بداية التسعينيات:
تطور الموكب في بداية التسعينيات على يد بعض الرواديد الذين حاولوا إدخال طرق جديدة في الألحان فظهر في أول مرة إلقاء 3 ألحان وأربعة ألحان في العام 1993، تبع ذلك تغيير في الأوزان كذلك، وقد كان لتلك النقلة النوعية تجديد حقيقي للموكب لاقى استحسانا عند الجميع من دون استثناء، وكانت الألحان تبدأ بطيئة ثم تتسرع شيئا فشيئا، وقبل هذه المرحلة طرح أحد الرواديد اللحن البطئ بداية والذي يأخذ في السرعة شيئا فشيئا من دون تغيير في الأوزان.
هذه المرحلة والمرحلة التي سبقتها في الألحان كان الجميع يعي ويفهم أبيات القصيدة، ويستوعب معانيها، ولم يكن هناك تكلف في الألحان على الإطلاق، فالموكب كان يحتوي على اللحن الجميل كما على الكلمة الجميلة المؤثرة.
وقد أشار الكثيرون جدا أن الشريط آنذاك كان له الأثر البالغ في التأثير على نفوسهم لأن الألحان لم تكن مصطنعة، أو مبالغ فيها، كما أن الكلمة كانت تحمل التعابير والمعاني المفهومة المؤثرة.
لكن مع بداية انتفاضة البحرين الأبية المباركة في بدايات العام 1994م، ومع غياب كوكبة كبيرة من الرواديد إما في السجون أو في الغربة، فقد ظهر رواديد جدد حاولوا التجديد في الألحان والخروج بها إلى حيز الواقع فبدأت قصائد الألحان " السبعة " ذات الأوزان السبعة والتي حاول بعض أولئك الرواديد أن يقولوا أنها ليست سبعة أوزان، وإنما 3 أوزان أو أربعة و " كسراتها " وكل ذلك مصطلحات جديدة فلم يعرف موكب العزاء في البحرين أكثر من أربعة أوزان انتشرت في كل بقاع البحرين، إلا أن الألحان الجديدة السبعة بدأت تأخذ في الإنتشار حتى بلغت إلى 12 وزنا ولحنا ـ حسب قول الكثير من الشعراء ـ ، بل إنها فاقت ذلك بكثير في بعض الأحيان!
ولقد تم التحذير منذ بدايات ظهور الألحان السبعة من أن السفينة تبحر في الإتجاه الخاطئ وأنها تؤسس لإبحار نحو عمق البحر والذي يقودها الموج المتلاطم وليس " المقود " وهي لاتسير نحو الشاطئ إلا أن أحدا لم يأخذ هذا الكلام بعين الإعتبار وظل التسابق بين هذا الرادود وذاك، وضاعت الكلمة بين ثنايا الألحان فلا أنت تستمع إلى لحن، ولا أنت تستمع إلى قصيدة، بل خرجت تلك الأشعار المتناثرة عن كونها قصيدة، بل حتى لو بحثت عنها في قاموس الموشحات فلن تجد لها مثيلا ولاشبها.
بدايات التأثير السلبي على الموكب:
بعد أن بلغ الموكب الحسيني في البحرين إلى أعلى مستوياته بفضل الرواديد والأدباء والشعراء والنقاد والمهتمين فإنه بدأ ينحدر انحدارا سريعا نحو الضبابية التي لانكاد نرى من خلالها شيئا فعاش الجمهور على لحن خال في كثير من الأحيان من الكلمة الجيدة لأن الشاعر لايستطيع أن يركز في كتابته بطريقة سليمة لأنه بمجرد أن يستميت في كتابة وزن فإنه ينتقل إلى وزن آخر وإلى مايعرف بالكسرات وهي الأوزان القصيرة ونادرا ماتكون طويلة.
هذا الأسلوب أثر تأثيرا سلبيا في صعود الموكب ، وقد أصبحنا في ماراثون للألحان المتنوعة جعل الكلمة والقصيدة في أدنى مستوياتها.
بعد هذه المرحلة وبعد تلك الألحان المتعددة والمتنوعة، وبعد عودة الرواديد الى الساحة فقد خرجوا مظفرين من السجون وعادوا من الغربة، بدأت مرحلة جديدة أكثر سلبية من التي مضت، ففي المرحلة الجديدة لم تستخدم الألحان المتعددة فحسب، بل أصبحنا أمام ألحان غير طبيعية، يميل بعضها إلى الميوعة سواء على مستوى اللحن نفسه أو على مستوى أصوات بعض الرواديد، كما أن طريقة إيقاع اللحن نفسه في الموكب قد تغير تغيرا جذريا، ولم يكن بالإمكان إعادة تلك القصائد القديمة ذات الألحان البسيطة الجميلة، وأصبحنا أمام حالة غريبة جدا في " ابتلاع " بعض الحروف أثناء إلقاء القصيدة، وهذا قد تعرض له كافة الرواديد من دون استثناء والسبب هو تغيير " إيقاع " الألحان القديمة وإحلال ألحان جديدة كانت أشبه بالتخديرية منها إلى الثورية والحماسية، أو إلى الحزن والخضوع.
بل أصبح اللحن أولوية كبرى عند بعض الرواديد حتى وإن سبب ذلك لضياع القصيدة، وإن كان هؤلاء الرواديد لايقرون بهذا الكلام ولكن الأمر الفعلي هو أن الكلمة أصبحت متأخرة ومتعبة وإذا أردنا التأكد فعلينا أن نعود إلى الشعراء أنفسهم لنفهم منهم هذا الأمر.
غربة المستهل في القصيدة:
ومن الإجراءات التي تبعت التغييرات في الألحان والإيقاع، فقد ضاع المستهل حيث تبقى الفقرة الواحدة مايقارب 45 دقيقة في بعض الأحيان، بينما كانت من قبل قصيرة، وكان المستهل الذي يردده الجمهور يتمتع بحضور كبير، ولكنه أصبح ضائعا مع الطرق الحديثة في الألحان والفقرات.
وإذا حاولت اليوم أن تفتش على رادود يهتم بشكل رئيسي بالمستهل، فإنك قد تضيع بسبب قلتهم القليلة، فقد أصبح من السائد اعتماد الفقرة الطويلة جدا، والتي يكون فيها الجمهور مستجيبا دون أن يكون له دور حقيقي في الموكب، فإن هذا الجمهور كان يتعاطى طوال فترة الموكب مع الرادود في ترديد المستهل، وعبارات أخرى مثل " ياحسين " " ياعلي " وغيرها من العبارات المحببة لألسنة وأسماع الجمهور الكريم.
التعليقات (0)