مَنْ يدرس حياة أئمة أهل البيت (عليهم السلام) يعرف بوضوح أنّ كل إمام كان يدير تلك المدرسة العلمية في عصره، يغذيها بالعلوم والمعارف، كما أنه عَلمٌ يرجع إليه العلماء، وقمةٌ يشير إليها أهل العلم بالتقدير والاحترام.
ونستطيع أن نُحدِّد معالم مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) في عهد الإمام العسكري (عليه السلام) من خلال نشاطه العلمي، كالآتي:
1 - مِن خلال إعداده لِثُلَّةٍ من الرواة والتلامذة، وما كتبوا، وألفوا، وبثّوا من علوم ومعارف.
2 - من خلال مراسلاته وأجوبته ومحاوراته.
3 - من خلال ما روى (عليه السلام) من أحاديث، وبثَّ من علوم ومعارف وفتاوى... إلخ.
فقد أثِرَ عنه (عليه السلام) الكثيرُ الذي تحتفظ به كتب الرواية والتفسير والمناظرة والكلام... إلخ.
•• تلامذة الإمام (عليه السلام) ورواته
زخرت مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) في عصر الإمام العسكري - كعصور آبائه الكرام - بالعلم والدعوة إلى الإسلام، والدفاع عنه ونشره، وكان قوام هذا العمل هو الأسلوب المدرسي، فقد كان للإمام تلامذة وأصحاب ورواة، وبعضهم واصل مهمّته من عهد أبيه وجدّه، وبعضهم التحق به في فترة إمامته، وكان هؤلاء التلامذة والرواة يتلقّون من الإمام، ويَروون عنه العلوم والمعارف.
ولقد اعتنى علماء الرجال بتدوين أسماء الأصحاب والرواة والثقات، وآثارهم الخالدة من الأصول العلمية والكتب المؤلّفة، نذكر على سبيل المثال كتاب (رجال الطوسي) الذي صنّفه الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي المتوفى سنة (460 هـ)، فقد حوى هذا الكتاب الرجالي أسماء الذين رووا عن النبي (صلى الله عليه وآله)، ثم عن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) الأحد عشر، من الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) وحتى الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، ثمّ أسماء رواة تأخّروا عن هذه المرحلة.
• ولقد أورد الشيخ الطوسي أسماء رواة الإمام العسكري (عليه السلام)، وهم تسعةٌ وتسعون راوٍ، على درجات متفاوتة في العلم والمعرفة، فبعضُهُم قام بحمل الرواية والتعريف بمدرسة أهل البيت (عليهم السلام) بلسانه وتبليغه للفتاوى والأحكام والروايات والمفاهيم عن الإمام العسكري (عليه السلام)، فعملوا كرواة ووكلاء وممثلين للإمام في مختلف البلدان، وبعضهم قام بالتأليف، وتصنيف الكتب والمؤلفات.
ونذكر بعضاً ممن قام بتصنيف الكتب ونشر علوم أهل البيت بهذه الطريقة، لنزداد معرفة بتلك المدرسة العلمية الرائدة:
1 - أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن داود بن حمدون الكاتب النديم، أبو عبد الله شيخ أهل اللغة ووجههم وأستاذ أبي العباس، قرأ عليه قبل ابن الأعرابي، وتخرّج من يده، وكان خصيصاً بأبي محمد الحسن بن علي العسكري (عليه السلام)، وأبي الحسن الهادي (عليه السلام) قبله.
وله معه مسائل وأخبار، وله كتب منها كتاب (أسماء الجبال والمياه والأودية)، وكتاب (بني مر بن عوف)، وكتاب (بني النمير بن قاسط)، وكتاب (بني عقيل)، وكتاب (بني عبد الله بن غطفان)، وكتاب (طي شعر العجير السلوي وصنعته)، وكتاب (شعر ثابت بن قطنة وصنعته).
مما تقدم نعرف مشاركة تلامذة الإمام (عليه السلام) برفد العلوم والمعارف على اختلاف صنوفها، فهذا العالم المتتلمذ على يد الإمام العسكري (عليه السلام)، تراه عالماً بالنحو واللغة، ويتخرّج على يديه أئمتها، وله تحقيقات وتآليف في الجغرافية الطبيعية والبشرية، واهتمام بدراسة الشعر والأدب، إضافة إلى كونه راوياً للحديث والفتوى وعالِم بهما.
2 - أحمد بن إسحاق بن عبد الله بن سعد بن الأحوص الأشعري أبو علي، كبير القدر، وكان من خواص أبي محمد (عليه السلام)، ورأى صاحب الزمان (عليه السلام)، وهو شيخ القمِّيين، ووافدهم، وله كتب منها: كتاب (علل الصلاة) كبير، و (مسائل الرجال لأبي الحسن الثالث (عليه السلام). أخبرنا بها الحسين بن عبيد الله وابن أبي جيد عن أحمد بن محمد بن يحيى العطار عن سعد بن عبد الله عنه.
3 - الحسين بن شكيب المروزي، المقيم بسمرقند وكَشّ، عالِم متكلم مصنِّف للكتب.
4 - داود بن أبي زيد من أهل نيسابور، ثقة صادق اللهجة من أصحاب علي بن محمد الهادي (عليه السلام)، وله كتب ذكرها الكشي وابن النديم في كتابيهما.
5 - سعد بن عبد الله القمي، يكنّى أبا القسم، جليل القدر، واسع الأخبار، كثير التصانيف، ثقة. فمن كتبه كتاب (الرحمة)، وهو يشتمل على كتب جماعة، منها: كتاب الطهارة، وكتاب الصلاة، وكتاب الزكاة، وكتاب الصوم، وكتاب الحج، وكتاب جوامع الحج، وكتاب الضياء في الإمامة، وكتاب مقالات الإمامية، وكتاب مناقب رواة الحديث، وكتاب مثالب رواة الحديث، وكتاب في فضل قم والكوفة، وكتاب في فضل عبد الله وعبد المطلب وأبي طالب (عليه السلام)، وكتاب بصائر الدرجات (أربعة أجزاء)، وكتاب المنتخبات (نحو ألف ورقة)، وله فهرست كتاب ما رواه، أخبرنا بجميع كتبه ورواياته عدة من أصحابنا عن محمد بن علي بن الحسين بن بابويه عن أبيه، ومحمد بن الحسن عن سعد بن عبد الله عن رجاله، قال بن بابويه: إلاّ كتاب المنتخبات فإنِّي لم أروها عن محمد بن الحسن إلاّ أجزاء قرأتها عليه وألمحت على الأحاديث التي رواها محمد بن موسى الهمداني، وقد رويت عنه كل ما في كتاب المنتخبات مما أعرف طريقه من الرجال الثقات، وأخبرنا الحسين بن عبيد الله وابن أبي جيد عن أحمد بن محمد بن يحيى عن أبيه عن سعد بن عبد الله.
6 - صالح بن أبي حماد، له كتاب، رويناه بالإسناد الأول عن أحمد بن أبي عبد الله عنه.
7 - علي بن الحسن بن فضال، فطحي المذهب، ثقة، كوفي، كثير العلم، واسع الرواية والأخبار، جيد التصانيف غير معاند، وكان قريب الأمر إلى أصحابنا الإمامية القائلين بالاثني عشر، وكتبه في الفقه مستوفاة في الأخبار، حسنة وقيل إنّها ثلاثون كتاباً، منها كتاب الطب، وكتاب فضل الكوفة، وكتاب الدلائل، وكتاب المعرفة، وكتاب المواعظ، وكتاب التفسير، وكتاب البشارات، وكتاب الجنة والنار، وكتاب الوضوء، وكتاب الصلاة، وكتاب الحيض، وكتاب الزكاة، وكتاب الصوم، وكتاب الرجال، وكتاب الوصايا، وكتاب الزهد، وكتاب الحج، وكتاب العقيقة، وكتاب الخمس، وكتاب النكاح، وكتاب الطلاق، وكتاب الجنائز، وكتاب صفات النبي (صلى الله عليه وآله)، وكتاب المثالب، وكتاب أخبار بني إسرائيل، وكتاب الأصفياء، أخبرنا بجميع كتبه قراءة عليه أكثرها والباقي إجازة، أحمد بن عبدون عن علي بن محمد بن الزبير سماعاً وإجازة عنه).
8 - (الفضل بن شاذان النيسابوري، فقيه متكلِّم جليل القدر، له كتب ومصنّفات، منها كتاب الفرائض الكبير، وكتاب الفرائض الصغير، وكتاب الطلاق، وكتاب المسائل الأربع في الإمامة، وكتاب الرد على بن كرام، وكتاب المسائل والجوابات، وكتاب النقض على الإسكافي في الجسم، وكتاب المتعتين: متعة النساء ومتعة الحج، وكتاب الوعيد والمسائل في العالم وحدوثه، وكتاب الأعراض، والجواهر، وكتاب العلل، وكتاب الإيمان، وكتب الرد على الدامغة الثنوية، وكتاب في إثبات الرجعة، وكتاب الرد على الغلاة، وكتاب تبيان أصل الضلالة، وكتاب التوحيد من كتب الله المنزلة الأربعة، وهو كتاب الردّ على يزيد بن بزيع الخارجي، وكتاب الردّ على أحمد بن يحيى، وكتاب الرد على الأصمّ، وكتاب الوعد والوعيد، وكتاب الحسنى، وكتاب الردّ على يمان بن رباب الخارجي، وكتاب النقض على من يدّعي الفلسفة في التوحيد والأعراض والجواهر والجزء، وكتاب الرد على المثلثة، وكتاب المسح على الخفّين، وكتاب الرد على المرجئة، وكتاب الرد على الباطنية والقرامطة، وكتاب النقض على أبي عبيد في الطلاق، وكتاب جمع فيه مسائل متفرِّقة لأبي ثور والشافعي والأصفهاني وغيرهم، سماه تلميذه علي بن محمد بن قتيبة كتاب الديباج، وكتاب مسائل البلدان، وكتاب التنبيه في الجبر والتشبيه وله غير ذلك مصنفات كثيرة لم تعرف أسماؤها. وذكر ابن النديم أنّ له على مذهب العامّة كتباً كثيرة، منها كتاب التفسير، وكتاب القراءة، وكتاب السنن في الفقه، وإن لابنه العباس كتباً، وأظن أنّ هذا الذي ذكره الفضل بن شاذان الرازي الذي تروي عنه العامة، أخبرنا برواياته وكتبه هذه أبو عبد الله المفيد (رحمه الله) عن محمد بن علي بن الحسين بن بابويه، عن محمد بن الحسن، عن أحمد بن إدريس، عن علي بن محمد بن قتيبة، عنه، ورواها أيضاً محمد بن علي بن الحسين بن بابويه، عن حمزة بن محمد العلوي، عن أبي نصر قنبر بن علي بن شاذان، عن أبيه، عنه).
9 - (محمد بن الحسن الصفار، قمي، له كتب مثل كتب الحسين بن سعيد، وزيادة كتاب بصائر الدرجات وغيره، وله مسائل كتب بها إلى أبي محمد الحسن بن علي العسكري (عليه السلام)، أخبرنا بجميع كتبه ورواياته ابن أبي جيد، عن ابن الوليد، عنه، وأخبرنا بذلك أيضاً، جماعة، عن ابن بابويه، عن محمد بن الحسن، عن محمد بن الحسن الصفار، عن رجاله إلاّ كتاب بصائر الدرجات فإنّه لم يروه عنه ابن الوليد، وأخبرنا به الحسين بن عبيد الله، عن أحمد بن محمد بن يحيى، عن أبيه، عن الصفار).
إنّ هذه النماذج من العلماء الذين رووا عن الإمام العسكري (عليه السلام)، وتتلمذوا على يده، وأخذوا عنه، وتربّوا في مدرسته ومدرسة آبائه، وساهموا في إنماء العطاء العلمي في مجال الفقه والتفسير والرواية والعقيدة والأدب، والجغرافية، وغيرها من العلوم والمعارف، لتدلُّ على سعة هذه المدرسة، والتخرج منها في كل فنٍّ وعلم، كما تدلّ على مكانة الإمام العلمية وسموّ مقامه.
التعليقات (0)