شارك هذا الموضوع

إيران والصين .. واستراتيجيا المصالح

يزور الصين هذه الأيام مساعد وزير الخارجية الإيراني لشؤون آسيا والمحيط الهادي محسن أمين زادة حيث يجري خلالها محادثات مكثفة مع المسؤولين الصينين تتركز على الجوانب الاقتصادية والسياسية، وتأتي هذه الزيارة استتباعاً لسلسلة من الزيارات المتكررة التي قام بها مسؤولون إيرانيون للصين خلال السنوات الخمس الماضية، ففي شهر ديسمبر من العام 1999 زار بكين محمد هاشمي نائب الرئيس الإيراني للمشاركة في اجتماع اللجنة الاقتصادية المشتركة، كما ناقش سبل توطيد العلاقات البينية على قاعدة المبادئ الخمسة للتعايش السلمي .


وفي شهر يونيو من العام 2000 قام الرئيس محمد خاتمي بزيارة تاريخية للصين حيث وقّع عدة اتفاقيات اقتصادية ودفاعية هناك، وزار مدينة أورومكي بإقليم سينكياغ الواقع بشمال غربي الصين والذي يُمثل المسلمون فيه أغلبية السكان، كما قام بعدها وزير الخارجية كمال خرازي بزيارة مماثلة اعتبرت مُهمّة لاعتبارات تتعلق بالوضع الذي تمر به منطقة الشرق الأوسط .


ولكي لا أستغرق أكثر في السرد التاريخي للزيارات المتبادلة والتي أردت بذكرها تحديد مؤشرات العلاقة من حيث القوة أو الضعف، أشير إلى أن هذا الاهتمام الإيراني المتزايد بتوطيد العلاقات مع الصين مردة عدة أمور :


1. تتطلع إيران في علاقاتها مع الصين للتحوّط اللوجستي والسياسي من الخلف وكسر الطوق الذي تحاول الولايات المتحدة تطويقها به، خصوصاً وأن احتمائها بالصين نابع من درايتها بأن هذا البلد هو أكبر قوة اقتصادية في شرق وجنوب شرق آسيا، بل إنها تتفوق على اليابان في عمليات الاستيراد والتصدير وأن ناتجها القومي المحلي يساوي ضعف ناتج الهند وروسيا الاتحادية معا، كما أن المحللين يتوقعون ووفق المعدلات الجارية للنمو الاقتصادي أن تتفوق الصين من ناحية الناتج المحلي علي الولايات المتحدة بحلول العام 2015، حيث من المتوقع أن يصل إلى 12 تريليون دولار مقابل 11 تريليون للولايات المتحدة، وبالتالي فإن إيجاد وشائج اقتصادية ومصالح استراتيجية مع بكين سيساعد الإيرانيين على تأمين مصالحهم في القارة الأسيوية .


2. إن الصين وبسبب الكثافة السكانية العالية تبقى سوقاً استهلاكية بالمطلق، فالإحصائيات تشير إلى أن القيمة الإجمالية للوجستيات المحلية بلغت 993 مليار دولار في الربع الأول من العام 2004، كما تتطلع إيران للوصول إلى المنطقة الشرقية في الصين والتي تشمل مدينتي بكين وتيانجين وهي تُمثّل 12 بالمائة من مساحة الصين ونحو 36 بالمائة من عدد السكان وتتميز بالمواصلات السهلة وموارد الأيدي العاملة، وهو ما أكد عليه الشيخ رفسنجاني خلال لقائه السفير الصيني لدى طهران مطلع الشهر الجاري عندما ركّز على السوق الاستهلاكية الهائلة في الصين وإمكانية توظيف استثمارات صينية طويلة الأمد في إيران، يُضاف إلى كل ذلك فإن الرغبة الصينية الجامحة في التوجه نحو أوربا الغربية وبالخصوص فرنسا وألمانيا يتطلب محطات نقل وجمارك آمنة على طول الخط الواصل بينها وبين أوربا لذا فهي ستلجأ إلى إيران في ذلك لسببين الأول وهو أن إيران تتمتع بحركة مواصلات حرة وفضاءات بحرية وجوية مُغرية وهو ما يُمكنها لنقل البضائع من وإلى أوربا، الثاني وهو أن إيران تتمتع بعلاقات جيدة مع الفرنسيين والألمان الذين يعتبرون أكبر شريك تجاري أوربي مع إيران، وهو سيجعل إيران محل اهتمام صيني .


3. تعي إيران حجم التنقاضات الموجودة بين بكين ونيودلهي خصوصاً وأن الصينيين يدعمون باكستان في صراعها مع الهند، لذا فإن إيران يُمكنها أن تلعب دوراً ما في عملية التسويات السياسية والدبلوماسية بين البلدين وهو ما سيمكنها من استصحال مصداقية واستقطاب اقليمي آسيوي، كما أن طهران بتوغلها في عُمق القارة الآسيوية سيعطيها فرصة سانحة لأن تكون رقماً صعباً في المعادلات السياسية هناك، وقد رأت في أن تجربتها الرائدة مع الهند كيف وفّرت لها فرصة للعب دور مهم في أفغانستان وتنشيط الاقتصاد الإيراني بصورة ملفتة .


4. تعي إيران مدى حاجة الصين إلى النفط، فبكين تستهلك يومياً زهاء الستة ملايين برميل، نصفه يأتيها من الخارج، وتقول الإحصائيات أن الصين ستضطر بحلول العام 2030 لاستيراد 85 بالمائة من نفطها المستهلك، وكان الرئيس هوجينتاو قد زار موسكو في شهر مايو من العام الماضي لتوقيع عقد نفطي ضخم بقيمة 150 مليار دولار ولمدة 25 سنة مع شركة يوكو النفطية الروسية، حيث أنه وبموجب هذا الاتفاق تقوم المذكورة عبر خط أنابيب طوله 1500 ميل قادر على إيصال 600000 برميل يومياً ومباشرة من آبار البترول في شرق سيبيريا إلى مقاطعة داكينج، إلاّ أن هذا العقد ألغي بعد اعتقال رئيس الشركة ميخائيل خودوركوفسكي، واضطرت الصين لأن تلجأ إلى كازاخستان إلاّ أنه وبسبب تعقيدات فنية وإدارية لم تفلح في ذلك، لذا فإن إيران تطمح لأن تكون المورّد الأول من النفط لها، خصوصاً وأنها باتت قريبة جداً من الأراضي الصينية بعد أن فازت شركة هندسة وبناء مشاريع إيران البحرية بعقد نفطي ضخم مع الهند للاستثمار والتنقيب في حقول بومباي النفطية RSPPM وبالتالي فإن خيار إيران النفطي بالنسبة للصين سيكون أفضل العطاءات بالنسبة لها .

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع