مَوْتٌ في واشِنطُن وبَرْزَخُ في أوروبا وقِيَامَةُ في إِيْرَان
بشأن العقوبات الأمميّة على إيران يمكن إعمال النظر بشكل رقمي مختلف. إيران تعتمد ما بين 60 إلى 80 في المئة من صادراتها على النفط التي تكاد قيمته تُذكرنا بأونصات المعادن الصفراء والبيضاء؛ مما يجعل منه قيمة تجارية واستثمارية عالية الجودة.
وإذا ما عُلِمَ أن الخزانة العامة في الجمهورية الإسلامية قد قامت بإيداع 7 مليارات دولار من العائدات النفطية في حساب احتياطي العملة الصعبة خلال الشهرين الأولين من السنة الإيرانية الحالية (تبدأ في 20 مارس/ آذار) وإيداع الجزء الآخر من تلك العائدات للمدّة نفسها في العملة الوطنية (الريال) فإن الأمر يعني أن 42 مليار دولار ستدخل في احتياطي العملة الصعبة وحدها مع نهاية السنة.
وإذا ما عُلِمَ أيضاً أن طهران تربح ملياراً و460 مليون دولار سنوياً كلما زاد سعر البرميل دولاراً واحداً فإن المعادلة الرقمية كفيلة بأن تُوضّح عوائدها من النفط، وأيضاً استحصال نتيجة تلك العوائد بما يُقوي نظامها السياسي في الداخل والخارج.
فلقد كانت أرباح الإيرانيين الصافية من النفط نهاية العام 2007 أكثر من 70 مليار دولار. وإذا ما افترضنا حينها أن سعر البرميل هو على خط 40 دولاراً فإن أكثر من 106 دولارات هي الإضافة الفعلية للبرميل بعد اشتعال أسعار الطاقة.
وإذا ما عُلِمَ أن هذه الإضافة ستمكّن طهران من جني أكثر من 532 مليار و900 مليون دولار بحسب الإنتاج اليومي لها كمداخيل غير صافية، بالإضافة إلى الـ70 مليار دولار التي ستجنيها بالتماثل عند خط الـ40 دولاراً للبرميل؛ فإن الناتج الإجمالي سيصل إلى 602 مليار و900 مليون دولار.
وأيضاً إذا ما أُخِذَت تقديرات المؤسسات الاقتصادية العالمية وشركات الطاقة أن برميل النفط قد يصل إلى 250 دولاراً في العام 2009 فإن الأمر يعني أن طهران ستجني مبالغ إضافية تقدّر بـ440 مليون دولار في اليوم إذا ما احتُسِب إنتاجها اليومي مضروباً في الزيادة المفترضة في سعر البرميل وهي 110 دولارات (راجع تصريحات رئيس مجلس إدارة شركة غازبروم الروسية الكسي ميلر عن أسعار النفط).
وإكمالاً للمعادلة، إذا ما أُخِذَ تصريح نائب وزير الاقتصاد الإيراني قبل ثلاث سنوات بأن اقتصاد بلاده بحاجة إلى 20 مليار دولار من الاستثمارات خلال الأعوام الخمسة المقبلة، ثم تقديرات شركة النفط الوطنية الإيرانية أنها تحتاج إلى 70 مليار دولار كاستثمارات خلال السنوات العشر المقبلة فإن التقديرات الأخيرة التي سُرّبت تفيد أن اتفاقيات تشجيع ودعم الاستثمارات الأجنبية في إيران منذ مارس 2007 ولغاية فبراير/ شباط 2008 قد وصلت إلى 10.76 مليارات دولار، وبالتالي فإن الإيرانيين يسيرون على معدل جيد من الاستثمار الأجنبي في مجال الطاقة لبلوغ الخطة الموضوعة.
الغرض من عرض الموضوع بهذه الصورة الرقمية هو قراءة علمية في العقوبات الأميركية والدولية المفروضة على إيران. فمنذ العام 2006 ولغاية اليوم صدرت أربعة قرارات أممية بسبب البرنامج النووي الإيراني. وهي القرار 1696 (صدر في أغسطس/ آب 2006) والقرار 1737 (صدر في ديسمبر/ كانون الأول 2006) والقرار 1747 (صدر في مارس 2007) والقرار 1803 (صدر في مارس 2008).
وإذا ما عُرِفَ أن هيئة مساءلة الحكومة الأميركية في الكونغرس قد أشارت مطلع العام الجاري إلى أنها تقدر عقود الطاقة التي أبرمتها طهران مع القطاع الأجنبي بـ20 مليار دولار حتى نهاية العام 2007؛ أي أنها جاءت بعد صدور القرارات الثلاثة الأولى!
كما أن الدراسات تشير إلى ارتفاع حجم التكرير في مجالات الغاز بسبب تلك الاستثمارات إلى 90 مليون متر مكعب يومياً بعد عمل مصافي بارسيان 1 و2، ومصفاة مسجد سليمان، وهي من المصافي الضخمة في إيران.
بل إن هذه الهيئة التشريعية ذهبت إلى أبعد من هذا الأمر عندما شكّكت في «فاعلية العقوبات التي فرضتها واشنطن منذ العام 1987 على إيران بتهمة التورط في الإرهاب» بحسب نص التقرير؛ مما يعني أن الموضوع آخذ في التشكيك أكثر من ذي قبل.
الإيرانيون على رغم أنهم جنوا ما جنوه من أرباح بعد صدور القرارات الثلاثة فإنهم أيضاً جاهدوا لفتح اعتمادات باليورو لتمويل صادراتهم، والسعي لرفع النمو الاقتصادي إلى 6 في المئة، وتكثير مستوى الاستثمارات الأجنبية إلى 300 في المئة، وخصوصاً أنّ الصادرات غير النفطية حققت نمواً وصل إلى 100 في المئة (16 ملياراً و300 مليون دولار).
أعود لمسألة تصريف الطاقة الإيرانية خارج العقوبات. فإذا ما عُرِفَ أن تركيا والنمسا وسويسرا واليونان والكويت وسلطنة عمان والإمارات وأرمينيا وإقليم ناخيتيشفان بأذربيجان واليابان والصين والهند (دون احتساب السوق الفورية) قد عقدت اتفاقيات ثنائية مباشرة مع إيران منذ العام 2004 ولغاية 25 سنة مقبلة لاستيراد أكثر من 1.712 تريليون متر مكعب من الغاز (من دون النفط) فإن المنطق يفيد أن هذه الدول مُلزَمة بدفع اعتمادات الضمان حتى لو بغير الدولار كما ترتضيها السياسات المصرفية الإيرانية مثل ما حصل ذلك مع جنوب إفريقيا.
ولأن الإيرانيين باتوا منذ ديسمبر 2006 يستحصلون مبيعات نفطهم باليورو بنسبة 75 في المئة وازدادت النسبة إلى 85 في المئة مع تحويل احتياطاتهم النقدية من الدولار، فإنهم باتوا أكثر تحرراً من الالتزام بحركة الدولار الأميركي، وأيضاً ما تفرضه المعاملات بهذه العملة من استحقاقات قانونية طبقاً للقرارات الأممية وأيضاً العقوبات الأميركية أحادية الجانب كما هو الحال بالنسبة إلى قانوني العقوبات الليبية الإيرانية وداماتو.
أمر آخر يُمكن الالتفات إليه وهو أن 63 في المئة من النفط الإيراني يذهب إلى عمالقة القارة القديمة (آسيا) وخصوصاً الصين والهند؛ مما يعني تحرّر هؤلاء من الالتزامات الأميركية والدولية، كما فعلت شركة سينوبك الصينية مع حقل يادافاران، والهند مع أنبوب السلام منذ فبراير 2005.
بالتأكيد إن العقوبات التي فرضها مجلس الأمن الدولي والتي فرضتها الولايات المتحدة هي عقوبات تؤثّر على الاقتصاد الإيراني، ولكن تأثيرها يُصبح غير مجدٍ بشهادة لجنة الكونغرس، وخصوصاً أن طهران مازالت تعتمد على النفط بشكل كبير.
كما أن الولايات المتحدة - التي زادت ديونها عن 10 تريليونات دولار (80 في المئة من إنتاجها القومي البالغ 13 تريليون دولار) وبات كل أميركي مديناً بـ35 ألف دولار عند ولادته - لا يُمكنها الاستمرار في دفع 19 مليار دولار كفوائد ضائعة نتيجة العقوبات التي تفرضها على إيران.
وبالتالي فإنني أعتقد أن هذه السياسة المُتّبعة أميركياً تجاه إيران تُشكّل دبلوماسية ناعمة لن تُجدي نفعاً في ظل استخدام الإيرانيين دبلوماسية الطاقة بشكل يُضرّ الاقتصادي الأميركي وحلفاء الولايات المتحدة في شمال أوروبا والشرق الأدنى.
التعليقات (0)