مجلة الديمقراطي
الحوار المتمدن - العدد: 828 - 2004 / 5 / 8
المحور: الحركة العمالية والنقابية ودور اليسار في المرحلة الراهنة - ملف 1 ايار 2004
الأوضاع السيئة في شركة نفط البحرين (بابكو) كانت من العوامل الرئيسية التي دفعت بحركة الإصلاح في البحرين. فقد شهد عام 1938م تقليصاً لعدد العمال في الشركة التي كانت أكبر مجال للتوظيف بسبب اكتمال عدد من المشاريع الإنشائية في الشركة واستغنائها تبعاً لذلك. عن عدد كبير من العمال البحرانيين فيها 3350 عامل بحريني عام 1937م فتقلص هذا العدد إلى 1569 عاملاً عام 1938م ويضاف إلى ذلك طريقة معاملة العمال المحليين مقارنة بمعاملة العمال الأجانب على مستوى الأجور وعلى صعيد التسهيلات الأخرى. وما أن توترت الأوضاع السياسية في منتصف عام 1938م الذي شهد ظهور أول حركة وطنية تطالب بإصلاحات سياسية لإصلاح الخلل الذي كشف الإصلاحات الإدارية، فقد رأى المواطنون بإن الإصلاحات الإدارية دون مواكبتها بإصلاحات سياسية لا يتحقق للحديث الحقيقي للبلاد. وقد تصدرت شخصيات وطنية من الطائفتين السنية والشيعية وهم علي بن خليفة الفاضل، وخليل المؤيد، ويوسف كانو، وعبدالرحمن الزياني، وسعد الشملان، وأحمد الشيراوي، ومحسن التاجر، ومحمد علي التاجر، والسيد سعيد بن السيد خلف، وعبدعلي العليوات، ومنصور العريض، والسيد أحمد العلوي، والشيخ عبدالله بن محمد صالح، وحاجي أحمد بن خميس، وطالب هؤلاء بتكوين هيئة تشريعية منتخبة (برلمان) وإصلاح جهاز الشرطة والمحاكم وإعطاء المواطنين الأولوية في التوظيف وتحسين الرواتب وإنشاء نقابة عمالية.
فوجد عمال بابكو الفرصة مناسبة لطرح ظلامتهم على الرأي العام ونجحوا في إقناع القيادات الشعبية بتبني هذه المطالب. وتوسعت الحركة الوطنية في نشاطاتها في شهر أكتوبر ونوفمبر ووزعت عدداً من المنشورات والملصقات وعبأت الناس باتجاه الضغط على حكومة المستشار لإجراء عدد من الإصلاحات على صعيد المحاكم والمعارف والعمل النقابي. وقد اكتشفت الحكومة في وقت لاحق أن عدداً من العناصر النشطة في الحركة الوطنية يعمل في شركة بابكو. فقامت في 5 نوفمبر 1938م باعتقال كل من سعد الشملان وأحمد الشيراوي وعلي بن خليفة الفاضل تهمة لتحريض على الشغب. وعلى أثر اعتقالهم تجمع حشد كبير من العمال بالاشتراك مع الطلبة في المنامة وخرجت مظاهرات عارمة أدت إلى تعطيل السوق وإغلاق المحلات التجارية أمر تشارلز بلجريف الشرطة بقمع المظاهرات وصدرت شركة بابكو إنذار للعمال بأن يرجعوا إلى العمل في موعد أقصاه 9 نوفمبر، بعدها يعتبر مفصولاً من لا يرجع لعمله في ذلك اليوم. أدى هذا القرار الظالم إلى تسريح فئة كبيرة من العمال واعتقل عدد من المواطنين بتهمة التحريض على الإضراب. كما أقدمت الحكومة وشركة بابكو على خطوة عقابية باستيراد عمال هنود ستبدال الذين تم تسريحهم.
غير أن حكومة بلجريف حرضت مجموعة من شخصيات لكتابة رسالة يتبرءون فيها من الشخصيات السنية التي تحركت مع إخوانهم من الشخصيات الشيعية. وتمت محاكمة كل من سعد الشملان، وأحمد الشيراوي، وعلي بن خليفة الفاضل وصدرت ضدهم أحكام جائرة تتراوح بين شهر وأربع سنوات وبعد فترة تم نفيهم إلى الهند، ويلاحظ هنا أن التركيز على سياسة (بلجريف) "فرق تسد" فتم التركيز هنا على السنة فقط. هذه سياسة الاستفراد بطائفة دون الأخرى دائماً نراها حتى لو كانت الطائفتان متفقتان على الأهداف والعمل والوسائل.
ومنذ ذلك الوقت أصبحت مطالب عمال شركة النفط (بابكو) جزء من مطالب الحركة الوطنية تقدم للحكومة كلما سنحت الفرصة. وفي 29 رمضان 1357هـ الموافق 22 نوفمبر 1938م تبنت بعض الشخصيات الوطنية موضوع حقوق عمال شركة النفط (بابكو) وقدمت أهم رسالة بشكل رسمي للحكومة موقعة من أربعة أشخاص هم منصور العريض، ويوسف فخرو، والسيد سعيد ومحسن التاجر.
وكانت الرسالة عبارة عن رد على رسالة بعثها لهم المستشار بلجريف ذكر فيها أن المعتمد السياسي يرغب في معرفة مهمات اللجنة العمالية المقترحة وكذلك أسباب الشكاوي العمالية فجاءت الرسالة متضمنة برنامجاً مفصلاً للجنة العمالية المطلوبة.
وتركزت بنود المشروع المقترح الذي كان بعنوان "مهمات اللجنة العمالية" كما يلي:
ـ إعطاء العامل الوطني أولوية العمل في الأعمال المحلية كلما أمكن ذلك سواء كان ذلك في شركة النفط أم في الدوائر الحكومية.
ـ أن يتمتع المواطنون البحرانيون بظروف عمل على الأقل مشابهة لما يتمتع به الهنود والعراقيون وبالحقوق الأخرى كالرواتب والنفقات وماء الشرب والوقود والإضاءة.
ـ المساواة والعدالة في تحديد الرواتب مع الأخذ بعين الاعتبار ثلاثة عوامل هي حسن الأداء ونوع العمل ودرجة الخطر كما هو الحال مع الأجانب بدون التمييز على أساس الجنسية.
ـ في حال موت العامل أثناء عمله أو أصابته بما يمنعه عن العمل لفترة طويلة، فإن على الشركة دفع تعويضات مناسبة لعائلته كما يدفع للأجانب وللرجل نفسه إذا لم يمت، وفي حالة الإصابة التي لا تعيقه عن العمل يجب تعويضه أسوة بالأجنبي.
ـ مراجعة راتب الموظف الوطني الذي هو الآن هابط جداً.
ـ يجب حماية حقوق العامل القديم في الشركة فلا يتم استبداله بدون أسباب مشروعة، وأن يعطى زيادة سنوية تبعاً للظروف.
ـ الراتب يكون شهرياً مع خصم إجازة الجمعة أو الإجازات الدينية، وإطاء إجازة سنوية مدتها 20 يوماً في السنة.
ـ أن تقوم الشركة بتدريب المواطنين وتوفير وسائل تعلم العمل المهني كما يعمل الآن مع الهنود والعراقيون ودفع رواتب لهم كرواتب الأجانب.
ـ معاملة العامل الوطني كما يعامل العامل الأجنبي دون أن يكون هناك تفضيل للأجنبي.
ـ أن تقوم الشركة بتوظيف من هم على قائمة اللجنة من العمال الوطنيين ولا توظف الأجانب إلا إذا لم يوجد بحرانيون.
ـ بعد عشر سنوات من العمل على الشركة دفع راتب 18 شهراً إذا مرض العامل براتب كامل و18 شهراً أخرى بنصف راتب إذا استمر مرضه.
ـ أن تقوم الشركة بفتح فصول تعليمية مسائية للعمال لتعلم اللغة الانجليزية والعربية والحساب والمواد الأخرى.
ـ أن تقوم الشركة بإرسال الشباب البحراني إلى الخارج كل عام للدراسة على نفقتها.
ـ أن يفتح صندوق للتقاعد يدفع العامل له آنة واحدة وتدفع الشركة نصف آنة.
ـ أن يبني مسجدان داخل الشركة، واحد للشيعة وآخر للسنة.
ـ أما شكاوي الموظفين البحرانيين فتسردها الرسالة كالتالي:
1- أن مساكن الأجانب مبنية من الحصى بينما مساكن المواطنين من الحشيش (سعف النخيل) وهذا يعرضهم للبرد القارس.
2- يشرب العاملون الأجانب ماء مقطراً بارداً بينما نصيب العمال البحرانيين ماء ملوث ملىء بالمكروبات.
3- يعمل الأجانب والمواطنون أحياناً نفس العمل وفي مكان واحد ويتقاضى الأجنبي 4 ربيات يومياً بينما بتقاضى المواطن ربية واحدة يومياً.
4- عندما يصاب العامل الأجنبي يتقاضى نصف راتبه طوال فترة مرضه، بينما لا يتقاضى البحراني أي شيء خلال مرضه.
5- عندما يحدث سوء تفاهم بين العامل الأجنبي والمواطن، يستطيع الأجنبي إقالة المواطن بدون سبب وبدون السماح له بطرح وجهة نظره.
6- هناك سيارات تنقل العمال الأجانب من سكنهم إلى العمل وبالعكس. بينما على العامل البحراني أن يقطع المسافة مشياً على قدميه، وقد تستغرق الرحلة منه ساعتين.
كان الهدف من تقديم هذه الرسالة الموسعة هو فتح المجال أمام نقاش يؤدي إلى تكوين لجنة أو نقابة عمالية تتفاوض باسم العمال مع إدارة الشركة وتدافع عن حقوقهم التي كانت مهضومة كما هو واضح من الحقائق المدرجة في الرسالة. وبعد تبادل الرسائل بين من يعنيهم الأمر عقد إجتماع مطول يوم الاثنين 5 ديسمبر الساعة العاشرة صباحاً في المكتب الرئيسي للشركة في عوالي وحضر الاجتماع كل من المعتمد السياسي والمستشار ومسؤوليون من شركة نفط البحرين (بابكو) وهم جي. اس. بلاك الممثل الرئيسي لبابكو في البحرين وم.اج.لب.واف. أيه ديقيس مديران بالشركة. وحدد هدف الاجتماع بأنه من أجل "أعطاء السادة" وايتمان وبلجريف المعلومات التي على أساسها سوف يمكن الاجابة على النقاط الكثيرة المطروحة.
وفي تقديره للمقيم السياسي أكد المعتمد السياسي ما يلي: "بشكل عام فإنني أنا وبلجريف راضيان عن أن الشركة مستعدة للاستماع والعمل بالمقترحات المعقولة لتحسين أوضاع موظفيها".
التعليقات (0)