وقفة بين يدي جواد الأئمة ( ع ) في ذكرى استشهاده
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطاهرين
اليوم تمر علينا ذكرى مهمة في تاريخنا وهي شهادة الإمام محمد الجواد ( ع ) .
وقد استشهد سلام الله عليه بالسم من قبل المعتصم العباسي وعلى يد زوجته ام الفضل بنت المامون في سنة عشرين ومائتين في آخر ذي القعدة وهو ابن خمس وعشرين سنة وشهرين وثمانية عشر يوما تحديدا .
والشيء الملفت للنظر والذي نلاحظه دائما ان هناك إهمال واضح من قبل كثير من المختصين ومن قبل عامة الناس هناك إهمال كبير في التعرض لحياة الإمام الجواد والتعرض لفضائله وتاريخه ومواقفه حتى ان كثير من الناس لا يعرف شيء عن هذا الإمام الهمام حتى وصل الحال ان البعض لا يلتفت الى شخصه الكريم ومقامه العظيم .
ونحن هنا لا يمكن لنا ان نستوفي شيء من حياة هذا النجم الساطع والبدر الناصع وكيف لنا بعقولنا القاصرة ان ندرك مقدار هذا الولي المعصوم ولكن نقول حتى لا نقع في دائرة التقصير فيمكن لنا ان نتناول بعض من الأمور التي قلما يلتفت إليها كثير منا ومنها :
أولا :
أول شيء يصادفنا هو المشكلة التي كانت قائمة فبل ولادته حيث أن ولادة الجواد تأخرت حتى ظن بعض الناس ان لن يولد للإمام الرضا ( ع ) ولد ومن هنا بدا المششكون في إمامة أهل البيت يبثون سمومهم بين الناس خصوصا وإنهم أشاعوا ان الرضا لم يولد له ولد ومن هنا يسقطون فكرة ان الأئمة اثنا عشر إمام وان الإمامة ستنقطع عند الإمام الثامن وهو الرضا ( ع ) .
وهو تحدي كبير و ظروفاً عصيبة مرّت بالاِمام الرضا عليه السلام اثارها الانتهازيون للتشكيك بإمامته عليه السلام بعدم إنجابه الوَلَد خصوصا ان الإمامة لا تكون في أخ أو عمٍّ أو غيرهم ، ومن هنا سُئل الاِمام الرضا عليه السلام ، أتكون الإمامة في عمٍّ أو خالٍ ؟ فقال : « لا ، فقلت : ففي أخ ؟ قال : لا ، قلت : ففي مَن ؟ قال : في ولدي ، وهو يومئذٍ لا ولد له » .
لم يولد الجواد حتى وصل عمر الإمام الرضا ( ع ) إلى الخامسة والأربعين وكان الرضا ( ع ) واثق مطمئن بان الله يرزقه ولداً يكون امتدادا للإمامة ومن ذلك ما رواه الكليني قال : كتب ابن قياما إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام كتاباً يقول فيه : كيف تكون إماماً وليس لك ولد ؟
فأجابه أبو الحسن عليه السلام : « وما علمك أنّه لا يكون لي ولد ؟ ! والله لا تمضي الاَيام والليالي حتى يرزقني الله ذكراً يُفرّق بين الحق والباطل ».
وحين ولد ( ع ) اشار الرضا عليه السّلام الى جلالة قدره وبركة وجوده قولُ فقال: هذا المولود الذي لم يولد مولود أعظم بركةً على شيعتنا منه.
ثانيا :
تولى الجواد الإمامة وهو صغير لم يتجاوز الثمان سنوات وهي ظاهرة أول مرة تحدث في حياة أهل البيت ( ع ) ومن خلالها نعرف ان الإمامة والنبوة مرتبطة بعطاء الله عز وجل للعباد الذين يعلم جل جلاله أهليّـتهم لهذا المقام الرفيع ، قال تعالى : ( يا يحيى خُذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبياً ) .
وقال تعالى : ( قالوا كيف نكلم مَن كان في المهد صبياً * قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبياً ).
وبسبب صغر عمره ( عليه السلام ) تعرّض للاختبار والامتحان من قبل الأعداء والمشتبهين حتى ظهرت العلوم الإلهية على يده ( عليه السلام ) ، فكان واضح المعرفة غزير العلوم مما جعل أعداؤه يذعنون ويقرون له بالعلم .
الشيء الأخر الملفت للنظر هو كثرة الأسئلة التي وجهت إلى الإمام الجواد في صغر عمره الشريف و كان الإمام يجيب عن ألاف من الأسئلة فناظره كبراء العلماء على مختلف الاصعده فرؤوا فيه بحر لا ينفد وعطاء لا ينضب.
ومن القصص التي تروى في هذا المجال ما روي عن يحيى بن أكثم قاضي الدولة في سامراء قال :
بَيْنَا أنا ذات يوم دخلت أطوفُ بقبر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فرأيت محمد الجواد ( عليه السلام ) يطوف به ، فناظرته في مسائل عندي ، فأخرجها إلي ، فقلت له : والله إني اريد أن أسألك مسألة وإني لأستحي من ذلك .
فقال ( عليه السلام ) لي : أنا أخبرك قبل أن تسألني
تسألني عن الإمام ؟
فقلت : هو والله هذا .
فقال : أنا هو .
فقلت : ما هي العلامة ؟ فكان في يده ( عليه السلام ) عصا ، فنطقت وقالت : إن مولاي إمام هذا الزمان ، وهو الحجة .
ثالثا :
من الدروس المهمة في حياة الإمام الجواد هو ان الإمام كان قدوة لكل الناس ولكن هناك شيء يخص الشباب تحديدا وذلك لان عمر الإمام حينما استشهد كان في ريعان الشباب وهو خمسة وعشرون سنة ومن هنا نحن نوجه خطابنا لخواننا الشباب بان يجعلوا من الإمام الجواد قدوة لهم في حياتهم .
لقد كان الإمام الجواد (عليه السلام) شاباً في عز الشباب ورغم ان المأمون حينها كان يغدق عليه الأموال الوافرة وكانت الحقوق الشرعية ترد إليه من الشيعة إلاّ أنّه لم يكن ينفق شيئاً منها على نفسه بل كان ينفقها على الفقراء والمحرومين .
وقد رآه الحسين المكاري في بغداد، وكان محاطاً بالتعظيم والتكريم من قِبل الأوساط الرسمية والشعبية فحدّثته نفسه أنّه لا يرجع إلى وطنه يثرب وسوف يقيم في بغداد طالبا للراحة فعرف الإمام ما في نفسه فانعطف عليه وقال له:
( يا حسين، خبز الشعير، وملح الجريش في حرم جدّي رسول الله (صلى الله عليه وآله) أحب إليَّ ممّا تراني فيه..) .
إنّه لم يكن من عشاق الترف والعيش الناعم بل كان زاهدا متوجها الى الله تعالى في كافة شؤنه جاعلا من قوة شبابه وسيلة لطاعة الله تعالى .
رابعا :
حينما نرجع للتاريخ سنجد ان الإمام الجواد (ع) واجه صعوبة في الأوضاع التي عاصرها في حكم بني العباس وهي فترة أُريقتْ فيها الدماء من اجل السلطة والأموال ومن نماذجها ان المأمون قتْل أخاه الأمين واستولى على السلطة وفي تلك الظروف الصعبة سعى المأمون العباسي إلى تقريب الإمام الجواد كما فعل من قبله مع الإمام الرضا (ع) وكان ذلك بدوافع كثيرة منها: نكاية بالعباسيين الذين وقفوا إلى جانب الأمين ومنها أنّ الناس عرفوا ملوك بني العبّاس بالظلم من اجل السلطة والجاه فمالوا إلى أهل البيت (ع) فأراد المأمون بذلك أنْ يصوّر للناس بأنّه محبّ للإمام ( ع) حتى يمتص غضب الأُمّة فاستدعاه من المدينة المنورة إلى بغداد حتى يكون تحت الرقابة المباشرة ومن ثم زوجه من ابنته أم الفضل من الإمام (ع) وقد أراد التمويه بإظهار براءته من اغتياله للإمام الرضا (ع) وحاول التجسس على الإمام الجواد (ع) عن طريق ابنته التي ستكون زوجةً له و من الأسباب هو محاولة إغراء الإمام بالترف والرفاهية لكي يسقطه من أعين الناس لكن كل مؤامراته فشلت بفضل مواجهة الإمام لمخططاته بشجاعة وحكمة .
التعليقات (0)