منذ أيام أحسبها قليلة كتبتُ مقالا في حلقتين عن موضوع شائك ومعقد بدا لي منذ الوهلة الأولى أنه السير حافياً في حقل ألغام لا يُمكن التنبؤ بلحظة انفجاره وتطاير شظاياه .. زعمتُ أني ألقيتُ حجراً كبيرا في راكد مائه ، وزعم آخرون أنه كدّر صفو هذا الراكد وأقض مضجعه ولم يحركه إيجاباً بل ساهم مساهمة مباشرة في نزحه ونضوبه .. قلتُ الكثير في تعقيباتي وقال غيري أكثر فمنهم من رحب بي وبالمقال ، ومنهم من أقصانا ، فلهما كل الشكر .. هنا لا بُد لي من تسجيل شكري وامتناني لمن تفهمني وقرأ الحسَن في نيتي وأخص بالشكر تلك المكالمات الهادرة على جوالي ( المغبر ) والتي بادر فيها أحبة من كتاب وأدباء للوقوف معي وتقديم شيكات على بياض لمؤازرتي بما يرونه وأراه مناسباً في حملةٍ هم حسبوها – ولعلي معهم – شلالاً هادراً انطلق نحوي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة مني إلا اقتلعها ..
كما وأشكر من لم يتصل بحجة أن هاتفي ربما يكون مراقباً ممن انتقدوني فيدخل معي المشرحة برجليه ،، أيضاً أشكر كل العيون التي اغرورقت بالدموع من أجلي وهي تقرأ هذه الشتائم من هنا وهناك ، طبعاَ أئمتنا علمونا بسيرتـهم العملية أن نصفح ونسامح مهما كان الصخر الجاثم على صدورنا ثقيلاً وعنيفاً .. ولذا أعلنها مدويةً عالية أني ومهما صورني البعض وحط من قيمتي وأحل لنفسه المساس بشخصي وكيل التهم والشتائم والسباب لي ،، أقول لي حقٌ عليهم أمام الله جلت قدرته لا أقول بأني سأحاكمهم يوم القيامة لا .. بل أصرخ بملء صوتي أني متنازل ومُسقط لهذا الحق وأسال المولى أن يصفح عنهم فإني مسامحٌ لمن أخطأ بحقي ولمن سيخطئ لاحقا ، هكذا ربّانا أئمتنا .. وأخص بالمسامحة بعض إخواني الأدباء الذين نشروا صك براءة على إحدى الفضائيات ودعاية لهم في نفس الوقت : ( أنا الشاعر فلان الفلاني أشجب ما ورد في مقال فلان ) ..
والآن لأعد لنقاط رأيتُ أن أوضحها في مقالي بحلقتيه ..
أولاً : انتفض كثيرٌ من الأحبة وتأثر تأثرا كبيرا بافتراض أني أسأتُ لرادود شهير هو في نظري – على الأقل - كان ولمّا يزل ناذراً نفسه لخدمة أهل البيت عليهم السلام وأنا لن أقبل يوماً أن أقابل الله سبحانه وله تبعةُ عليّ في هذه الجزئية والتي أزعمُ أنني لم ولن أسيء لهذا الرادود الموقر .. ولكن مع كل أسفٍ سحب كثير من الإخوة كل السلبيات والاستشهادات وعنوان المقال عليه .. وهذا خطؤهم وليس خطأي .. إشكاليتهم وليست إشكاليتي .. أنا انتقدته - واعتقد هذا من حقي – في جزئية جلب الممثل – دون التعرض لنواياه فهي حسنة بلا ريب – هو يرى أو هكذا قيل لي أن الاستعانة بالممثل بها تقريبٌ للمُراد إيصاله من فكرة وبها إيحاءات تساعده في الوصول بكليبه لشريحة كبرى وبامتداد أفقي يصل إلى الطرف الآخر ليؤثر فيه .. هذا شأنه وهذا تحليله .. نحترمه ولكن نختلف معه فكما أن نيته حسنة فكذلك نيتنا حسنة في الاختلاف معه ورأيي وكثير معي أن هذا المبدأ لا يخدم هذه الجنبة بقدر ما يؤسس لفكرةٍ جديدة أزعم أنها ستنعكس سلباً في قلوب الناشئة .. ربما استطاع هو لجمها ووضع الخطوط الحمر المناسبة لها ولكن رواديد آخرين سينزلقون بها إلى مستوى لا نقبله خاصة مع قصر التجربة من قبل بعضهم والدخول لهذا المجال من قمته إذ لم يتدرجوا في سلمه درجة درجة الأمر الذي يُلين ما خشن من نظرتنا تجاه هؤلاء الممثلين ..
ربما أطنبتُ في هذه الجزئية ولكنها تستحق ذلك إذ لولاها ولولا سحب كل ما قيل في المقال على رادودنا العزيز لما تلقيتُ هذا السيل الهادر من النقد .. وأعلنها للمرة الأخيرة ومن صدقني فبها ، وإلا فهو حُر فليس عندي ما أضيفه : أني ما انتقدته إلا في هذه الجزئية وأزيد هنا اختلافي معه في كليب آخر الذي يظهر فيه خيال رجل يتمايل كراقص البالية فهذا أرفضه أيضا وباقي المقال بعنوانه لا ينسحب عليه ، أعلم أن أصواتاً ستخرج هنا من قبيل ( هذا تراجع أو الرجل تأدب عندما أمطرناه سيلا من النقد ) فليقولوا ما يشاءون ، ما قصدتُه في مقالي قُلته وما رأيتُ أن به ابراءً لذمتي شرحته ، من أراد تفهمي فذاك ما أريد ومن لم يرد فهذا شأنه .. ومن أسفٍ شرحُ المشروح ولكنه قدري ..
ثانيا : ورد في المقال لفظ ( فور علوز ) .. ضحكتُ كثيرا ( حتى تشردغت على ظهري ) عندما سمعتُ من يُفسرها بأنـها تقصد قناةً بعينها لأن بـها لفظ ( فور ) وهذه غريبة الغرائب وعجيبة العجائب .. فلنعد للموضع الذي أدرجتها فيه إذ قلتُ وبالحرف الواحد ( ولن أتحدث بتفصيل ممل عن رسائل sms التي تتناقز على شاشة التلفزيون مثل «فور علوز» ) .. هذه المفردة أيها الأحبة هي مفردة من اللهجة المصرية الدارجة وتعني الأراجوز أو الشخص الذي يتنطط من مكان لآخر فأنا وصفتُ بها الرسائل بأنها تتناقز مثلما يتناقز ( فورعلوز ) وباستطاعة من يقرأ مقالي هذا أن يسأل أقرب مصري لديه فإن أجابه عكس ما قلتُ فليسطرني .. فلستُ معنياً بطرح اسم قناة بعينها وكذا على عينك يا تاجر .. فهذا ليس من ديدن أي كاتب ، ثم انتقادي في هذه الجنبة ( وأرجو ألا يكون لمفردة " جنبة " معنى آخر فأتوهق ) أقول انتقادي كان منصباً على الرسائل وما تحمله من عبارات غير لائقة ،، وحديث عن خصوصيات لا يستحسن نشرها على الملأ هكذا .. فتركيزي منصبٌ على مرسليها ، أما قنواتنا الفضائية ورأيي فيما تعرضه فلعل لي عودة أخرى للكلام حولها بمقالات مستقلة
ثالثا : بقية الأمثلة التي أوردتها من أناشيد وجلوات هي من لحن الغناء تماماً وتصفيق ووقوف على الأرجل من الحاضرين وتنطيط يُحط من مقام مجالس الحسين المقدسة وأقصد هنا ( الحسينيات ) فهذا أُصر عليه ففتوى علمائنا الأجلاء تصرح بأن هذا العمل إن كان به إهانة للمكان فهو محرم قطعاً ، ليس التصفيق في ذاته وإنما مدلوله ، فافهم .. وهنا انطلقتُ بأن من يعمل هذا العمل هو في أمس الحاجة لطبيب نفسي وما زلت مصراً على مطلبي هذا ، إذ كيف يسوغ لنفسه أن يتنطط أمام الناس بحركات بهلوانية وصراخ عالٍ أقرب إلى ( الجعير ) إلا أن يكون به مس .. أو آخر خرج علينا بثوب ملطخ بالدماء في منظر لم نألفه ولا نرتضيه .. وهنا لا أقصد بعض الرواديد فقط ولكني أسحبها علي أي مُعتلٍ لمنصة ويمارس هذه الممارسات سواء كان رادودا أو غير ذلك ..
رابعا : العجيب الآخر هو انتقادي للملونات والأصباغ التي يضعها البعض فقد رُد علي بقول : ( ماذا تريد أن يخرج الرادود مبهدل ) .. عجيب أنا أعرفُ أشخاصا كثراً لا يضعون ماكياجاً على خدودهم وهم في غاية الترتيب في هندامهم والوقار في حركاتهم والسمت في نظراتهم .. إذن نستخلص هنا أن بإمكان الرجال أن يكونوا مرتبين وغير مبهدلين بدون الماكياج وهذا فتحٌ كبير استطعنا أن نخرج به من هذا النقاش الطوبائي ..
خامساً : أعتذر لسيدي الجليل الفاضل السيد منير الخباز على ما ناله من غمز ولمز بسبب الزج باسمه هنا .. فو الله ما أردتُ إلا الاستئناس برأيه ..
سادساً : البعض تحدث بقوله ما الضير في الابتسامات على وجوه الرواديد هل تريدهم متجهمين .. عجيب : فعلا كما قال عمُنا القديم أبو فراس ( ربنا يبشبش الطوبة اللي تحت دماغه ) :
ونحن أناس لا توسط بيننا
لنا الصدرُ دون العالمين أو القبر
يعني يا عبوسين ومتجهمين أو ابتسامات وضحكات .. لا أحبتي انتقادنا للابتسام في جزئية أن اللطمية تخص الحسين فلا ينبغي أن توجد هنا .. لأني أريدُ الرادود أن يكون ممثلا بارعاً في نقل الصور المراد إيصالها كالشاعر حين يلقي قصيدته إن كان حزنا فحزن .. وإن كان فرحاً فابتسامة ، وإلا لن تصل الفكرة إضافة لعدم مناسبة الابتسام في مصاب زلزل الكون قبل حدوثه وبعده .. يا جماعة الخير نحن نناقش قضية حساسة جدا كان لها الدور الأكبر في تثبيت دعائم هذا المذهب فلن نسمح بخدشها بأي خدش .. إذ لولا تعلقنا بمصاب الحسين عليه السلام لتزلزلت عقيدتنا ..
سابعاً : وإن تعجب فعجبٌ قولهم : إن الطرف الآخر سيَشمت بنا ونحن على هذه الحالة من نقاش واختلاف .. وهل يشمت بنا إن رآنا ننتقد أنفسنا في طريقنا نحو إصلاحها ومراجعتها بين الحين والآخر لنقر الصالح فيها وننفي ما دون ذلك ..
ثامناً وأخيراً : ليعلم الجميع أني لم أطرح هذه الإشكاليات والانتقادات إلا من غرضٍ سامٍ لإصلاحها وتقويم ما اعوج منها وكما قال عمنا عمر أبو ريشة في خطابه لسعد الله الجابري :
شهد اللهُ ، ما انتقدتُكَ إلا طمعاً أن أراكَ فوقَ انتقادِ
اختلفنا كثيراً وأُمطرنا بسباب وشتيمة وظنون سيئة – سامح الله من أطلقها – ولكننا في النهاية نبقى إخوةً همنا وقصدنا الحفاظ على هذه الهوية
ربما تأثرتُ بهذا الكيل الوافي من الشتائم على المستوى الشخصي ولكن حين أعلمُ أن من أطلقها كان هدفه الخوف على مقدساتنا أعذره وأسامحه فسامح الله الجميع ..
هذا ما أردتُ توضيحه من مقالي وما أردت التأكيد عليه وهذا آخر سهم في كنانتي تجاه شرح ما قصدتُه ولكلٍ مطلق الحرية في الإيمان والتصديق به أو رفضه رفضاً قاطعاً والسير قدماً في تخويني خصوصا إذا تأكد أني مسامحه سلفا ..
وكما قال صاحبنا أحمد مطر :
قلتُ ما أعلمه عن حالتي واللهُ أعلمْ
تحياتي
التعليقات (0)