من الصعوبة بمكان تقديم تعريف جامع مانع للثقافة، لكن المتفق عليه يسمح بالقول: «إن الثقافة هي مجمل العلوم والفنون والآداب والمهارات والقيم التي يختزنها ويتمثلها الإنسان، ويتمكن بواسطتها من ترقية عقله وذوقه وأخلاقه وأنماط سلوكه، ليحسن التكيف مع تعقيدات مجتمعه، ويغدو قادراً على التأثر الايجابي بمحيطه».
والثقافة الإسلامية، التي تتصل بالمراحل العمرية ما بين الطفولة وسن الرشد، تشمل في مضمونها المعرفي الحد المقبول من الموضوعات التالية: العقائد، المفاهيم، الأخلاق، السيرة، الفقه، رأي الإسلام في القضايا المعاصرة التي تعالج شؤون الحكم والاقتصاد والاجتماع وحقوق الإنسان والمرأة، والعدالة والحرية والعولمة وغيرها...
وتنبع أهمية هذا اللون من الثقافة فيما لو حصل عليها المسلم بالأساليب السليمة من أنها:
تصوغ شخصية المسلم الرسالية، وتحدد له سلوكه وتوجهاته.
تبرز هويته الذاتية المتميزة في خضم الصراع العالمي على الهيمنة الثقافية، وفي عصر تصعيد حدّة التفاعل الثقافي وانفتاح الحدود واستحالة التقوقع والانكفاء.
ويزداد هذا الاهتمام والالحاح على تنمية الناحية الثقافية لدى المسلم مع تصاعد حملات الغزو الثقافي وعمليات التغريب التي تتخذ مسالك جذابة بعضها علني، وجلّها خفي غير مباشر، وهذا ما يفرض علينا تحصين أولادنا بثقافة مركزة قادرة على مقاومة البدائل الجاهزة لدى القوى الاستكبارية والاستعمارية.
والثقافة الإسلامية التي تستقر في عقول أولادنا لا تبعث على الاطمئنان، بفعل المصادر المتنوعة والمختلفة والتي ينطلق كل مصدر منها، من خلفية فكرية، أو تربية تقليدية، أو توجّه منحرف، وكدليل يمكننا تصنيف هذه المصادر على الشكل التالي:
ثقافة غير مقننة تتسرب بعفوية إلى شبابنا، والتي لا تخضع لضوابط محددة ولا تنطلق من أهداف واضحة، فالإنسان قد يكتسب الكثير من الأفكار والقناعات من خلال علاقاته الاجتماعية، حيث يدخل مع الكثيرين في حوار مفاهيم وقضايا وتوجهات إسلامية تكثر فيها الاجتهادات والاختلافات، وخطورة هذا النوع من الثقافة في أنه يخضع لطبيعة العلاقات والأمزجة والخلفيات.
ثقافة شبه مقننة، أي التي تخضع لخلفيات ورؤى فكرية غير محددة، يكتسبها الإنسان من وسائل الاعلام والمحاضرات والندوات والمنشورات، وأيضاً من أجواء الأسرة التي تلتزم وعياً ثقافياً يتأثر به الولد سلباً أو ايجاباً تبعاً لنوع العلاقة التي تربطه بوالديه. وهذا ما يجعله في حالة ضياع إذا لم يكن محصَّناً بقناعات راسخة.
ثقافة مقننة ومقصودة تنطلق من منهج تعليمي مخطط له، مستنداً إلى أهداف محددة، ومعتمداً على موضوعات مترابطة... بحيث ترسم في ذهن المتعلم رؤية كلية شاملة حول الإسلام كعقيدة وسلوك ومنهج حياة، هذا النوع من الثقافة تعتمده المؤسسات التعليمية والنوادي الملتزمة... والذي يمكن الاطمئنان إليه إذا ما راعى طبيعة القارىء وحاجاته، ومعطيات الواقع المعاصر وتطلعاته، وإذا ما اعتمدت في تعليمه الأساليب المثيرة والملائمة.
ولعل قراءة ميدانية لبعض الأساليب المعتمدة لدى القيمين على تكوين هذه الثقافة، تبرز أهمية إعادة التقييم من أجل التطوير من جهة، ومن جهة أخرى، حتى لا تكون هذه الأساليب التقليدية أو البائدة حائلاً دون الاقبال عليها. أو عبئاً يجتهد المتعلم للتحرر منه، وبالأخص في العصر الحالي الذي تعددت فيه وسائل اللهو والتسلية المتوفرة والمنتشرة في كل مكان.
وفي جولة أفق سريعة على بعض هذه الأساليب:
اعتماد أسلوب التلقين وحشو الذهن بمعارف قد لا تنسجم مع المستوى الذهني للمتعلم.
التركيز على أسلوب الوعظ والارشاد، حيث يكون دور المستمع هو تلقي الأوامر والنواهي من إنسان كبير يملك الدور الرئيس في الأداء.
استخدام أساليب التخويف والترهيب والقسوة تجاه بعض الانحرافات العفوية، وبالأخص من بعض المعلمين والآباء الملتزمين بحدود ثقافية ضيقة.
عدم اعتماد الحوار في طرح القضايا العقيدية والاجتماعية، بحيث يُعمل المتعلم فكره بتوجيه حكيم من المعلم حتى يصل إلى رأي مقنع.
عدم ربط المنهج بتطلعات المتعلم وحاجات عصره، بحيث يشعر أن مفاهيم الدين تعالج ما يهمه ويهم مجتمعه، فالمهم هو أن يشعر بأن الدين في طروحاته يتدخل في كل التفاصيل التي تتعلق بحياته اليومية ومحيطه العام.
افتقار أساليب التعليم إلى وسائل وتقنيات حديثة، ثم إلى نشاطات تثير حركة المتعلم وحيويته وتفكيره، بحيث يسهل عليه التعلم في أجواء مشوقة.
وهنا لا بد من الإشارة وتأكيداً لبعض ما ورد، بأن المسلم المعاصر زاد اقباله على الثقافة حينما رأى الدين يقود دولة إسلامية في إيران، وحينما رأى المقاومين المسلمين يحررون الأرض من احتلال أعتى دولة في الشرق الأوسط... إن مثل هذه الأحداث جعلت الشاب المسلم يبحث عن سرّ هذا النجاح أو التفوق الاستثنائي، فانطلق يبحث ويسأل وينقب في المصادر كي يحقق ذاته في تعاليم اللَّه سبحانه وتعالى.
وانطلاقاً من بعض هذا الواقع، تفرض علينا المسؤولية إعادة النظر في الأساليب التعليمية المتبعة وفي المصادر المتداولة وفي الوسائل المستخدمة، من أجل التغيير أو التطوير، انطلاقاً من النظريات التربوية الحديثة في هذا المجال، والأمر الرئيس في هذا الاطار هو ابتكار الأساليب التي تثير رغبة المتعلّم في التعلُّم، فيشعر بأهمية الموضوعات المطروحة وأثرها الايجابي على سلوكه وحياته وهذا يتطلب خطوات نذكرها بايجاز:
اعداد المعلمين المثقفين الذين يحملون كفاءة علمية، وفهماً للمراحل العمرية، ووعياً لحاجات المعلم، وانفتاحاً على متطلبات العصر.
اعتماد الطرق الناشطة في التعليم، فيكون المتعلم أساساً ومحوراً، يلاحظ، يفكر، يحاور، يحلل، يستنتج.
الاستعانة بالوسائل التعليمية والنشاطات والزيارات والرحلات... التي تسهِّل عملية التعلم في تقريب المفاهيم إلى الذهن، وبالتالي تضفي جواً ايجابياً نشطاً يمنع الملل والسأم عن المتعلم.
التركيز على التحضير الجيد الذي ينطلق من أهداف واضحة، ومقدمات تمهيدية مثيرة، وأسئلة متسلسلة، وأمثلة وشواهد مناسبة...
بناء علاقة مودَّة ومحبة وثقة واحترام ما بين المعلِّم والمتعلِّم، التي من شأنها أن تدفع المتعلِّم إلى الاقبال والتأثر واعتماد القدوة.
التركيز على اختيار القصص المناسبة كشواهد وأدلّة، لأن الإنسان بطبعه مغرم بهذا العالم، وبالأخص تلك التي تتصل بحياة الأنبياء والأئمة والصالحين.
تشجيع المتعلمين من خلال العمل الفريقي على القيام بأبحاث أو اصدار نشرات تعالج موضوعات إسلامية يشعر بأهميتها.
الاكثار من الاستشهاد بالآيات والأحاديث والأمثلة الحياتية التي تتصل بمفردات حياتهم وهمومهم.
الابتعاد قدر الامكان عن كل الطروحات التي تشوش ذهن المتعلم الجديد على عالم التدين، وبالأخص بعض الأمور الغيبية التي يتطلب وعيها مستوى متقدماً من التدين والالتزام.
احترام شخصية المتعلم والاستماع إليه والثقة به، والرد على أسئلته مهما كانت طبيعتها.
اكساب المتعلم مهارة المطالعة وحبها، كي يتحول ذلك إلى عادة ومزاج، ويكون ذلك بزيارات إلى المكتبات وتداول الكتب فيها، ثم توفير الكتب الملائمة والمجلات المناسبة، ثم اجراء المباريات في الكتابة والخطابة والحفظ والتلاوة وغيرها.
وبكلمة أخيرة، ولتأكيد اقبال المتعلم على التزود بالمعارف، ننصح من يدير عملية التعلم ويوجّهها، اعتماد الأساليب التالية في الموضوعات:
العقائد: اعتماد أساليب الاستدلال المنطقي بالطريقة المناسبة لمستوى المتعلم.
الموضوعات الروحية: التركيز على الأسلوب الوجداني.
الأخلاق والسيرة: التوسل بالأسلوب القصصي والحياتي.
الأحكام الشرعية: اعتماد السرد والتقرير.
القضايا المعاصرة: أسلوب البحث والتقصي والحوار... إن التحصين التربوي والثقافي حاجة لصياغة شخصية المسلم، وأداة لفاعليته فلنجتهد في البحث عن السبل القادرة على توفيرها وتعزيزها بالأساليب المثيرة والمشوقة لنحصل على جيل واع يستطيع مواجهة تحديات العصر بعلمه ونضجه وخبرته وحكمته.
بقلم: د. محمد رضا فضل اللَّه
التعليقات (0)