الزمن كفيل بصناعة المتغيرات ... وبأخذنا من حدث لغيره مختلف ... وإن كان الزمن جامدا ونحن الذين ندير دفته ... ونصنع منه بطلاً يحرك الأحداث ... نحن نتغير فنغير الزمان ولاغير ... إنما الزمن تمثال تحركه أيدينا كبيادق الشطرنج ... نصنع منه السعادة ... ونلقي على أنفسنا به التعاسة والبؤس ... ونعيب زماننا وما لزماننا عيب سوانا ...
في الثمانينات المتصرمة للمشاركين في الموكب طاقة جبارة تستحق إلقاء النظر عليها ... في أيام العشرة يشاركون في الموكب على مدى أربعة أيام متوالية من السابع حتى العاشر ... يضاف لهذا إضافات من جوانب ... يوم الثامن عصرا يشاركون في موكب (أبو قوة) ... كموكب اضافي ... مع وجود الموكب الأساسي في السنابس ... ينقسم المعزون إلى فريقين ... فريق في السنابس وفريق في( أبو قوة) ... ولايكاد النقص يبدو في أي من الموكبين ... ويوم العاشر صباحاً يشاركون في (المعامير) ...
(المعامير) قرية واسعة طرقها ... عند خروجك بالموكب تشعر كأنك حبة رمل في صحراء من سعة فضائها ... ويوم التاسع صباحاً يشاركون في كرباباد ... ويبقى الموكب ليلاً وعصراً كما هو دون تأثر بالمشاركات الجانبية ... المشاركة في المواكب الأخرى للقرى المجاورة تعد دفعاً لعجلة التعاون على البر والتقوى ... واظهارا لصور التلاحم والتآزر.
مشاركاتي متتالة ومتعاقبة ... بين مأتم الشباب والكبار ... كان الصوت في ميعة الصبا ويسعفني ... إلا أنه أوصلني إلى التاسع من المحرم وبحت حباله ... يوم الثامن أثناء الذهاب إلى (أبو قوة) قمت بالمشاركة في موكب المسير طول الطريق ... وعقبت بعد هذا بالمشاركة في ليلة التاسع الطريق بأكمله ... كانت القصيدة ذات مطلع حماسي ... ثورة الأكبر المدى الأعوام ...
في مناسبات صفر نحيي الوفيات في مأتم عبدالإمام ... بنشاط متصل لا يعرف تطلعاً للانقطاع ... وهاقد أصبحت تلميذا في مدرسة جدحفص الصناعية ... في قسم الخراطة كنت ... الدروس العملية تكون في المساء ... من العصر حتى الغسق في الليل ... ليلة وفاة الإمام الحسن الزكي (ع) ... الوقت يمضي براحته بطيئاً كأنه يتعمد إغاضتنا ...
أنتظروقت الإنصراف ... للذهاب للموكب ... الأعصاب مشدودة متوترة ... القلق والإنتظار جعلاني على شفا جرف من الأنفعال ... ولأقل المنغصات ... كانت النتيجة شجاراً حاداً بيني وزميل لي في نفس الصف ... ألقيت على رأسه قطعة من الحديد الصلب ... وبادلني الضربة بلكمة فوق فكي ... نتيجة الإعتصار الواقع على الذهن خلف تشنجاً في الأعصاب أدى إلى عدم التحمل ...
لربما حملنا الظروف تبعة مايرد علينا من سوء ... ولم يكن السبب سوى التوتر ... وعدت لمنطقتي لإحياء المناسبة في مأتم عبدالإمام ... القصيدة أفرغتها من شريط (عبدالرضا النجفي) ... هذا الرادود له إنطباع خاص في ذاتي ... ولصوته لمسة مميزة في روحي ... سمعت كل ماوقع في يدي من إنتاجه المبدع ... حنجرته ذات الصوت الجهوري الرخيم لا تجد لها مثيلاً إلا القليل ... إذا توجه للرثاء جر لنفسك إلتياع التحسر ... وإن أنحنى على قصائد الحماس وجدت اللهب يتطاير من أدائه ... وفي صوته تغريدة لم أسمعها من الرواديد العراقيين ... هومن يجيدها فقط.
يرفع صوته بطبقة الجواب وجواب الجواب فيسلب الألباب بشجاه ... وقصائده شهوده لاماأقول ... تتنوع الأنفاس في ألحانه وطرائقها ... لذلك كان الإبداع مسلساً له قياده منقادا في يده ... قصيدته في الحسن المجتبي (ع) تقول ... ذاب الحسن قلبه ... آيس من حياته ... شبلك يابو السبطين ... قام يودع حسين ... ألقيتها بنفس اللحن والكلمات ...
حين ذاك كان العزاء البحراني يعول على الإنتاج والأسلوب العراقي ... فجل قصائدنا نقتبسها ونستقيها من العزاء العراقي ... حتى الكلمات معظمها تجد فيها النفس العراقي واللهجة العراقية ... تبعاً لهذا يكون حتى أسلوب ممارسة العزاء قريباً من الأسلوب العراقي إن لم يكن أغلبه من هناك ...
ولفترة طويلة طبعت ثقافة العزاء العراقي ملامحها على مواكب وألحان وشعر العزاء البحراني ... وللراوديد الكبار مثل (عبدالرضا) الرادود وأقرانه دور في تغذية المواكب بالكثيرمن العطاء حينها ...
في مرة أخرى أستعنت بقصيدة له أخرى ... وألقيتها باللحن السابق في مأتم السنابس ... وإن كان هو جاء بها في الشريط بطريقة مختلفة جداً ولا تقل تأثيرا عن الطريقة السابقة ... القصيدة بمناسبة ذكرى الأربعين ... ياحيدر الطيبين بالغربة عافوني ... في كربلاء وحدي ... ولا أخو تم عندي.
... أستغليت وحدة الوزن في القصيدتين ... فساوقت بينهما واستبدلت لحنه ... وألقيتها وكانت جميلة رائقة ... مأتم السنابس لا يحيي سوى أربعة أيام في محرم الحرام وثلاثة في سواه ... هي ذكرى الأربعين ... ووفاة الرسول (ص) ... ووفاة الإمام علي (ع) ... في تلك الأيام كثير من المآتم لا يحيون وفيات الأئمة عليهم السلام ... الإحياء كان مقتصرا على وفيات الأئمة في صفر فقط عند البعض وليس الكل ...
لم يكن العزاء بنسبة كبيرة ... حتى نسبة الوعي لم تكن متوفرة ... فالصحوة لازالت في باكورتها ... وببركة الثورة الإسلامية ... النفوس تحتاج لهزة بين الفترة والأخرى لإيقاظها من غفوتها ... ركام الغفلة والتغافل يعلق بالنفس ويحجبها ... الظاهر أن الثورة الإسلامية كانت هزة عنيفة أيقظت السادرين في سباتهم ... وأرجعتهم إلى جادة الصراط المستقيم ... وأثرت الإحساس بالمسؤلية وأماطت حجب الجحود ... ونقلت الناس من فترة خاوية من الإحساس إلى زمن تترقرق فيه جداول الأريحية الإيمانية...
التعليقات (1)
شاكر حبيب
تاريخ: 2008-02-19 - الوقت: 04:14:49شكراً أبو علي على المقال بس مو كأنك ما ذكرت الرواديد القادمة مال قبل في ماتم بن خميس و حتى السنابس من كان قبلكم ؟