شارك هذا الموضوع

بحث في الولاية على الخمس

بحث في الولاية على الخُمس


سماحة آية الله الشيخ محمد علي التسخيري


الخمس من الضرائب الإسلامية الثابتة بالقرآن والسنة والإجماع. إلاّ أن هناك اختلافا في موارده بين الفقهاء. وهناك اختلاف كلي في أحد موارده بين الإمامية والمذاهب الأخرى وهو خمس المكاسب: إذ ذهبت الإمامية إلى ثبوت إجمالا ورفضه فقهاء أهل السنة.


ولسنا هنا بصدد إثبات هذا القسم الأخير إلاّ أننا نذكر هنا بعض الآراء في تكييفه:


فقد يقال: إنه كان ثابتا من أول الأمر.


كما قد يقال: إنه تمّ جعله بشكل ثابت من قبلهم (عليهم السلام) بناءً على أن لهم حق التشريع في المجال المالي ـ على الأقل.


وربما يقال: إنّ الأئمة أخذوا هذا الخمس باعتبار اختلاط أموال الناس بحقهم، فهو كذلك يشكّل تطبيقا لتخميس المال الحرام المختلط بالحرام.


كما قد: بأنّ إيجابه كان من باب ولاية الحاكم الشرعي، خصوصا بعد أن رأى الأئمة (عليهم السلام) أن الأموال والحقوق المخصوصة لهم قد زويت عنهم إلى موارد اُخرى.


ولسنا هنا بصدد ترجيح أيّ قول من هذه الأقوال وإنما المهم لدينا في هذه المرحلة هو معرفة المتولي على الخمس، فمن هو؟


إنّ الظاهر من مجموع النصوص الواردة في شأن مطلق الخمس وتلك الواردة في خصوص أرباح المكاسب: أنه ضريبة مالية يجب دفعها إلى وليّ الأمر والحاكم الشرعي. بل إنّ الأمر في هذا القسم أوضح منه في الاُمور الاُخرى باعتبار احتمال الاستحقاق المباشر للأصناف الثلاثة من بني هاشم; بمقتضى الآية الشريفة، وإن كان الراجح فيها أيضا أن الخمس يعود إلى الإمام كله وهو يعمل على صرفه في المصالح العامة بمقتضى سهم الإمام وفي إصلاح أحوال الفقراء من بني هاشم حتى يستغنوا، وحينئذ يصرف الباقي في المصالح العامة أيضاً.


هذا ما يبدو من مجمل النصوص فلنستعرض جملة منها:


1 ـ جاء في بعض الروايات تسمية الخمس بأنه: (وجه الإمارة). (1) وهو يدل بوضوح على إنه جزء من بيت المال الواقع تحت إشراف أمير المؤمنين والوالي الشرعي إليهم.


2- النصوص التي تنسب الخمس لله تعالى من قبيل: (الوصية بالخمس لأن الله عز وجل قد رضي لنفسه الخمس). (2).


«والله لقد يسّر الله على المؤمنين أرزاقهم بخمسة دراهم جعلوا لربهم واحداً وأكلوا أربعة أحلاّء»(3).


«الخمس لله والرسول وهو لنا»(4).


بل يمكن أن يقال إنّ تقديم ما حقه التأخير في الآية وإدخال اللام على لفظ الجلالة والرسول وذي القربى دون الآخرين فيه ظهور في الملكية; إلاّ أن يُقال: إن السياق يسوق تأثير اللام إلى باقي الأقسام.


3 ـ النصوص التي تنسب الخمس لهم(عليهم السلام) من قبيل «الخمس لله والرسول وهو لنا»(5).


«ما كان لله فهو لرسوله فهو لنا»(6).


«لي منه الخمس مما يفضل من مؤونته»(7).


وسئل الإمام عن تقسيم الخمس فأجاب: «ذلك إلى الإمام».


وجاء هذا التعبير في تقسيم الخمس(8): «فإن فضل عنهم شيء فهو للوالي، فإن عجز أو نقص عن استغنائهم كان على الوالي أن ينفق من عنده بقدر ما يستغنون به»(9).


وعندما قدم أحد أصحاب الإمام (عليه السلام) بمال الخمس قال له: «أما إنّه كلّه لنا وقد قبلت ما جئت به»(10).


وجاء في الرواية أيضاً «إن الخمس عوننا على ديننا وعلى عيالنا وعلى موالينا»(11).


«على كل أمريء غنم أو اكتسب الخمس مما أصاب لفاطمة(عليهما السلام) ولمن يلي أمرها من بعدها من ذريتها الحجج على الناس، فذاك لهم خاصة يضعونه حيث شاؤوا»(12).


«كل شيء قوتل عليه على شهادة أن لا إله إلاّ الله وأن محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإن لنا خمسه، ولا يحل لأحد أن يشتري من الخمس شيئا حتى يصل إلينا حقُنا»(13).


«خذ مال الناصب حيثما وجدته وادفع إلينا الخمس»(14).


وقد سُئل (عليه السلام): «ما حق الإمام في أموال الناس؟ فقال: «ألفيء والأنفال، والخمس»(15).


وقد جاء التعبير عن الإمام (عليه السلام) بأنه صاحب الخمس(16).


4 ـ وأخبار التحليل بنفسها تدل على عودة الخمس إلى الإمام ثم إنّه (عليه السلام) يبيحها لشيعته، وذلك ـ كما هو ظاهر ـ بالنسبة إلى الأموال التي تنتقل إلى الفرد الشيعي وفيها حق من حقوق الإمام الخمس، لا بالنسبة لأموال الشيعي نفسه والتي يعمل فيها فيُستحق عليه الخمس.


ولكنها على أيّ حال واضحة في نسبة الخمس(عليه السلام) وأن له الولاية عليه، وبالتالي يدخل ضمن الأموال العامة التي يتمّ توزيعها وهدايتها لتحقيق التوازن العام، غاية الأمر أنّ جزءاً معينّاً منه يصرف تكريماً لبني هاشم ليتم الارتفاع بمستواهم إلى حدّ الغنى، وهو نفس ما يتم عمله بالنسبة للآخرين حيث يعطَوْن من الزكاة حتى يستغنوا، فتتحقق نظرية الإسلام في التعادل الاقتصادي الذي لا يرضى للفرد في مستوى معيشته أن ينزل عن حد الغنى ولا أن يرتفع إلى مستوى الإسراف ـ على تفصيل يُذكر في محلّه ـ.


 أقوال العلماء في ذلك
  ويحسن هنا أن نرجع إلى أقوال العلماء لنزداد يقيناً بهذه الحقيقة:


يقول العلاّمة الكبير صاحب «الجوهر» ما نصه:


«يجب صرفه إليه مع وجوده وحضوره (عليه السلام) كما هو ظاهر الأكثر وصريح البعض كالفاضل في قواعده وغيره، بل ينبغي القطع به بالنسبة إلى حصته (سهم الإمام) ضرورة وجوب إيصال المال إلى أهله; أما حَصة قبيله (الهاشميين) فالظاهر أنها كذلك أيضا، خصوصاً خمس الغنائم، وفاقاً لما عرفت».


«بل لولا وحشه الانفراد عن ظاهر اتفاق الأصحاب لأمكن دعوى ظهور الأخبار في أن الخمس جميعه للإمام (عليه السلام) وإن كان يجب عليه الإنفاق منه على الأصناف الثلاثة الذين هم عياله، ولذا لو زا كان له (عليه السلام) ولو نقص كان الإتمام عليه من نصيبه، وحللّوا منه لمن أرادوا»(17).


ويقول الإمام الخميني رحمه الله:


«وبالجملة: فمن تدبر في مُفاد الآية والروايات ظهر له أن الخمس بجميع سهامه من بيت المال، والوالي ولي التصرف فيه، ونظره متّبع بحسب المصالح العامة للمسلمين، وعليه إدارة معاش الطوائف الثلاث من السهم المقرر إرتزاقهم منه حسب ما يرى»(18).


وإذا كان الفقهاء أحياناً قد أفتوا بالدفع المباشر إلى بني هاشم فهم ينظرون حتما إلى مرحلة ما قبل قيام الحكومة الإسلامية ولذا جاءت لديهم الفتاوى التالية:


فالسيد صحاب العروة الوثقى:


يجيز دفع سهم السادات مباشرة وإن كان يحتاط استحباباً بالدفع إلى المجتهد. ويوجب دفع سهم الإمام إلى المجتهد الجامع للشرائط.


السيد الإمام الحكيم (قدس سره) يرى: أن الأحوط وجوباً دفع سهم السادة إلى الحاكم الشرعي، وإن كان قد أصدر إذنا عاما بذلك.


أما سهم الإمام فالأحوط وجوباً لديه مراجعة المرجع العام المطلع على الجهات العامة في ذلك.


أما السيد الإمام الخميني (قدس سره) فيؤكد على أن سهم السادات يجب أن يصرف بإذن المجتهد، وكذلك سهم الإمام.


السيد الإمام الخوئي (قدس سره): يجيز استقلال المالك بدفع سهم السادات، مع وجود احتياط استحبابي للدفع إلى الحاكم الشرعي.


أما سهم الإمام (عليه السلام) فالأحوط اللزومي لديه مراجعة المرجع الأعلم المطلّع على الجهات العامة في ذلك.


ويقول سماحة آية الله العظمى الگلپايگاني (قدس سره) ما نصه:


«بالنسبة للسهم المبارك للإمام (عليه السلام) فيجب في هذا الموضوع أن تراجع أدلة ولاية الفقيه في عصر الغيبة بشكل مفصّل ودقيق. وما يستفاد منها ـ إجمالا ـ بمناسبة الحكم والموضوع، وأن الاُمور العامة في عصر الغيبة لم تهمل وتترك بلا تنظيم، وأن الأحكام أيضا ـ ماعدا تلك المشروطة بمباشرة الإمام (عليه السلام) الشخصية أو نائبه الخاص ـ لم تعطل، ما يستفاد منها هو: أن ولاية الفقيه ثابتة على كل تلك الاُمور التي يجب أن يتولاها الحاكم والوالي للأمر، وأن السهم المبارك للإمام (عليه السلام) من الاُمور المالية الإسلامية التي تُرك أمرُها إلى «من بيده الأمر» كما كان الحال كذلك في عصر الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وسيدنا أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث كانت هذه الشؤون المالية الإسلامية تُدار من قِبلهما، وكذلك نجد سائر الأئمة(عليهم السلام) يتدخلون في مثل هذه الموارد حيث ترتفع الموانع من تدخلّهم، وتراجعهم الشيعة في ذلك.


وكما يقتضيه طبع الحكم وأصل التشريع فإنّ القائم والمتولي على الاُمور التالية مثل جبايتها وتقسيمها يجب أن يكون ولي الأمر، أما جواز استقلال من عليه الحق في التصرف فهو يحتاج إلى دليل.


وعليه فإنّ الولاية على أمر السهم المبارك للإمام(عليه السلام) تقبل من أدلة الحكومة وادّعاه شموله لذلك قويّ وقريب»(19).


ملاحظة مهمة:
وينبغي أن نركّز هنا على أن الحديث هو عن رجوع الخمس إلى منصب الإمامة لا شخص الإمام، وأن الحديث النظري يركّز على منصب القيادة الإسلامية والإمارة وولاية الأمر.


إذ الحديث عن حق الإمام الشامل للفيء والأنفال والخمس، فهو حديث عن أموال الدولة وملكيتها العامة، ولذلك تنتقل طبيعي من إمام إلى آخر ولا تدخل في


تركته الشخصية بلا ريب.


وقد روى الصدوق بإسناده عن أبي علي بن راشد قال: قلت لأبي الحسن الثالث(عليه السلام): إنا نُؤتى بالشيء فيقال: هذا كان لأبي جعفر(عليه السلام) عندنا. فكيف نصنع؟ فقال: «ما كان لأبي(عليه السلام) بسبب الإمامة فهو لي، وما كان غير ذلك فهو ميراث على كتاب الله وسنة نبيه»(20).


وهنا ننتقل إلى المرحلة التالية من البحث وهي تعيين ولي الأمر، فمن هو؟ وهل يمكن أن يكون متعدّداً؟


لا ريب في أنه الإمام المعصوم (عليه السلام) حال وجوده. ولكن ما هو الموقف في عصر الغيبة؟


والجواب على ذا يختلف على ضوء المباني.


فإن قيام الحكومة الإسلامية في عصر الغيبة أمر مسلّم له، لا ينكره إلاّ مكابر.


كما أن قيام فقيه أو مجلس من الفقهاء بإدارتها أمر مسلّم به، ولكن مبنى تشكيلها يختلف: فتارة يكون المبنى هو ولاية الفقيه، وأخرى يكون المبنى هو نظام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أي نظام الحسبة، وعلى كلا الحالين تارة نقول بدور ما للشعب أو للخبراء أو لأهل الحل والعقد بانتخاب الحاكم، وأخرى لا نعطي دوراً لذلك.


ثم إنّه على ضوء نظام ولاية الفقيه تارةً نقول بأنّ الأدلّة تمنح الفقهاء الواجدين للشرائط على مستوى واحد ولاية فعلية مطلقة على كل شؤون المسلمين. وأخرى نقول بأنها تعلن أهليتهم لذلك، ويبقى عليهم أن يجتمعوا لينتخبوا أحدهم، أو يحصل أحدهم على شعبية واسعة تؤهله ليتحرك نحو القيادة الفعلية.


وكذلك بالنسبة لنظام الحسبة مع القول بالانتخابات يأتي البحث في إمكان انتخاب ولي لكل منطقة أو لكل ناحية من نواحي الحياة في عرض واحد أولا؟


وحينئذ فالنتائج قد تختلف من حالة إلى اُخرى.


ولسنا هنا بصدد الاستدلال التفصيلي على كل مبنى من هذه المباني، إلاّ أننا نشير إلى أن التأمل في الأدلّة يؤكد لنا: أن إدارة شؤون الحكومة الإسلامية تحتاج إلى ولاية يملكها الحاكم الشرعي، ليستطيع إدارة البلاد، وملء منطقة الفراغ القانوني، وإصدار الأوامر التي تخالف الحالات الأولّية المباحة مثلا، وإلاّ فلن تستقيم الاُمور، وهو أمر لا يرضاه الشارع قطعاً.


ولا يمكننا أن نتصور ولايات فعلية متعددة على منطقة واحدة، بل إن النصوص الإسلامية ترفض قيام حكومتين أو وجود إمامين، وطبيعة الحال تقتضي ذلك، وذلك رعاية لوحدة القانون ووحدة المعايير ووحدة الاُمة.


وقد جاء في الروايات رفض فكرة تعدد الأئمة في آن واحد، كما في صحيحة الحسين(عليه السلام) بن أبي العلا: فلت لأبي عبد الله: تكون الأرض ليس فيها إمام؟ قال: لا. قلت: يكون إمامان؟ قال لا. إلاّ وأحدهما صامت(21).


وهناك روايات اُخرى معتبرة بهذا المضمون.


وإذا عدنا إلى أدلة ولاية الفقيه فلا نجد الدلالة الكافية على تعميم مبدأ الولاية الفعلية إلى كل فقيه جامع للشرائط.


فالدليل الذي يركّز على مسألة دوران الأمر بين تعيين الفقيه والتخيير بينه وبين غيره ـ وحتى لو غضضنا النظر عن ما يورد عليه من قبيل أن الترديد هنا قد يتصّور بين المتباينات ـ لا يقتضي أكثر من تعيين فرد فقيه له الولاية والقدرة على تصريف شؤون المجتمع.


أما الأدلّة النقلية فهي كذلك كما سيبدو من استعراضها:


فروايات: «اللهم ارحم خلفائي» المستفيضة سنداً إنما يثبت بها وجود خلافة ما لهذا الصنف من البشر، أما شمولها لجميع العلماء، وإطلاقها لما يشمل كل جوانب الحياة الاجتماعية فغير تام، خصوصا إذا علمنا أنها ليست بهذا الصدد ولا يتحمل لسانها لسان النصب العام للعلماء.


ويتوضح عدم إمكان استفادة هذا المعنى الواسع من الروايات، إذ لاحظنا وجود قدر متيقن عرفي لها يركّز على نوع من خلافة كالخلافة العلمية، بل وحتى لو استفدنا عموم الخلافة لمطلق الشؤون فإنّ هناك قدرا متيقنا يركّز على الفرد الخليفة في كل عصر، بل يكمن أن يقال إن هذا القدر المتيقن هو في الواقع أمر مركوز عرفا وشرعا، من خلال تعاليم وحدة الإله في الكون ووحدة الإمامة ووحدة الاُمة بقوانينها ومعاييرها.


ولو تم هذا ـ وهو في رأينا تام ـ لأمكن القول بأنه يمنح النصوص المطلقة بنفسها ظهوراً في خصوص المورد المرتكز، فكيف ونحن نرفض وجود الإطلاق من أصله؟


وهذا الإشكال يرد على روايات «العلماء ورثة الأنبياء» و«الفقهاء اُمناء الرسل». و«أن المؤمنين الفقهاء حصون الإسلام كحصن سور المدينة لها». و«العلماء حكّام على الناس». وأمثالها.


أما بالنسبة لمقبولة عمر بن حنظلة(22) التي جاء فيها عن الفقيه: «فليرضوا به حكما فإني قد جعلته عليكم حاكماً» وكذلك قوله(عليه السلام) «فإذا حكم بحكمنا فلم


يقبل منه فقد استُخفَّ بحكم الله وعلينا رُدّ، والرادّ علينا كالراد على الله»، فالإشكال وارد عليها وإن اختلف القدر المتيقن هنا واتجه نحو خصوص القضاء.


أما رواية اسحق بن يعقوب(23) والتي جاء فيها: «وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا فإنهّم حجتي عليكم وأنا حجة الله» فإنها وإن أمكن دلالتها ـ بعد تأمل وبحث ـ على أنّ الولاية هي الفقهاء، ولكن الإشكال الأخير يرد على استفادة الولاية لمطلق الفقهاء فيقال: إن وضوح ضرورة وحدة الولي وقبح تعدد الأولياء الفعليين إنما يصل إلى حد يشكّل قيداً ارتكازياً إطلاق مدّعى في البين، فلا يمكن أن نستفيد منها أن كل هؤلاء الرواة يشكلّون بالفعل أولياء مطلقا على الأموال والإعراض والنفوس وكل ما يرجع إلى الإمامة، بحيث تساوق حجية أوامرهم فيها حجية أوامر الإمام المعصوم (عليه السلام). وهذا القيد أولى من قيود «العدالة» و«الذكورة» المطروحة في البين.


ولم يبق إلاّ بعض الروايات التي ترجع إلى الثقات، وهي في عدم الدلالة أوضح من غيرها.


فمثلا جاء في راوية عبد الله بن جعفر الحميري في طويل يروي فيه عن أحمد بن إسحاق عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: سألته وقلت: مَن اُعامل؟ أو عمن آخذ، وقول من أقبل؟ فقال له «العمري ثقتي فما أدّى إليك عني فعني يؤدي، وما قال لك عني فعني يقول، فاسمع له وأطع فإنّه الثقة المأمون»(24).


ومن الواضح أننا مهما عملنا على تجاوز هذا المورد من هذه الرواية فلن نستطيع الوصول إلى الولاية المطلقة والفعلية لكل الثقات.


هذا وقد استدل بعض العلماء بأدلّة تجمع بين مقتضى التسليم بلزوم وجود


اُطروحة للحكم والولاية من قبلهم (عليهم السلام) وعدم وجود أية إشارة في الروايات لاُطروحة اُخرى غير اُطروحة ولاية الفقيه.


وهو استدلال متين لو لوحظت مختلف أبعاده، ولكنه كما هو واضح لا يؤدي إلى الإيمان بالولاية المطلقة الفعلية لمطلق الفقهاء الجامعين للشرائط.


وعليه: فنبقى والقدر المتيقن في الموضوع وهو الفقيه الجامع للشرائط والذي قبلته الاُمة، إن قلنا بأن نصوص اعتبار البيعة كافية في صنع ارتكاز عرفي متشرعي يترك أثره على ظهور النصوص ويحقق لنا القدر المتيقن المطلوب من خلالها.


وإلاّ كان اللازم تصور قدر متيقن ينحصر في فرد متعين إمّا بانتخاب أهل الحل والعقد، أو من خلال إذعان الفقهاء له، أو غير ذلك.


ثم إنّنا لو سلكنا طريق (الحسبة) في سبيل الوصول إلى نوع من ولاية الفقيه على الحياة العامة فإن الأمر كذلك لا يقبل ولاية محتسبين في منطقة واحدة، بل لا يقبل ولايتين في منطقتين بعد الفراغ من لزوم وحدة الدولة الإسلامية طبعا مع الإمكان، ومع عدمه فيمكن أن نتصور ولايتين على منطقتين وذلك بشكل استثنائي .


ثم إنّنا لو قبلنا ـ جدلا ـ شمول الدليل لكل الفقهاء وإثباته ولاية عامة لهم، فلا شك في لزوم طاعتهم للولي الفقيه الحاكم، حفظاً لوحدة المسلمين ومنعاً من شق عصاهم، وهو أمر مسلّم به، ولا ريب في أن للفقيه أن يحكم بعودة كل الاُمور إليه ومنها الأموال والحقوق الشرعية ،وذلك إما لأنه يفتي بذلك ويرى المصحلة في تحويل فتواه إلى حكم عام، أو أنه ـ دونما إفتاء بذلك ـ يرى أن المصلحة الاجتماعية تفرض ذلك وهذا يعني بالتالي تقليص الكثير من صلاحياتهم وترك المجال لهم في الحدود التي يأذن بها هذا الولي الحاكم، ويعود الحال إلى ما استنتجناه مع شيء من الفرق.


ونودّ هنا أن نشير إلى أننا نفترض الظروف المؤاتية، أما الظروف الاستثنائية والتي يمتنع فيها قيام الحكومة الإسلامية فلها أحكامها الاستثنائية أيضاً، ومع ذلك فلا يمكننا تصور تلك الولاية لمطلق الفقهاء، لمنع وجود المقتضي ووجود المانع أيضاً من هذا الإطلاق، وحينئذ فلا مناص من حصر القدر المتيقن في بعضهم ممن تتوفر فيهم الشروط المناسبة.


النتيجة:
أوّلا: أن الخمس كغيره من الأموال العامة يعود أمرها إلى الوالي الحاكم.


ثانياً: أن هذا الولي الحاكم هو الفقيه الجامع للشرائط والذي تعيّن بنحو ما أميراً للأمّة وإماماً لها.


وبعد هذين الأمرين نصل إلى لزوم دفع الحقوق الشرعية ـ كالخمس ـ إلى الولي الفقيه وأمير الاُمة الإسلامية، ليقوم بصرفها وفقا للمصاريف المقررة، والله أعلم.


ــــــــــــــــــــ


(1) وسائل الشيعة 6: 341 الحديث 12.


(2) نفس المصدر: 361.


(3) نفس المصدر: 338.


(4) نفس المصدر: 361.


(5) نفس المصدر: 361.


(6) نفس المصدر: 338.


(7) نفس المصدر: 338.


(8) نفس المصدر: 362.


(9) نفس المصدر: 64.


(10) نفس المصدر: 368.


(11) نفس المصدر: 375.


(12) نفس المصدر: 351.


(13) نفس المصدر: 329.


(14) نفس المصدر: 340.


(15) نفس المصدر: 373.


(16) نفس المصدر: 354.


(17) جواهر الكلام 16: 155.


(18) كتاب البيع 2: 495.


(19) مجمع المسائل 1:384.


(20) وسائل الشيعة 6:374.


(21) الكافي 1:178.


(22) وسائل الشيعة 18:98.


(23) وسائل الشيعة 18: 101.


(24) اُصول الكافي 1: 330، وسائل الشيعة «قطعة منه»18: 103.



التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع