شارك هذا الموضوع

حزب الله ويوتوبيا الاتهام

كنت في أحد الحوانيت أقف واجماً وأنا أسمع مُحدثي وهو يصف قناة المنار اللبنانية بأنها كانت (ولا زالت) المُدافع الأول عن نظام صدام حسين وجرائمه البشعة !!!! مُتهِماً إياها بمجانبة الدفاع عن قضايا العراق والعراقيين والاستنكاف من استضافة مُعارضيه على شاشتها !! كان كلامه ينمّ عن حقد دفين يعود سببه إلى تواريخ سحيقة من التحزب (السلبي) تحت لواء اليُسرويّة الماركسية التقليدية .


 وفي غمرة ذلك الحديث البائس عرّج صاحبنا على حزب الله – لبنان واصفاً إياه بأنه (صنيعة بعثية) ما فتأت تُدافع عن نظام البعث البائد وديكتاتورية حامي البوابة الشرقية !!! ثم خرج باستحقاق مُؤكّد وهو أن قناة المنار وحزب الله ما هما إلاّ بوقاً لإحدى الأنظمة في المنطقة (ويقصد بها الجمهورية الإسلامية الإيرانية) !!! .


بعد كل هذه المحاضرة القيّمة في السبّ والتشهير والقذف بغير حق أو مُسوّغ قلت له : إنني قد أعجز عن الرد على مثل هذه التخرصات المُخزِية ليس لأنني لا أستطيع بل لأني لا أجد لدي مُتسعاً من الجهد والوقت لأن أصحح مثل هذه السيكولوجيات المريضة والعقول المُكبّلة بموروثات عهدوية ميّتة صار رجالها ومُنظروها الآن يُعيدون النظر في الكثير من أدبياتها وأفهامها، ثم إنني لا أجد من هذا الكلام سوى فضاءً من التفكير المسكون بخوف التجاوب الناصعة والحقيقية للقوى والتيارات الأخرى وبالخصوص لتجربة حزب الله الذي لا يحق لأحد أن يبخسه حقه ومنجزاته الوطنية والعربية والإسلامية والتي بتنا نرى إطراء العدو له ولمصداقيته .


ثم أي ربط هذا الذي يُحاول (مُنَظّرنا) أن يقوم به بين صدام السفاح المُجرم وتاريخه الموبوء وبين حزب الله الإباء والتضحية ذي التاريخ النظيف، ثم ما هي العلائق والوصلات بينهما فلا المذهب ولا العقيدة الحزبية ولا الآيدلوجية أو التوجه السياسي يتطابقان .. وهي نتيجة تُفضيني إلى أمر أجزمه (بالعشر) وهو أن مجموعة من التراكمات والتأسيسات جعلت من (مُنظّرنا) لأن يقول ما قال جزافاً؛ أولها الموقف الحِدّي من الدين أو الإسلام السياسي (الذي كان ينتهجه بعض الماركسيين التقليديين أمثاله) ومن تجاربه العملية كتجربة النظام الإسلامي في إيران وحزب الله – لبنان خصوصاً وأنه يعتقد بأن حظه الشخصي من التجارب والعطاء السياسي لم يعد شيئاً يُذكر بل هي مبعثرات من الإرث التاريخي الذي ما فتئ يتغنى به إلى حد (الأسطرة) والنرجسية وهي مأساته ومأساة أقرانه من ذوي التفكير الأعوج .


وإذا كان الأمر يتعلق بمناكفة إسلامية يسارية – تقليدية فيجب أن لا نستحي حين نُصرّح بأن الكثير من تجارب الحركات الإسلامية في العالم العربي والإسلامي قد فشلت بل وربما انعكس فشلها على صورة الدين والفكر الديني برمّته، إلاّ أننا يجب أيضاً أن لا نستحي عندما نقول بأنه وبعد سقوط الاتحاد السوفيتي برزت الكثير من دراسات النقد لسلوكيات التيار اليساري التقليدي (في العالم العربي) أفضت به إلى طُرق مسدودة وإلى أزمة حقيقية؛ وبالخصوص الأزمة الفكرية وعدم أصالة أطرها، حين استعارت (تلك القوى) المفاهيم والقوالب الماركسية والكلاسيكية دون الاجتهاد في نقدها أو تطويرها لتتلائم مع الواقع العربي في الوقت الذي كان يخضع فيه التراث الماركسي في دول الأصل لنوع من النقد والتجديد والمراجعة، كما أن نزعة التدين لدى قطاعات واسعة من الشعب العربي جعلت إمكانات تقبّل الفكر الماركسي وتجذره في الوعي الجماعي العربي محدود، فالماركسية والشيوعية ترتبطان في ذهن العامة بالكفر والإلحاد، وبخاصة في ضوء حملات التشهير المستمرة التي مارستها الولايات المتحدة الأمريكية في فترة الحرب الباردة وكذا النظم الحاكمة ضد اليسار، وعليه فإن تقوّلات (مُنظّرنا) تزيد من رسوخ تلك الأفكار المُروَّجة ضد اليسار في أذهان الناس الذين لا أشك بأنهم يكنّون كل التقدير والاحترام لتجربة حزب الله السياسية والعسكرية .


كما أن الأزمة التنظيمية هي أيضاً من الأمور البائِنَة بجلاء في هذه القضية، وتتمثل في تعدد القوى والتنظيمات اليسارية وتشرذمها وتقوقعها داخل أطر ضيقة وفي دوائر محدودة الأمر الذي أدى إلى عجزها لأن تتغلغل في قطاعات جماهيرية واسعة واكتساب شرعية اجتماعية وبالتالي فشلها في أن تكون الجهة المُعبّرة عن الطبقة العاملة أو عن التحالف الطبقي الذي يهدف إلى التغيير، وبالتالي فإن الهجوم الفاشل الذي شنّه (مُنظّرنا) ضد تجربة حزب الله المدنية وعلى قناة المنار لا يعدوا كونه مُؤسَّساً على ذلك الفشل الذي يعيشه هو .


والأمر المهم الذي يجب ذكره في هذا المضمار أيضاً يتمثل في علاقة القوى والتنظيمات اليسارية بعضها ببعض داخل الدولة الواحدة والعلاقات فيما بينها على المستوى القومي، فهي علاقات هشّة قوامها عدم الثقة والصراع في علاقة هذه التنظيمات بالنظم الحاكمة، وعليه فإن ما أريد التصريح به هنا هو أن لا تُكرر تلك التيارات التقليدية من اليسار مأساتها البينية مع التيارات الإسلامية الشريفة، بل الأكثر من ذلك عليها أن تجري عملية غربلة وتنظيف لمنتسبيها أو للمتدثرين تحت عباءتها لكي لا يسببوا لها متاعب هي في غنى عنها .


وفي الختام أودّ أن أقول لـ (مُنظّرنا) الكريم : أن تكون مُوسَراً في حديث قِنٍّ أسودٍ هابطٍ مشحون بالتحامل ضد فئات فاعلة وصاحبة ذاكرة ناصعة لدى قطاعات واسعة من الناس ليس معناه أنك بلغت عِتيّاً من العلم أو سجّلت موقفاً سياسياً حكيماً بل إنك تُسيئ إلى جزء مهم من هذا العقل الإنساني الكبير الذي تجاورت في تكوينه كل العقول والأفكار والقوى، ثم إنها منازلة بلا ذخيرة ضد خصم له من الصدقية ما يوازي الكثير.

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع