحاج جابر بن مرداو ولأبنائه من بعده. وقد تولى الشيخ خزعل الحكم بعد أخيه الشيخ مزعل الذي اغتيل بليلٍ العام 1896. وقد اعترفت بريطانيا باستقلال إمارة عربستان العام 1914 في عهد الشيخ خزعل. انظر خزعل، تاريخ الكويت السياسي (بيروت، 1962)، ج 3، ص 98- 104.
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3051 - الخميس 13 يناير 2011م الموافق 08 صفر 1432هـ
( ملحق فضاءات )
التعليقات (1)
سنابسي أصيل
تاريخ: 2011-01-15 - الوقت: 05:53 مساءًإلى الأخ الفاضل الباحث محمد حميد السلمان .. لك ألف تحية على هذه الكتابات العطرة التي تذكر التواريخ بدقة كبيرة وتأخذ بعين الإعتبار مايأتيك من هنا وهناك .. وأتمنى لو تكمل البحث بإصدار كتاب بعد إنهائه ليكون مضمنا بين دفتين بدلا من كتابته في الجريدة وحدها فقط .. كما أدعو إدارة حسينية الحاج أحمد بن خميس تزويد هذا الباحث بكل مالديها من وثائق يمكن أن تساهم وتساعد في تسهيل بحثه، وأدعوها أيضا لدعوته وتكريمه على هذا المجهود الكبير الذي يبذله بإظهار الحقائق