ذی القعدة؛ ذكری رحيل القاری المتألق الفقيد "عبدالباسط محمد عبدالصمد"/ 5
"عبد الباسط عبد الصمد" أبرز ظاهرة في عالم التلاوة والتجويد في العالم كله
الشيخ "عبد الباسط عبدالصمد" كان ذا مكانة أرفع، وشعبية أوسع، حتى إنه يعد القارئ الوحيد الذي يستشف المستمعون صوته بمجرد سماعهم كلمة والشيخ أهم وأبرز ظاهرة في عالم التلاوة والتجويد في العالم كله.
ولعل هذا الذي جعل الشيخ "الشعراوي يقول في ثنايا حديثه عن مشاهير القُرّاء: "أما إذا أردتُ أن أسمع القرآن الكريم، فأستمعُ إلى صوت الشيخ عبد الباسط عبد الصمد"!وقال عنه الإمام الأكبر الدكتور/ عبد الحليم محمود –شيخ الأزهر الأسبق-: "لقد أُوتي الشيخ عبد الباسط مزماراً من مزامير آل داود"!
وإذا كان قراؤنا المشاهير أمثال "محمد رفعت"، "أبو العينين شعيشع"، "مصطفى إسماعيل"، "المنشاوي "الحصري "البنا،" وغيرهم) نالوا مكانة رفيعة، وشعبية واسعة، لدرجة أن المستمعين يميزون أصواتهم ويعرفونها بمجرد سماعهم آية واحدة لأي قارئ منهم ... أقول: إذا كان هؤلاء كذلك، فإن الشيخ عبد الباسط كان ذا مكانة أرفع، وشعبية أوسع، حتى إنه يعد القارئ الوحيد الذي يستشف المستمعون صوته بمجرد سماعهم كلمة واحدة فقط! فورب المشارق والمغارب، لقد أراد الله بنا خيراً أننا أدركنا صوت هذا الشيخ، الذي جاء من أقصى الصعيد يسعى ليملأ سماء العاصمة وما حولها من القرى بهجة وحبوراً، وقرآناً يتلى آناء الليل وأطراف النهار.
ولعل حياة الشيخ المديدة مع القرآن، والتي ابتدأها منذ صباه الباكر، زاخرة بالعبر، ومملوءة بالقصص الجميلة .. فمن الوقائع الشهيرة فی حياة الشيخ أنه لم تمضِ أشهر فليلة على إقامته بالقاهرة، حتى وصل صوته إلى كافة أنحاء المعمورة، ومن يومئذ ظل الشيخ عبد الباسط أهم وأبرز ظاهرة فی عالم التلاوة والتجويد فی العالم كله!
وكان أصغر قارئ سناً التحق بالإذاعة المصرية، بل تم اعتماده دون أن يعقد له امتحان بالإذاعة كما حدث مع غيره!وهناك واقعة رواها لی أحد أصدقاء الشيخ الذی حظی بالسفر معه إلى بلدان بعيدة، إذْ قال لی: سأروی لك حكاية ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا .. قلتُ:
وما هي يا سيدي؟ فقال: بينما كان الشيخ يقرأ –ذات ليلة- في السنغال، فإذا بحوالي سبعين شخصاً يعلنون إسلامهم، لجماليات الصوت فقط، دون أن يفقهوا العربية أو يتعلموها!
وفی "جوهانسبرج" كان الناس يتشوقون لزيارة الشيخ لهم، فلما زارهم استقبلوه بحفاوة بالغة، لدرجة أنه بمجرد وصوله إلى هناك تجمعوا حول السيارة التی كانت تقله، وحملوها على أكتافهم!
بل أكثر من ذلك طرافة، أنه عندما ذهب إلى إحياء إحدى المناسبات الإسلامية بالهند، لم تتسع القاعة المخصصة للحفل، حيث تجاوز عدد الحضور ثلاثة ملايين، فاضطروا إلى نقل مكان الاحتفال إلى "الاستاد" كی يستمتع الحضور بحلاوة وطلاوة الأداء القرآنی العظيم، ومن تقديرهم للقرآن العظيم، ظلوا الليلة كلها وقوفاً يستمعون إليه وهم حُفاة الأقدام!
من الوقائع الشهيرة فی حياة الشيخ أنه لم تمضِ أشهر فليلة على إقامته بالقاهرة، حتى وصل صوته إلى كافة أنحاء المعمورة، ومن يومئذ ظل الشيخ عبد الباسط أهم وأبرز ظاهرة فی عالم التلاوة والتجويد فی العالم كله
وكما أنعم الله على الشيخ بنعمة الصوت الرائق العذب الجميل الذی شنّف آذاننا بمزاميره، كذلك منّ الله عليه بحسن الخلق، فكان يجلله التواضع، ولا يتكلم فی أمور الدنيا إلا إذا طُلب منه الكلام، فكان طويل الصمت، كثير الذكر، شديد الحياء، دائم التأمل، يصافح الناس فی الطريق، يعرفه الناس عن بُعد، فمن رآه أحبه، ومن خالطه ازداد محبة له .. إلى الحد الذی جعل الناس –كل الناس- فی حياته أصدقاء له ومقربين منه!
فلطالما سافر إلى أميركا وبعض دول أوربا .. إذْ كانوا يدعونه كثيراً عند افتتاح الهيئات والمراكز الإسلامية، لدرجة أنه قرر أن يتعلم اللغة الإنجليزية، كی يتجاوب مع تلك الشعوب، وبالفعل التحق بأحد معاهد تعليم اللغات الأجنبية، ودفع مقدماً مبلغ يعادل قيمة أجر ثلاثين محاضرة، واتفق مع المسئولين بالمعهد بأن يتم التدريس له بمفرده فوافقوا .. ولكنه لم يحضر سوى ثلاثة أو أربعة محاضرات فقط، بسبب كثرة أسفاره خارج مصر ولفترات طويلة قد تصل إلى شهور فی بعض الأحيان، فأثر ذلك على انتظامه بالدراسة والمتابعة، حتى انقطع عن استكمال ذلك المشوار! ويحكى أنه لما سافر إلى "باريس" اشترى له بدلة! لكنه عدل عن ارتدائها، وفضّل البقاء بزيه الوقور.
ولعل كثرة أسفاره جعلته يعشق التجديد والتغيير المتواصل .. فكثيراً ما غير محل إقامته، فمن حی السيدة زينب، إلى جاردن سيتی، ثم إلى المنيل، فإلى حی العجوزة! ومنذ طفولته، وهو يحلم أن يكون صوته كالشيخ محمد رفعت، فكان مولعاً به، فكان يمشی مسافات طويلة تتجاوز خمسة كيلو مترات، من أجل استماع القرآن الكريم بصوته الشجیّ، وكان لا يكف من الثناء على الشيخ مصطفى إسماعيل، الذی ربطته به صداقة متينة، واصطحبه فی بعض أسفاره! فی الوقت ذاته، كان إذا سُئل عن صوت أی قارئ، يقول عنه: جيد .. جميل!
التعليقات (0)