نعم .. للخطايا ثمن !
بقلم : الشيخ حسين الطويل
ما أبشع النطفة التي تتخلّق في رحم الفتن لتولد وتنتج خطايا قد تتراكم سنوات لِتشكّل جبلا جليديًّا قد لا يذوب بسهولة ويُسر مهما بلغت حرارة الشمس الملتهبة.
كما ما أبغَض تلك الطفيليّات التي تعيش على حافة المستنقعات البشريّة تسترق النظر والسمع لتهجم حين يسكن الآمنون، ويهجع المصلحون، وتهدأ جلبة النوازع الفرديّة، والعِرقيّة، والمذهبيّة من أجل تمكين وبسط الطريق إلى ثقافة الدِّين الأمّ الأصيل، وتوجيه الأفراد والجماعات نحو بوصلة محراب الأمن والسلام الواعيين، ونبذ كلّ ما من شأنه توتير الأجواء وخلق زوابع مُفزعة تُرجع العقارب إلى ما وراء حقبة العضّ على الأنامل، وإثارة ما من شأنه تلبيد الأجواء، وتعمية الرؤية، وطمس شرف الموقف في أتون يتلظى عنفًا، وسطوة، ورهبة، ورعبًا.
إنّ النطفة التي تستقي موروثها، وحضارتها من زمن الخواء الفكريّ والثقافيّ، وتتغذى على فتات موائد الدجل، والظلاميّة، وقلب الحقائق وتدليسها على الذقون لهي نطفة يجب أنْ توأد في مهدها وتجتث من منبتها مهما كان عِرقها أو انتماؤها، لأنّها إذا ما سنحت لها الظروف أنْ تجد طريقها نحو الحياة ستكون هي الكارثة التي ستسهم وبشكل فاعل في خلق بؤر التوتر، وهزّ المجتمعات ذات الجذور المتأصِّلة رحمةً، وأمنًا، وسلامًا.
لا يوجد عاقل على وجه الأرض يرفض الحقيقة أنّى كانت وحيث وجدت، ذلك لأنّ القلوب مجبولة على سماع الحقيقة المقدّمة وفق ضوابط تحكمها ظروف الزمان والمكان والتربة، أما إذا ما طرحت المفاهيم بطريقة مغلوطة، أو ضمن سياق مغلوط ليُقدّم في قالب مسرحيّ، أو تمثيليّ تحت غطاء (حرية الرأي) المتهالك، فهذا ممّا لا يقبله عاقل فضلا عن دين، أو هويّة وطنيّة تحبّ أن تظلّل سماء المواطنين بآلاء الحبّ، وأماني الأمن والأمان.
كما أنّ اللعب بأوراق المتبنّيات الفكريّة، أو العقيديّة، أو الثقافيّة، أو الدينيّة لأيِّ دين، أو لأيِّ طائفة ومذهب لجعلها أوراقًا في مهبّ الريح - كي تلوكها الأفواه التافهة، وتعبث فيها الأقلام النّخرة فسادًا في زمن يفرض بكلّ أجنداته وأبجدياته رأب الصدع، ورصّ الصفّ، وتهيئة أجواء التعاطي الأخويّ النزيه المتبادل على سلّم الأولويات وذلك بالتناغم على أساس الصفّ الواحد، والمصير المشترك - معناه اللعب بالنار، بل وصبّ الزيت على النّار.
إنّ الأقلام، أو الأدوار الدراميّة التي تساهم بشكل وآخر في تغبيش الحقيقة وتضبيبها في عقل المشاهد أيًّا كان توجهه، أو انتماؤه لن تكون وبالا على الطرف المستهدفة ثقافته فحسب، بل ستجرّ تلك الأقلام أقلامًا مناهضة لها في العقيدة، والمذهب، والتوجّه، والتطلعات، والانتماء لتصطك الأسنّة على صفحات الصحف والجرائد، والمحركات والمواقع الإلكترونيّة لتدقُّ بعنف طبول الحرب الكلاميّة وعندها سيحمى الوطيس المذهبيّ بكلّ ضراوة من جرّاء موقف غير مسؤول قد أشعل فتيل كلّ هذه الأزمة التي لا يحمد عقباها عادة في مثل هذه الأزمات.
ومن المؤسف حقًّا أنّ مثل هذه الأعمال الهابطة في الكلمة والمشهد الدراميّ - التي تتندّى إسفافًا، وتتجه نحو استفزاز الغرائز، وإيقاظ الشهوات من مكمنها الآمن إلى منحدرات السقوط والرذيلة - أنْ يقبل بأدائها فرد يحمل بين حنايا صدره قلبًا ينبض إنسانيّة، وعفافًا، وشرفًا، وطهرًا، وعروبةً!
إنّ مَن يطّلع على سيناريو (للخطايا ثمن) يتجلى له سطحيّة وغثاء القائمين عليه الذين يحسبون أنّهم يحسنون صنعًا بتقديم عمل فنّيّ فيه الإثارة، وما هم سوى حطبٍ نار تؤجّج بهم فتنة بغيضة ليُقذف بحممها على رؤوسهم أولا، وعلى أمتهم ثانيًا.
كما مَن يشاهد أحداث ذلك السيناريو الهابط السمج يتجلى له أنّ لاعبي أدواره ما هم إلا دمى تحركهم نزواتهم، وشهواتهم التي يحاولون بها عاجزين إلصاقها بحكم شرعيّ سُنَّ من أجل سمو الإنسان، ورقيّه انطلاقًا من رحاب حلال ما شرّعه الله سبحانه وتعالى ضمن شرائط وضوابط متقنة، فَقَولَبُوه في خندق إفراغ شهواتهم المعتوهة، ليحرقوا بذلك مشوار فنّهم الموبوء، وليجسّدوا مصداقًا من مصاديق تلك الشعلة النوارنيّة التي لا زالت تهتف في أسماع الزمن، وتضعهم، وتصنّفهم على خارطة الحياة ليبدو كلّ واحد منهم بكلّ دقّة وإتقان: (كالبهيمة المربوطة همّها علفها، أو المرسلة شغلها تقممها، تكرش من أعلافها، وتلهو عمّا يراد بها)، وهذا هو بالفعل ما يتضح من خلال مفردات ذلك السيناريو الماجن الذي يتحدّى الدّين والتربة ومعاني الطهر، وكل المعايير الأخلاقيّة، ويقفز على الخط الأحمر للعرف، والعادات، والعِرق ليذرها - ساعة ذروة انسلاخه من مبادئه، وتجرّده من كلّ أنواع الالتزام والاحتشام، وتمزيقه لكلّ أطياف التلاحم والتراص - هباءً منثورًا.
إنّ الإسلام ليربأ بمعتنقيه أنْ ينحدروا، ويتسافلوا كما انحدر وتسافل ذلك السيناريو بأهله عندما فتحوا النار من دون هوادة، فانطلقت عياراتها الطائشة من فوّهة مجونهم المغلّف بغلاف الفن الراقي، لينشروا دناءتهم في شرق الأرض وغربها، وليهتفوا بأعلى صوتهم: اشهدوا لنا عند الشيطان بأنّنا من ضمن تلك القافلة التي تحاول فقء عين الشريعة، وتبديد شمل أمة قد اتجهت وكلّها أمل لِلَمْلَمَةِ جراحاتها، وبسط أجنة الوئام بين ألوانها وأطيافها.
لم يكتفِ أولئك بأنْ ينشروا عبثهم على الأرض، بل راحوا كما السكارى يحاولون بثّ عفنهم في الفضاء لعّلهم يصيبون شهرة، أو تترامى تحت أرجلهم الأضواء، ولم يعلموا أنّ طريق الشهرة والمجد طريق لا يتأتّى إلى متسافل وضيع الكلمة والموقف.
وممّا يزيد الطين بلّة أنْ يفغر الشيطان فاهه لتبدو أنيابه النتنة العاتية ليتعرض للمقدسات الشامخة بكلّ رعونة، محاولا في ذلك أنْ يطالها بعهر الموقف، وخور الكلمة، وخزي المشهد الدراميّ، وإنّ دلّ ذلك فإنّه يدلّ على أنّ " كلّ إناء بالذي فيه ينضح"!
فكلّ مَن يحاول الوصول إلى الحقيقة، ويعرض مشكلة ما على مستوى الدراما مِن الأجدر له أنْ ينظر إليها مِن كلّ نواحيها، وزواياها، وأنْ يتلمّسها من منابعها، ليدرس إفرازاتها، وما تحمله بين حناياها، وهل أنّ ما يعالجه هو نفس ما يؤمن به أهله، أو هو مجرد فهم اعتباطي لمسألة لا يعيها، ولا يعي مدركاتها الشرعيّة، ولا أبعادها الاجتماعيّة، وهل أنّها قد استغلت، ومورست خطأً كما هو الحال في بعض الممارسات المغلوطة التي يجنح أفرادها بالحكم الشرعيّ وغيره نحو مآربهم، وما تسؤِّل لهم أنفسهم أمرًا؟
كما أنّ مَن يريد تسليط الأضواء على مشاكل مجتمع ما يجب عليه أن يفرغ أولا من جبل مشاكله وآهاته، إذ العقل يحكم بقاعدة (إذا كان بيتك من زجاج، فلا تقذف النّاس بالحجارة)!، بل إنّه ليدقّ ناقوس الحذر بعنف مجلجلاً: (ما هكذا تورد يا سعد الإبل).
ومن هنا فإنّ أحداث، ومواقف سيناريو (للخطايا ثمن) هي بكلّ الأعراف والمقاييس خطايا في حقّ (أمة لا إله إلا الله)، وتجرؤ على شرف الحقيقة، واستهزاء بموروث الأمة، وتجنٍ على حضارة ﴿خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾، واستهتار بموازين الشرع الحنيف، ومحاولة دنيئة للاستخفاف بالعقول اليقظة، وحركة يائسة فاشلة إزاء إيمان راسخ من تخوم الأرض حتى عنان السماء ذلك لأنّ ﴿وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ﴾.
11/9/2007م
التعليقات (0)