آية الله قاسم يدعو للعمل الإجتماعي ويؤكد: ان كفروكم فلا مبرر لتكفير أحد نطق بالشهادتين
إن لمجتمعك عليك حق
من منا يستطيع ان يعيش وحيدا، وان يستغني عن كل اهله ومن حوله وعن كل مجتمعه في حياته. والمجتمع اسرة واهل وعشيرة وجيران ومخالطون واهل مسجد وحسينية ومدرسة ومؤسسة ثقافية وصحية وتجارية ، واهل مرافق ومصالح حياتية كثيرة لا يستغني عنها الفرد، ولا تكاد تستمر حياته او تكون ميسرة في غياب كل هذه المؤسسات. فالمجتمع ضرورة للفرد على اهل السوء والافساد فيه، وهو محضن من محاضنك ومحاضن اولادك واولاد اولادك، وإنك لتحتمي به في موارد كثيرة، وتنتفع بخيره في كل حياتك، وكلما كان المجتمع صالحا وناهضا كنت اصلح به واقوى واقدر على مواجهة تحديات الحياة من كل نوع، وصاحب الكرامة والمرؤءة يحاول ان يعطي اكثر مما يأخذ على انه من المستحيل او من النادر جدا ان يعطي الفرد لمجتمعه اكثر مما يأخذ. وليس من الانسانية او المروءة في شيء ان يأخذ الفرد القادر من مجتمعه طيلة حياته كل شيء دون ان يقدم له اي شيء. وقليلون هم الذين لا يستطيعون ان يقدمون للمجتمع شيئا.
والمسلم كما يحاسب على صلاح نفسه فإنه محاسب على صلاح اسرته ومجتمعه والنهوض بهما. ومؤسسات المجتمع الصالحة والمتطوعة على انواعها تحتاجها كل المجتمعات وفي مثل الازمات المعيشية تظهر الحاجة الشديدة للمؤسسات الخيرية المعيشية على انها ليست اهم المؤسسات بصورة مطلقة وفي كل الظروف. والفرد الذي لا يملك مالاً يسهم به في خدمة المجتمع ومعالجة بعض مشكلاته، قد يملك علما، ثقافة، رأيا، قوة بدنية، كلمة مسموعة تكثيف حضور في حسينية، في ندوة، في محاضرة، وغير ذلك مما قد يمثل رفعا للمستوى يصب في مصلحة المجتمع او نصرةٍ للظاهرة الدينية وتشجيعا على امور الخير والعمل الصالح.
علينا ان نحاول دائما من منطلق اسلامي ومن منطلق انساني ومن روح الاعتراف بالجميل والحفاظ على مصلحتنا ومصلحة من يعقبنا من اجيال بنين وبنات ان نسهم ما استطعنا في صنع البيئة الاجتماعية الصالحة، ورقيها وسلامتها وطهرها وتقدمها، فإن قدرتنا على الحياة الآمنة الراقية النظيفة المريحة السعيدة وقدرة اجيالنا اللاحقة على ذلك لا تنفصل عن مستوى البيئة الاجتماعية التي نعيشها وسيعيشها من بعدنا من بنين وبنات واحفاد. والاسهام في صناعة المجتمعات الراقية العابدة الكريمة المسندة خيراً في الناس والارض يمارسه الانسان الصالح بما هو خليفة لله عزوجل، قد كلف من لدنه بهذا الدور الذي يسأل عنه يوم الحساب. لن يكن السؤال عن الصلاة والصيام فقط، ماذا قدمت للمجتمع وقد اقدرك الله على اصلاحه؟ بلسانٍ بيدٍ برجلٍ بأي وسيلة من الوسائل التي تسهم في اصلاح المجتمع.
نعم قد كُلف من يقوم بهذا الدور الذي يسأل عنه يوم الحساب ويثاب على أداءه ويعاقب على التفريط به، وليس هو وظيفة إضافية مزاجية خارجة من صلب الدور الاصل بحياة الانسان. إن الباذل بمال من ماله، لجهد من جهده، لوقت من وقته، لفكر من فكره، لجاه من جاهه، لشيء من مواهب الرحمن عنده لتصحيح اوضاع مجتمعه ومعالجة مشكلاته وللحفاظ على اصالته والاقتراب به من هدى اسلامه الاخذة بمقتضى ايمانه والتخلق بأخلاق دينه وتطبيق احكامه والارتفاع بمستواه، إثراء الحركة النافعة فيه، لناصر لدينه، الفاعل لكل ذلك ناصر لدينه. إسهامك في تصحيح اوضاع المجتمع تخليصه من ويلاته من اخطاءه من انحرافاته .. هذا نصرة للدين .. في هذا الحال انت ناصر لدينك، لناصر لدينه قائم بوظيفته مؤد لدوره وفي لمجتمعه، ومن بخل بذلك فهو خاذل للدين منكر للجميل.
عزيزي، لا تبقى من غير مشاركة في جهود التصحيح والتقويم النافع والارتقاء بوضع المجتمع من خلال مشاركتك في مؤسسة دينية او ثقافية او اجتماعية او اقتصادية خيرية مرضية دينا نافعة للناس. وفي تصوري ان تسعين في المئة او اكثر من ابناء المجتمع كلهم يستطيعون ان يشاركوا في تحسين الوضع الاجتماعي، انت لا تستطيع ان تشترك في مؤسسة ثقافية .. تستطيع ان تشترك في دعم صندوق خيري.
ومن كان لا يملك شيئا غير ان يحضر الحسينية هذا انسان مقعد (يستطيع ان يصل للحسينية بوسيلة نقل)، هذا مسؤول عن نصر الدين والمجتمع بمقدار ما يستطيع. ومن كان لا يملك شيئا غير ان يحضر الحسينية، المحاضرة، الندوة النافعة ولو ليزيد من عدد الحضور تقوية للظاهرة الدينية الاجتماعية فحضر لهذا الوجه .. فهو ناصر للدين مجاهد في سبيل الله، واذا لم يحضر تساهلاً خاصا مع الحاجة إليه، دخل فيمن خذل الدين ولم يضع نعمة الله موضعها وكان من المسؤولين، لا تعش لنفسك فقط.
• هكذا قال اهل البيت عليهم السلام
تجدون في العدد الثامن والثمانين بعد المئة للسنة الرابعة من أعداد الحكمة في الصفحة الخامسة جوابا لسماحة آية الله العظمى الشيخ الوحيد الخراساني مُد ظله على سؤال وجه إليه حول كيفية التعامل مع ابناء المذاهب الاخرى انقله بنصه كما جاء في الحكمة:-
((بسمه تعالى. كل من يشهد بوحدانية الله تبارك وتعالى، ويشهد برسالة خاتم الانبياء صلى الله عليه وآله فهو مسلم، ونفسه وعرضه وماله كنفس ومال وعرض اتباع المذهب الجعفري مصون ومحترم ومحقون، وواجبكم الشرعي ان تعاشروا كل من يشهد بالشهادتين ولو اعتبركم كفارا بالمعروف، وتتعاملوا معهم بالتي هي احسن، واذا فرض ان يتعاملوا معكم بالباطل، فلابد ان تلتزموا أخلاق ائمتنا (ع) ولا تزيغوا عن طريق الحق والعدل الذي ألزمونا باتباعه. ولو مرض احد منهم فلابد من عيادته وزيارته، ولو مات منهم ميت حضرتم جنازته وشيعتموه، ولو قصدكم بحاجة لبيتم وقضيتم حاجته، ولابد ان تسلموا الحكم لله تعالى الذي يقول: {ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا أعدلوا هو اقرب للتقوى} يعني بغضهم الشديد لكم لا يحملكم على الانحدار عن صراط العدل. وان تعملوا بقوله تعالى: {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا} والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته)) انتهى كلامه.
أولاً: هذه الفتوى الدينية والتوجيه الواعي صادران من فقيه متضلع من ابرز فقهاء الطائفة اليوم، ولم يأت صدورهما عن اضطرار او إكراه او تقية لوضوح انتفاء كل ذلك، ووصول السؤال لسماحته بهذا الشأن لا يلزمه ان يجيب عليه جواب يضطره ان يقول ما لا يريد، كان يمكن ان يسكت، لا يجيب على السؤال، او يستدعي صاحب السؤال ويجيبه إجابة شفهية، فهو ليس امام ظرف اضطراري يجعله يتقي اويقول كلام قائم على التقية، فهو كلام جدي كل الجدية.
ثانياً: مضامين الفتوى واضحة جلية لا غبار عليها وليس فيها شيء من اللف والدوران ولا ينقصها اعتماد الصراحة.
ثالثاً: من مضمون الفتوى ان الاسلام الذي ترتب عليه حقوق المسلم على المسلم من احترام نفسه وعرضه وماله قوامه هذان الامران: الشهادة بوحدانية الله تبارك وتعالى وبرسالة خاتم الأنبياء محمد (ص)، وهي شهادة ظاهرية ينطق بها اللسان، اما التصديق القلبي فمتروك امره إلى علم الله، من غير ان يتأثر ترتب الحقوق المذكورة بواقع ما في القلب، فهذه الحقوق ترتب على النطق بالشهادتين، وليس على التصديق الذي لا يعلم به الا الله سبحانه وتعالى.
رابعاً: تأكيدا وتشديدا على حق المسلم من المذاهب المختلفة ضافة الفتوى لابدية الالتزام بالتعامل الطيب والاخلاق الكريمة معه اخذاً بمذهب ائمة اهل البيت عليهم السلام واخلاقهم، موضحة ان هذا هو طريق الحق والعدل الذي ألزموا شيعتهم به بعد إلزام الله تبارك وتعالى للناس به. وهذه المعاشرة بالمعروف مع المسلمين من كل المذاهب والتعامل بالتي هي احسن عممتها الفتوى نصاًُ حتى مع تكفير الآخر لك وتعامله مع تابع المذهب الجعفري بالباطل. وهذا لا يمنع من بيان الحق ودفع الشبهة من الطرف الآخر عن المذهب والدعوة بالتي هي احسن ورد الضرر عن النفس.
خامساً: وإذا كان الطرف الآخر يقول بتكفير المتابع لمذهب اهل البيت عليهم السلام فهذا حسب الفتوى لا يبرر لك ان تكفره ما دام يقول بالشهادتين ولم يأت منه ما يُعرف منه تماماً تخليه عنهما لما في هذا التكفير لو ارتكبته من مخالفة للآيتين الشريفتين.
سادساً: فتوى عدم تكفير المسلم من اي مذهب وهو الناطق بالشهادتين تمثل حكما أوليا لا ثانويا قائما على موضوع غير موضوع مؤدِ الشهادتين من مثل موضوع التقية عن خوف او مداراة وحفاظاعلى وحدة المسلمين، فالفتوى ليست صادرة بروح تقية او بروح الحفاظ على وحدة المسلمين، لا فهذا حكما قرآني أصلي، حكم من احكام السنة، ليس راجعا للظروف الطارئة غير مربوط اساسا بالظروف الطارئة، هو حكما سائر في الظروف (هذا هو معنى حكم اولي). لأن القرآن الكريم وسيرة النبي (ص) واحاديث المعصومين (ع) كل ذلك دالا على هذا الحكم في مطلق الاحوال، وبذلك يتبين ان هذه الفتوى هي فتوى مدرسة اهل البيت عليهم السلام وهي فتوى ثابتة مطلقا وليست فتوى فقيه كبير واحد او مجموعة فقهاء من فقهاء مدرستهم (ع).
سابعاً: إن الكلام في الاسلام الذي تُحفظ به الدماء والاعراض والاموال، ويقوم عليه مثل التوارث، هو كلام عن الاسلام العام وكل المذاهب تتحدث بعد ذلك عن الاسلام الخاص الاعلى درجة والذي تُستحق به الجنة، ويتفاوت المؤمنون في درجاتها. (من مسلمين وكتابيين في وقت اعتبار كتابهم، فالجنة ليست للمسلمين فقط وانما لمن سبق من نصارى ويهود قبل رسول الله (ص) لكل اهل الرسالات السماوية الذين اخذوا بمقتضى الرسالات في وقتهم). ويؤخذ في الاسلام الخاص الذي تُستحق به الجنة ويكون به التفاوت في درجاتها التصديق بالقلب وخضوع الجوانح والعمل بالجوارح.
والاقرار بالامامة والتصديق بها راجع للاسلام الخاص الذي يُختلف على شروطه بين المذاهب، لا الاسلام العام الذي تقوم عليه حقوق التعامل بين المسلمين في الدنيا. وعلى كل مسلم ان يبذل قصارى جهده في التعرف على ما يرضي الله سبحانه وينجيه يوم القيامة ويرفع درجته، وهذه مسؤوليته يتحملها الانسان بين يدي ربه، وما يملكه احد المسلمين للآخر هو أن يطرح عليه ما لديه مما يراه حقا إذا قُبل منه، او ينشره للعموم بلغة علمية بعيدة عن التشنج والتوتر لو كان يرى في ذلك ما يقنع الاخر بمذهبه او يرجو ذلك، او لاظهار ما تعين عنده انه الحق الذي يمكنه ان يستفيد منه الغير اليوم او غدا. اما المهاترات والتشنجات والتوترات فهي امر مرفوض كل الرفض في مذهبنا.
التعليقات (0)