قال الرسول الأكرم (ص): (مَن ولد له ابنة فلم يؤذها ولم يؤثر ولده عليها أدخله الله بها الجنة) تعتبر معرفة الميول والرغبات الفطرية التي تكمن في ذات البنت والولد ومحاولة إرضاء كلٍ منهما بشكل معتدل وصحيح من أهم قواعد التربية، والمربي الكفوء هو من يستطيع تحليل التركيبة النفسية الطبيعية للبنت والولد من جميع الجهات ومعرفة ما يختلج في صدريهما من رغبات وميول ومن ثم العمل على إرضاء كل منهما بصورة سليمة ومنطقية، وبفضل هذه التربية يمكننا أن نصنع جيلاً صالحاً وكفوءاً من الشابات والشباب ونوفِّر لهم أسباب سعادتهم في الحياة.
إن البنين والبنات يتساوون في الإنسانية وفي الحقوق وبسبب وجود التباين والاختلافات فيما بينهم فإن هناك تفاوتاً في بعض حقوقهم، فكلٍ منهم يتربى ويكبر طبق ضوابط خاصة ومن حقوقهم حق التربية وفيه تباين في كيفية التربية وأعمال التربية.
1- هل الفارق الفيزيولوجي له علاقة بالتفرقة ؟
قال سبحانه وتعالى: (هو الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وجعل منها زوجها)
إن نطاق التباين والاختلاف بين البنين والبنات كبير جداً وذو أبعاد مختلفة ومن هذه التباينات:
التباين الجسمي:
- نظرة سطحية تكشف لنا عمق التباين الذي يشمل معدل الوزن والطول والنمو ونوع العضلات ومراحل البلوغ ووظائف الأعضاء والولادة ورضاعة الطفل.....الخ.
- مقاومة البنات في سن الطفولة إلى سن البلوغ أكثر من مقاومة البنين.
- تشير الأبحاث العلمية إلى أن قابلية الحفظ والتعلم لدى البنات أقوى منها لدى البنين.
- وزن البنين في سن العاشرة أكثر من وزن البنات في هذا السن ولكن بعد السن العاشرة فإن نمو البنات يكون أكثر من نمو البنين.
يقول الدكتور كارل: (إن التباين القائم بين المرأة والرجل لا علاقة له بشكل الجسم أو بمسألة الحمل والإنجاب لدى المرأة فقط، بل هو نتيجة سببٍ أعمق مردُّه تأثير المواد الكيماوية التي ترشح عن الغدد التناسلية وتدخل الدم).
فالتباين بين البنت والولد في الجسم والفكر والروح هو مسألة علمية تهدف إلى بيان عظمة خلق الإنسان، كقوله تعالى (وجعل منها زوجها) أي الوحدة في الخلق وتفاوت في النوع، وقول الله سبحانه وتعالى حجة علينا، فالاختلاف في خلقة الرجل وخلقة المرأة لا يعني التفرقة وليس دليلاً على الانتقاص أو ترجيح جنس على آخر.
(إن القوانين الفيزيولوجية هي كقوانين عالم الكواكب والنجوم ثابتة وغير قابلة للتغيير، فلا يمكن أن تنفذ إليها الرغبات الإنسانية. وينبغي علينا أن نتقبلها كما هي، فالمرأة عليها أن تهتم بمواهبها الطبيعية وتنظر إلى طبيعتها ولا تلجأ إلى تقليد الرجل، وتسعى لأداء واجبها خدمةً للبشرية) .
فنحن نعلم أن بعض العوائل لها رغبة بأن يكون عدد البنين في أسرهم أكثر من عدد البنات وعلى هذا الأساس فإنهم ينظرون إلى البنت نظرة فيها احتقار؛ إن للأمر جذوراً اقتصادية واجتماعية متبقية من الأفكار الجاهلية المتعلقة بالبنين والبنات.
من الناحية الاقتصادية نلاحظ الكثير من الآباء والأمهات، وخاصة في المجتمع الشعبي أو الريفي، يعتنون بشراء أفضل الملابس وأجودها لأولادهم الصبيان خاصةً إذا كان الولد وحيداً بين أخواته البنات، وتقديم الهدايا والألعاب لهم في الأعياد والمناسبات وخدمتهم على أتم وجه من ناحية الغذاء والطعام والإفراط في الدلال، وذلك اعتقاداً من الأهل بأن الشاب سوف يخرج للمجتمع ويجب أن يكون قوي الجسم ولائق المنظر وأنه سوف تقع عليه مسؤوليات من زواج وتجهيز البيت وتأمين مصروف عائلته بينما عندما تصل المسألة إلى بناتهم يبدأ التناقص وعدم الاهتمام وإن البنات في جو الأسرة عليهن أن يخدمن أخوتهن الأولاد أو الشباب، وإن حصة البنت هي نصف حصة الولد في شراء الملابس والهدايا والألعاب وغيرها من المستلزمات الحياتية، وذلك اعتقاداً من الأهل بأن البنت في آخر المطاف سوف تذهب إلى بيت الزوج ويشتري لها زوجها فيما بعد ما تريد، هذا إذا كان الزوج المستقبلي واعياً ومثقفاً؟!…
فإن عدم الاهتمام بها وبمصيرها سوف يؤدي إلى توجيه ضربة لمكانتها في الأسرة والمجتمع وهذا نوع من أنواع الظلم. وفي كل الأحوال يجب أن لا ننسى شأن البنت ومنزلتها في هذه الحياة الدنيا، حيث أن السيدة مريم (ع) تولى تربيتها ورعايتها خالق هذا الكون سبحانه وتعالى فيقول في كتابه الكريم (وأنبتها نباتاً حسناً… كلّما دخلَ عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً) إذاً للتغذية الجيدة آثار هامة في نمو وقوة ونشاط البنات فهي تساهم في زيادة طاقاتهن وبالتالي قدرتهن على الحركة والفعالية والنشاط في حياتهن، وعلى العكس من ذلك فإن سوء التغذية أو قلتها يترك آثاراً مخربة على صحة وسلامة الفتيات، وإدخال السرور إلى قلبها يكون بإعطاء الهدية أولاً إلى البنت قبل الولد لما فيه من آثار إيجابية في نفسية البنت وشراء الملابس في الأعياد والألعاب التي تختارها الصغيرات قال الرسول(ص): (مَن كانت له ابنة فأدبها وأحسن أدبها، وأحسن غذاءها وأسبغ عليها من النعم التي أسبغ الله عليه كانت له ميمنةً وميسرةً من النار إلى الجنة)، وفي نفس الوقت لا يكون هذا الحب وإسباغ النِعم سبباً في الوقوع في وادي الذنوب والخطايا، بحيث تكون البنت أسيرة للمظاهر الدنيوية والحُلي وأدوات التجميل، فنستطيع أن نجعل من المعدات والوسائل المادية سُلماً للصعود والوصول إلى درجات السمو والرفعة لا أن نكون عبيداً لها، وإن الذي نعلِّمه للبنت في تهيئة أفضل الأطعمة وارتداء الملابس الجميلة وسيلة للحياة، للقيام بالمسؤوليات، فقد جاء في الحديث عن الإمام الصادق (ع): (البنات حسنات والبنون نِعم، فالحسنات تُثاب عليهن والنِعم تُسأل عنها) .
2- علاقة الأم مع ابنتها هل هي علاقة موَّدة أم تفضيل؟
قال الرسول (ص): (خير أولادكم البنات).
قالوا إن التربية صناعة، وذلك لأنها تُحدِث انقلاباً في فكر وجسم الإنسان أي تحويل المادة الخام - وهي الاستعدادات - إلى إنسان يصل إلى أعلى درجات التكامل الأخلاقي والفكري والروحي....
فالصناعة وهي التربية لا يمكن أن تتم بيدٍ واحدة بل يجب أن يكون هناك تعاون لتصبح الصناعة بكامل جودتها، فتعاون الأب والأم والتنسيق الفكري بينهما في مجال التربية تكون له آثار شبيهة بآثار المعجزة، وما نذكره هو:
علاقة الأم بابنتها:
إن أول مقعد يجلس فيه الإنسان هو في حضن أمه فارتباط البنت وعلاقتها بأمها أكثر من ارتباطها بأبيها، والسبب يرجع إلى طول مدة العلاقة، والأسرار التي تودعها البنت لدى أمها، فنلاحظ أن بعض الأمهات يسلكن طريقاً خاطئاً في تربية بناتهن وذلك من خلال أن الولد أو أخوها الشاب أفضل من البنت ولو كانت ولداً بدل البنت لكان أحسن، أو تُلبِس البنت لباس الولد، وتعلمها العادات والتقاليد البالية التي لا أساس لها من الصحة، مثلاً إذا وضعت البنت أصابع يديها بشكل متشابك مع بعضها فإن الأم تنهاها عن ذلك لأنه يجلب للبنت الهم والبؤس، وإذا خرج الضيوف من بيتنا فاكسري وراءهم بيضة(!!)، والكثير من الخرافات..
وأن تُلزِم الأم ابنتها أثناء الأكل بأن تنهض لتأتي لأخيها بالماء أو ما يحتاجه وإشعارها بأن ذلك من باب التفرقة والتفضيل دون الالتفات إلى أثر ذلك على نفسيتها، وكذلك جلوس الأم مع صاحباتها في المجالس النسوية واغتياب الآخرين والتكلم بلسان مملوء بالغيبة والنميمة وذكر أمثال شعبية خاطئة.
فبهذا الأسلوب الممزوج بالتفرقة وزرع الأفكار المتخلفة في عقل البنت والغيبة والنميمة وغيرها، تكون الأم قد وجهت ضربة قاسية لابنتها دون أن تشعر بمدى خطورة هذا السلوك، والمهم أن تعلم الأم بأنها تستطيع أن تكون سبباً في سعادة وشقاء ابنتها، وإن ما تكتسبه البنت من دروس خلال وجودها مع أمها سيكون دليلاً لها في مراحل طفولتها وحتى آخر عمرها، فيجب أن تسعى الأم لخلق جو أسري قائم على الاحترام المتبادل بين البنت وأخيها والتعاون فيما بينهم على بعض الأعمال المنزلية، ويجب أن لا يقتصر الأمر على احترامها احتراماً عابراً بل يجب أن يُنظر إلى البنت كوجود يضفي على الأسرة والحياة الأسرية لوناً من الصفاء والموَّدة. قال رسول الله (ص): (اعدلوا بين أولادكم كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البر واللطف).
إن المواقف التي تتخذها الأم في حياتها العائلية هي بمثابة دروس لابنتها، كحلّ النزاعات اليومية القائمة بين أفراد الأسرة حلاً عادلاً يعتمد على طريقة إسلامية وإرشادية وبذكر القصص القرآنية وأحاديث أهل وسيرتهم، وأن تتربى البنت تربية أخلاقية عقائدية صحيحة؛ إذ بإمكان الأم أنالبيت تكون مصدراً للفضيلة والتقوى وإقامة الشعائر الدينية المنصوص عليها والقيام بالأعمال المستحبة كلبس الملابس الجديدة والطاهرة في الأعياد الدينية، وزيارة المراقد المقدسة، واتخاذ الأساليب التشجيعية التي تدفع البنت والولد إلى التكامل السلوكي مع إشعارهما بالحب والحنان المتوازن، بأن تعطى هدية إضافية ابتداءً بالبنت ثم الولد على إنجاز الأعمال والواجبات المدرسية أو الأعمال الصالحة لتشجيع الجميع على العمل الدؤوب المنسجم مع قواعد السلوك ومع مصالح الأسرة والمجتمع، قال رسول الله (ص): (ساووا بين أولادكم في العطية فلو كنتُ مفضلاً أحداً لفضلتُ النساء) .
3- التفرقة ودورها في إبعاد البنات عن العلم:
قال رسول الله (ص): (طلب العلم فريضة على كل مسلمٍ ومسلمةٍ).
إن درجات العلم والمعرفة التي بلغها عالمنا اليوم هي نتيجة دراسات وجهود بذلها المئات من العلماء والمفكرين على طول القرون المتمادية، فالإنسان اليوم يستفيد ويُنير دربه بما توصل إليه علماء الأمس، وكل من يحاول اكتساب العلم وطلب المعرفة يسعى في الواقع إلى بلوغ ما بلغه العلماء ليكتسب قوة في العقل وقدرة في التفكير، فإن التحصيل العلمي الأول الذي اكتسبه الإنسان هو من الوالدين اللذين يقومان بتشجيع أطفالهم للدخول في المدرسة والتعليم وهذه في المرحلة الابتدائية، وعندما ينتهي أطفالهم من هذه المرحلة، يقوم الوالدان بإخراج البنات من المدرسة والسماح لأولادهم الصبيان في تكملة دراستهم... وذلك اعتقاداً من الأهل بأن البنت إذا ذهبت لتكمل دراستها فسوف يراها الناس وتكون موضوع حديثهم وتأتي بالسمعة السيئة لأهلها، أو أنها سوف لن تستفيد من الشهادة الثانوية أو الجامعية وسوف تضعها في المطبخ.. وغير ذلك من الأعذار الواهية التي لا أصل ولا دليل لها في ديننا الإسلامي..!
فمن أجل تغيير هذا الواقع المؤلم الذي تعيشه أغلب العائلات من كبت لطاقات البنت العلمية والتعليمية، فلابد من التركيز في التربية على الجانب العلمي والدراسة من أجل نشأة الجيل نشأة صحيحة وعدم وضع حدود وهمية فارغة تكبل البنت وتعيقها من أن تكون إنساناً ذا رأي ثابت، ودون حساب لتلك الحدود التافهة التي أوجدتها العادات والتقاليد البالية. فلنجعل من بناتنا كبنات الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) فهذه السيدة الحوراء زينب (ع) التي يشهد الإمام السجاد (ع) في حقها حيث يقول: (أنتِ عالمةٌ غير مُعلَّمة وفهمةٌ غير مُفهَّمة) فقد أسست مدرسة تعليمية في بيتها تُعَلِم أحكام القرآن وتعاليم الدين الإسلامي في المدينة ومن ثم في الكوفة ويشهد لها التاريخ في ذلك على نهج أمها السيدة فاطمة الزهراء (ع) فإن الرسول (ص) وأهل بيته(ع) اعتمدوا التربية والتعليم سبيلاً لتنمية الإيمان والأخلاق في جيل الشباب والشابات وحثوا على تلقي العلوم والآداب لتأمين السعادتين المادية والمعنوية، فإن الوالدين الناجحين هما اللذان يستطيعان توفير أجواء وظروف مناسبة لبناتهم وتحريك عوامل التفكير لديهن ويحاولان عن طريق بحث وتحليل المسائل العلمية تحريك الاستعدادات الدفينة في عقولهن تدريجياً، قال الإمام موسى بن جعفر (ع): (مَن تعلم في شبابه كان بمنزلة الرَّسم في الحجر).
4- العناية الإلهية بالمرأة:
قال رسول الله (ص): (إن الله تبارك وتعالى على الإناث أرأف منه على الذكور) .
فإن العناية والرعاية الإلهية بالمرأة إلى هذا الحد لا تعني أن الله سبحانه وتعالى قد أراد بهذا العمل إيجاد التفرقة بين البنين والبنات، بل لأهمية دور البنات في تحمل المسؤوليات المهمة في المستقبل، فالبنات يتحملن في المستقبل تربية الجيل الشجاع المؤمن الصالح، وهن يمثلنَّ قطب المجتمع وركيزة الأسرة، فالبنت إذا أصبحت لها مكانة في المجتمع ونالت درجة من الاحترام داخل أسرتها فإن الجيل الذي تربيه يكون أهلاً للاحترام كما يقول الشاعر:
الأمُّ مدرسةٌ إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراقِ
وإذا ما أُهينت وأصبحت تشعر بعقدة النقص فإن هذا العمل يمثل ضربة وعقوبة للجيل القادم، فالإسلام يوصي بضرورة بذل العناية والمحبة والعطف على البنات وإذا كانت البنت مضطربة أو مصابة بالضجر أو تشعر بعدم الراحة، فيجب تهيئة الأجواء المناسبة لها لتطييب خاطرها.
التعليقات (0)