بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى:-
((.. والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار))
قال الله تعالى : -( ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم). صدق الله العلي العظيم
يروي عن الرسول (ص) قوله عن السبطين (الحسن والحسين) (ع):- ( هذان ابناي من أحبهما فقد احبني ومن أبغضهما فقد أبغضني) صدق الرسول الكريم .
وقال الأمام (علي) (ع):
محمد النبي أخي وصهـري وحمزة سيد الشهداء عمـي
وجعفر الذي يمسي ويضحـي يطير مع الملائكة ابن أمـي
وبنت محمد سكنى وعرسـي فسوط لحمها بدمي ولحمى
وسبطا احمد ولداي منـها فأيكم له سهـم كسهمي
سبقتكم إلي الإسلام طـرا صغيرا ما بلغت أو آن حلمي
وقال (الحسن) -(ع)- وقد كان ذلك منقوشا على خاتمه-:
قدم لنفسك ما استطعت من التقي إن المنية نازلة بـك يا فتـى
أصبحت ذا فرح كأنك لا ترى أحباب قلبك في المقابر والبلى
توطئة
وروي عن أمير المؤمنين الأمام (علي) (ع) قوله :كان (الحسن) أشبه برسول الله (ص) من وجهه إلى سرته. ولقد سرت تلك الوسامة وذلك البهاء والجلال من (الحسن) إلى ولده ( القاسم) (ع) كما أخذ (القاسم) عن والده رقة الطبع ودماثة الخلق ولين الجانب. وحين حضت الوفاة ( الحسن) –(ع) ولقد سرى دبيب السم في جسمه مسرى النار في الهشيم وبينا هو يعالج سكرات الموت أوصى أخاه (الحسين) (ع) أن يعقد بين (القاسم) وبين سكينة فخطبها من أبيها ( الحسين ) وهو على فراش الموت فأجابها (الحسين) (ع) أخاه بالإيجاب وهو يهز رأسه علامة الموافقة لان العبرات والدموع منعته من الكلام.
ووري (الحسن) (ع) مدفنه بين نوح النائحات وندب النادبات وعويل بنى هاشم وبكائهم. وتذكر كتب التاريخ ومصادره بأن ذلك اليوم كان مشهوداً في المدينة وكانت فترة حداد بني هاشم على (الحسن ) سنة كاملة وذلك لما كان يتمتع به من مقام مرموق ومركز ملحوظ بينهم بلغه بالحسب الرفيع والخلق العظيم والعلم الغزير. وكان الأمام (الحسين ) (ع) بعد ذلك نعم الوصي على تراث (الحسن) إن من ناحية الأهل أومن ناحية المعاني والقيم.ولقد اتخذ من (القاسم بن الحسن ) (ع) ولدا له يكرمه غاية الإكرام ويحنو عليه أسمى الحنو ويوجهه إلى أقوم السبل. كما كان (القاسم) من ناحيته محبا لعمه معظما له معجبا بجرأته وصلابته وقوة عقيدته وإيمانه يترسم خطاه وينهج نهجه. ولقد كانت الأحداث الجسام التي تلت وفاة (الحسن) (ع) والتي كانت مصيرية بالنسبة إلى تاريخ الامة الإسلامية أشد و أقوى من كل شأن خاص وأمر شخصي قد يخطر في بال المرء. لهذا شغل الأمام (أبي عبدا لله الحسين) (ع) عن وصية أخيه (الحسن) بتزويج (القاسم) من (سكينة) مضافا إلى ذلك صغر سن (القاسم) وتطلعه إلى ما هو أخطر وأهم من الزواج إذ كان يرى ويسمع ويباشر الأحاديث والأحداث الخطيرة التي تعصف بكيان المسلمين.ومرت الأيام وتلتها الشهور ومات (معاوية ابن أبي سفيان) وكان قد أخذ البيعة لابنه ( يزيد) أثناء حياته وأكره الناس عليها رهبة من سلطانه وبطشه أو رغبة في عطاياه وأمواله. ولم يرضخ (الحسين) (ع) أن يبايع لفاسق وترك المدينة إلى مكة وهناك توارت عليه كتب أهل الكوفة تبايعه وتؤكد له في منعة وقوة. ولم يتردد (ع) فأرسل ابن عمه (مسلم بن عقيل) ليستوثق له ثم يبعث أليه بالحضور إن رأى الصدق في أقوال الناس والثبات على المبدأ. وصل (المسلم) إلى الكوفة فاجتمع الناس عليه وبايعوا للحسين (ع) فأرسلا إلى مكة يدعوه للحضور لكن أهل الكوفة نقضوا العهد الذي قطعوه على أنفسهم إلا قليلا منهم بعد حضور (ابن زياد) إليها فقتل (مسلم بن عقيل)و (هانئ بن عروة ) وقيس بن مسهر) رضي الله عنهم.ولم تصل أنباء الفاجعة الأليمة إلى (الحسين) (ع) إلا وكان قد أصبح في الطريق إلى الكوفة هو وأصحابه وأتباعه مارا بمدينة جده المصطفى (ص) مستأذنا مودعا. فاستعاذ بالله سبحابه وتعالى واحتسب إخوانه السابقين عند الذي لا تضيع لديه الحقوق وهو يتولى الصالحين وأعلن على الناس النبأ وتريث في أمر متابعة السير.
فقال بنو عقيل: لا بد لنا من الأخذ بالثار أو نلحق بأبينا كراما أعزة. فلم ير بدأ من الموافقة ثم أعذر الناس من كان يريد العودة غانما سالما فلا عليه ولا حرج أما نحن فإبه قدرنا حياتنا جهادا وجلادا وختمتها شهادة وجنة. فرجع أكثر الناس ولم يبق معه إلا القليل القليل أهل بيته وبعض أصحابه وإخوانه.وكان (القاسم) فتى في مقبل العمر فيه حماس الشباب تغلي الدماء في عروقه و تشرئب المبادئ والقيم نظرات حادة تنطلق من عينيه. لم ترو كتب التاريخ قولا مأثورا له في هذا الموقف ولكنى لا أستطيع أن أمر بالأمر مرورا دون أن أقول: إن من كان في مركز (القاسم) نسبا وموقعا اجتماعيا وسياسيا وحيوية شباب متدفقة ولصوقا بإمام سيد الشباب أهل الجنة (الحسين) (ع) من موقعه هذا لا يمكن ولا يمكن و لا يعقل أن يصمت أو يسكت لا بد وأن يكون قد قال مقالة ضاعت في زحمة التاريخ وبين أسفره المطوية. هل يصمت الذي تكلم بسيفه يوم الطف ثم بدمه نهاية حياته؟ معاذ الله ومضى الركب في سبيله ثم حط رحاله في كر بلاء وأحاط بالنفر القليل الجند الكثير فمنعوا عنهم الماء وسدوا عليهم المنافذ والسبل وحلوا بينهم وبين النجاة وأغموهم وأرغموهم على القتال وقد صمتوا آذانهم عن كل نداء واستغاثة وعميت عيونهم عن روية الحق. وتكاثر القتل والقتلى في صفوف الإمام (الحسين) (ع) ولم يبق معه إلا أهل بيته وقد افتداه أصحابه فماتوا دونه وذودا عنه . ثم أخذ القتل يستعر في أهل بيته فقضى (علي الأكبر) و(العباس بن علي )و أولاد (جعفر ابن أبي طالب) وأبناء (مسلم أبن عقيل) وبينما كان الإمام (الحسين) (ع) في همه العظيم ونضاله المجيد يواري هذا ويواسي ذاك ويأسى لذلك ويعزي تلك إذا بـ (القاسم) يأتى إلى عمه مستأذنا بالمبارزة فنظر إليه وحدق ثم دمعت عيناه ولم يأذن له وتذكر عندئذ أخاه (الحسن)(ع) ووصيته له بتزويج (القاسم) من (سكينة) فاشتد حزنه وتضاعف ألمه ثم عقد للقاسم على سكينة سريعا لكن (القاسم) لم يجلس عندها ولم يضمهما فراش واحد . وأصر (القاسم) وقد نفذ رغبة أبيه وعمه على البارزة والقتال فلم ير( الحسين) بدا من الموافقة فودعه وهو دامع العين حزين القلب والنفس.وتعلقت نساء بني هاشم بثوب (القاسم) ترده وتمنعه فلم يستجيب لهن ومضى في سبيله حيث عرس الدم.
توسط الميدان واخذ يرتجز وينشد:
إن تنكروني فأنا ابن الحســن نجل النبي المصطفى والمؤتمن
هذا (حسين) كالأسير المرتهـن بين أناس لا سقوا صوب المزن
ولندع الآن للتاريخ يروي بلسان صدق خبر استشهاد (القاسم) (ع) قال (حميد بن مسلم ) وقد حضر الواقعة: (ثم خرج إلينا غلام كأن وجهه شقة قمر في يده السيف عليه قميص وإزار ونعلان وقد انقطع شمع أحدهما ما أنها اليسرى فقال إلى عمر بن سعد بن نفيل الأزدى : والله لأشدن عليه
فقلت له: سبحان الله وما تريد إلى ذلك يكفيك قتل هؤلاء الّذين تراهم قد احتو لوهم. فقال: والله لأشدن عليه: فشد عليه فما ولى حتى ضرب بالسيف فوقع الغلام لوجهه فقال: يا عماه.
فجلي (الحسين) كما يجلي الصقر ثم شد شدة ليث غضب فضرب (عمر) بالسيف فاتقاه بالساعد فأظنها من لدن الموافق فصاح فتنحى عنه وحملت خيل لأهل الكوفة ليستنقذوا (عمرا) من (الحسين) فاستقبلت (عمرا) بصدورها فحركت حوافرها وجالت الخيل بفرسانها عليه فوطأته حتى مات:
وانجلت الغبرة فإذا أنا بـ(الحسين) قائم علي رأس الغلام يفحص برجليه و(الحسين) يقول: بعد لقوم قتلوك ومن خصمهم يوم القيامة فبك جدك. ثم قال: عز والله على عمك أن تدعوه فلا يجيبك أو يجيبك ثم لا ينفعك صوت الله كثر و أتراه وقل ناصره. ثم احتمله فكأني أنظر إلى رجلي الغلام يخطان في الأرض وقد صدره على صدره قال(حميد): فقلت في نفسي :ما يصنع به؟
فجاء به حتى ألقاه مع أبنه (علي بن الحسين) وقتلى قد قتلت حوله من أهل بيته فسألت عن الغلام فقيل لي ؛هو (القاسم بن الحسن علي ابن أبي طالب) وهكذا استشهد الفتى الغلام زين الشباب وعريس كر بلاء (القاسم بن الحسن) (ع) . لقد آلي على نفسه منذ أن فارق أباه الدنيا وأصبح في رعاية وكنف عمه الحسين أن يكون للحق قوالا وللعدل فعالا وللهيجاء نزالا. لا يرهب الموت ولا يخشى الأسنة يرغب الآخرة ولا يبكي على الدنيا. إنها الدنيا التي قال لها جده أمير المؤمنين الأمام (علي) (ع) : ]دنيا غري غيري.
لم يكن آل البيت طلاب دنيا ومحبي سلطان بل كانوا رواد حق وعدل منحوا وجود أمة الإسلام أصدق وأسمى الأمثلة ومهروا استمراريتها وخلودها بدمائهم الزكية الطاهرة وأضاؤوا لها بأرواحهم سبل الرفعة والجد. وما(القاسم بن الحسن) (ع) إلا سيف من سيوف جرد من غمده وسل من قرابه فلمع كالشهاب المضيء في ذلك اليوم المظلم : يوم كر بلاء . مظلم على أعوان الباطل مشع بالنوار الوهاج الساطع لأعوان الحق وأصحابه.
رحم الله(القاسم بن الحسن) وأسكنه فسيح جنانه ورحيب رضوانه وأنزله من نعيمه أسمى المنازل وأرفعها.
(( أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون) صدق الله العظيم
التعليقات (0)