انزل الله سبحانه وتعالى القرآن الكريم لهداية الناس وإرشادهم للخير وتنوير الأفكار وتربية الأرواح.
ولتحديد الحلول الصحيحة للمشاكل التي تواجه المؤمنين على مسار الدعوة في مختلف مراحلها ويعلق على جملة من الأحداث والوقائع ليوضح فيه موقف الرسالة من تلك الأحداث والوقائع.
وعلى هذا الأساس تنقسم الآيات القرآنية - من حيث سبب النزول - إلى قسمين :
- ما نزل ابتداءً من غير سبق سبب نزول خاص، بل لأجل الهداية والإرشاد ـ وهو أكثر القرآن ـ كالآيات التي تصور قيام الساعة ومشاهد القيامة وأحوال النعيم والعذاب و الآيات التي اشتملت على الأحكام والآداب .
- ما نزل من الآيات التي لها ارتباط بسبب من الأسباب الخاصة استدعى نزول الآية كمشكلة تعرض لها النبي والدعوة وتطلبت حلاً أو سؤالاً استدعى الجواب عنه أو واقعة كان لا بد من التعليق عليها .
ما هو سبب النزول؟
تسمى هذه الأسباب الخاصة بأسباب النزول فأسباب النزول هي أمور وأحداث وقعت في عصر الوحي والرسالة واقتضت نزول الوحي بشأنها.
وذلك من قبيل ما وقع من بناء المنافقين لمسجد ضرار والذي قصدوا منه الفتنة فجاء قوله تعالى : (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادَاً لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) (التوبة:107)
ومن قبيل سؤال بعض أهل الكتاب مثلاً عن الروح من النّبي فاقتضت الحكمة الإلهية ان ينزل قوله تعالى : ( وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) (الاسراء:85)
طريق معرفة سبب النزول
لا شك بأن النقل الصحيح الثابت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو أهل البيت عليهم السلام هو الطريق الوحيد لمعرفة سبب النزول، ولا مجال للعقل فيه .
فوائد معرفة سبب النزول
أولاً : الاستعانة على فهم الآية، وإزالة الإشكال عنها، ، لما هو معلوم من الارتباط بين السبب والمسبب، لان النص القرآني المرتبط بسبب معين للنزول تجيء صياغته وطريقة التعبير فيه وفقاً لما يقتضيه ذلك السبب فمعرفة سبب النزول طريق قوي لفهم معاني القرآن.
ثانياً : إنها تعين على فهم الحكمة التي يشتمل عليها التشريع، فيزداد المؤمن إيماناً وبصيرة بحكمة الله في تشريعه، وأما غير المؤمن فيعلم ان الاسلام قائم على رعاية المصلحة وجلب المنفعة ودفع المضرة فيدعوه ذلك - إن كان منصفاً - إلى الدخول في الإسلام .
ثالثاً : معرفة اسم من نزلت فيه الآية، وفي ذلك اسناد الفضل لأهله، ومعرفة أصحاب الرسول المخلصين ومعرفة منزلتهم، ونفي التهمة عن البريء، ومعرفة المنافقين والكاذبين الذين آذوا رسول الله وأتباعه . وغير ذلك من فوائد.
العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب
اذا كان اللفظ في الآية عاماً فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص سبب النزول فالمدلول القرآني لا يتقيد في نطاق السبب الخاص للنزول أو الواقعة التي نزلت الآية بشأنها بل يؤخذ به على عمومه لان سبب النزول يقوم بدور الإشارة لا التخصيص.
ولذا اتفق علماء الأصول على ان المعتمد هو العموم القرآني وشمول اللفظ فيه وان سبب النزول مجرد سبب مثير لنزول الحكم العام وسبب النزول يتضمن الكثير من الفوائد التي اشرنا بعضها، وأما الحجية فهي تابعة للعموم الذي هو حجة ما لم يخصص وسبب النزول لا يصل إلى مرحلة التخصيص.
فعن الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام) انه قال :( ان القرآن حي لا يموت والآية حية لا تموت فلو كانت الآية إذا نزلت في الأقوام وماتوا ماتت الآية لمات القرآن ولكن هي جارية في الباقين كما جرت في الماضين)[1]
--------------------------------------------------------------------------------
[1] تفسير العياشي، ج 2 ص204 ، تحقيق وتصحيح وتعليق : السيد هاشم الرسولي المحلاتي، المكتبة العلمية الإسلامية – طهران.
التعليقات (0)