بسم الله الرحمن الرحيم
(يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها النار والحجارة) (التحريم:6).
أصبحت مكلفاً! ألا ترشدونني؟!
كي تقوا أهليكم النار التي وقودها الناس والحجارة..
كي تعرفوا معنى المصاحبة لأولادكم..
وكيف تؤتي ثمارها راحة في الدنيا وسعادة في الآخرة!
لأن للفتى حاجاته ومتطلباته، وللفتاة حاجاتها وطريقة تعامل معها. عليكم أن تحرزوا ثقة أولادكم في هذه المرحلة، وأن تعرفوا العوامل المساعدة لهم تساعدوهم، فإن في ذلك مساعدة لأنفسكم، فقد جاء عن أمير المؤمنين، ومولى المتقين علي بن أبي طالب عليه السلام في وصيته لابنه الامام الحسن عليه السلام: «وجدتك بعضي بل وجدتك كلي حتى كأن شيئاً لو أصابك أصابني».
لهذه الأسباب كنا قد التقينا، في العدد الماضي، مع الدكتور طلال عتريسي المختص والمهتم بالجانب التربوي ونتابع معه في هذا العدد حوارنا عن اختلاف التعامل بين الفتى والفتاة وكيفية إحراز الأهل ثقة أولادهم، إضافة إلى جوانب أخرى دقيقة وحسّاسة ومهمة في حياة الأطفال الناشئة.
هل يختلف أسلوب التعامل ما بين الفتى والفتاة؟ ولماذا؟
واقعاً، يجب أن يختلف الأسلوب، لأن طبيعة كل منهما مختلفة، والقدرة على التمرد والاستجابة (ممارسة العنف والتحدي) مختلفة أيضاً، فالذي يتمرد هو الفتى كأن يقوم بالخروج من المنزل في حال واجه ضغطاً معيناً، وهذا ما يكون صعباً على الفتاة أن تقوم به خصوصاً في المجتمع الذي نعيشه. وقد يذهب الفتى مع بعض أصدقائه ويعود متأخراً (العاشرة ليلاً مثلاً) ومع عدم تأييد مثل هذا التصرف، وإذا اضطر الأمر علينا أن نعرف أين يذهب؟ ومع من؟ وإمكانية الاتصال متوفرة.
وهذا لا يحصل مع الفتاة، ومع وجود فرق في تكوين وشخصية كل منهما مما يفرض، بطبيعة الحال، تعاطياً مختلفاً في التفاصيل بينما المبادىء تبقى واحدة.
وقد تعيش الفتاة، ومن خلال ما ذكرتم أيضاً، حالة انغلاق وكآبة، فكيف يمكن مساعدتها للخروج منها؟
قد تكون الفتاة أكثر ميلاً للبقاء في المنزل، وربما تكون أقل رغبة أو استعداداً للخروج في أي وقت، وعندما نصادف مثل هذه الحالات حيث تتحول إلى انعزال وانطواء على الذات وعدم التعاطي مع الآخرين فيجب أن ننتبه لهذا الأمر، ونحاول أن نشجعها على الانخراط في مؤسسات رياضية أو كشفية أو اجتماعية بحيث تساعدها على تثبيت الثقة بالنفس، ففي هذه المرحلة بل بالمطلق على الانسان أن يشعر بثقة كاملة بنفسه وبقدراته لكي يحقق طموحه.
التعليم لا يحقق مثل هذه الثقة بل العكس فأحياناً يعرقلها لأسباب متعددة منها: عدم وجود قدرات في بعض المواد يفقده الثقة بالنفس وبالآخر، ومنها عدم الانسجام مع معلّم بعض المواد، لذا تصبح المشكلة صعبة، لذا علينا أن نتيح الفرص بكل ما أوتينا من إمكانات وقدرات تعليمية أو أسرية لانخراط الأولاد في أنشطة مختلفة (رياضية، كشفية، فنية، اجتماعية...) تسمح ببناء الثقة بالنفس وبالآخر، وهذا جوهر التربية.
ما هي أهم العوامل المساعِدة للتنشئة الصحيحة؟:
أولاً: سن الأم عند الرضاعة ما مدى تأثيره على هذه المرحلة؟
هناك دراسات كثيرة تربط بين سن الأم الحامل والمرضع وبين وضعها النفسي والصحي، واهتماماتها وميولها، وما تأكله وتشربه، وما تستمع إليه بمرحلة الحمل. والدراسات تؤكد تأثيرها على الجنين، وهذا أمر صحيح لأن هذا الجنين يتغذى، فقط، من الأم على كل المستويات، يعني الحالة النفسية تنعكس على الحالة الجسدية ويتغذى منها الجنين، ولهذا السبب نجد في بعض الأحيان، أنواعاً من السلوك عند الأطفال ليس لها تفسير تربوي إلاّ التفسير الوراثي لأنه يرث تكاسلاً أو نشاطاً يرث اهتماماً مبكراً معيناً قبل أن تتدخل التربية في هذا الأمر، ولهذا السبب، في الاسلام، يتم الاختيار (للزوجة) من خلال مواصفات أخلاقية واجتماعية ودينية لأنها ستنعكس على الأجيال التي هي هدف التربية في نهاية الأمر.
ثانياً: ما هو الدور الذي يلعبه حجم العائلة في عملية التربية؟
حجم العائلة يلعب دوراً كبيراً، طبعاً، وهنا حديث كبير في هذه النقطة، مثلاً الولد الوحيد يتعرض لتربية قد تختلف عن التربية التي يتلقاها خمسة أو عشرة أولاد في عائلة واحدة.
فالولد الأول يمكن أن يشعر بسلوك قد يختلف عن الأخير وهكذا، والولد الوحيد، مثلاً، ربما شعر بنمو زائد لحب الملكية عنده لأنه لم يشاهد ولداً آخر إلى جانبه يشاركه ما يملك.
وسلبية أخرى، للولد الوحيد، أن هذا الولد قد يجد صعوبة في التكيّف مع أولاد آخرين نظراً لعدم وجود مثل هؤلاء في المنزل. بينما وجود أكثر من ولد في البيت يساعد في التعاطي مع الآخر على كيفية مواجهة اختلاف الآخر ومواجهة نفسه. أيضاً، عندما يتعدى على الآخر كيف تتعامل السلطة المسؤولة معه (الأم أو الأب)، فعندما يكون هناك مجموعة من الأولاد يبدأ بالتعود على العمل الجماعي المشترك وعلى الأمزجة المختلفة وعلى حب الملكية عند خمسة أو أكثر في وقت واحد، وهذه مسألة تدريبية مهمة للانسان ليواجه بها المجتمع لأن المجتمع في الخارج لا يراعي كما يراعي الأهل ولا يحترم كما يحترم الأهل. وهو (أي المجتمع) إما أن يفرض على الانسان قانوناً ينظم له رغباته وقدراته، وإما أن يتفلت فيه الناس من القانون وبالتالي على الانسان (الفرد) أن يعرف كيف يواجه المشاكل المختلفة. كما أن الحياة، أصلاً، لا تقدم أو توفر كل ما نريده بسهولة ويسر كما في المنزل أو العلاقة مع الوالدين، لهذا السبب عندما يكون هناك مجموعة من الأولاد في المنزل الواحد أعتقد أن للأمر ايجابية كبيرة على المستويات الاجتماعية والسلوكية والعلائقية.
طبعاً يوجد حالات يستحب فيها، في مجتمعنا الحالي، عندما يصبح العدد كبيراً جداً أو أكثر من المتوقع (أكثر من قدرات الأهل) عند ذلك يصبح الأهل أعجز من أن يهتموا بهم سواءً تعليمياً أو صحياً أو تربوياً، ولهذا نجد أن الاسلام لم يحدد عدداً للأولاد فتوجد أحاديث تحض على الانجاب وأحاديث أخرى تربط بين الانجاب وبين قدرات الانسان لأنه لا ينبغي إغفال التوازن بين قدرات الأهل المختلفة وبين الأولاد الذين سيربيهم أو سيتحمل أعباءهم، ليس على المستوى المادي فحسب بل على صعيد الوقت الكافي للاهتمام بهم وغير ذلك حتى ولو كانت عنده القدرات المادية لأنه سيظلم هؤلاء الأولاد.
ثالثاً: هل يختلف أسلوب التعاطي بين الولد الأكبر؟ والأصغر؟
هنا تختلف، بشكل طبيعي وغير إرادي، طريقة التعاطي مع الولد الأول بشكل عام لأنه الولد الوحيد لفترة تمتد سنتين أو ثلاث وربما أكثر، وهو يشعر بأنه الولد الوحيد وكل اهتمام الأهل وانشغالهم وعاطفتهم، شاؤوا أم أبوا، منصبّة على هذا الولد، وكذلك اهتمام الأقارب والعائلة الواسعة.
لذا يشعر هذا الولد بأنه محط الاهتمام والرعاية وهو يريد بلا وعيه أن يبقى كذلك، لهذا السبب هناك حالات كثيرة تبرز عند الأخ الأكبر نزعات للتسلط ولتملك ما هو حق لأخوته الآخرين والسبب هو هذه العلاقة التي نشأت بينه وبين أهله والآخرين (وقد يكون هذا من خلال أسلوب التوجيه والتعاطي مع الولد بإثارة الغيرة عنده من قِبَل الأهل أو المجتمع من حوله).
والمطلوب التعامل مع الولد حتى الوحيد باتزان والاهتمام بحاجاته الداخلية والخارجية على أساس يحفظ له توازنه سواء كان هناك ولد آخر أم لا. لأنه يحتاج إلى هذا التوازن حتى لا يشعر بالاضطراب والقلق فيما بعد في مواجهة أخٍ جديد أو في مواجهة العالم الموجود خارجاً.
وحتى لا تنحرف التربية مع الولد الأصغر أيضاً بأن يحقق الوالدان رغباته على حساب الآخرين وعلى حساب حاجاته الحقيقية علينا أن ننطلق من مبدأ التربية الصحيحة والمفيدة وهي التي تعتمد على التوازن والمساواة. التوازن بين حاجات الفرد نفسه (حاجاته الداخلية) فلا نرجح حاجة الملكية، مثلاً، على حاجة التضحية أو أي حاجة أخرى.
وعلى أساس المساواة بين أفراد العائلة، أيضاً، فلا نسمح للولد الأصغر بما له ولأخوته الأكبر سناً، سابقاً، لأن ذلك يؤدي لأن يصبح هذا الولد غير منضبط ومتفلت على القوانين ويشعر بأنه يستطيع امتلاك كل شيء لأنه الأصغر سناً، وهذا ما يسيء الى الولد قبل أن يسيء إلى التربية كمفهوم.
في هذه المرحلة يبدأ الولد بالخروج الى المجتمع، كيف ينمّي الأهل العلاقات الاجتماعية للأولاد؟
يبدأ الطفل علاقاته إذا كان هناك عدد معقول من الأولاد (ثلاثة، أربعة) في المنزل وبذلك يكون تدريبه بشكل غير مباشر على العلاقة مع الأولاد الآخرين، وعندما يذهب إلى المدرسة فهذا تحصيل حاصل بأنه سيتدرب على العلاقة مع أولاد جدد لا يعرفهم.
كيف تُنمى العلاقات مع الأقارب والمحيط الجديد خارج المدرسة؟
ربما يكون لهذا الأمر علاقة بطبيعة الحياة التي نعيشها اليوم أكثر مما له علاقة بالطبيعة الانسانية لأن ما يجري في عالم اليوم يمنع الصغار والكبار من التواصل مع الآخرين لأن نمط حياة الأهل يؤثر على نمط حياة الأولاد، فعندما يكون الأهل في عزلة عن الآخرين هذا الأمر سيجده الولد طبيعياً والعكس أيضاً فإذا كان الأهل في حالة تزاور دائم مع الأقارب والجيران وغيرهم فيعتاد عليه ويعتبره طبيعياً، ثم إن نمط الحياة المدرسية يعيق لأنها تشغل الولد من الصباح حتى المساء.
بِمَ تتوجهون للأهل الذين لا يهتمون للعلاقات الاجتماعية والتي تؤدي الى إهمال الأولاد لهذا الجانب، أو يقيمون مثل هذه العلاقات ولكنهم لا يصطحبون أولادهم الذين هم في هذه المرحلة من العمر؟
عندما لا يقوم الأهل بتوطيد العلاقات الاجتماعية لا نستطيع أن نطلب ذلك من الأولاد، أما عندما يقوم الأهل بمثل هذه الواجبات، طبعاً وهذه مطلوبة ومرغوبة وهناك حثّ اجتماعي وإسلامي عليها، أقول إنه في حالات كثيرة يجب اصطحاب الأولاد، ليجلس الولد مع الأهل، ويذهب لعيادة المريض وإلى المناسبات الاجتماعية المختلفة لأسباب كثيرة ليس فقط لأنه يجب أن ندربه على العلاقة الاجتماعية أو على الثقة بالنفس بل ليرى أوجه الحياة المختلفة، من حالة المرض وحالة الولادة وحالة الفرح والحزن والموت ليشاهد كل هذه الحالات في الحياة لكي يتعلم ما هي الحياة، ولا ينبغي التبرّم من سلوكهم مهما فعلوا كي يتعلموا الانضباط في مناسبات مختلفة.
ما هو دور الأهل في مجال التربية الروحية الدينية، خصوصاً إذا لم تتح لهم فرصة التعلم في مدارس إسلامية؟
في مجال التربية الدينية الأسرة هي المرجعية الأساسية في عملية التأثير وذلك من خلال السلوك الشخصي للوالدين، فإذا كانت الأسرة متدينة ستترك أثراً مباشراً على الأولاد حتى الذين هم في مدارس غير إسلامية، والعكس يصح إذا لم يكونا كذلك، فإن الولد سيجد صعوبة في أن يعيش الجانب التديني ولو كان في مدرسة إسلامية.
والتربية ليست نصوصاً ومواعظ بل هي حياة، خصوصاً على المستوى الأسري سواء في الجانب التثقيفي (مطالعة كتب، صحف وغيرها...) أو عبادة، صوم، صلاة وغيرها... وفيما يخص الجانب التثقيفي إذا كان الأهل لا يقرأون كتاباً ولا صحيفة ويقضون كل الوقت أمام التلفاز أو في أي شيء آخر فإن الولد سيتأثر بذلك فكل ذلك عملية تربية.
طبعاً من المفيد أن يوفروا للأولاد مجلات هادفة، مجلات علمية، أخلاقية، معرفية على جميع المستويات (ليس فقط دينية) هذا الأمر ضروري ومهم لكنه يجب أن يترافق مع نظام حياة الأسرة ككل ليكون أفضل.
ما هو دور الأهل في مجال التوعية الجنسية؟ وكيف توجه في المسار الصحيح، خصوصاً في علاقة الإناث بالذكور؟
أثير هذا الموضوع ودارت نقاشات وانقسمت الآراء بين مؤيد وداعٍ للتوعية الجنسية لأنها تقلل الجهل والوقوع في المشاكل والأخطاء، ورافض للمبدأ وترافق ذلك مع اتهامات للاسلام والدين عموماً بأنه ضد هذه المسائل.
ولكن السؤال المطروح والذي لا يريد الكثيرون الاجابة الواضحة عليه: هل يجب حث الأولاد على مثل هذه الأمور؟ وأين؟ ومتى؟
باعتقادي انه ليس هناك مشكلة بأن يتعرف الاولاد على المسائل الجنسية المتعلقة بأجسادهم لأسباب:
أولاً: لأن هذا أمر طبيعي وهو جزء من الانسان ومن علاقته مع نفسه.
ثانياً: على المستوى القرآني هناك كلام واضح بهذا الشأن ولا يوجد هروب أو تعمية حوله.
ثالثاً: الجوانب الفقهية التي يجب أن يتعلمها قبل بلوغه ومعه وما فيها من تفاصيل حول علاقة الانسان بجسده، فالاسلام لا يخاف ولا يخفي هذه الأمور ثم إن القرآن الكريم قد تناول هذه المواضيع بدون خجل وهو موضوع لكل الناس وكل الأعمار وقد تحدث عن النطفة والولادة.
لكن السؤال المطروح من يعلّم هذه الأمور؟ الأهل؟ المدرسة؟
أقول بأن الأمر يتعلق بمن هو أهل للثقة من جهة وأهل لإعطاء هذه المعلومات ضمن الضوابط الأخلاقية العامة التي يحرص الاسلام عليها.
لهذا السبب من حيث المبدأ المعني الأول بتعليمها هم الأهل ثم أستاذ التربية الدينية وقد يحصل تعاون بين المدرسة والأهل وقد يكون ذلك بالتنسيق مع المعلم (المعلمة) إذا كان أهلاً لذلك إذ أنه من الضروري أن يعرف الولد هذه المعلومات لأنه إذا لم يعرفها بشكلها الصحيح ومن مصدر موثوق فسيعرفها من مصادر غير موثوقة وبذلك تؤدي الى انحرافه سلوكياً وأخلاقياً.
ملاحظة: انتظروا تفاصيل حول المعرفة الجنسية وآثارها السلبية والايجابية وكيف؟ ومتى؟.. وأثر الاعلام الجنسي على الأطفال... مع فضيلة الشيخ علي حجازي.
التعليقات (1)
عيون الحب
تاريخ: 2009-05-17 - الوقت: 11:15:52مشكورين على ها لمقولة