الزنج - حسين خلف
استعرض عضو جمعية المنبر الوطني التقدمي عبدالجليل النعيمي تجربة انتفاضة مارس/ آذار 1965 والحوادث التي سبقتها وساهمت في اشتعالها والتي كانت شرارتها توجه شركة نفط البحرين آنذاك إلى فصل 1500 من عمال الشركة ليهب بعدها طلاب المدرسة الثانوية في ثورة عارمة لتحدث الصدامات بين التلاميذ ورجال الأمن، ليسقط عدد من الشهداء ويرتفع تلقائيا سقف مطالب انتفاضة 1965 التي قمعت لكنها أسست عدة تغييرات مهمة وقعت في تاريخ البحرين أهمها وضع مسألة الاستقلال والإصلاحات السياسية على رأس مطالب القوى الوطنية والتي لم تكن مهيأة لقيادة انتفاضة 65 كما رأى النعيمي.
استهل النعيمي ندوته بتعريف خلفيات الانتفاضة و"عوامل نشوء الحس القومي في البحرين" في تاريخ بلادنا كلما نشأ وضع اقتصادي اجتماعي سياسي لا يطيق الناس مواصلة العيش فيه ويتعذر على السلطات مواصلة الحكم فيه تبرز حال الأزمة التي تمخضت في كثير من الأحيان عن الانتفاضات التي عرفها تاريخ شعبنا ولكل انتفاضة خصائصها، لكنها تشكل حلقة وصل بين سابقتها ولاحقتها وأكثر الانتفاضات حدثت في البحرين في شهر مارس، ففي العام 1938 شهدت البحرين أول إضراب عمالي قام به عمال النفط في "بابكو"، وكان ذلك في السنة الرابعة بعد بدء تصدير النفط من البحرين بكميات تجارية كانت تلك إشارة بالنسبة إلى سلطات الاستعمار البريطاني على أن الوعي العمالي في البحرين بدأ يتنامى فلجأ المستعمرون إلى سياستهم "فرق تسد". وفي العام 1953 اشتعلت فتنة طائفية تركت آثارها على الوحدة الوطنية، وفي هذه الظروف سارع رجال وطنيون من شخصيات الطائفتين إلى العمل على رأب الجرح الطائفي في اجتماع تاريخي في مأتم بن خميس بقرية السنابس أعلن فيه عن تشكيل هيئة الاتحاد الوطني التي قادت نضالات شعبنا في ذلك الوقت ضد الاستعمار البريطاني ومن أجل الإصلاحات الاقتصادية والسياسية والإدارية لكن تراجع الطائفية لم يمكن الطبقة العاملة من استعادة دورها في النضالات الجماهيرية، بل أفسح الطريق أمام تنامي المشاعر القومية الجياشة تحت تأثير انتصار ثورة يوليو/ تموز في مصر، لكن ما الذي جعل البحرين أرضا خصبة لالتهاب المشاعر القومية على رغم خصائص مجتمع البحرين الانفتاحية على شعوب وحضارات كثيرة؟ هذه الأرض هيأتها مطالبة إيران بالبحرين والتي شكلت تهديدا لهويتها العربية وإذا كان للتعصب القومي سلبياته التي شوهت الصراع الاجتماعي من جديد ليستبدل الصراع الطائفي بصراع قومي بين السكان ذوي الأصول العربية وإخوانهم من ذوي الأصول الإيرانية، فإن للمد القومي العربي جانبه الإيجابي في تعميق العداء للمستعمر البريطاني.
وأضاف "وفي مارس 1956 قام الملك الحسين بن طلال بطرد البريطاني غلوب باشا من منصبه قائدا للجيش الأردني وألهم ذلك البحرينيين المطالبة بطرد المستشار البريطاني تشارلز بلغريف، لدى حكومة البحرين، وعندما رفع اليمنيون في عدن مطلب إقامة مجلس تشريعي منتخب ارتفع هذا المطلب عاليا في البحرين أيضا لكن شعب البحرين سرعان ما ثار غاضبا احتجاجا على العدوان الثلاثي ضد مصر، لكن قوات الحكومة واجهت الاحتجاجات بعنف ثم سددت ضربتها إلى قيادة الهيئة فاعتقلت قادتها الأساسيين وقدمتهم إلى المحاكمة ثم نفتهم إلى خارج البلاد ولامتصاص النقمة الشعبية طلبت الحكومة البريطانية من مندوبها السامي بلغريف مغادرة البحرين في العام ،1957 وعينت سكرتيرا للحكومة هو سميث، واستبدلت القوات البريطانية بقوات الشرطة التابعة للحكومة وأعيد بناء قوات الأمن والمخابرات التي لعبت دورا مهما فيما بعد في قمع التحركات الجماهيرية لكن الهيئة وحدت حركة الجماهير على أساس نبذ الطائفية المقيتة، واعتمدت على الجماهير وقودا للانتفاضة، جعلت الهيئة تقف ندا قويا للحكم وتخلق ما يشبه السلطة الجماهيرية الموازية للسلطة السياسية، لكنه هنا بالذات برز التناقض الداخلي الكبير لحركة الهيئة الذي أثر سلبا على حركتها التي كانت ترمي أساسا إلى فسح الطريق أمام الطبقة التجارية الصاعدة لتأخذ مكانها في صنع القرار السياسي والاقتصادي بما يعزز مصالحها، في حين كان للجماهير مطالبها الخاصة إضافة إلى ما تلتقي فيه مع القيادة. لقد ضمت القيادة العليا 100 شخصية بالتساوي بين الطائفتين، والهيئة التنفيذية تتكون من ثمانية أشخاص "أربعة من التجار السنة ومثلهم من الشيعة"، بينما لم تمثل الفئات الشعبية الدنيا في القيادة وفي خضم انتفاضتي 54 - 1956 تشكلت جبهة التحرير الوطني في العام 1955 في محاولة لأن تعيد إلى الصراع الاجتماعي وجهه الحقيقي".
انتفاضة مارس 1965 وتصحيح المسار
وعن أسباب وتفاصيل انتفاضة 65 قال "شكلت الانتفاضة بداية تصحيح مسار الصراعات الاجتماعية فشرارة الانتفاضة كانت إضرابا عماليا قام به عمال شركة النفط "بابكو" احتجاجا على توجه الشركة لفصل 1500 من عمالها ليهب طلبة المدرسة الثانوية تضامنا مع العمال، وكانت المواجهات الرئيسية تحدث مع طلبة المدارس وفي حرم المدارس نفسها. وسجلت المواجهات ملاحم في محاولات صد اقتحام الحرم المدرسي أو مواجهة فرق الشرطة الخيالة حين داست الخيول بحوافرها عضو المنبر حاليا الطالب نصر معيوف، ووضعت حينها جبهة التحرير كل إمكاناتها من سلاح ومطابع تحت تصرف القوى الأخرى لمواجهة الاستعمار البريطاني. وأصبحت المناشير المذيلة باسم "جبهة القوى التقدمية" تخرج من مطبعة الجبهة، أما مناشير الجبهة الخاصة فكانت تختتم دائما بالشعار الذي يؤكد دائما على الوحدة الوطنية والذي تجدونه اليوم في كثير من بيانات المنبر "الوحدة الوطنية سلاح شعبنا الأمضى والأول" وتطورت مطالب الانتفاضة لتتخطى مطالب انتفاضة 54 - 1956 متضمنة إلغاء قرارات فصل العمال كافة والاعتراف بحق تشكيل النقابات، والسماح بعقد اجتماعات سياسية، وإلغاء حال الطوارئ التي كانت قد فرضت منذ العام ،1956 وإطلاق سراح السجناء السياسيين كافة، وطرد كل الموظفين البريطانيين والأجانب. وطالبت بوقف باب الهجرة الأجنبية وبالإصلاحات السياسية والاقتصادية وبلغ العنف أوجه في المواجهات التي شهدتها الانتفاضة. سقطت فيها كوكبة من شهداء شعبنا الأبرار".
الانتفاضة انتقمت من جزاريها وقومت الطريق
وتابع "تم قمع الانتفاضة والحكومة لم تستجب لأي من المطالب لأن الانتفاضة كانت عفوية، وكانت الحركة الوطنية تحاول اللحاق بها ومواكبتها فهي لم تكن مهيأة لقيادتها نحو تحقيق أهدافها من كل النواحي: القوة، والتنظيم، والصدى الخارجي، والمحيط الإقليمي. نعم قمعت الانتفاضة، ومع ذلك لم تتسامح مع جزاريها. فبعد مضي سنة، أي في مارس 1966 دوى صبيحة ذات يوم انفجاران هائلان قتل في أحدهما مسئول جهاز مخابرات لندن "بوب" البريطاني الجنسية من أصل قبرصي، وفي الثاني مساعده أحمد محسن الأردني الجنسية".
أما نتائج الانتفاضة فقال عنها "الانتفاضة غدت معلما في التاريخ النضالي لشعبنا تاركة آثارها الإيجابية على المسار اللاحق للحركة السياسية لقد أعادت للطبقة العاملة تدريجيا دورها القيادي في النضال السياسي، كانت تجربة مضيئة في العمل الجبهوي الموحد ووضعت مسألة الاستقلال السياسي ومن ثم الإصلاحات السياسية على جدول الأعمال وفي عقد السبعينات شهدنا تحقيق أهداف انتفاضة مارس 1965 المجيدة التي ستبقى خالدة. لقد حصل شعبنا على استقلاله السياسي ، وتم إقرار دستور العام 1973 وانتخب المجلس الوطني، اللذين عطلا في العام 1975".
هذا المقال من صحيفة
http://www.alwasatnews.com
التعليقات (0)