المسؤولية مهمة عامة..
المسؤولية وظيفة شرعية غير مختصة بشريحة معينة أو عنصر محدد..
وإنما هي أمانة ورسالة يحملها الإنسان بما هو إنسان لا فرق بين رجاله ونساءه..
(إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض فأبين أن يحملنها فحملها الإنسان)
وهناك كم هائل من الآيات والروايات الشريفة الأخرى التي تشير بوضوح لا لبس فيه بأن العمل والمسؤولية وظيفة كل بني البشر ذكراً أم أنثى.
يقول الحق جل وعلا: (من يعمل من الصالحات من ذكر وأنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيراً).
إن العمل مطلوب من جنس الذكر وجنس الأنثى ولا فرق.. كما أن أهل بيت العصمة والطهارة (عليهم السلام) أشاروا إلى هذه الحقيقة وحرضوا عليها وشجعوا على ممارستها غير أنهم (عليهم السلام) وضعوا شروطاً ومواصفات لعمل المرأة في المجتمع، وهذه الشروط لم تمنع المرأة من التحرك ولم تقيدها أو تحد من انطلاقها، وإنما نصحوها ببعض النصائح والوصايا التي تحفظ كرامتها وعفتها وأنوثتها، وتعطي لها المكانة اللائقة التي أرادها الإسلام لها.
فالتربية في الإسلام هي المحور الأساس الذي يقوم عليه كيان المرأة وعملها الشخصي أو النوعي باعتبار امتلاكها لشحنات عالية من العاطفة والرأفة وهذا يأخذ حيزاً كبيراً من كيانها ووقتها.
أما المتبقي من وقتها فإذا كان لديها مهمات تربوية خاصة أو عامة، فهناك أعمال عديدة ومتنوعة تستطيع القيام بها، ولكن الشريعة السمحاء لم تترك الباب هنا مفتوحاً على مصراعيه، وإنما وضعت نسباً وأولويات لبعض الأعمال تناسب مختلف ظروف المرأة.
فنشاهد هناك تحريضاً وتشجيعاً من قبل الشريعة للمرأة لكي تقوم بالمهام التي تحفظها وتصون عفتها.
فالتربية والتعليم والتمريض لا شك أنها أعمال مناسبة للمرأة، أما عملها في مصنع للحديد - مثلاً - ولو كان مصنع الحديد هذا ضمن الضوابط الشرعية، فلا إشكال فيه، لكنه عمل يحتاج إلى مجهود عضلي قد يرهق المرأة ويمنعها من تأدية مهامها البيتية أو العناية بمستلزمات البيت والأولاد وما يتعلق بهما.
والإسلام لا يمنع إطلاقا عمل المرأة ولا يرضى بأن تكون الطاقات النسوية مجمدة في زوايا مظلمة بحجج واهية.
ولا نغالي إذا قلنا بأن الفكر الذي وصلنا من أهل البيت (عليهم السلام) لم يترك أي مسألة أو قضية إلا وأعطاها الحلول الناجعة، وجميع المسائل المتعلقة بالمرأة أفرد لها حيزاً لا بأس به من العناية والتوضيح وهو بهذا يكون المتقدم والمتفوق على غيره من المذاهب والفرق الأخرى التي منعت المرأة وقيدت حركتها في المجتمع. وما الصيحات التي رفعت وترفع هنا وهناك ضد انتهاك حقوق المرأة من قبل بعض المسلمين إلا لكون هؤلاء لم يروا بعد الحقوق العالية والاحترام الكبير الذي أولاه الفكر الشيعي لهذا الوجود المتميز والحساس.
نعم إنهم شاهدوا صور وتصرفات غريبة وغير منطقية من قبل بعض المذاهب والجماعات التي تحسب على الإسلام وهؤلاء لا يمثلون الإسلام الناصع والواقعي وإنما يمثلون أنفسهم وينطلقون من منطلقات خاطئة جاءت بها بعض الجهات والجماعات التي تريد هدم الإسلام وتدميره.
أسباب عدم دخول المرأة المسلمة في معترك العمل
أولاً: الجهل:
فهو كان ومازال المسيطر على العقلية الخاصة والعامة، فمن ناحية نرى المرأة لم تتحرر من هذه العقدة وتدور في جو ملبد من غيوم الجهل العام، بحيث أصبحت بعض المجتمعات لا ترى أي محور أو مهمة تقودها المرأة، ومن ناحية نرى بعض الأمم لا تعطي أي فسحة أو فرصة للمرأة لكي تثبت جدارتها وتمكنها من اجتياز العقبات بسهولة.
ثانيا- الخجل:
الذي أوهم الكثيرات هو الخلط ما بين الحياء والخجل، وجعلهن حبيسات الدار خشية الانفتاح والاحتكاك مع المحيط الخارجي باعتباره صفة لا بد لكل امرأة التحلي بها، فالحياء شيء والخجل شيء آخر؛ فالأول مطلوب ومؤكد عليه، ويجب أن تتحلى به كل امرأة في شتى المجالات والأماكن، بينما الآخر يحبب في مكان وينبذ في آخر فلا إفراط ولا تفريط.
ثالثاً- الكسل:
والراحة والهرب من القضايا التي فيها نوع من الالتزام والمسؤولية بأي شكل من
أشكالها فتفضل حينها اللامبالاة والتغاضي عن أي التزام.
رابعاً- النظرة السلبية العامة:
والنظرة الخاطئة تجاهها والتي تعد من أهم عوائق دخولها في ميادين الحياة المختلفة، رغم الأطروحات الفكرية والحقوقية التي يبثها الإسلام حول المرأة فإلى يومنا هذا ورغم دخولنا قرن الواحد والعشرون، نجد معاناة المرأة مستمرة والغالبية تسعى إلى تجميد وشل طاقاتها حتى إن أرادت هي الدخول في ساحات العمل.
لذا نشاهد انعدام فعاليات المرأة المسلمة بالذات وتجريدها من محتواها الإنساني الرفيع وردعها عن القيام بأي عمل أو نشاط لكونها امرأة ومكانها البيت فقط. وقد ساهمت هذه النظرة المنحطة في الحط من شأنها ومكانتها في أغلب الأوساط الإسلامية وغيرها، فأصبحت تعاني مرة أخرى ما عانته سابقاً قبل ظهور الإسلام، فانسحبت تلقائياً مخلفة دورها إلى العدمية والاضمحلال.
خامساً- الحريات الزائفة:
التي تبثها المجتمعات الغربية والحضارات التي تدعي التطور والتقدم بإعطائها الحرية اللامحدودة في التصرف - باعتبارها مخلوقة رقيقة وقيمتها أنوثتها، وبإمكانها التصرف التام في جسدها؛ فأصبحت المرأة من جراء ذلك كالألعوبة بيد الآخرين، يتصرفون بها كيفما يشاءون، فوجدت الساحة شاغرة تنتظرها لكي تملأ أعين المارة، فجوبهت المرأة المسلمة الملتزمة بالتحديات والعوائق في ساحة العمل؛ لكونها مقيدة بظروف وتقاليد كالحجاب وغيره فأخليت الساحة من وجودها بينما سيطرت المرأة ذات الاتجاهات الهدامة على مجتمعاتنا الإسلامية وغيرها، وأسباب عديدة أخرى، لكننا نردد قائلين أن الدور النسائي دور فعال مستمر لا بد منه.
نظرة الإسلام إلى دور المرأة
يقول تعالى: (المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) ولا يخفى أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الأمور المهمة والحساسة التي تحتاج إلى تحرك وعمل متواصل، فإذا كان جل وعلا قد جعل الرجال والنساء سواء في أداء هذه الوظيفة فمن الأولى أن تكون في الأمور الأخرى طبيعية.
كما يقول أحد الكتاب: (ليست الذكورة هي مقياس تقديرنا لبطولات الرجال بمقدار ما نكبر ونثمن فيهم العطاء والبطولة التي أدّوها أو قاموا بها، فنوعية العمل والدور في زمانه ومكانه هو الذي يعطي القيمة الحقيقة له وليست النوعية من البشر).
أو في آية أخرى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا) فالآية صريحة جداً بما فيه الكفاية وتعطي للمرأة وجودها ودورها المطلوب، فهي شريحة كبيرة في المجتمع وأكثر من النصف فهنا تكون مسؤوليتها مضاعفة؛ إذ عليها أن تتجاوز الواقع السيئ الذي تعيشه من جانب، وأن تقوم بمهامها الاجتماعية دون نقصان من جانب آخر.
فقد سجلت المرأة المسلمة في بداية الدعوة المحمدية صوراً رائعة في تأدية دورها وأصبحت أنموذجاً رائعاً يقتدى به؛ فأين نحن من الصحابية الجليلة (أم عطية) التي تتحدث عن دورها النضالي في معارك الرسالة فتقول: شاركت مع رسول الله سبع غزوات وكنت أخلفهم في رحالهم وأصنع لهم الطعام وأداوي الجرحى وأقوم على المرضى.
فاستمرت هذه الوظيفة إلى يومنا هذا ولا يمكن أن تتوقف عند حد معين، فالزهراء وزينب (عليها السلام).. وكثيرات ممن سجلن أسماءهن في صفوف المقاومة والتحدي والصبر والاستقامة في إعلاء راية الحق ولا بد من الاستمرار.
فالإسلام لا يريد للمرأة أن تكون طاقة معطلة أو مشلولة، فالمجتمع بأمس الحاجة لعطاء المرأة ومساهمتها، وما على المرأة إلا المساهمة البناءة في الحقل الاجتماعي في مختلف مراحل حياتها، وكذلك عليها مواجهة التحديات والعوائق التي تقف حائلاً أمام مسيرتها الحضارية، وأعظم سلاح تستطيع أن تواجه به هذه التحديات ما يلي:
أ) الثقافة.
ب) الإكثار من الحوارات والنقاشات مع الآخرين (أي الحضور في الندوات والمؤتمرات والجلسات التي ترفع من مستوى المرأة العلمي والثقافي).
ج) الجانب الأخلاقي والذي يعد أساساً متيناً للترابط مع المجتمع، من قبيل التواضع -خدمة الآخرين- التفاني- سعة الصدر- الصبر وسائر الأخلاقيات التي حث عليها الإسلام العظيم.
إننا ومن منطلق الواجب نحث جميع إخواننا في داخل البلاد الإسلامية أو خارجها على استغلال الفرصة والإسراع في تهيئة المستلزمات الضرورية للعمل النسوي بجميع أشكاله وأنواعه لكي نلحق بالآخرين الذين سبقونا. والذي يراجع المسائل المتعلقة بالمرأة يرى هناك حثّاً غير عادي من قبل مراجعنا العظام للمرأة على النزول للساحة واستلام بعض المهام التي لا يمكن أن تُسيّر إلا بها. ولعل سماحة آية الله العظمى السيد محمد الشيرازي (دام ظله) لم يترك المسائل المتعلقة بالمرأة إلا وأشبعها بحثاً وشرحاً وقدم كل جديد يساعد على رفع الحواجز والقيود التي تمنع تحرك المرأة وانطلاقها في شتى المجالات.
التعليقات (1)
الاسد
تاريخ: 2007-08-09 - الوقت: 02:24:29اشكر اخوانى الاعزاء على مابدلوة من جهد على هدا الموضوع الجميل