المراد من (هدف) الإمام الحسين عليه السلام في واقعة كربلاء هي الغاية التي كان ينبغي بلوغها أو تحقيقها وإن طال الزمن، والتي بادر بثورته تلك من أجلها واستشهد في سبيلها نقدّم فيما يلي مسردا بتلك الأهداف المقدسة كما يلي :
1- إحياء الإسلام.
2- توعية المسلمين و كشف الماهية الحقيقية للأمويين.
3- إحياء السنة النبوية والسيرة العلوية.
4- إصلاح المجتمع واستنهاض الأمة.
5- إنهاء استبداد بني أمية على المسلمين.
6- تحرير إرادة الأمة من حكم القهر والتسلّط.
7- إقامة الحق وتقوية أهله.
8- توفير القسط والعدالة الاجتماعية وتطبيق حكم الشريعة.
9- إزالة البدع والانحرافات.
10- إنشاء مدرسة تربوية رفيعة وإعطاء المجتمع شخصيته ودوره.
لقد تجلّت هذه الأهداف في فكر سيد الشهداء وفي عمله أيضا، وكذلك لدى أنصاره وأتباعه. ومن جملة خطب الإمام الحسين عليه السلام المعبرة عن أهدافه، هي قوله: ((..إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدّي وأبي علي بن أبي طالب))(حياة الإمام الحسين بن علي 264:2).
و كتب إلى وجوه أهل البصرة: ((أنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه، فإنّ السنة قد أميتت والبدعة قد أحييت فإن تسمعوا قولي أهدِكم سبيل الرشاد))( حياة الإمام الحسين بن علي: 322).
وأرسل مع مسلم بن عقيل كتابا إلى أهل الكوفة حدّد فيه رسالة الإمامة بما يلي: ((..فلعمري ما الإمام إلاّ العامل بالكتاب، والآخذ بالقسط، و الدائن بالحق، والحابس نفسه على ذات الله والسلام..)) (حياة الإمام الحسين بن علي:340).
وفي كربلاء خطب بأنصاره قائلا: (( ألا ترون إلى الحق لا يُعمل به، وإلى الباطل لا يُتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله، فإني لا أرى الموت إلاّ سعادة، والحياة مع الظالمين إلاّ برما))(حياة الإمام الحسين بن علي 98:3).
البلاء و كربلاء
البلاء يعطي معنى الألم والمشقة كما ويعطي أيضا معنى الاختبار والامتحان.
وأغلب الشداد والمصائب تكون تمحيصا للناس في دنياهم للتمسك بالدين. وكربلاء (كرب وبلاء) هي مزيج من المحن والآلام الشديدة، وكانت أكبر اختبار تاريخي لأهل الحق والباطل لأجل أن يحددوا مواقفهم.
لما بلغ سيد الشهداء تلك البقعة، سأل: ما اسم هذا الموضع؟ فقيل له: كربلاء. فدمعت عيناه وراح يقول: ((اللهم إني أعوذ بك من الكرب والبلاء)) وقد أيقن بأن شهادته هو وأصحابه في هذا المكان فقال: ((هذا موضع كرب وبلاء، ها هنا مناخ ركابنا، ومحط رحالنا وسفك دمائنا))(مروج الذهب للمسعودي:59).
كان اختلاط اسم هذه الأرض بالمصائب والشدائد قد نقل من قبل هذا على لسان بعض الأولياء؛ فعيسى عليه السلام عندما مرّ بها بكى وقال: إنها أرب كرب وبلاء(بحار الأنوار 253:44).
وحينما كان الحسين طفلا مع أمه تحمله أخذه النبي صلى الله عليه وآله وقال: لعن الله قاتلك. فسألته فاطمة عليها السلام: وأين يقتل ولدي؟ قال: ((موضع يقال له كربلاء وهي دار كرب وبلاء علينا وعلى الأمة [الأئمة]))(بحار الأنوار264:44).
إذا اعتبرنا كربلاء أرض البلاء، فهي موضع اختبار لإخلاص وفداء ومحبة أبي عبدالله عليه السلام وأهل بيته وأصحابه الذين تجلى جوهرهم الذاتي وبعدهم الرفيع ومدى صدق عقيدتهم وادعائهم، في بوتقة الآلام والشهادة والمحن والمصائب. وظهرت فيها أيضا ماهية أهل الكوفة وأدعياء نصرة الحسين، وانكشفت من خلالها حقيقة الحكام الأمويين تجاه سبط الرسول وحجة الله.
وقد أشار أبو عبدالله عليه السلام إلى دور البلاء في اكتشاف جوهرة التدين، ومدى الالتزام في خطابه في منزل يقال له ((ذي حسم)) أو في كربلاء -وفق رواية أخرى- حين قال: ((...إن الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت معايشهم فإن محصوا بالبلاء قل الديانون))(تحف العقول:245).
وأي امتحان أشد من أن يرى حجة الله وهو محاصر من قبل أعدائه وهم يخذلونه طمعا في مغانم دنيوية أو خوفا من الموت. وعندما كان الإمام يطلب النصرة طوال مسيره ولا يلقى منهم رغبة في الجهاد أو قدرة على التضحية، كان يأمرهم بالابتعاد عن المنطقة ويقول: ((فوالله لا يسمع واعيتنا أحد ولا ينصرنا إلا (هلك) أكبه الله في نار جهنم))(أنساب الأشراف174:3،بحار الأنوار379:44).
إضافة إلى ما تضمنته كربلاء من امتحان عظيم، فقد كانت في الوقت نفسه سببا للتقرب من الله وعلو الدرجة، كما اختُبر إبراهيم وإسماعيل بأمر الذبح، وكما أُمر إبراهيم بأن يترك ذريته بواد غير ذي زرع. واختبره الله أيضا بنار نمرود حين ألقي في سعيرها.
وقدم سيد الشهداء أيضا اثنين وسبعين قربانا إلى مسلخ العشق، وكان هو الذبح العظيم، وقربان آل الله، وتعرّض عياله في صحراء الطف لصنوف الأذى والعذاب والعطش.
وخرجوا كلهم من ذلك الاختبار بوجوه وضاءة، وكان كلام سيد الشهداء في اللحظات الأخيرة دليلا على الرضا والتسليم: ((إلهي رضا لقضائك وتسليما لأمرك)).
وكان في كلام فاطمة بنت الإمام الحسين إشارة إلى أن كربلاء كانت موضع ابتلاء لأمة الرسول وللعترة، ففشل فيها الآخرون، وأبلى فيها آل الرسول بلاء حسنا: ((فإنا أهل البيت ابتلانا الله بكم وابتلاكم بنا فجعل بلاءنا حسنا))(رياض القدس341:2).
وهكذا يمكن أيضا النظر إلى عاشوراء من زاوية ((البلاء)) واعتبار ((الابتلاء)) تمهيدا لتجسيد البعد الإلهي لشهداء سبيل الله. وعلى زائر الحسين أن يجسد قي ذهنه صورة لجميع أنواع البلاء والشدائد والمصائب والخوف والعطش، وأن كربلاء أرض كرب وبلاء.
حسين منّي وأنا من حسين (عليه السلام)
هذا الحديث منقول عن رسول الله، وقد أوردته كتب السنّة والشيعة، ونصّه الكامل هو: "حسين منّي وأنا من حسين، أحبّ الله من أحبّ حسيناً وأبغض الله من أبغض حسيناً، حسين سبط من الأسباط، لعن الله قاتله". وهذا دليل على وحدتهما فكرياً وروحياً وجسميّاً، واتّفاقهما في الهدف والمسار. فرسول الله صلّى الله عليه وآله قد اعتبر قبل نصف قرن من واقعة الطف، ثورة الحسين امتداداً لرسالته، وأكّد أنّ أعداء الحسين الذين لطّخوا أيديهم بدمه، إنّما هم أعداؤه وقتلته هو شخصياً؛ وذلك لأن غضب ورضا، وحرب وسلم، ومناصرة ومعادة الحسين، هي نظير غضب ورضا، وحرب وسلم، ومناصرة ومعاداة الرسول. فهما روح واحدة في جسدين، وفكر واحد ومرام واحد في زمنيين متفاوتين.
والتصريح بهذا الارتباط الوثيق يعكس الخطّ الصحيح للحركة الدينية والاجتماعية والجهادية والسياسية على مدى التاريخ. والصلة بينهما لا تقتصر على مجرّد الارتباط النسبي وكون الحسين من ذرّية الرسول، بل أنّ المدار هو اتّحادهما في المسار والخط.
أما المفهوم الآخر الذي ينطوي عليه هذا الحديث فهو: أن وجود النبي، ورسالة النبي قد تواصلت في ظل وجود أبي عبد الله، وليس المراد من ذلك التواصل الجسدي فحسب، بل أن حارس دين المصطفى هو الحسين الشهيد. وكانت ثورته واستشهاده سبباً لبقاء دين رسول الله. فالقضية ليست ذات بعد عاطفي مجرد، وإنما تعكس حقيقة اجتماعية وتاريخية.
ثورة الحسين هي التي أحيت دين النبي.وقد بيّن أبو عبد الله هدفه وغايته من هذه الثورة بقوله: إنّما خرجت لأسير بسنة جدي، وآمر بالمعروف وأنهي عن المنكر، وأقوّم الانحراف ليستقيم هذا الدين.
وما قولهم "أنّ الإسلام محمّدي الوجود، حسيني البقاء" إِلاّ إشارة إلى أن أحياء دين النبيّ قد تحقّق بفعل ثورة عاشوراء، وقد وردت هذه النقطة في الشعر المنسوب إلى الحسين (والحديث والشعر ليس للإمام) والذي يقول فيه:
إن كان دين محمد لم يستقيم **** إلا بقتلي يا سـيوف خـذيني
(هذا البيت مأخوذ من قصيدة طويلة للشاعر والخطيب الكربلائي المرحوم الشيخ محسن أبو الحب(م- 1305)).
وهذه الحقيقة عبّر عنها أحد العلماء بالقول: "أنّ إحياء ذكراه إحياء للإسلام، وعبارة "أنا من حسين" المرويّة عن النبيّ، معناها أنّ حسين منّي، وأنا أحيا به"(صحيفة النور 13: 158
التعليقات (1)
سلام
تاريخ: 2008-12-30 - الوقت: 00:40:50مشكورين على هالمعلومات القيمة. والى الأمام