العلاّمة الغريفي: هناك وقفاتٌ جريئة في ترشيد الواقع العاشورائي
قال سماحة العلامة السيد عبدالله الغريفي في الليلة الختامية بمؤتمر عاشوراء: "هناك وقفاتٌ جريئة وصريحةٌ لفقهاء قالوا كلمتهم في ترشيد الواقع العاشورائي وتحمّلوا الكثير من العناء في مواجهة انفعالات العوام ومزاجاتهم، وأكرّر أنّ هذه الانفعالات والمزاجات ربّما تنطلق من إخلاصٍ لقضية عاشوراء، إلاّ أنّها في حاجةٍ إلى ضبط وترشيد".
وتابع: "قد يقال: إنّ التصدي لممارساتٍ قد تجذّرت في الواقع العاشورائي ينتج أحد أمرين: أن يضع الممارسات العاشورائية جملة وتفصيلاً في معرض الشك والريبة مما يقلّل من حماسِ الجماهير وتفاعلها في التعاطي مع المراسم العاشورائية، أو يكرّس الممارسات الخاطئة من خلال ردّات فعل المتحّمسين لها، والمدافعين عنها، والمؤمنين بمشروعيتها".
وأردف: "المطلوب هو إنتاج حماس عاشورائي يعتمد أصالة الرؤية، وشرعية الموقف، وفي الكثير من ممارسات عاشوراء ما يملك هذه الأصالة، وهذه الشرعية، فلا خوف على المسار العاشورائي من عملية النقد والمحاسبة الهادفة إلى تنقية الممارسات العاشورائية من الزوائد والشوائب وهي التي تعرّض الحماس الأصيل إلى التداعي والانهيار".
وأضاف: "فلا داعي للخوف على المراسيم العاشورائية وقد حافظت على وجودها عبر تاريخ طويل من المواجهات والمصادرات والتحدّيات والتي كلّفت أتباع هذا الخط أثمانًا باهضةً من أرواحٍ ودماءٍ ومشانق وزنزانات".
وتابع: "إنّ غياب النقد والمحاسبة هو الذي كرّس الممارسات الخاطئة، وجذّرها في الواقع العاشورائي- كما قلنا- ومهما يكون الإصرار على بقاء تلك الممارسات قويًّا ومتشدّدًا فإنّ وجود رؤية أخرى رافضةٍ تتحركُ وتحاورُ وتنتقد يؤسّسُ لحراكٍ يصحّح ويغيّر، متى ما اعتمد منهجًا علميًّا، وخطابًا حكيمًا، ولغةً نظيفة".
وحول عنوان المؤتمر قال: "إنّ عنوان هذا المؤتمر من أعقد العناوين وأشدّها حساسيّة، فالموكب الحسيني يشكّل أحد أبرز المراسم العاشورائية، فنجاحاته أو إخفاقاته تنعكس على مجمل الموسم العاشورائي".
وأكّد سماحته على ضرورة أن يبقى خطاب الموكب في ردّاته وقصائده، وشعاراتِه، ولافتاته يحمل عنوان (الحسين) وإن قارب قضايا العصر وأحداثِه وحاجته.
وأردف: "إنّ الاختلاط المحرّم، وظهور شبّانٍ وشاباتٍ بأشكالٍ تنافي مع الدين والقيم، وصدورُ ممارساتٍ شاذّة، وحدوث خلافات وصراعات وتجاذبات، يخلق أجواء لا تنسجم مع أهداف عاشوراء".
وتابع: "نؤكّد على أهمية وضرورة وجود جهاز رقابة لحماية الأجواء العاشورائية من كلّ الاختراقات المنافية، وهذا ما تمارسه في العاصمة هيئة تنظيم الموكب الحسيني، والتي تشكّلت منذ زمنٍ طويل، ومارست دورًا فاعلاً في الحفاظ على الأجواء العاشورائيّة، وتصدّت لكل الممارساتِ الضّارة بقداسة الموكب الحسيني".
العالي: ندعو لتشكيل لجنة تشرف على المراسم، والممارسات، وهيئات المواكب العزائية
جاء في الورقة التي قدمّها سماحة العلامة الشيخ محمود العالي ورقة تحت عنوان: (الموكب الحسينيّ .. رؤية شرعيّة في الممارسات) قوله: "المواكب العزائيّة طوال تاريخها كانت رسالة إصلاحٍ، ودعوة هداية، وأسلوب تغيير، وأداة أمر بالمعروف، ونهيٍ عن المنكر، وصرخة في وجه الظّلم والفساد، ووسيلة من أهم الوسائل في إيصال صوت الحقّ، والإصلاح للجميع".
وأضاف العالي: "من الواضح جدًّا مشروعيّة المواكب العزائيّة التي تخرج، وتنطلق في الشوارع العامّة، ولا ينبغي التّشكيك في مشروعيّة ذلك أبدًا، وهكذا سائر الشعائر الحسينيّة التي تستحدث شريطة توفّر أمرين، الأوّل: أنْ تعدّ هذه الممارسات المستحدثة تعبيرًا عرفيًّا عن الحزن والجزع على ما حلّ بأهل البيت (عليهم السّلام) من المصائب والمحن".
وتابع: "أمَّا الثّاني فأنْ لا تكون هذه الممارسات ممّا تدخل الوهن، والضّعف على المذهب الحقّ، أو التّشنيع على المذهب".
وتسائل العالي: "هل يحقّ لنا الإصرار على بعض الممارسات مع ما يتسبّب عنها من اختلاف وافتراق شديد بين الموالين - أنار الله برهانهم، وزاد في علو شأنهم - بدعوى كونها شعيرة، وأنّ بعض الفقهاء قد أفتوا بجوازها؟".
وفي محور عُني بممارسات المواكب العزائيّة ووجوب تصفيتها، قال العالي: "لا نشكّ، ولا يمكن أنْ نختلف بأنّ هناك ممارسات في المواكب العزائيّة أصبحت موردًا للنّقد، والانتقاد، وأصبحت مورد إشكال من قبل علماء الدِّين والمتديّنين، وعموم المتشرّعين من طريقة الأداء في الإنشاد، وكيفيّة ذلك، وحركات المنشد، وغيرها من أمور تصدر، وتكتنف موكب العزاء، ولقد صارت سببًا لانزعاج الكثير، وما زال البعض يصرّ عليها، ويتمسّك بها تمسّكًا شديدًا".
وشدَّد سماحته على أنّ بعض هذه الممارسات ومن خلال ألحان الأداء وغيرها، صارت سببًا لتندر البعض وصارت سببًا لإدخال الوهن والتّشنيع على الطّائفة المحقّة حسب تعبيره.
وأضاف: "مع كلّ هذا نجد الإصرار والتّعنّت من قبل البعض على هذه الممارسات، وكأنّ المذهب والطّائفة وسمعتها ملك شخص لا يعني غيرهم، ولا يؤدّي إلى ضرر إلا عليهم خاصّة، وأنّ سمعة المذهب والطّائفة لا تعنيهم!".
وجاء في توصيات الورقة التي قدمها: "تشكيل لجنة تشرف على المراسم، والممارسات، وهيئات المواكب العزائية؛ لضبط مدى تطابقها مع الموازين الشرعية، والمعايير الخلقية، وأهداف ورسالة الشعائر المذهبية".
واقترح العالي: "تنظيم الحملات الإعلامية التوعوية من قبل المآتم والهيئات العلمية".
وأضاف سماحته: "ضرورة إصدار بيان سنوي قبل موسم عاشوراء من قبل المتصدين من العلماء؛ يحمل توجيهات، وارشادات، فيما ينبغي أن تكون عليه مراسم العزاء ومواكبه، والتحذير عن الممارسات التي تكون عليها ملاحظة أو مأخذ".
واختتم العالي ورقته بقوله: "على أصحاب الشّأن، والمتصدّين من أئمة الفتوى (دام ظلّهم) وعلماء أنْ يقولوا كلمتهم بصراحة تجاه بعض هذه الممارسات من تصرّفات، وكيفيّات أداء وألحان غير مناسبة لمقام أئمّة الحقّ، وأعلام الهدى (عليهم السلام)".
الأستاذ سلمان: إنّ ظاهرة التّجمّعات النّسائيّة بحاجة إلى معالجة جذريّة
شارك الأستاذ الفاضل سلمان عبد الله سالم في مؤتمر عاشوراء الرابع بورقة خصصت لهيئات تنظيم الموكب الحسينيّ.. الأهداف والتّطلّعات.
وقال سالم: "إنّ هيئات تنظيم الموكب الحسينيّ تعدّ ركيزة أساسيّة في موسم عاشوراء، وعلامة مضيئة في العمل الإسلاميّ الرّصين، فهي تقوم بعمل كبير بكلّ معانيه الأخلاقيّة والإنسانيّة، ذلك لأنّ كوادرها المخلصة والوفيّة لثورة الإمام الحسين (عليه السلام)، ولخطّ الفقهاء الأعلام تبذل جهودًا كبيرة من أجل الحفاظ على قدسيّة عاشوراء في نفوس المعزّين، وجمهور العزاء بشتّى الوسائل والأساليب".
وأضاف: "لقد أصبحت هذه الظّاهرة – التي أشار إليها سماحة السيد الغريفيّ - مصدر قلق لدى كلّ الغيارى على نظافة هذه الأجواء العزائيّة على الرّغم ممّا يبذله الشّباب المؤمن المتطوّع من جهود مشكورة لحماية هذه الأجواء من خلال عمل اللّجنة المذكورة إلا أنّ هذه الجهود لازالت بحاجة إلى مزيد من الدّعم والمساندة، وأنّ عمل اللّجنة لازال في حاجة إلى مزيد من التّطوير".
وتابع: "إنّ ظاهرة التّجمّعات النّسائيّة في الشّوارع أثناء سير المواكب الحسينيّة بحاجة إلى معالجة جذريّة، والتّفكير في بدائل تعطي للنّساء حضورًا حقيقيًّا في الممارسات العاشورائيّة لا مجرّد الوقوف المتفرِّج على المواكب والذي لا يحمل أيّ دلائل على المشاركة والمساهمة في الفعّاليات الحسينيّة".
وعن مراحل تطور عمل الهيئة قال الأستاذ سالم: "مرّت الهيئة منذ تأسيسها في عام 1985م بمراحل حتى أصبحت في وقتنا الحاضر لها نظامها وهيكلها الإداريّ، تنتخب إدارتها كلّ سنتين، وتلك المراحل هي كالتّالي: المرحلة الأولى (1985م – 1989م)، والمرحلة الثّانية (1989م - 2001م)، والمرحلة الثّالثة (2001م- 2009م)".
وأضاف: " تطوّرت الهيئة في المرحلة الثالثة عبر وضع الضّوابط الأخلاقيّة والشّرعيّة للكوادر العاملة من مسؤولين وإداريّين، ومراجعة خطط العمل وإعادة الهيكلة الإداريّة؛ من أجل تخفيف العمل على العاملين فيها، فأقرّ نظام النّوبات، وتبادل المواقع".
وتابع سالم: "مخاطبة المناطق المتعدّدة في ترشيح مجاميع شبابيّة مؤمنة وملتزمة؛ من أجل العمل بصورة منتظمة ومنسّقة ووفق فترات عمل مناسبة لظروف الأشخاص بدلاً من الحالة العشوائيّة التي كانت عليها في المرحلتين السّابقتين".
واختتم سالم ورقته داعيًا هيئات التّنظيم إلى إدخال عناصرها إلى دورات أخلاقيّة وعقائديّة ودورات مكثّفة في كيفية التعامل بأساليب إنسانية ونفسية مع الآخرين ، حتى يتمكّنوا من التأثير بإيجابية في مختلف الفئات ، ومعالجة القضايا التي تصادفهم أثناء تأديتهم لعملهم على أسس علميّة ومنطقيّة سليمة، والإبتعاد كليًّا عن المؤثّرات السلبية التي تنتج في الغالب ردودَ أفعالٍ غير مفيدة لعمل الهيئات.
وفي ختام المؤتمر (البيان الختامي)
أصدر المجلس الإسلاميّ العلمائي بيانًا في ختام مؤتمر عاشوراء الرابع جاء فيه: "إنّ المواكب الحسيني من أبرز المراسيم العاشورائية التي ساهمت في إحياء قضيّة عاشوراء وقضايا الإسلام".
وأضاف البيان: "للموكب الحسيني أدوار مهمّة؛ فهو - وفي ضوء التوظيف المناسب - يستطيع أنْ يقدّم الثورة الحسينيّة إلى الإنسان المعاصر على ضوء المعطيات المعاصرة وفي جوانب مختلفة، ويمكن أنْ يؤدّي دورًا فعّالاً ومهمًّا في ديمومة واستمرار الثّورة الحسينيّة المباركة".
وتابع: "لا يجوز السماح لأي ممارسة دخيلة على مراسيم العزاء الحسينيّ الشّريف لا تخدم الهدف من هذه الشّعائر، بل قد لا تنسجم مع الموازين الشّرعيّة، حفاظًا على نقاء تلك الشّعائر ضمن الأطر التي رسمها لها أهل البيت (عليهم السلام)".
وأردف: "إنّ حاجة الموكب الحسيني إلى التطوير؛ تحتّم علينا التّفكير بجديّة في سبل التّطوير بما يناسب طبيعة الظّروف الموضوعيّة، وبما يتوافق مع تقاليدنا وهويّتنا الإسلاميّة".
وأكّد البيان على أنّ الموكب الحسيني يعتبر فرصة لا تقدّر بثمن للنّفاذ إلى قلوب الشّباب التّائهين الذين لا يشعرون بانتمائهم الدّينيّ والمذهبيّ إلّا في مراسيم العزاء والموكب الحسينيّ المبارك.
وأضاف: "كما لا بدّ لمؤسسة الموكب الحسيني أنْ تهتمّ باحتضان الشّباب، وتطوير قابليّتهم، وتهيئتهم لحمل أمانة استمرار هذه المواكب مستقبلاً، وتنظيم مواكب خاصّة بهم تكون تحت إشراف شخصيّات أمينة، وتنظيم برامج خاصّة بهم بهذا الخصوص".
وحول تقوية المضمون العاطفي جاء: "يجب أنْ نشجّع المواكب العزائيّة بكافّة أشكالها المشروعة، ونحاول أنْ نقوّي فيها المضمون العاطفيّ والولائيّ لأهل البيت (عليهم السلام)، ولكن يجب - أيضًا - توجيهها توجيهًا سليمًا من خلال إشراف العلماء الواعين على تسييرها".
وتابع: "للموكب الحسيني بعد إنساني؛ فيمكنه أن يؤثر إيجابياً في ربط قضيّة الإمام الحسين (عليه السلام) بقضايا الإنسانيّة، ولعلّ تحريك تظاهرة التبرّع بالدّم - مثلاً - متزامنة مع فعاليات المواكب العاشورائيّة أنموذج مؤثّر في هذا الاتّجاه، بما لا يتنافى بالطبع مع الاجواء العاشورائية".
وندّدّ البيان بالمخالفات الشرعية والسلوكية التي تقترن بمشاركة النساء في مواكب العزاء، وتتنافى مع شأن القضيّة الحسينيّة والمراسم العاشورائية، وتبعث على تشويه الصورة المشرقة والناصعة للقضيّة الحسينيّة والممارسات العاشورائية.
كما دعا إلى الاهتمام بمشاكل الحسينيات النسائية والعمل على تطويرها، مع تنظيم مراسم الإحياء ومواكب العزاء الخاصة بالنساء داخل الحسنيات.
والجدير بالذكر أن مؤتمر عاشوراء أقيم للعام الرابع، وشاركت فيه عدد من الشخصيات العلمية، بحضور جماهيري، علمًا بأنّ نصّ البيان الختامي إضافة للتوصيات الكثيرة ستنشر لاحقًا.
التعليقات (0)