شارك هذا الموضوع

العراق ودول الجوار .. إيران مثالاً

اتبامحمد عبد اللهعاً بنصيحة المارشال الفرنسي الأسطورة شارل ديغول للكاتب الكبير محمد حسنين هيكل بأنه إذا أردت أن تتحدث في السياسة فعليك أن ترى الجغرافيا أولاً؛ فإنني وقبل أن ألِج الموضوع محل القصد وهو وجود ادعاءات بتدخل إيراني في العراق وهو ما أعتقد بأنه خيال متجاسر على الحقيقة مصدره الإعلام المنفلت غرضه تزييت آلة الفتنة وإشاعة غبار ورمال وحجارة تملأ الأجواء لتحجب الرؤية؛ يتوجّب عليّ أن أقدّم توصيفاً جغرافيا لجمهورية العراق كي نُمسك بالموضوع حياً ومرئياً .. فهذا البلد يقع في الجزء الجنوبي الغربي من قارة آسيا، وتحيط به تركيا شمالاً بـ 331 كم، وإيران شرقاً شمالاً بـ 1458 كم، والكويت جنوباً بـ 242 كم، والمملكة العربية السعودية جنوباً أيضاً بـ 814 كم، والأردن غرباً جنوباً بـ 181 كم، وسوريا غرباً بـ 605 كم، وفي منطقة الغرب منه تجثم بادية هائلة متصلة بالصحراء الممتدة من سوريا إلى السعودية وفي الشرق سلسلة جبلية تتصل بجبال زاجروس المُرتكزة على الأرضي الشرقية الشمالية للجمهورية الإسلامية، كما تقع أعلى نقطة فيه عند الحدود التركية في الشمال وتصل إلى ما يقارب 2.100 متراً ( حوالي 7000 قدم) فوق مستوى سطح البحر .


هذا المنظر الجغرافي المنثور لأرض العراق من جهاته الأربع يبدوا أنه سيُسهّل علينا عملية التناول لمدى حقيقة أن طهران تقف وراء الكثير من عمليات التخريب وتهريب المخدرات إلى العراق، وهو ما يُمكن التعرض له بالشكل الآتي :


(1) يجب التأكيد هنا أن مسألة الحدود بين الدول ليست أبواباً عليها أقفال منيعة أو نوافذ مُثَبَّتة فوق أسوار مُصفّحة، بل هي فضاءات من البراري والوديان والصحاري المفتوحة تتناثر بين أصقاعها نقاط أمن ومراقبة قد تُفلح في اصطياد المتجاوزين أو قد تخيب، لذا فليس من المعقول أن تُحكم تلك الآلاف أو المئات من الكيلومترات بالسهولة التي يتمناها الجميع، كما أنه ليس من المعقول أيضاً أن أي داخل للعراق من إحدى دول الجوار الست بغرض سيئ يُحسب وزره على الدولة التي يحمل هويتها، لذا فإن ما قاله نائب رئيس الجمهورية الدكتور إبراهيم الجعفري هو عين الحقيقة عندما صرّح لقناة الحرَّة بأن ليس كل من يقوم بعمليات تخريبية في العراق وهو ينتمي بالهوية إلى بلد ما يعني أنه يُمثل بالضرورة ذلك البلد أو أن لديه تفويض منه، ثم إن علينا أن نستحضر جيداً بأن الكثير من الدول الغربية المتقدمة تعاني من عمليات تسلل وتهريب للبشر والمخدِرات وقد أشار التقرير المشترك الصادر عن منظمة الأمن والتعاون في أوربا وعن المنظمة الدولية لمساعدة الطفولة (اليونيسيف) وعن المفوضية الدولية لحقوق الإنسان، أن تجارة الرقيق ازدهرت في الآونة الأخيرة عبر نشاط المافيا لنقل النساء والفتيات من دول أوربا الشرقية إلى غربها وبالذات إلى ألمانيا، وأن أسعار تلك التجارة تتراوح بين الخمسة آلاف يورو للمرأة الواحدة، وثمانية آلاف يورو للفتاة الصغيرة العذراء، ويُقدَّر عدد المُهرّبات بين نصف مليون وسبعمائة ألف امرأة سنوياً، وبحسب التقرير فان 35 % فقط من عمليات التهريب يتم إفشالها بينما تنجح العصابات حتى الآن في تمرير صفقاتها، كما علينا أن نستحضر ما تعيشه الأراضي الفلسطينية من تجارب حية، فالكيان الصهيوني يستخدم كل ما توصلت إليه تكنولوجيته للحؤول دون تسلل الفدائيين الفلسطينين لكنه فشل في ذلك كما فشل من قبل في جنوب لبنان أمام مقاتلي حزب الله، ولك أن تتخيّل أن فرنسا وقّعت عقداً مع الكيان الصهيوني لشراء تكنولوجيا الطائرات التي يستخدمها في ملاحقة الفلسطينيين لحماية حدوده !!


وقد تناقلت الأخبار مؤخراً بأن المملكة العربية السعودية أقرّت شراء شبكة أمن من نوع سي 41 بقيمة 9.4 مليار دولار وهي عبارة عن درع إلكتروني مجهّز بأجهزة مراقبة صوتية ومغناطيسية ومراقبة بالأشعة ما دون الحمراء لاكتشاف تحركات الناس والعربات في منطقة الحدود الملتهبة وبالخصوص مع اليمن التي تحدّها بـ 1458 كم والتي تعتقد المخابرات السعودية بأن معظم السلاح المُهرّب يأتيها من حدودها الجنوبية .


وفي معرض التناول أيضاً لا بد من التوقف على عدة أمور في ذلك، أولها أن عمليات التبادل التجاري بين العراق وإيران قد نشِطت في الآونة الأخيرة فقد صرّح المساعد الفني لجمارك إيران محمود بهشتيان بأنه تمّ يومياً تصدير ما مجموعة 100 شاحنة لأربعة وعشرين نوعاً من السلع الغذائية والمحاصيل الزراعية ومواد البناء كالإسمنت والموازينك والسجاد واللوازم المنزلية إلى العراق من منفذ شلمجة الحدود، وقد قُدَّرت قيمة التبادل التجاري بينهما بـ140 مليون دولار منذ العام الماضي، وهو ما يجعل الحدود المشتركة للدولتين محل حِراك دائم قد يتخلله بعض التسيُّب والانفلات . يُضاف إلى ذلك أن الكثير من مسؤولي الحكومة المؤقتة قد أشادوا بالمواقف الإيرانية، فذكر ذلك رئيس الحكومة إياد علاّوي في يوم تسليم السلطة في شهر يونيو المنصرف، كما أن الجعفري نفى الأنباء التي تقول بأن حكومته ضبطت سبعة عشر إيرانياً تسللوا إلى العراق بغرض إحداث عمليات تخريبية، ووصف السيد عبد العزيز الحكيم رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق إيران بأنها الجار والأخ والصديق الذي وقف إلى جانب الشعب العراقي طيلة العشرين سنة الماضية .


(2) أما ما يُقال عن قيام المخابرات الإيرانية بتهريب المخدِرات إلى المناطق الجنوبية من العراق فهي ادعاء مُضحك استهلك نفسه ولم يبق انتظار نفع منه أو حنين، كما ألا يحق لنا أن تساءل : إذا كانت إيران متهمة بتهريب المخدِرات إلى العراق فكيف نفسّر حصولها على المركز الأول ولعدة سنوات متتالية من قبل الأمم المتحدة في مكافحة المخدِرات، وأنها ضبطت خلال العشرين سنة الماضية زهاء الأربعة ملايين و700 ألف كيلو غرام لأنواع مختلفة من الهيروين والكوكايين وغيرها من الأصناف المُخدِّرة، وقدمت في سبيل ذلك أكثر من 15 ألف قتيل وجريح من قواتها المسلحة خلال مواجهات حقيقية مع جماعات وعصابات التهريب النشطة التي تردها من محور الإنتاج وقلاعه في المثلث الذهبي الذي يتألف من لاغوس وتايلاند وكمبوديا ثم نزولاً إلى أفغانستان وباكستان، وقد قُدرت الميزانية التي تضعها الجمهورية الإسلامية لمكافحة المخدِرات إلى مليار دولار سنوياً وهو تبذل من الجهود الكثير لإيقاف تلك التجارة الخطيرة .


وللعلم فإن 90 بالمائة من الإنتاج العالمي من الهيروين والكوكايين يصل إلى أوربا وأن 80 بالمائة من إنتاج المخدِّر عالمياً يصل إلى الولايات المتحدة الأمريكية، كما أنه ليس من المعقول أن تقوم إيران بذلك الفعل لأن غائية ذلك العمل غير واضحة ولا تتسق مع سلوكها القِيَمي .
وقبل أن أختم الحديث أريد أن أؤكد أن إيران (وبالفعل) تريد للمشروع الأمريكي في العراق انتكاسة تُخرجه من منطقة قُربه من حدودها، وأنها حريصة أيضاً على أن لا يكون المشروع الأمريكي (السلبي أو الإيجابي) في العراق مدخلاً لعمل عسكري أمريكي ضدها ولكنها أيضاً لم تمارس سلوكاً مشيناً مع العراق كما يدعي البعض وتفتح حدودها للمخربين، بل قامت وفي سبيل تحقيق استراتيجيتها بغلق حدودها الشرقية الشمالية ولم تُعط الأمريكان فرصة استخدام حدودها الأقرب إلى بغداد من كافة دول الجوار، والأفغان لهم تجربة إيجابية مع الإيرانيين يجب أن تُدرس جيداً، ولكي لا نكون مصابين بداء النسيان علينا أن نتذكر جيداً أن إيران استضافة أكثر من مليوني أفغاني طيلة الحرب الأهلية في أفغانستان سببوا لها نزيفاً استهلاكياً هائلاً وأضروا بأمنها القومي بنشاطهم في مجال تهريب المخدرات وتحمّلت حَنَقَ المواطن الإيراني الذي يعيش بطالة بنسبة مُوجعة نوعاً ضدها، وفي الجانب الآخر تحمّلت طيلة عقدين أفواج المشردين العراقيين الذي يصل تعدادهم إلى الـ 700 ألف إنسان في الوقت الذي لم تستطع إيطاليا تحمّل 600 لاجئ ألباني فروا إليها بسبب الحرب، وحتى عندما أراد الإصلاحيون المتطرفون التخلص من مسألة اللاجئين (الأفغان + العراقيين) لتسبيبهم متاعب اقتصادية للدولة وقفت قيادات النظام الإسلامي وفي طليعتهم الإمام الخامنئي موقفاً جيداً وحالوا دون حصول ذلك أو على الأقل إيقافه بعد انفلاته .


إن إشاعة موضوع التدخل الإيراني في العراق لهو باب من أبواب الفتنة التي يُراد لها أن تشتعل لذا وجب على الجميع الحذر في ذلك وعدم الاستماع لكل أمر تطرب له الأذن .

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع