الأصوات الجميلة والمؤثرة في المنطقة لدينا كثيرة ... تحتاج إلى من يتنبه لها ويصقلها ... وضعت على عاتقي جزء من هذه المهمة ... عيسى سلمان خامة صوتية جميلة ... صوته ذو بحةٍ مُميزة ليس من النافع عدم العناية بها ... ولا يصح أن تكون منسية ...
قدّمت معه ثنائياً بقصيدة ... قتلوا الباقر ... بعضهم شككه في اللحن ... أدّى دوره معي بما ليس ينبغي ... أضعف نفسه بنفسه ... اللحن قدّم كل شحنات القوة والعطاء ... خبرته لم تكتمل ... لذلك شكك في اللحن قبل تجربته ... وأضعف الدافع النفسي الداخلي ... فكان ضعيفاً تجاهَ أدائي ...
في ذكرى وفاة الإمام السجاد (ع) لعام 1418هـ ... قرّرت تقديم ثُنائي مع ناشئ برز أثناء ما كُنا في المعتقل ... علي ربيع ذو صوت جميل أيضاً ... أعددت اللحن واقترح الإخوان أن يكتب القصيدة الأستاذ حبيب حيدر ... اعطيته الوزن ... جاءني بعد أيام بفقرة من بنات أفكاره ... ناقشته في أفكارها وأبديت له اعتراضي على النص لكونه يحمل أفكاراً سبق أن طرحتها ... وأنا بحاجةٍ لأفكارَ جديدة تُعطي القصيدة زخماً آخر ...
كانت الخاتمة أن عادت القصيدة مفروضة على قلمي أن ينقشها ... وكانت القصيدة ... نحن جندٌ من المآتم ... صدّرتها قائلاً ... لمّا انقضى الذبح من يوم عاشوراء ... وعرجت على قصائدنا الحسينية وإهمال التاريخ لها لانتمائها ... ولو أنها صدرت من غيرنا لكُرّم كما يُكرّم المبدعون بجائزة نوبل ...
وأعطف في الكلام على دولة بني أمية ... دولة بني أمية رمز نطلقه على السلطات الجائرة بصفة عامة ... فيا بئس بني أمية وهم يتلبسون بكل الجرائم ... حتى جرائم غيرهم يلبسونها ... وتعسا للسُلطات وهم يصنعون ما يضع أعمالهم في ميزان واحد مع بني أمية ...
أدّيت المقطع الأول ... والثاني كان من نصيب علي ربيع ... الثالث كان من نصيبي ... أثناء تأديته للمقطع الثاني أقول بأمانة أني أعجبت بأدائه ... اقتبست كل جميل في أدائه محاولاً إضافته في دوري القادم ...
هكذا كنت دائماً في الأدوار الثُنائية ... أثناء ما يؤدي صاحبي دوره ... أبحث عن مواطن القوة في دوره فأتقمّصها ... وإن كان علي ربيع ناشئ بالنسبة لي ... وأنا أكثر منه خبرة ... ولكن هذا لا يمنع من استفادتي من كل ما يتمتع به من قوة ... فعلى المُتذوق أن ينصف ذوقه ... ويقول للجميل كلمة إنصاف ... ولا أجمل من أن أتخذه طريقاً أسلكه ...
لم يكد الموكب تصل مُقدمته إلى مدرسة البنين حتى تفرّق من خلف الموكب مندفعين إلى الأمام ... الميكرفون في يدي ... ناديت في الناس ... دعكم واقفين ... حسبت الأمر مُجرّد رُعب دخل في نفس أحدهم فركض كما حصل قبلها ... وما هي إلا أن نظرت للخلف وأدرت ظهري حتى رأيت دُخاناً كثيفاً يتعقبُنا ... دُخان القاذفات المسيلة للدموع ...
تراكض الناس مذعورين في الأزقة ... البعض تولّى عملية إزالة آليات الموكب وإدخالها إلى البُيوت القريبة ... فرّ الناس جميعاً كلٌ منهم إلى أقرب باب ينفذ منه ... الأبواب مُشْرَعَةٌ للداخلين ... بأي قلم أصف ذلك الرُعب ... وأقسى الرعب ما لا تتوقع نزوله ... الأطفال أصابها الهلع ... والآباء لا تعرف عن مصير أبنائها شيئاً ...
وراحَ رجال الأمن يعبثونَ بسيارات الناس ويُكسّرون ما تصل أيديهم له ويهشمون زجاجها بأسلحتهم وعصيهم ... هذا ما رأته الناس بأمِّ أعينها وهي تسترق النظر من النوافذ المُغلقةِ ... ولا تستطيع أن تثبت شيئاً فخصمك الحكم ... إنما هُم ينتقمون من هؤلاء المُتكالبينَ على إحياء شعائرهم ولا يَملُّون منها ...
إلى الصباح بقى الأكثرية متخفّين في البيوت ... أمّا من حملته الشَجاعة وخرج ليلاً فكان مصيرهُ المساءلة والاعتقال ... حتى الصباح الباكر كانوا بالمرصاد لمن يُغادر السنابس لم يكتفوا بهذا بل كانت النتيجة أن أُغلق مأتم بن خميس ... ووضعت الأقفال على أبوابه ... لقد ظنوا أننا نُقيد بأقفالهم ... حسبوا الحسين يخضع لجبروتهم ... ما دروا أنّ روح الحسين حرة لا يُقيدها مكان ... مآتمنا بعدد أنفاسنا ... يُغلقون جانباً وننبري لهم من جانبٍ آخر . وكان على إثر هذه الغدرة استشهاد عبد الزهراء..متأثرا بإصابته...
كانوا يُطاردون بعض الفتية خلف الموكب ... ممن يملئون الجدران بالشعارات السياسية ... ولم يتورعوا عن ملاحقتهم بالإطلاق وسط الموكب ... وكان ما كان علامة على حلقات مفقودة من الاحترام ... وكان ما كان ذكرى للتاريخ يُسجلها ضد أيدٍ لم تتوانَ عن التحرش بالأبرياء .
انتقلنا بمشاركاتنا في مأتم السنابس ... في الداخل فقط ... إلى أن جاءت ذكرى الأربعين ... تغلي في عروق الذين رأوا ما حلّ بالموكب في ذكرى وفاة السجّاد ... أعددت قصيدة جديدة ... وخلف كل مقطع من مقاطعها وضعت مقطعاً من القصيدة المبتورة ... تلك القصيدة التي لم يُتيحوا لنا إتمامها ... انطلق الموكب بقصيدة ... للطفوفِ نداءٌ خالد ... بذلك الموكب الملتهب ... والقصيدة تُعيده إلى ذكريات يوم الموكب المغدور ...
ولا تنقطع المُشاركات ... فمشاركةٌ في النعيم بقصيدة ... أيها المدفونُ في النجف ... وأخرى ثُنائية برفقة حسين أحمد في موكب بن سلّوم ... لأول مرّة في العاصمة ... القصيدة بذلتُ فيها جهداً مُميزاً ... هي عبارة عن روايات عن الإمام الصادق (ع) ... صغتها في قالب شعري يُقدم الرواية فالعبرة منها ... قصيدتنا بدأت بجملةٍ اعتذارية للإمام الصادق ... يا جعفر الصادق عذراً ...
وقصيدة كان المفروض إلقاءها في الدير ... لمّا علم الأمن بالخبر طوّق المنطقة ... وحجب الدخول لها ... اتصل بي الأخوة وأخبروني بعدم المجيء ... وتتلاحق القصائد في ظل فراغ الساحة من أغلب الرواديد ... قدّمت أخرى في كرّانة ... نزفٌ باقريٌ باقي ... في وفاة الإمام الباقر (ع)..
وتعقبها نهاراً قصيدة في السنابس ... تبسمي جروحي ... تحمل في وزنها الكلمات الشاعرية ... في وزن أول هو وزن الأصمعي حين أنشد قصيدته ... صوت صفير البلبل ِ ... هيّج قلب الثمل ِ ...
هذه القصيدة أوّل قصيدة بعد فكّ الحصار عن المأتم وإزالة الأقفال عن أبوابه ... بات التنقل من منطقةٍ لأخرى سجية فينا ... يُحاول الأمن انتزاعها منا ... لسنا مقطوعين عن بعضنا ... نحن شعب متواصل ... لنا ببعضنا أواصرٌ حميمة .
أما الثُنائيات هنا وهناك فكانت كثيرة ... مع إبراهيم الموت وفلاح أحمد وعصام وميثم راشد ...وبات التنقل لكل مناطق البحرين أمراً مألوفاً ... لتغطية المشاركات فيها ...
التعليقات (1)
المعارض
تاريخ: 2008-05-01 - الوقت: 04:01:54بسم الله الرحمن الرحيم تم مؤخراً فتح باب الحوار في موقع قرية السنابس مع الكاتب الأستاذ عبدالشهيد الثور حول سلسلة مقالاته التي تحمل عنوان تجارب موكبية في سيرة رادود ، و الموضوع في الوصلة التالية : http://alsanabis.com/article.php?newsID=3707