ماكان المسرح الحسيني من في إبداعاته وتطوراته من تصميم القرن العشرين أو الواحد والعشرين، أو القرن الرابع عشر الهجري، ولكنه كان قديما جدا حتى لو لم يتحدد لنا وقت إقامة هذا المسرح العريق والذي يشاهده الآلاف ولربما الملايين من الناس.
هذا المسرح آخذ في النمو كما تنمو البذرة منذ وضعها تحت التراب وحتى تحولها إلى شجرة متينة صلبة لها جذورها في الأرض وفروعها تسمو في السماء، فالمسرح الحسيني اليوم أخذ في التوسع الكبير جدا في مختلف مناطق العالم الإسلامي ذات التواجد الشيعي، بل حتى تلك المناطق التي يقطنها المغتربون الشيعة فإنهم أخذوا أيضا نصيبا من التمثيل ومسرحة العزاء الحسيني.
البحرين هي إحدى تلك الدول التي تقدم أفضل مالديها من إبداعات، والإنسان البحراني عرف بقدراته الكبيرة في الإبداع والتجديد وهذا يمكن معرفته حتى من العهود والأزمنة السابقة عند هذا الإنسان، والإسلام الحنيف قد حث على الإبداع والتجديد في المتغيرات مما أثر تأثيرا إيجابيا نحو التطوير والعمل المبدع.
بدأ المسرح الحسيني منذ وقت طويل في البحرين ولازال قائما حتى اليوم بتطوره الكبير، وستجد الإعلانات تملأ مساحات شاسعة على لوحات الإعلانات وعلى الجدران في كل مكان تتحدث عن هذه المسرحية الحسينية أو تلك في مناطق متعددة في البحرين، كما ستجد أن الحضور لهذه المسرحيات حضور منقطع النظير.
ويمكننا أن نقسم المسرح في البحرين إلى عدة أقسام أهمها:
1.المسرح الثابت: ويندرج تحت هذا القسم قسمان فرعيان وهما:
- المسرح الخشبي.
- المسرح الأرضي.
هذان النوعان أخذا في التوسع بعد أن كانت مناطق قليلة جدا تقيم المسرحيات على هذه المسارح، فلو رجعنا بالذاكرة قديما لوجدنا أن السنابس مثلا كانت تقيم مسرحية " عزاء بني أسد " والتي شارك فيها عدد من الخطباء المشهورين وعلى رأسهم سماحة الشيخ عبدالوهاب الكاشي وغيره من الخطباء اللامعين، وفي الآونة الأخيرة قامت على سبيل المثال جمعية التوعية الإسلامية بالتعاون مع بعض المؤلفين، وبعض المخرجين بعمل مسرحي ضخم نال إعجاب الجمهور جميعا خصوصا في مسرحية " الملحمة الحسينية " التي أقيمت على مسرح النادي الأهلي، وقد قامت عدد من الجمعيات واللجان الحسينية بعمل مسرحيات متنوعة وفي قاعات متعددة سواء كانت قاعات المآتم خصوصا الواسعة منها أو القاعات التي يتم استئجارها، كما أننا نشاهد اليوم كثرة الأعمال المسرحية على الأرض وقد أقيمت عدد كبير من تلك المسرحيات في مختلف مناطق البحرين، وقد حضر آلاف المشاهدين لمشاهدة ذلك النوع من المسرحيات والتي غالبا ماتحتوي على وجود الخيول، والأطفال، والمخيمات وغيرها في تصوير لمأساة كربلاء.
2.المسرح المتحرك:
وهذا النوع من المسرح أخذ أيضا في التنويع والإبداع بالجديد حيث أن عددا من المناطق التي تقيم مواكب العزاء نهارا حاولت إضافة هذا النوع من المسرح الذي تؤثر مشاهده في المشاهدين أيما تأثير، وستجد أن " السبايا " هي السمة الغالبة على هذا النوع من المسرح، وقد كان قديما صغيرا جدا حيث كان يحتوي في الأغلب الأعم على مجموعة من الأطفال الصغار يلبسون ثيابا خضراء محاطين بحبل وهم يرددون عبارات مثل " العطش العطش ياعمتاه " " هذا الوداع ياحسين " وغيرها من العبارات، كما كانت الجمال والخيول تتقدم الموكب في إشارة واضحة لموكب سبايا أهل البيت (ع)، ولكنه اليوم توسع ليصبح تمثيلا لأجزاء من واقعة الطف حيث الجمال وعليها بعض الأطفال، بل لعلك تشاهد " يزيد " جالسا على كرسي الحكم ومن حوله جلاوزته وهم يضربون الأطفال والنساء والأيتام الذين يعبرون عن حالة أطفال وأيتام ونساء الحسين (ع)، وستجد بينهم من يمثل صورة الإمام السجاد (ع) وهو مقيد بالسلاسل والحديد ومع ذلك فإنه يضرب بسوط على بدنه، وهكذا تتسع صورة تلك المشاهد الكربلائية المأساوية، وستسمع من هنا وهناك ولولات وبكاء خصوصا من الأمهات والنساء الجالسات على جانب الطريق.
3.الموكب الممسرح:
كعادتها في الإبداع فإن منطقة السنابس طرحت فكرة جديدة في المسرح الحسيني وتحديدا ليلة العاشر حيث العزاء الممسرح كما يعبر عنه القائمون عليه، وستلاحظ آلافا عديدة تحضر ليلة العاشر لتشاهد مشهدا لايتجاوز عشرين دقيقة في الأغلب الأعم، إلا أنه ولأهمية المسرح ولتأثيره على المستمعين فإنهم يحرصون على الحضور لمشاهدة ذلك المشهد الذي غالبا مايكون مفجعا، وتتلخص الفكرة في أن فقرات موكب العزاء تنصب على الجانب المأساوي في كربلاء، وفي أثناء مسيرة الموكب ووصوله إلى موقع المسرح فإن فقرة الموكب تكون حول الجزء القادم من المسرحية، ولحظات بعد توقف الموكب تبدأ المسرحية التي يتفاعل معها الكبار والصغار، ولست أدري هل أن هذه الطريقة متبعة حاليا في مناطق أخرى في البحرين أم مازالت تختص بها قرية السنابس.
ملاحظات على المسرح الحسيني في البحرين:
تقام المسرحيات في عدد من مناطق البحرين المتقاربة أحيانا مما يحير المشاهدين لأي مكان يذهب وأي مسرحية يشاهد!
مايزال الجانب الفني بكل محتوياته ضعيفا في تلك المسرحيات الحسينية ولم يجد تطويرا حقيقيا حتى الآن، وذلك على مستوى الصوتيات، أو الأضواء، أو حتى على مستوى تصوير المسرحية بكاميرات فيديو غير مناسبة وغير ذلك من الأمور.
هناك ضعف عام في أرشفة أعمالنا الحسينية على كافة المستويات، وأحد تلك الأمور هو ضعف أرشفة المسرحيات الحسينية.
الإقتصار على الإعلام الداخلي للمسرحيات دون إخراجها إلى العالم الآخر والمناطق الأخرى في العالم الشيعي، وسنجد أن هناك العديد من الإنتاجات اللبنانية التي تصلنا إلى البحرين، ولكن تنعدم إنتاجاتنا في لبنان مثلا.
كما لايزال عرض المسرحيات مقتصرا على البحرين دون أن يمتد هذا العرض إلى خارجها في دول الخليج أو غيرها.
لايوجد اهتمام حقيقي لكتابة نصوص المسرحيات تلك وإخراجها في كتب ليتم الإطلاع عليها ونقدها من قبل الآخرين، فهي تبقى حبيسة المنطقة دون أن تجد لها أفق آخر.
خاتمة:
كلي أمنية أن يتم الإهتمام الكبير بالمسرح الحسيني كمسرح مستقل لما يحتويه من إنتاج كبير جدا، وإنتاج مبدع متجدد دائما لاتنطفئ عطاءاته، كما أتمنى أن تنشئ رابطة، أو جمعية تهتم بهذا النوع من الفن وتهتم بالفنون التمثيلية والسينمائية الأخرى.
التعليقات (0)