شارك هذا الموضوع

طهران وبرج ميلاد وملفات أخرى


طهرانمحمد عبد الله عاصمة الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي أرسى قواعدها الفقيه المُجدد الإمام روح الله الخميني، مدينة حديثة النشأة كعاصمة بعد أن نُقلت مركزية الحكم السياسي والاقتصادي من إصفهان إليها سنة 1788 والآن يعود الحديث من جديد (رغم نفي وزير الداخلية موسوي لاري) حول إمكانية إعادة العمل بالمعادلة الجغرافية القديمة بسبب تخوّف قدوم مد زلزالي هائل يقضي على حياة 700 ألف طهراني ويُدمر 55 بالمائة من أبنية المدينة بعدها ستضطر الدولة لاستخدام 23 بالمائة من ناتجها القومي لإصلاح ما سيخرب ويُدمّر، وهو ما أشار إليه بشكل صريح بهرام أكاشيه أستاذ علم الزلازل بجامعة طهران .


هذه المدينة التي تقف على كفّ عفريت ويقطنها زهاء ثمانية ملايين نسمة أو خمسة عشر مليوناً إذا أضيفت إليها أعداد سكان المدن المحيطة ومن يأتيها في فترة الذروة تعيش حالة من الزهو والتميّز، فبالإضافة إلى تمتعها بأسواق السجاد العالمي والنسيج والجلود والسكر والزيوت ومصافي النفط والبساتين الفارهة تشهد تطوراً عظيماً في مجال مترو الأنفاق الذي بُدأ العمل به فعلياً في آذار / مارس من العام 1998 وحتى حزيران / يونيو 2002 عبر تشغيل الخطوط (1، 2، 5) بطول 60 كيلو متر وبعدد 26 محطة، ورغم أن المدينة تحتاج إلى ثمانية خطوط مترو وإلى خمسة خطوط ربط نحو المدن الطرفية حول طهران؛ إلاّ أن تلك المرحلة وهي الأولى قد استطاعت أن تُوفر لـ 350 ألف راكب إيراني يومياً فرصة استخدام الموصلات المُؤمّنة تقنياً مُوفِّرة 100 مليون لتر من الوقود الأحفوري بقيمة عشرين مليون دولار، وتعادل تلك الرحلات طاقة ما يزيد على أربعة ملايين حافلة أو خمسة وأربعين مليون سيارة أجرة صغيرة، كما أنها وفّرت أكثر من ستين ألف وظيفة عمل للإيرانيين، ويفوق المعدل الزمني لمعدل الكيلومتر الواحد لطهران كل من نيويورك وطوكيو بينما يُساوي في ذلك كل من موسكـو وأنقرة، ويُقارب في ذلك العاصمة البريطانية لندن .


في شهر فبراير 2003 فاز المحافظون بقوة في الانتخابات البلدية الثانية التي شهدتها إيران مُحققاً فوزاً نسبياً في بعض الدوائر وكاسحاً في دوائر أخرى كطهران ( 14 مقعد من أصل 15 ) ويزد ( 6 مقاعد من أصل 9 ) ومشهد وأصفهان وشيراز وقم المقدسة وفي الأرياف، وقد دفع التيار المحافظ بألمع منتسبيه وأكثرهم طوباوية وشعبية كمحاربين قُدامي مُخضرمين من الجيل الأول للثورة كمهدي جمران وعباس شيباني وهو من أمهر أطباء الطب البشري في إيران وكان ممثلاً للإمام الخميني في البرلمان وعضواً فيه لأربع دورات متتالية، كما أنه معروف بتوتاليتاريته الفاقعة كمبدئي تستحثّه في ذلك ذاكرته الثورية فهو لا يستلم راتباً من الدولة منذ أن كان نائباً في المجلس النيابي و لا يحتسي الشاي أو يشرب الماء من أماكن العمل الرسمية مُتعيِّشاً على راتبه التقاعدي وعيادته الطبية الخاصة، وهناك أحمدي نجاد الذي يرأس بلدية طهران وهو بالمناسبة أحد قادة الباسدران والبسيج ومن المقربين جداً للإمام الخامنئي وهو الآخر لا يستلم راتباً من المجلس ويكتفي بما يستحصله من الجامعة التي يُدرّس فيها بعد الظهر، وهو لا يزال يحضر اجتماعات المجلس البلدي لطهران ببزّته العسكرية الخاكِيَّة الدّالة على انتمائة لقوات التعبئة الشعبية (البسيج) حامية الثورة وسياجها الأمني والدفاعي المنيع .


وبين أعضاء المجلس سبعة من حملة الدكتوراه وأربعة يحملون شهادة الماجستير وثلاثة يحملون شهادة البكالوريوس أما الأخير فهو من معاقي الحرب العراقية الإيرانية ووجوده دلالة جدّ مهمّة تعبّر عن كيننة لشريحة رئيسية في فترة مفصليّة من مراحل الثورة، كما توجد من بين الأعضاء إمرأتين هما مهنوش معتمدي آذري ومنظر خيّر حبيب اللهي .


وتُؤكد المهام التنفيذية للمجلس على انتخاب رئيس البلدية ودراسة النقائص والطلبات وعمليات القصور الاجتماعية والثقافية والتعليمية والصحية والاقتصادية والترفيهية في الدائرة الانتخابية وإعداد المخططات وتشكيل اللجان والمؤسسات الاجتماعية والعَونية والارشادية وتأسيس تعاونيات للإنتاج والتوزيع والاستهلاك، كما تشير المهام التقنينية للمجلس إلى التخطيط والميزانية السنوية للبلدية والنظام الأساسي للشركات والمؤسسات ومخطط الحدود والمنشآت المدنية وأسعار الخدمات والرسوم المدنية بالإضافة إلى التصديق على الأنظمة اللازمة لغرض الأراضي المدنية غير المحصورة في شأن الصحة والراحة العامة والإعمار وجمال المدينة وكذا التصديق على تسمية الممرات والساحات والشوارع في المنطقة المدنية وتغيير أسمائها وغيرها من الصلاحيات .


ويتألف المجلس من ثلاث لجان هي لجنة بناء المدينة الفنية والمعمارية واللجنة الثقافية والاجتماعية والمعيشة المدنية واللجنة الاقتصادية والتخطيط والميزانية والشؤون الحقوقية، وتحت كل لجنة من اللجان الثلاث توجد عشرات اللجان الفرعية التي تقوم بمَيْدَنة العمل البلدي للمدينة، ويقف على رأس المجلس الدكتور مهدي جمران يليه رئيس البلدية الدكتور أحمدي نجاد الذي يعينه المجلس، ويأتي تحت الرئيس إثنا وعشرون مديراً للمناطق البلدية لطهران، وتبلغ ميزانية البلدية ملياري دولار، ولديها ستون خطاً هاتفياً تستقبل أكثر من 400 مكالمة يومية، وقد عقد المجلس في دورته الثانية (الحالية) 79 اجتماعاً خلال العام الماضي واتخذ أكثر من 300 قرار وقد ورِثَ مجلس بلدي طهران إرثاً جيداً من الإنجاز والتعمير التي أسّست له إدارة غلام حسين كرباستشي الذين أدين فيما بعد بسوء الإدارة وتبديد المال العام وحكم عليه بالسجن عامين قبل أن يعفو عنه المرشد بعد قضائه ربع محكوميته في السجن .


كان كرباستشي ينتمي لحزب كوادر البناء المدعوم من هاشمي رفسنجاني، وهذا الحزب موسوم بأنه يمين الوسط الصناعي أو جماعة الستة عشر التكنوقراط الداعين إلى أن يحتل المتخصصون مراكز صنع القرار الإداري باعتبارهم الأفيد من غيرهم الذين قد يُعيَّنون بحكم الولاء الحزبي، وقد سيطر هذا التيار على إدارة بلدية مدينة طهران العاصمة حيث أظهر جدارة تعميرية نوعية، فدُشّنت العديد من المباني والشوارع وهُندِسَت الطرقات وبُنِيَت المعالم أهمها مشروع برج ميلاد وهو رابع أطول برج اتصالات في العالم حيث يصل طوله إلى 330 متراً وهو مُخصص لتأجير مواقع هوائيات الاتصالات ويحوي مراكز رصد ومركز تجاري ضخم وآخر للمؤتمرات، كذلك من الأمور المهمّة المُدشّنة هي مركز فرز القمامة الذي يستقبل ما مجموعه 7500 طن من القمامة المنزلية يومياً يتم اختيار 70 بالمائة منها كقمامة عضوية ويتم نقل الباقي إلى المدافن .


ومدينة طهران تحوي أكثر من 1300 حديقة ومنتزه منها 150 حديقة قيد الإنشاء ولكن أهمها حديقة حوار الحضارات التي استغرق بناؤها أكثر من إثني عشر عاماً على مساحة 11 هكتار .
كان المحافظون قد استغلوا حالة التشرذم التي دخل بها الإصلاحيون للإنتخابات حين قدموا ثلاث قوائم بدلاً من واحدة لثمانية عشر تنظيماً لتحقيق فوز خاطف، كما أنهم استغلوا أيضاً حالة الهرج والمرج التي زجّ الإصلاحيون المتطرفون بأنفسهم فيها ليعيد التيار المحافظ حضوره في أجهرة الدولة، وكان فوزه رسالة بملامح واضحة للمعنيين في تيار الثاني من خرداد حول جدّية التحالف الموضوعي بين الإنجاز الفعلي والعمل بهدوء مع ورقة الناخب الإيراني، وهو المناخ الذي يبدو أنه أخذ يتبدَّى للكثيرين من الإصلاحيين الذي استهوتهم نتائج التصويت الفلكية في بداية مشوارهم السياسي وتكّلهم الحزبي، وأصبحوا كشريك صعب يريد أن يحصل على كل شيء ولا يترك لشركائه بعده كثيراً أو قليلاً، وبدا كأنه عناد تحكم في العقل وأنه غرور القوة آخذ أصحابه إلى منتهاه .

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع