شارك هذا الموضوع

الدبلوماسية الثقافية ودورها في انتشار الإسلام في العالم

الدبلوماسية الثقافية ودورها في انتشار الإسلام في العالم 


يعتبر الدين الإسلامي فی العصر الراهن احد الأديان السماوية الكبرى التي تلعب دوراً حاسماً فی بناء و بلورة الثقافة فی المجتمعات الإنسانية حيث يغطی مساحات واسعة من أرجاء المعمورة و يقتنه حوالي ثلث سكان العالم من كل القوميات و فی مختلف القارات .


ما هو سبب هذا الانتشار والنمو المشارع للاسلام ؟ و ما هی العوامل التی ادت الى تطور هذه الثقافة الانسانية الغنية؟ البعض و من خلال نظرتهم السطحية أو عدم المامهم بالوقائع التاريخية أو بسبب نظرتهم الحاقدة كما هو الحال لدى العديد من المستشرقين يحاولون الايحاء بأن الاسلام انتصر بقوة السيف و الحرب و القهر الا أن هذه المقولة لاتنطبق مع الوقائع التاريخية التی تؤكد على رصانة الفكر الاسلامی المستنير.


يزيد عدد نفوس المسلمين فی عالمنا المعاصر على مليارد و ثلاثمائة مليون نسمة و يقطن غالبيتهم بعيداً عن مركز ظهور الدين الحنيف فی بلاد الحجاز حيث نجدهم فی آسيا بشرقها و شمالها و اقصى مناطقها و كذلك فی اوروبا و افريقيا و بقاع متعددة من اميركا.ان الدراسات التاريخية تؤكد على أن ثلثی البلاد الاسلامية قد تم فتحها دون الاستعانة بالقوة و الجهاد المسلح و الحروب .


هل ان اندونيسيا التی بلغ عدد سكانها حسب احدث الاحصائيات اكثر من 222 مليون نسمة و يشكل المسلمون 90% من سكانها قد فتحت بقوة السيف؟ و هل يذكر التاريخ أن جيوش المسلمين وصلت الى هناك او ان هذه البلاد تم اسلمتها بالقوة؟ فی تايلندا و الفليبين يعيش مئات الآف من المسلمين وفی ماليزيا تجاوز عدد المسلمين الملايين و ان 64% من سكانها هم من المسلمين ، و فی بنغلادش 140 مليون انسان 89% منهم يعتنق الدين الاسلامی بكل حرية.وفقاً لتقارير منظمة المؤتمر الاسلامی فأن اكبر جالية دينية فی الصين هی الجالية الاسلامية و يبلغ عدد نفوسها 113 مليون نسمة .(2)


من خلال نظرة عابرة لماتقدم ترى أن التطور المذهل الذی نشهده اليوم فی اعتناق الناس للدين الاسلامی يأتی من خلال الدبلوماسية الصحيحة و التواصل مع الشعوب و المنطق الذی يتمتع به الدين الاسلامی دون الحاجة لممارسة القوة و الجهاد و السيف
الهند بسكانها الذين يبلغ عددهم المليار و مائة و عشرين مليون شخص ، هناك 155 مليون مسلم يمثلون 15% من مجموع السكان ، مع ان الاحصائيات الرسمية تدعی بان عددهم 120 مليون ؟!!!و الباكستان التی يبلغ عدد سكانها 160 مليون مسلم تمثل اكبر دولة يقطنها المسلمون فی العالم. السؤال الذی يطرح نفسه بقوة فی هذا المجال هو هل ان هذه الدول الكبرى جرى اسلمتها بقوة السلاح و الجيوش الجرارة؟ ان المساحة التی قطعتها الجيوش الاسلامية فی فتوحاتها معلومة و مدونة فی صفحات التاريخ.


ان الباحثين و المؤرخين يؤكدون بان العلماء و الدعاة و التجار و المبلغين المسلمين و هجرة السادات و العلويين الافاضل الى تلك الديار هی التی سببت فی اعتناق الناس للدين الحنيف و اشهار اسلامهم.ان ثقافة الاسلام الغنية و اسلوب الدعوة بالتی هی احسن و الموعظة الحسنة و المنطق الحكيم كان سبباً فی استقطاب الناس نحو الشريعة السمحاء و لو لا الدبلوماسية الثقافية و المنطق الشفاف و الفطرة الانسانية للاسلام و تضحيات الدعاة و المبلغين لما وصل الدين المبين الى ما وصل اليه اليوم فی اصقاع المعمورة .


 
 
و لسنا بصدد انكار الفتوحات الاسلامية التی تمت فی الصدر الاول فی منطقة جزيرة العرب و النواحی الشرقية كبلاد فارس و النواحی الغربية كبلاد مصر و مناطق من شمال افريقيا و ذلك بان القرن الاول الهجری الا ان بقية الاقطار الاسلامية فی شرق آسيا و الشرق الاقصى و التی تضم اكبر التجمعات و الكتل الاسلامية بحضارتها و عنفوانها الفكری قد اعتنقت الاسلام طواعية و من اخلال ايمانها بمبادئه و اطروحاته الراقية دون ان تطأ اراضيها اقدام ای محارب أو مجاهد من المسلمين .


و من خلال نظرة عابرة لماتقدم ترى أن التطور المذهل الذی نشهده اليوم فی اعتناق الناس للدين الاسلامی يأتی من خلال الدبلوماسية الصحيحة و التواصل مع الشعوب و المنطق الذی يتمتع به الدين الاسلامی دون الحاجة لممارسة القوة و الجهاد و السيف.الطريف فی الامر ان الشعوب التی اعتنقت الاسلام من خلال المنطق و الاستدلال و التواصل الثقافی كانت اكثر تمسكاً بمبادئه و مفاهيمه من الدول التی اسلمت بقوة السلاح و الجهاد.وحتى ان الامبراطورية الفارسية و الحضارة الايرانية القديمة كانت قد تأثرت بالفكر الاسلامی و منطقه السليم قبل ان يتم فتحها و هذا التأثر هو الذی مهد للمسلمين فتح بلاد فارس.


انها لتجربة غنية و ثمينة لكل سفراء الفكر و الثقافة فی البلاد الاسلامية و لاسيما فی عصر العولمة و القرية الكونية و المعلوماتية للاستفادة من الامكانيات المتاحة لنشر افكار الدين الاسلامی السمحة من خلال توظيف التقنيات الحديثة لان العالم اليوم قد يئس من المدارس الالحادية و يتعطش للمعنويات القادرة على اشباع خوائه و نسمه .


ان الدبلوماسية الثقافية كانت و لاتزال خلال القرون المتمادية افضل سبيل لتعريف بالدين الاسلامی و نشر افكاره و منطلقاته . ولاشك ان هناك تحديات واعلام مضاد يقف بوجه تطور الاسلام و نشر مبادئه ، الا ان الخواء الذی تعانی منه البشرية بعد تجربتها المريرة مع الفكر المادی و هيمنة القوى الكبرى المتجبرة و زيف ادعاءات الذين يتشدقون بنجاة الانسانية .قد مهد السبيل لبيان رؤى و اهداف هذا الدين السماوی .


الدبلوماسية الثقافية يمكن ان تلعب دوراً حاسماً فی نشر الثقافة و الفكر الاسلامی المبنی على الوسطية و التعايش السلمی و من خلال استراتيجية ثقافية مبنية على اسس اعلامية متينة و مبرمجة
اننا و من خلال ما ذكرناه نستخلص بأن الدبلوماسية الثقافية يمكن ان تلعب دوراً حاسماً فی نشر الثقافة و الفكر الاسلامی المبنی على الوسطية و التعايش السلمی و من خلال استراتيجية ثقافية مبنية على اسس اعلامية متينة و مبرمجة .و مع تضاعف الاعلام المسموم لوكالات الانباء العالمية و لاسيما المتعاطفة مع الكيان الصهيونی و تفاقم الفكر المتشدد و المتعجرف لبعض المجموعات المتأسلمة و تصعيد النشاطات التی يمارسها اعداء الاسلام فان افضل وسيلة للدفاع عن حياض الدين هی المنطق و الحكمة والموعظة الحسنة .


ان الفطرة الانسانية المتيقظة تمهد السبيل للانسان ليستقبل الحق برحابة الصدر و يتقبل الفكر الانسانی و الاسلامی بكل ترحاب.اننا كمسلمين نعتبر انفسنا سفراء لثقافة هذا الدين الحنيف و دعاة للمنطق و الفطرة الالهية و ثروتنا و راسمالنا هو كتاب الله المجيد و السنة النبوية و مدرسة اهل البيت النبوی (ص) و هذا مايكفل نجاحنا فی مسيرتنا و تواصلنا مع بقية الشعوب التی تتوق للحقيقة و تتعطش للعدالة و الحرية و هذا مايمهد لحكومة العدل الالهی بزعامة الامام المهدی الموعود (عج).


و يقول الباری تعالى فی محكم كتابه العزيز : " و الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ان الله لمع المحسنين " (4). و فی آية بينة اخرى :" ليظهره على الدين كله و لو كره المشركون "(5) و فی موقع آخر: " و نريد ان نمن على الذين استضعفوا فی الارض و نجعلهم ائمة و نجعلهم الوارثين "(6). (صدق الله العلی العظيم).


و السلام علينا و على عبادالله الصالحين .



التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع