تحبو الفتنة في أحضان الفوضى ... النظام متعبٌ لكنه أنفع ... وهوالفانوس الذي يستهدي به المنجزون ... وفي معاداته تخلّف ورجوع سريع ... مراعاته مشقة لذتها لا بد آتية ... رأيتها أولم ترها .
خطوة مباركة قام بها المأتمان وأصحاب النفوس النبيلة من الداعين إلى التلاحم في خطى عاشوراء ... وخطوات كهذه تحتاج لإتمام ومتابعة ... الخطباء يستوعبون الوقت بمجالسهم ... ليس كل اللوم عليهم ... بعض اللوم على طريقة التعاقد ... فهي لا تراعي ولا تضع المأتم الآخر بعين الإعتبار ... وتُعطي للخطيب الحرية التامة لاستنفاذ الوقت ... ويحدث الخلل المتعب ... فترى أحد المأتمين لا يؤدي عشر دقائق داخل المأتم ... ويضطر للخروج ... بينما الآخر يقضي ما يربو على الساعة في انتظار موعد خروجه حسب التزامه مع المأتم الثاني ...
في الأربعين لي قصيدة أديتها في مأتم السنابس ... يالهواشم جينه وادي كربله ... أنهيتها ودعمتها بثلاثة موشحات متتالية ... بانتظار وصول الموكب الآخر ... ولم يأت بعد ... أعدت الموشحات مرة أخرى ... حتى تعب وكل المعزون ... تجاوز الوقت الساعة الكاملة ... وما جاء الموكب المنتظر ... إلا وقد أجهد المعزون ...
مثل هذه الواقعة حدث كثير ... وهي بالفعل تؤثر سلباً على حركة التنسيق الطيبة ... وقد تساعد على عكس النتائج ... فهذا الإنتظار ... وتلك العجلة في المأتم الآخر تشحن النفوس تحاملاً ... في حين تكون العملية لمرة واحدة يمكن التغاضي عنها ... ولكن عند تكرارها لمرات ... فهذا دليل سوء التنظيم ...
بعد اللُتيا والتي تلوح مقدمة الموكب ... لوحة خشبية متباركة بآية ... الله نور السموات والأرض ...موكب عزاء مأتم بن خميس ... لها قائمتان خشبيتان ... يحملها من كل جهة فرد ... ويضعانها حين التوقف ... حين يأمرهم من يسير الموكب ويحركه ... في ظهر اللوحة صندوق خشبي ... يوضع فيه جهاز تسجيل ... يعبأ الجهاز بشريط قرآن أو مجلس نعي أو إحدى خطب الأئمة ...
أسوأ ما في الأمر أن يدار شريط القرآن ... ومقدمة الموكب تشق أفواج الناس المنشغلين بالأحاديث الجانبية ... غير دارين بكتاب الله ... ظاهرة تحتاج لإعادة النظر فيها ... كمظهر أولي ممتاز أن تتعطر المقدمة بآيات من القرآن الكريم ...وكصورة ثانية ليس مكان القرآن بين اللغط وزحام المتكلمين ...
وللموكب مؤخرة مكونة من قماش كتب عليها (مؤخرة الموكب) ... ولهذه المؤخرة قصة ...يحكون لنا أنَّ مجموعة جاءت وكونت موكباً ... وسارت خلف الموكب يوم العاشر من محرم ... في إحدى السنين الخوالي ... في الخمسينات أو الستينات ... تعرضت المجموعة في قصائدها للحكومة ... استدعى الأمن القائمين على الموكب وعاتبهم معنفاً ... نفو ارتباطهم وعلمهم بهذه المجموعة ... وأنهم أقحموا أنفسهم على الموكب عنوة ...ليثبت الأمن سيطرته على الوضع ألزمهم بوضع مؤخرة للموكب ... بيرغ من القماش ... لا يسمح لأحد بالتسلل بينه وبين الموكب ...
ويستمر بنا الركب نقدم القصيدة تلوَ الأخرى ... موكباً بعد موكب ... وفي ذكرى وفاة الرسول (ص) قدمت وقفة تعتمد في نسج أبياتها على وزنين ... أقدم الوزن الأول ... قل للذي جاء لها بظلمه الأعمى ... وبعد استنفاذ الوزن الأول بأبياته ... أنتقل إلى الوزن الثاني ... اليوم قد مات النبي فما يكون ...وبهذا أصبحت الوقفة ذات تأسيس جديد ... يعتمد على وزنين ... دون التزام بهذه الطريقة على الدوام ... وكان هذا في عام 1412هـ .
ربّما اعتقد البعض أنّ مد البدعة لأصحاب السفارة قد اضمحل ... كلا كان يتنامى ... ولا بُدّ من مواجهته ... الكثير من الرواديد نددوا بها في قصائدهم ... هذه البدعة الخارجة من جلباب الدجل ... هاجمتها بوقفة قدمت فيها نبذة تفصيلية لكل الذين ادّعوا الإرتباط بالإمام الغائب كذباً .. كالعبرتائي والشلمغاني والبهائي وغيرهم ... جاءَ لنا ببدعةٍ مجرم ...والكل عن بدعته يعلم ... كاذبٌ كاذبٌ كاذب ...
والكتابة بهذه الطريقة كالبحث ... تحتاج إلى جهد مضني في تدوين المعلومات وتبويبها ... أما إدراج الأسماء في الوزن فذلك الصعب والقلق ... ولكن ليس هناك مستحيل ما دامت الإرادة حاضرة ... وبمثل هذه الصعوبة تكون صعوبة تحويل النص المشهور في قالب الشعر ... كالخطب المشهورة ...
ولم أجد الصعب عائقاً ولم تكن العزيمة هامدة ... قسطاً لا بأس به من خطبة الصدّيقة الزهراء (ع) ضمنته في قصيدة ... واألماه وافاطماه ... ومنها هذه الفقرة ... الحمد لله بما قد قدما .. والشكر لله على ما ألهما ... بالملكة والقدرة الأدبية يمكن تطويع النصوص في القالب الشعري ... المهمة صعبة غير مستحيلة ... على الشاعر عدم اليأس من المحاولة ... تقديم الكلمات وتأخيرها ومحاولة تنضيدها في الوزن برويةٍ يُعطيه نتائج حسنة ... فما ليس ممكناً بشكل ما ... يكون ممكناً بالشكل الآخر ...
نحن في مواكبنا لا نهمل قضايانا المصيرية ... مع أننا نواجه التقريع من الجهات الأمنية ... ولا تجدنا إلا ونجد روابط كثيرة بين مآسينا ومناسبات الحزن الكثيرة في حياة أهل البيت (ع) ...فمن صبر الزهراء نُعزز الصبر العام على تحمل الوجع المعيشي ... ومواجهة اسرائيل المعتدية الشرسة ...
بهذه الإندفاعة الحارّة كتبت وقفة وقدمتها ... صبر الزهره نموذج توعوي ... لسنا أصحاب دموع جوفاء ... لا تعرف إلا البكاء الفارغ ... أحزاننا تبعث الوعي في آفاقنا ... وننطلق منها نعالج كل ما نلاقيه بها ...
ونشير من أوجاع أهل البيت (ع) إلى أوجاعنا ... في ذكرى الكاظم (ع) السجين ... تنفتح أمامنا قوافي الشعر كالفضاء الرحب ... فلنا معتقلون غير منسيين في سجون عبّاسية ... إلا أنها حديثة ... وعلى ثغرنا لمحة شجن لا تنمحي ... ولهؤلاء السجناء أبناء ينتظرون ... يُراقبون الفجر ... يُعانقون السُهاد ... بهذه المشاعر كتبت موشحاً ... صرنا يا الكاظم يتامى ...
زحفت الكلمات تصور إحساس الابن بحنان الأب ... الناس ليها الأبو ... عزّ وعليه تعتمد ... بينما في الشطر الثالث أعمد إلى تغيير كلمة القافية فأقول ...عز وعليه تتكل ... وهذا نوع من تحريك القوافي ... وإبداء المقدرة في إيجاد القوافي البديلة لمجموعة أبيات ... ويحتاج هذا النوع لسعة حصيلة بالمفردات والمعاني ... ليتمكن الشاعر من إنجاز نصه ... وفي هذا النص لامست مشاعر أبناء المعتقلين ... وترجمتها للناس ... وحقاً في كثير مما عاناه أئمتنا شبه بما يُزجيه لنا ظالمونا ...
التعليقات (0)