إنَّ الحديث عن فاطمة الزهراء (ع) سيدة نساء العالمين، ذو شجون وتشعبات كثيرة، وقد يتهيب المرء الكلام عن هذه الشخصية الفريدة في صفاتها، ومكانتها، ودورها الكبير والمتميز في عالم النساء، وخصوصاً أنَّها عاشت في زمن كان يُنظر إلى المرأة نظرة دونية، إذ أنَّ تحقير المرأة في الجاهلية، كان أمراً عادياً، ومقبولاً، لا بل طبيعياً بحيث أنَّ وأد البنات كان من المسلَّمات التي لا يعترض عليها معترض، ويصوِّر القرآن الكريم، الحال بقوله تعالى:
وإذا بُشِّر أحدهم بالأنثى ظلَّ وجهه مسودّاً وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشِّر به أيمسكه على هون أم يدسُّه في التراب ألا ساء ما يحكمون.
ويأتي الإسلام ليرفع هذا الحيف عن المرأة، كإنسان وكدور، وليعلن المساواة الواقعية بين المرأة والرجل، على أساس الطبيعة البشرية، وليجعل جزاء الأعمال، للذكر والأنثى، على حد سواء، لا تفاضل بينهما، في الأصل، أو الجنس.. قال تعالى: ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنَّة ولا يظلمون نقيراً.
إنَّ عملية التحول في وضعية المرأة، على يد رسول اللَّه (ص)، بلغت ذروتها، عندما اختار اللَّه تعالى، فاطمة بنت محمد (ص)، لتكون سيدة نساء العالمين، والقدوة والقائدة، لنساء زمانها، وكل زمان، لا بل القدوة للرجال وللنساء معاً، باعتبار أنها تمثّل الأنموذج الكامل للمرأة، في كل تفاصيل حياتها، منذ أنْ أبصرت النور، حتى آخر لحظات عمرها الشريف، وستبقى فاطمة الزهراء (ع) الكوكب المضيء في عالم الإنسانية، تشرق على بني الإنسان كالشمس، فتملأ العقول بالفكر الصافي، والقلوب بالعواطف النبيلة، والحياة بالدور النسائي المميَّز، بحيث لا تجد في شخصية فاطمة إلا أسمى الصفات، وفي أعلى الدرجات.. إنّها الزهراء ..
القدوة لكل النساء اللواتي ينهلن من معين الحقيقة والنور الإلهيكما قال إمام الأمة الخميني (قده)، وكان لا بد لهنَّ أن يتمثَّلنَ بسيرة فاطمة (ع) التي كتبها اللَّه مع الأبرار، الذين قال فيهم: إن الأبرار يشربون كأساً كان مزاجها كافوراً.
فكم هي محظوظة المرأة التي تكون الزهراء (ع) مثالها وقدوتها، فالزهراء (ع) نبراس لكل امرأة تريد سبيل الرشاد، وتطلب معالي المعرفة والأخلاق ومفاخر التربية والتهذيب، وكم هي تعيسة، وطريقها مظلم تلك المسلمة المقلِّدة والمنبهرة بالمرأة الغربية، فهي تعاني من فراغ فكري هائل، فكل ما لديها مجرد أوهام وتقاليد عمياء، حتى أمست أكثر مرونةً، وأسهل تقبلاً لكل ما يرد إليها من فساد الموضات الثقافية والاجتماعية الهابطة، وأصبحت الحرية الممنوحة لها أعظم معول هدَّام لمجتمعها.
وإذا أردنا الوقوف عند بعض التفاصيل المتعلقة بالزهراء (ع)، في كافة مراحل حياتها المباركة، فإننا سنجد، باعتبارها المثال الأعلى للمرأة، أنها كانت في مرحلة الطفولة... كأفضل ما تكون الفتاة، وذلك لأنها ابنة لأعظم شخصية على وجه الأرض، حتى يرث اللَّه الأرض ومن عليها، وهو الرسول الأعظم محمد (ص)، وعندما أصبحت فاطمة (ع) زوجة للإمام علي بن أبي طالب (ع)، فإنها كانت الزوجة المثالية، إذ أعطت أبهى صورة عن الحياة الزوجية المنسجمة، الراقية.
وأما دورها كأم، فإنّه الدور الذي بلغ الذروة في عملية التربية، ذات المستوى الأعلى، كما يدعو إليها الإسلام من خلال الكتاب والسنَّة.. ولم يكن دور فاطمة (ع) كزوجة وكأم على حساب دورها العام، وهو الدور الذي ارتقى إلى درجة الانفتاح على عمق ما رسمه القرآن الكريم للمرأة، من دور ريادي في الحياة والمجتمع، وهذا الدور ابتدأ من كونها معلِّمة للجيل النسائي في زمنها، وللأجيال الأخرى الآتية في مستقبل الزمان، ولم يقتصر هذا الدور على أمور اعتيادية، بل تجاوز كل ذلك، ليكون دورها دور المناصرة للأمة والعقيدة والمبدأ، وهي التي أعلنت رأيها صريحاً واتخذت الموقف الواضح، من أخطر الموضوعات التي تعلقت بمصير الأمة كلِّها، في تلك اللحظات التاريخية الهامة..
وحتى لا نبقى في عالم التعميم يحسن بنا أن نتحدث، ولو بشكل موجز عن الزهراء (ع)، في مراحل حياتها المختلفة..
فاطمة (ع) في مرحلة الطفولة:
إنَّها منذ اليوم الأول لولادتها المباركة، كانت تتغذى من أنوار الهدى والطهر، من جهة الوالد والوالدة، فقد نمت، وترعرعت في حضن خير أم.. خديجة الكبرى، وكان نموها الروحي والفكري والعام من خلال إعداد الرسول (ص) لها الإعداد الخاص، الذي شمل الإمام علي بن أبي طالب (ع)، فقد تخرجا من نفس المدرسة، والمعلم هو رسول اللَّه (ص)، نبي الرحمة والهداية.
وتشاء الأقدار، أن تنتقل أمها خديجة إلى الرفيق الأعلى، بعدما عاشت معها، فاطمة (ع) محنة الحصار، في شعب أبي طالب، لمدة ثلاث سنوات.. ويتوفى في نفس العام أبو طالب عم الرسول (ص) وحاميه ويبقى محمد (ص) وحده.. يواجه الهجمة الشرسة على عقيدة التوحيد من أهل الشرك، وعبدة الأصنام.. وتبقى معه فاطمة الصغيرة.. التي فقدت أمها . وهنا يحسن القول، إنَّ عملية الإعداد النبوي لفاطمة (ع)، كانت وفق خطة هادفة لتنفيذ ما أراده اللَّه للزهراء (ع) من النهوض بأعظم دور، تؤديه أعظم امرأة، تربَّت على يد أعظم أبٍ، كما سبق القول.. لتملأ الدنيا بعطر شذى الرسالة، وترسم الدرب القويم للمرأة في زمنها، وكل زمن، وعلى المستوى العالمي.
وإنَّ ما ذكرناه من أنَّ علياً (ع) وفاطمة قد تربيا، على يد الرسول (ص)، لا يعدّ من باب المصادفة والاتفاق، بل هو جزء من الخطَّة الإلهية، لتهيئتهما للدور المشترك الأكبر، وخصوصاً على مستوى الأسرة، التي شكلاها فيما بعد، فكانت الأسرة النموذجية، التي لا مثيل لها، كما سنتحدَّث لاحقاً.
وبهذا، وصل علي (ع) وفاطمة الزهراء (ع)، إلى الدرجات العالية، فكان لهما الأثر الأفعل، في حياطة هذا الدين، فقد تحملا المسؤولية العظمى في عمليتي بناء الأسس لكيان أمة التوحيد والوحدة، والحفاظ على مستقبل الرسالة، وعلى المستقبل من خلال الرسالة.. فكانت الزهراء (ع) أم الأئمة (ع)، وعلي (ع) أباهم، والقائد الإمام، والخط والنهج هو خط الأسوة الحسنة، رسول اللَّه لقد كان لكم في رسول اللَّه أسوة حسنة لمن كان يرجو اللَّه واليوم الآخر وذكر اللَّه كثيراً.
وأما الهدف والوسيلة فهو الجهاد من أجل تنفيذ المشروع الإلهي في الأرض، وتطبيق نظرية الاستخلاف الرباني للإنسان، وعمارة الحياة، وتعبيد البشر لخالقهم.. بالإستضاءة بنور محمد (ص)، كما في الحديث القدسي: كنت كنزاً مخفياً، فأحببت أن أعرف، فأخذت قبضة من نوري، وقلت لها.. كوني محمداً.
ومن أهم مواد البرنامج التربوي الإعدادي الذي طبّقه رسول اللَّه (ص) بحق ابنته فاطمة (ع)، هو التكريم والاحترام والتبجيل لهذه الشخصية، وقد روي أنَّه ما قبَّل إلا يدين اثنتين، يد عامل اخشوشنت يده، من جرَّاء العمل، فقال، بعد أن قبَّل يده: هذه يد يحبها اللَّه ورسوله«، واليد الأخرى، هي يد ابنته فاطمة (ع)، عندما كانت تدخل عليه.
ولقد روى البخاري في صحيحه، ومسلم، والترمذي، وأبو داود، وأحمد، وابن حجر في صواعقه، والكنجي في كفاية الطالب، في مناقب فاطمة.. أنَّ رسول اللَّه (ص) قال: فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى اللَّه عزّ وجلّ«. وعن عائشة أنَّ فاطمة كانت إذا دخلت على النبي (ص) قام إليها فقبَّلها ورحَّب بها، كما كانت تصنع هي به (ص). وما رأيت أحداً كان أصدق لهجة من فاطمة، إلا أن يكون الذي ولدها.
وكان رسول اللَّه (ص) إذا سافر يجعل آخر الناس عهداً به فاطمة، وإذا قدم من غزو أو سفر بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين، ثم يأتي فاطمة، ثم يأتي أزواجه وكانت فاطمة (ع)، أحبّ النساء إلى رسول اللَّه (ص)، وعلي (ع) أحبَّ الرجال إليه.
ولقد ذكر ابن أبي الحديد، المعتزلي، إكرام الرسول (ص) لفاطمة، ذاك الإكرام، الذي فاق كل إكرام، وقال عنها: إنَّها سيدة نساء العالمين.. وإنَّها عديلة مريم بنت عمران، وإنَّها إذا مرَّت في الموقف يوم الحشر نادى منادٍ من جهة العرش: يا أهل الموقف! غضوا أبصاركم لتعبر فاطمة بنت محمد (ص).
ولقد مرَّت بفاطمة شدائد وصعوبات، مع صغر سنها، كانت بمثابة التأهيل الروحي والنفسي لها، لأنَّها ستتحمَّل، في المستقبل، من المصاعب ما تنوء به الجبال ولقد روي عن ابن مسعود قال: ما رأيت رسول اللَّه (ص) دعا على قريش غير يوم واحد، فإنَّه كان يصلي، ورهط من قريش جلوس، وسلى جزور قريب منه (السلى هو الجلد الرقيق الذي يخرج فيه ولد الماشية من بطن أمه ملفوفاً) فقالوا من يأخذ هذه السلى فيلقيه على ظهره، فقام رجل وألقاه على ظهره، فلم يزل ساجداً، حتى جاءت فاطمة (ع) فأخذته عن ظهره.. ونفضت التراب عن رأسه، وأتت بالماء.. وكان تأثر فاطمة (ع) للمشهد بالغاً.. فبكت.. فنظر إليها والدها بحنان: »لا تبكِ يا ابنتي فإنَّ اللَّه مانع أباك وناصره.
فاطمة (ع) الزوجة:
إنَّ الحياة الزوجية لفاطمة (ع)، مع زوجها الإمام علي (ع) تعتبر الأنموذج الأسري الكريم، الذي ينبغي على كافة النساء تمثُّله.. ولضيق المجال سنذكر عدّة محطات مختصرة، من حياة فاطمة (ع) في هذه المرحلة...
1 معلوم أنَّ مهر فاطمة (ع) كان ثمن درع علي (ع)، الذي بلغ (480) درهماً، اشتري بها أمتعة لبيت فاطمة (ع).. ومن يطّلع على جهاز هذا البيت يأخذه العجب لشدَّة تواضعه، وعندما عرض على الرسول (ص) قال: اللهم بارك لقوم جلّ آنيتهم الخزف.
2 ومع كل ذلك، فإنَّه كان لفاطمة (ع) رأي آخر، فقد روى أحمد بن يوسف الدمشقي، في كتابه »أخبار الدول وآثار الأول. أنَّها لما سمعت بأنَّ أباها جعل الدراهم مهراً لها، في زواجها من علي (ع)، قالت: يا رسول اللَّه، إنَّ بنات الناس يتزوجن بالدراهم، فما الفرق بيني وبينهن؟ أسألك أن تردَّها، وتدعو اللَّه أن يجعل مهري الشفاعة في عصاة أمتك. فنزل جبريل ومعه بطاقة من حرير مكتوب فيها: جعل اللَّه مهر فاطمة الزهراء شفاعة المذنبين من أمة أبيها. فلما احتضرت، أوصت أن توضع تلك البطاقة على صدرها تحت الكفن فوضعت.. وقالت: إذا حشرت يوم القيامة رفعت تلك البطاقة بيدي، وشفعت في عصاة أمة أبي.
3 لقد كانت فاطمة (ع)، الزوجة الوفية، كأوفى ما تكون الزوجات، وهي التي خاطبت زوجها علي (ع)، في آخر لحظات حياتها: هل عهدتني خائنة أو خالفتك منذ عرفتك وهو ذا الأمير (ع) يقول عنها: فواللَّه ما أغضبتها ولا أكرهتها على أمر حتى قبضها اللَّه عزّ وجلّ إليه، ولا أغضبتني ولا عصت لي أمراً، ولقد كنت أنظر إليها فتنكشف عني الهموم والأحزان.
4 وفاطمة (ع)، ومن مثل فاطمة (ع).. لقد عملت بوصية أبيها (ص) بأن تكون خدمة المنزل بينها وبين خادمتها فضَّة، يوم عليها ويوم على فضَّة.. قال ابن أعبد: قال لي علي (ع): يا ابن أعبد ألا أخبرك عني وعن فاطمة، كانت ابنة رسول اللَّه (ص)، وأكرم أهله عليه، وكانت زوجتي، فجرَّت الرحى حتى أثَّرت الرحى بيدها، واستقت بالقربة حتى أثَّرت القربة بنحرها، وقمَّت (كنست) البيت حتى اغبرَّت ثيابها، وأوقدت تحت القِدْر حتى دنست ثيابها، وأصابها من ذلك الضرر.
وقصة تسبيح الزهراء (ع) معروفة، فقد علَّمها رسول اللَّه (ص) التسبيح المسمَّى باسمها عند النوم وفي دبر كل صلاة، وقال لها إنَّه خير من الخادم في الدنيا، رغم ما كانت تلاقيه، في خدمة البيت. ويقول الصادق (ع): تسبيح فاطمة في كل يوم، دبر كل صلاة، أحبُّ إليّ من صلاة ألف ركعةٍ في كل يوم.
فاطمة (ع).. الأم:
أ فاطمة أم أبيها: إنَّ فاطمة الزهراء، قبل أن تكون أماً لأطفالها، فقد كانت أماً لأبيها، كما قال عنها أبوها محمد (ص).. وذلك أنَّ الرسول (ص) قد مات أبوه وهو في بطن أمه، وماتت أمه وعمره ست سنوات، فكانت فاطمة أمُّه الثانية، التي احتضنت جهاده، وآلامه في سبيل اللَّه، وأفاضت عليه بحنانها، وخفَّفت عنه عناء ما عاناه من قومه الذين آذوه في مسيرة جهاده، حتى اندمجت روحها في روحه. فكان يعاملها معاملة الولد أمّه، وهي تعامله معاملة الأم ولدها.
ولما أمر اللَّه المؤمنين بتكنية زوجات النبي (ص) بأنَّهنَّ أمهات المؤمنين، فإنَّ الرسول (ص) قد منح فاطمة (ع) الوسام الأعلى، بأن وصفها بأنَّها أم أبيها. وهي بذلك أم الرسالة، كونها أم صاحب الرسالة (ص) فهي أصل شجرتها، كما قال الباقر (ع): الشجرة الطيبة رسول اللَّه (ص)، وفرعها علي (ع)، وعنصر الشجرة فاطمة (ع)، وثمرتها أولادها، وأغصانها وأوراقها شيعتها. ومحبّوها، والعارفون بحقها وفضلها.. وقد كانت أشبه الناس بأبيها (ص)، حتى قالت عائشة: ما رأيت أحداً أشبه سمتاً ودلاً وهدياً برسول اللَّه (ص) في قيامها وقعودها من فاطمة بنت رسول اللَّه (ص). وتقول: ما رأيت أحداً أشبه كلاماً وحديثاً من فاطمة برسول اللَّه (ص).
بفاطمة (ع) خير أم لأولادها: لقد قامت الزهراء (ع) بتربية وتنشئة أطفالها، فغذَّتهم بجميل أخلاقها وشمائلها وصفاتها، وكانت أسرتها خير أسرة، وكان الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة، وكانت الزهراء (ع) القدوة في كل شيء، حتى قال والدها (ص) عنها: فداها أبوها، فداها أبوها، فداها أبوها، ما لآل محمد وللدنيا، إنهم خلقوا للآخرة.
ولقد قال النبي (ص) لعلي (ع): أوتيت ثلاثاً لم يؤتاهن أحد، ولا أنا: أوتيت صهراً مثلي، ولم أوت أنا مثلي.. وأوتيت زوجةً صدِّيقة مثل ابنتي ولم أوتَ مثلها.. وأوتيت الحسن والحسين من صلبك، ولم أوت من صلبي مثلهما... ولكنكم مني وأنا منكم.
فاطمة (ع) أم الفضائل:
لقد كانت الزهراء (ع). المنفتحة على اللَّه سبحانه، والمنقطعة إليه، حتى قال ولدها الحسن (ع): رأيت أمي فاطمة قامت في محرابها ليلة جمعتها، فلم تزل راكعة وساجدة حتى اتضح عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسميهم بأسمائهم، وتكثر الدعاء لهم، ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت لها: يا أماه، لا تدعين لنفسك، كما تدعين لغيرك. فقالت: يا بني الجار ثم الدار.
وعن الحسن البصري، قال: ما كانت امرأة في هذه الأمة، أعبد من فاطمة (ع)، كانت تقوم حتى تتورم قدماها.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن فاطمة (ع) كانت المجاهدة.. والصابرة.. والمحتسبة.. وهي التي تحمَّلت صعوبات الهجرة، بعد هجرة الرسول (ص) إلى المدينة، عندما أمر رسول اللَّه (ص) علياً (ع)، بأن ينام في فراشه، وأن يبقى في مكة، ليردَّ الأمانات إلى أصحابها، وليأتي بالفواطم.. وإحداهن فاطمة بنت محمد (ص).. ولقد خاض علي (ع) أول مواجهة »عسكرية« مع المشركين، دفاعاً عن النسوة، وتقريراً لحقّ الهجرة إلى اللَّه ورسوله، وغزَّ علي (ع) السير حتى وصل قباء، وقد انتظره رسول اللَّه هناك أكثر من عشرين يوماً.
وبكى الرسول (ص) رحمة به، لما بقدميه من الورم.كل ذلك كان بمرأى ومسمع ومشاركة من فاطمة الزهراء (ع).وهي التي ضمَّدت جراح رسول اللَّه (ص) بعد غزوة أحد.. فقد كانت تغسل الدم، وعلي (ع) يسكب الماء.وما استمسك الدم حتى وضعت عليه رماداً.ألصقته بالجرح.
ومن يراجع أسماء فاطمة (ع) يدرك عظمة هذه المرأة، وأنها بحق، أم الفضائل الإنسانية. فعن النبي (ص)، كما في مسند الرضا (ع) أنه قال: إنَّما سميت ابنتي فاطمة لأنَّ اللَّه فطمها وفطم من أحبَّها من النار، وسمَّاها البتول. وقال لعائشة: يا حميراء، إنَّ فاطمة (ع) ليست كنساء الآدميين، ولا تعتل كما تعتلون.
وعن أنس بن مالك يقول سألت أمي عن صفة فاطمة (ع) قالت: كانت كأنها القمر ليلة البدر أو الشمس كفرت غماماً (سترت بالغمام)، أو خرجت من السحاب.
وسميت أيضاً، الصدِّيقة والمباركة والطاهرة والزكية والراضية والمرضية والمحدَّثة (أي أنَّ الملائكة كانت تحدِّثها، كما تحدثت مع مريم (ع)، وسارة زوجة إبراهيم (ع)، ومع أم موسى (ع)) وهي الزاهرة والزهراء.. كما قال (ص): هي الحوراء الانسية متى قامت في محرابها بين يدي ربِّها زهر نورها لملائكة السموات، كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض.
فاطمة (ع) المعلِّمة والمرشدة:
ولقد جاءها من يسألها علماً، فقال: »يا بنت رسول اللَّه (ص) عندك شيء تطرفينيه (تعطيني إياه)، فقالت: يا جارية (تقصد فضَّة) هاتي تلك الحريرة أو (الجريدة التي كانت تكتب عليها)، فطلبتها فلم تجدها، فقالت: ويلكِ اطلبيها، فإنَّها تعدل عندي حسناً وحسيناً، هذا تراث رسول اللَّه (ص)، فطلبتها فإذا هي قد قممتها في قمامتها، فإذا فيها، قال النبي (ص): ليس من المؤمنين من لم يأمن جاره بوائقه (أذاه..) ومن كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر فليقل خيراً، أو يسكت.إنَّ اللَّه تعالى يحبّ الخيِّر الحليم المتعفِّف، ويبغض الفاحش الظِّنِّين البذَّاء السئَّال الملحف (الذي يلحف في السؤال) .إنَّ الحياء من الإيمان والإيمان في الجنَّة، إنَّ الفحش من البذاء، والبذاء في النار.
فاطمة (ع) الخطيبة المفوَّهة:
لقد خطبت فاطمة في المسجد النبوي، بخطبة كانت أروع ما تكون الخطب عمقاً، وأجمل ما تكون مبنى ومعنى، كيف لا وهي ابنة أفصح الفصحاءمحمد (ص)، ولقد كشفت في هذه الخطبة عن معرفة، وقدرة فائقة على سبر أغوار حكم جملة من التشريعات، فبيَّنت من مقاصدها ما بينت، بكلمات قليلات، ذات مداليل عميقة جداً.. ودافعت الزهراء (ع) عمَّا تؤمن به، كأفضل ما يكون الدفاع.. وقالت كلمتها للتاريخ. ولا يزال التاريخ يردد هذه الكلمات.
فاطمة (ع). السياسية البارعة:
لقد ناقشت فاطمة (ع) السلطة، وحدها، لأن الظرف السياسي، ومصلحة الإسلام كانت تقتضي ذلك. فقدَّمت الحجج والبراهين، مستخدمة أسلوب العقل والمنطق، والحجج الموشَّحة بالعاطفة الحزينة على فراق رسول اللَّه (ص)، والحاملة لروح الثورة، والمطالبة بالحق. والمعارضة معارضة أرادتها مستمرة حتى بعد وفاتها... وذلك عندما أوصت أن تدفن سراً.
هذه نفحات من عطاءات فاطمة (ع)، التي لا تنضب، تلقي أضواء على شخصيتها القائدة، الرائدة، لتعطي الدليل على أنَّها القدوة في روحيتها، وعظمتها، ونور عصمتها.. وأنَّها خير ابنة لخير أب، كما قال أمير الشعراء، شوقي:
ما تمنى غيرها نسلاً ومن
يلد الزهراء يزهَدْ في سواها
وكانت أيضاً خير زوجة لبعلها.. وخير أم لأبيها ولبنيها.. وخير قدوة للنساء. لأنها سيدة النساء، في شمائلها وخصالها ونور بهجتها.
خجلاً من نور بهجتها وحياء من شمائلها تتوارى الشمس بالشفقِ يتغطى الغصن بالورقِ
إنها فاطمة (ع) التي قال فيها والدها (ص): »فاطمة بضعة مني وروحي التي بين جنبي.
اللهم صلِّ على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها بعدد ما أحاط به علمك.
التعليقات (2)
خمائل
تاريخ: 2007-05-28 - الوقت: 11:35:14اللهم بحق مولاتنا فاطمة الزهراء (عليها السلام) عجل في فرج مولانا صاحب العصر والزمان وحقق لنا ما نتمناه من الذرية الصالحة وحسن العاقبة برحمتك يا ارحم الراحمين.
عادل السوداني adelalsodani
تاريخ: 2007-06-22 - الوقت: 23:40:09بمذا اكتب وهي الذي يعجز القلب عن وصفها وهي بنت حبيب الله ص فسلامي لكي ياسيدتي ومولاتي انتم رجائنا يوم لاينفع لامال ولابنون /والشكر لمن ساهم في هذا الموقع اجركم الله تعالا