ثورةُ أغنياء!
ثار بعض أغنياء إيران في شمال العاصمة. والسبب أن مداخيلهم من الدولارات نَقَصَت مقداراً من رفاه يومي مالَ إلى غيرهم. كان ذلك بالتأكيد قطعاً لصفاء مادي نَمَوْ عليه مذ كان آباؤهم يرفلون في نخاع الأرستقراطية.
عشرون في المئة من الإيرانيين هم من أصحاب الذوات والميسورين جداً. وخمسة وأربعون منهم طبقة وسطى تلامس اليُسر نزولاً حتى حدّ الكفاية. وخمسة وثلاثون في المئة يعيشون على حدّ الكفاف.
وترقيم ذلك يعني أن هناك 14200000 مليون إيراني ثري وميسور جداً. و 31950000 مليون إيراني من الطبقة الوسطى. و 24850000 مليون إيراني من طبقة تعيش حدّ الكفاف. مع العلم أن الطبقتين الثانية والثالثة تتداخل في الديموغرافيا الإيرانية ما بين المُدن والأرياف في ثلاثين محافظة.
فالمُعدمون يطمحون في نيل الخدمات المتاحة في المُدن أو في أطرافها، ومن هم في الطبقة الوسطى وبقيت أصول عوائلهم المُركبة خارج المُدن بقوا على علاقة تقليدية مع الريف، مُستفيدين من وُفرَة الأرض المزروعة هناك، أو محاكاة التمدن الزاحف.
الآن وبعدما أفرزته الانتخابات الإيرانية الأخيرة من نتائج، بدا أن نَفَسَاً استعلائياً آخذٌ في البروز عند بعض ما يُسمّون بالإصلاحيين في الداخل (وبعض الخارج) يرى أن هذه المجاميع البشرية الفقيرة ممن صوّتت لأحمدي نجاد هي نِثَار خُردة لا تستحق أن تكون رافعة سياسية تُزاحم المُتخمِين مالاً وزادا.
فعندما تتحوّل هذه القطاعات من قطاعات مهروسة بطواحين الجشع إلى أخرى نابهة تُقرّر مصير البُلدان ودفّتها لا يقبل أولئك على رغم أن من حقّ الفقراء أن يكونوا كذلك ما دام الجميع يؤمن بحقوق المواطنة.
ليس صحيحاً ما يُقال اليوم بأن الإيراني الفقير هو أمّي وأبله ومُغفّل ولا عدّة لناخبيّته، فهذه المقولة لا تحتوي إلاّ على تعيير طبقي فج، ونبرة فوقية يستحرم أصحابها شهوة الدم الأزرق.
لم تكن هذه القطاعات الفقيرة أو الطبقات المتوسطة معدومة التعليم والصحة والمأوى كما يدّعي هؤلاء. ولو كانت تلك القطاعات كذلك لم تكُن لتشارك في المجال السياسي العام، كما كان يُشير إلى ذلك عالم الاجتماع مايكل سوارد.
لقد كان هؤلاء الفقراء في أقاليم إيران وريفها هم من لَفَتَ العالم أجمع إلى نجاحات مؤسسة التعليم عن بعد، وتنفيذ مشروعات تعليم البنات المتأخرات عن الدراسة وتطوير وسائل التعليم للسُكّان (الرُحّل) وتكثير المدارس الثانوية في الأرياف وإقامة دورات تحضيرية لأطفال المرحلة الأولى في المناطق التي تتحدث بلغتين.
وللعلم فإن برامج تحديد النسل وتنظيمه كان صداها في الريف هائلاً عندما انخفض معدل السكّان في إيران إلى 1.5 في المئة بعدما كان 6.7 في المئة الأمر الذي دفع الأمم المتحدة لأن تتحدث على أن النمو السكاني في إيران لا يزيد إلاّ بفارق طفيف على معدل الزيادة في الولايات المتحدة التي تُعتبر أغنى دولة في العالم!.
لقد أنتجت جيوب الفقر قيادات الثورة وأفكارها ومفاوضيها وجنرالاتها وعلمائها في الفضاء والنووي. فـ لاريجاني مازندراني، وجليلي وقاليباف قرويان مشهديان. وشمران قُمِّيّ، ورضائي من قرية خوزستانية.
وصيّاد شيرازي من قرية كبود كنبد، وعالم الفيزياء النووية محسن فخر زاده ورئيس منظمة صناعة الفضاء وحيد دستجردي، وصاحب الاختراعات في مجال أنابيب النانو الكربونية، كلّهم جاؤوا من الطبقات المُعدمة.
ليس في إيران فقط فهؤلاء الفقراء هم كانوا رافعة العلوم والحركات التحررية في أوروبا وروسيا والولايات المتحدة. فـ هرمن هيس قروي، ولوب دوفيكا ابنٌ لممتهن تطريز أقمشة، ووالد بابلو نيرودا عامل في سكّة حديد.
من هنا يظهر أن حضارات التاريخ وعلوم البشر أنتجتها الإنسانية جمعاء من دون أن يحتكرها لون أو تستأثر عليها طبقة.