شارك هذا الموضوع

هيئة الاتحاد الوطني... حلم لم تمهله ظروفه

الوسط- نبيلة سليمان
في ذكرى تأسيس هيئة الاتحاد الوطني، نقرأ في التاريخ، نعود إلى تلك الحقبة لنتعرف على ملامحها، نطرق أبواب تاريخ هذه المرحلة من خلال ما سطرته الكتب التاريخية عن هذه المرحلة. إذ ذكر في كتاب مذكرات بلغريف ما بين العامين (1926 -1957)، أنه مع تطور الحوادث ولدت الهيئة التنفيذية العليا، في 13 أكتوبر/تشرين الأول العام 1954 - التي سميت فيما بعد بهيئة الاتحاد الوطني- وكان سؤال بلغريف "لماذا عليا؟ وأعلى ممن؟"، وكانت الإجابة "إنهم يمثلون الشعب".


الأزمة واحتواؤها
كانت هيئة الاتحاد الوطني احتواء لأزمة طائفية تهدد المجتمع البحريني، وتنذر بكوارث سياسية، حدثت في العام 1953, وكان المطلوب يومها احتواء ذلك الخطر بصورة عاجلة وتوجيهه في الاتجاه السليم، بعد التخلص من أسباب التنافر والانقسام.


عقد الاجتماع الأول لتأسيس الهيئة في مأتم بن خميس الذي يفاخر القائمون عليه بهذا الأمر، وذلك في منطقة السنابس، وكان ذلك بداية لقيام ما سُمي بعد ذلك بهيئة الاتحاد الوطني.


وكان يقصد بـ "الهيئة" شخصيات اعتبرت ذاتها ممثلة لفئات الشعب، وكان اتحادها بهدف الإعلان عن نهاية الخلافات الطائفية، والالتقاء تحت شعار واحد بهدف تحقيق مطالب الهيئة الوطنية.


وبعد الاجتماع الأول التقت الأطراف الممثلة لفئات الشعب في أول اجتماع موسع في منزل حسن العرادي في رأس الرمان- بالقرب من منزل بلغريف - ، وكان هدف الاجتماع المعلن هو المصارحة بين الطائفتين لتنفيس الاحتقان وحتى لا تتصاعد الحوادث ولا يستطيع العقلاء بعد ذلك لها إصلاحا، وحرص الجميع على تمثيل عدد معين من كل فئة، ونتج عن هذا اللقاء تشكيل الجمعية العمومية للهيئة من 120 شخصا.


وتم انتخاب ثمانية من الجمعية العمومية وهم: عبدالرحمن الباكر، عبدالعزيز الشملان، عبدعلي العليوات، إبراهيم بن موسى، سيد علي كمال الدين، محسن التاجر، عبد الله أبوديب، ابراهيم محمد حسن فخرو.ومن أهم القرارات التي اتخذتها الهيئة تأسيس مجلس تشريعي، ووضع قانون عام للبلاد الجنائي والمدني، والسماح بتأليف نقابة للعمال، وتأسيس محكمة عليا للنقض والإبرام.


ويقول الباكر في كتابه (من البحرين إلى المنفى): "بعد إعلان بياناتنا كان لابد من وجود مقر نجتمع فيه، ولكننا وجدنا صعوبات تكمن في عدم وجود من يؤجرنا مقره خوفا من نقمة الحكومة، فلم يكن أمامي سوى استعمال مكتب صندوق التعويضات كمقر مؤقتا لنا، حتى تم الاعتراف بالهيئة في مارس/ آذار العام 1956, وأصبح لدينا مقر".


الإضراب
"حينما نفدت الوسائل كلها للوصول إلى حل مع السلطات، وأصبح بلغريف يحاول التدخل في كل ما يخص الهيئة، وسحب كل حرية يمكن أن تصل إليها، وسحب جواز عبد الرحمن الباكر، كوسيلة لكسر قوة الهيئة، لم تجد الهيئة بدا من إعلان الإضراب فأعلنت الإضراب الشامل، وكان أول إضراب من نوعه في البحرين، شمل جميع مرافق الحياة وعطل الحركة، وأصبحت الهيئة هي المسيطرة على البلاد طيلة سبعة أيام، وكان السؤال كيف يمكن تأمين المواد الضرورية، وتأمين الإسعاف، وموظفي المستشفيات، والمرافق العامة كالكهرباء، والماء، لجميع السكان؟".


وكانت المطالب الرئيسية تتلخص في عزل المستشار بلغريف، ووجود لجنة للتحقيق في عدد من الحوادث، وعدم جلب قوات أجنبية، وكان لابد من فك الإضراب قبل أن يفلت الزمام، وتم الاتصال بين الهيئة وبين الإنجليز بشكل مباشر بعد حادث الإضراب، ووعد الإنجليز بتنفيذ المطالب، ولكنهم زعموا أن التنفيذ بحاجة إلى وقت".


في الخامس من مايو/أيار 1956, وافق الحاكم على طلبات الهيئة بشأن مجلس التعليم والصحة، وتشجع أعضاء الهيئة على المطالبة بالمزيد من الحاكم، وعقد 30 شخصا من الهيئة اجتماعا داخلياً لمناقشة ما أجابهم عليه الحاكم، ولم يحدث اتفاق بينهم، وفي النهاية طلبوا من الحاكم مهلة قدرها ثلاثة أيام.


نهاية حلم
في 10 مايو/ آيار 1956, كانت الأجواء مشحونة والتوتر يخيّم على الجميع، وبدأت المشاحنات تزيد مرة أخرى بين الهيئة والإدارة الوطنية، وعقد لقاء آخر بين الهيئة والإدارة البريطانية خاص بقانون الصحافة، والذي عارضته الهيئة، ومرت الأحداث سريعا، وجاء شهر نوفمبر/تشرين الثاني من العام 1956, وفي هذه الفترة كان أعضاء الهيئة يعانون من الخلافات الدائرة بينهم، ومع وجود الخلافات وعودة الروح الطائفية إلى تجمع الاتحاد الوطني وانكشاف بعض الأعضاء الذين يقيمون اتصالات "خارج دائرة الهيئة" - كما عبرت عنها بعض المصادر التاريخية - مع دار المقيم، إلى جانب انقطاع الاتصال بين الهيئة التنفيذية والأهالي الذين التفوا حولها بعفوية على وعد منها بدخل أكبر وتعليم وخدمات صحية أفضل.


بعض المعاصرين الذين تناولوا تلك الفترة قالوا إن "الهيئة" انشغلت بالسياسة أكثر مما انشغلت بتحويل حياة الناس من حال إلى حال، وترقيتهم وتحسين أحوالهم المعيشية، وإن عددا من قياداتها كانت مستغرقة في معركة كسر العظم مع بلغريف آنذاك، فيما يرى آخرون أنه لم يكن أمام "الهيئة" سوى العمل على أكثر من جبهة في آن، وهذا ما شتت جهودها وجعلها غير واضحة للناس الذين انطلقت الهيئة من أجلهم، فالدخول في المطالبات أمر يحتاج إلى مدى زمني طويل، وحتى تثمر المطالبات سيتضاعف هذا المدى، وهذا ما يتعارض مع المطالب اليومية والآنية لقطاع كبير من الناس على مختلف الأصعدة الحياتية.


الخلافات الداخلية التي بدأت تدب بين أعضاء الهيئة، رجوع التحزبات، عودة الروح الطائفية تطل برأسها، استخدام المستشار لعوامل الخبرة في كيفية "خلق أزمة" في الهيئة وبالتالي تسهيل ضربها بعدما ينفض الناس من حولها، ضياع البوصلة لدى عدد من القيادات بما سمح للرأي العام أن يضغط مؤثراً على قراراتها بدلاً من تأثيرها هي على الرأي العام، هذا كله أدى إلى تهاوي الحلم بلجوء عدد من الأهالي إلى العنف كوسيلة للتعبير عن رفضهم للأوضاع التي لم يستفيدوا منها سوى تعطل مصالحهم من جراء الإضراب، وبذلك تقوّض حلم الهيـــئة، وحلـم الناس بها.


هذا المقال من صحيفة الوسط
http://www.alwasatnews.com

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع