بسم الله الرحمن الرحیم
الحمد لله الذي وفّق أهل الطاعة لطاعته، وأقام الحجة على أهل معصيته، ودعا إلى الجنّة وذاد عن النّار، وعدل بين الأبرار والفجّار، والأخيار والأشرار، وهو المحسن لكل العباد، والمتفضّل على جميع الخلائق، وله الشكر الذي لا ينقضي، والحمد الذي لا ينتهي، والطاعة الدائمة بلا انقطاع.
التعدّي على خاتم النبيين والمرسلين (ص):
التعدّي المتكرّر من الغرب على مقام رسول الله صلى الله عليه وآله في صور بالغة السخف له دلالتان: سخف الحضارة المادية للغرب، وعنجهيتها، وسقوطها الخلقي، وحيوانيتها، وفقدها للذوق الإنساني الرفيع. حضارة ماديّة بذيئة، قولها فحش، وفعلها فحش، وهدفها سيء، وأثرها في الناس قتّال.
إنسان يحيى إنسانيته لا ينزل إلى هذا المستوى من الحظيظ ليتناول أكبر شخصيّة إنسانية في الأرض بما لا يتناسب مع أيّ إنسان عادي. هذه دلالة.
الدلالة الثانية: أن عالمنا الإسلامي وصل إلى حدِّ، فقد الهيبة، عالم بلا هيبة. بلا شخصية محترمة، لا يملك عمليّاً من العزّة والكرامة في نفسه ما يفرض ذلك على غيره، ولهذا سبب، والسبب الكبير البُعد عن الدين، والارتماء في أحضان الغرب من قبل الأعم الأغلب من حكومات المسلمين.
عالمنا الإسلامي يعيش في كثير منه فقد ثقة، هزيمة نفسية، صغاراً في الذّات، نظرة حقارة للذّات، وكلّما ابتعدنا عن دين الله، دين العزة والكرامة والشموخ، أو كان تراخٍ في الارتباط بهذا الدين، وكلّما ارتبطت الحكومات بالإرادات الغربية، وكان وجودها متوقّفاً على إرادة الغرب، كلّما سقطت قيمة عالمنا الإسلامي في نظر الطرف الآخر، وكلما تمادى في سخريته وهزئه بنا، وطمع في تجريح أكبر قادتنا وليس أكبر من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأي شخصية بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يمكن أن تُحترم في العالم كلّه!
ولو كانت لهذه الأمة هيبة كافية كما كانت لسقط شعار حريّة الصحافة في الغرب أمام هيبة هذه الأمة. يوم أن كانت هذه الأمة أمة كبيرة عملاقة بإسلامها ما كان الغرب ليجترئ عليها بكلمة واحدة، فقد كان ملوك الغرب يتوددون إلى خلفاء المسلمين حتّى بعد انحطاط قدر الخلافة كما في أيّام دولة الأندلس.
ماذا ستفعل الحكومات؟
الوعي عند الشعوب الإسلامية والشعوب العربية وصل درجة لا تقبل السكوت على الظّلم والتهميش، وهذا واقع جديد يدخل في المعادلة بين الحاكمين والمحكومين بما هو عنصر جدوى يفرض ضريبة على الحكومات، وكلّ يوم يأتي الوعي فيه في ازدياد.
الشعوب الإسلامية يزداد وعيها بإسلامها، والارتباط بالإسلام يرفع من درجة الوعي، والعزة، والكرامة، والشموخ، ويعطي ثقة عالية بالنفس، ويفرض شعورا رسالياً ودورا إيجابيا في الحياة، وهذه الشعوب صار وعيها السياسي يتعملق يوما بعد يوم، وصار وعيها الحقوقي يتعملق يوما بعد يوم، وصارت إرادتها تكبر وتتعاظم ولا تقبل أن تتراجع وتتقهقر، هذا واقع جديد ينبغي للحكومات أن تحسب له حسابا كبيرا.
والحكومات من جهتها تستعظم السقف الحالي من مطالب الإصلاح وهو سقف هابط، وكلما ساء الحال وتعطّلت هذه المطالب فسقف المطالب سيكون في ارتفاع واتساع، فماذا ستفعل الحكومات عندئذ؟
اليوم توجد أزمة بين الشعوب والحكومات، ودرجة الوعي على ما هي عليه الآن، وسقف المطالب هو ما عليه الآن، وهو ليس بالرفيع ولا المتجاوز، فكيف إذا اشتد الوعي أكثر، تصلّبت الإرادة أعظم، وكان مضاء العزم أكبر وارتفع مستوى المطالب، وكبر الطموح، واتّسعت وتركّزت ثقافة الحقوق؟!! ماذا ستفعل الحكومات عندئذ؟
يمكن أن تأتي هنا فروض:
أ- فرض انتظار تراجع الوعي أو الإرادة عند الشعوب، وفيما يظهر بصورة كبيرة، وبعد ما قطعته الصحوة الإسلامية من شوط في واقع الأمّة هذا الفرض ساقط؛ فرض أن يتراجع الوعي، وأن تلين الإرادة عند شعوب الأمّة فرض لا قيمة له في حساب الاحتمالات. الوعي في ازدياد، والإرادة في اشتداد، فتعويل الحكومات على أن يتراجع وعي الشعوب أو أن تلين إرادتها في المطالبة بالحقوق تعويل غير علمي.
ب- الاعتماد على التضليل والتلهية الإعلامية، والوعود المعسولة المؤجّلة لمرات ومرات، وهذا الفرض كسابقه لا يمتلك وجاهة في حساب الاحتمالات، ذلك لانكشاف اللعبة السياسية عند الحكومات، ولكونها لأنها أصبحت معرّاة النوايا والأهداف والتكتيكات، وكذلك لتعاظم وعي وإرادة الأمة.
ج- الاعتماد على سياسة فرّق تسد، وقد أصبحت هذه السياسة مكشوفة، وإن كانت لا زالت فاعلة في أوساط لا بأس بها، ولكن تعاظم الوعي، ومرور الأيام سيسقط هذه اللعبة أيضاً، وسينكشف للمناصر للحكومات من هذا أو ذاك من مكونات الشعوب أنّه مظلوم كما هو صاحبه.
د- الخيار الأمني المتشدد، وهذا يعني أن يُحرق الملايين من أبناء الأمة الإسلامية. قضية المطالب اليوم ليست قضية مئات من الناس أو ألوف، قضية شعوب عريضة، وقضية ملايين من أبناء الأمة كل شعوب الأمة في تحرّك، وفي تحفّز لتغيير وقعها السيئ الذي نعرضه عليها الحكومات، ومعنى الأخذ بالخيار الأمني المتشدد أن تحترق الحكومات والشعوب.
ولماذا تختار الحكومات قولة لا للإصلاح؟
1. أثرة وجشع، وجنون مادي، عندك خمسة ملايين، عندك عشرة ملايين، تصر على أن تصل إلى مائة مليون، إلى مائة مليار، وصلت إلى رقم المليارات، ولا زلت تطلب المزيد جهلاً واستكباراً في الأرض!!
2. خوف ارتفاع سقف المطالب، يخافون من أنه لو حقّقوا هذه المطالب الصغيرة لجاءت بعدها مطالب أكبر، ولكنهم لا يدرون أن ذلك أحسن من الانفجار الذي إذا حصل لا يقنع بأي مطلب من المطالب؟، ولا يتوقف إلاَّ بإزالة الحكومات.
3. الاعتماد على الدعم الخارجي، حيث يرون أنهم مُستغنون عن الشعوب، وهذا وهم، والدعم الخارجي ليس مضمونا دائما، والدعم الخارجي لا يصمد إلى الأخير أمام إرادة الشعوب إذا زحفت.
4. اعتقاد الفوقية، فإن حكّاما في البلاد العربية والإسلامية يعيشون الروح الفرعونية، ولهم كثير من فرعون الذي قال أنا ربكم الأعلى، ولكن الواقع يبرهن لكل صغير وكبير من الناس أنه ما هو إلا عبد من عبيد الله، وأنه ما هو إلا رقم في كبيرة من الناس لو اجتمعت بكاملها ما روَّق قضاء من قضاء الله وأنه بغيره أكثر منه بنفسه.
وأقول قبل ذلك بأن النهاية للإصلاح، ومن لم يقبل الإصلاح فهو مضطر لأن يقبل التغيير.
محليّاً المطالب مجمّدة، والأزمات في ازدياد، تعرفون كم ازدادت الأزمات، وكم هي متراكمة، اقتطاع، وانقطاع، وتلوث بيئي، وردم غير مسؤول، وحتى أزمة لحوم، إلخ، تنضاف إلى الأزمات الكبيرة أزمات صغيرة مؤجّجة وتمسّ المواطن العادي الذي قد لا تنبهه بعض المشاكل المركزية.
مطلوب لمصلحة البلد، لمصلحة الحكومة، لمصلحة الشعب، للحاضر، للمستقبل أن يكون إصلاح، وإصلاح جدّي، وكبير، وسريع.
اتحاد يوم الصوم والفطر وتعدده:
الاختلاف في الهلال ربما هزّ يقين عدد من الناس في المذهب والدين والعلماء والفقهاء، والناس مستويات، وهذا القدر من الانفعال، ومن ردّة الفعل فيه تجاوز كبير على العقل، وعلى الدين، وعلى العقلانية وعلى المصلحة، أقولها وهو مما لا ينبغي .. على الإطلاق.
نعم على المؤمنين بذل الجهد ما استطاعوا لتوحيد الموقف من الهلال، المؤمنين وأن يوظّفوا كل إمكاناتهم مقدّمة لتوحيد الأمر، وليس لهم أن يقصّروا ثم إذا جاء موقف الاختلاف سبّوا وشتموا.
ولابد للمؤمن من هذا الوعي الآتي:
1. فرق بين الإسلام الواقعي والإسلام الاجتهادي، الذين يطلبون من الإسلام الحاضر، نفس النتائج الكبيرة المترتبة على الإسلام المتلقّى مباشرة من رسول الله صلى الله عليه وآله عندهم وهم، ذاك إسلام واقعي، وما عندنا إسلام اجتهادي صحيح أنه لابد أن نتعبّد به، ولكن يبقى فرق بين عطاءات الإسلام الواقعي في حياة الناس وهي عطاءات كلها إيجابية، وبين عطاءات الإسلام الاجتهادي، على أن الإسلام الاجتهادي له عطاءات لا تبلغه اطروحة أخرى في الأرض، وليس قليلاً أبداً ما يقدّمه الإسلام الاجتهادي من إنقاذ وتخليص للبشرية من الأزمات، وما يعطيه من نتائج إيجابية كبيرة. هذا فرق.
2. فرق آخر: فرق بين زمن الحضور والغيبة، وزمن الغيبة زمن التمحيص والغربلة، لماذا؟ لأن المشاكل والأزمات تكثر لغياب الإسلام الواقعي، وغياب القيادة المعصومة، وعدم اجتماع الناس حتى على قيادة الفقيه العادل الواحد. وماذا يحكم الساحة الإسلامية اليوم؟ ما يحكم الساحة الإسلامية اليوم الأطروحات الغربية والاطروحات الشرقية، وهذه الأزمات هي أزمات اطروحات أجنبية، الساحة الإسلامية تحكمها جاهليات، وهذا له إفرازاته الخطيرة، الإسلام مهمّش، فكيف يحَّمل الأطروحات الحاكمة في النّاس؟!
فرق بين زمن الحضور والغيبة، وهو زمن التمحيص والغربلة، وزمن التمحيص منخل أو غربال كما في تعبير الأحاديث يسقط منه خلق كثير من المسلمين، والمؤمنين، زمن الغيبة زمن التحديات، زمن أحداث ضخمة غير مطاقة، فهو يمثّل منخلاً وغربالاً يسقط منه خلق كثير من المؤمنين فضلا عن غيرهم.
مع وجود المعصوم اليوم لا يكون هذا الاختلاف، مع استمرار الإمامة المعصومة إلى الإمام الثاني عشر بلا انقطاع، لو أعقب زمن الأئمة زمن الفقهاء العدول فإن الأمة ستكون مهيئة الاجتماع على فقيه واحد أعني الأمة كل الأمة ليس شيعة أو سنة حيث مع هذا الغرض لا يوجد هذا الإنقسام وستجمع الأمة كلها على قيادة واحدة، وفقيه واحد عادل وستكون النتيجة مختلفة حتى في مسألة الهلال.
3. فرق بين تطبيق الجزئية الإسلامية الواحدة في جوّ يُطبّق فيه الإسلام كاملا ومن تطبيقها في جوّ آخر ليس من صناعة الإسلام. الجزئية الإسلامية الواحدة مرة تطبق في جو إسلامي كامل، وتطبيقها عندئذ سهل جداً، الصبر عن الزنا لمن لم يستطع الزواج المبكّر، يتطلّب درجة من التحمّل في الجو الإسلامي: في جو الإيمان، جو النظافة، جو العفاف، جو الستر، بينما يتطلب أضعاف تلك الدرجة من التحمل في جو التهتك، في جو السفور، في جو الميوعة إلخ. التوقّف عن الربا، والنظام الاقتصادي المعاش هو نظام إسلامي، والإسلام معاش بكامله، ليس شيئا عسيراً، ولا يتطلب درجة عالية من الإيمان جداً، بينما التوقف عن الربا في مثل الواقع القائم يتطلب درجة عالية من الإيمان والصبر والتحمل.
فرق كبير جداً بين تطبيق أي جزئية من الجزئيات الإسلامية وأي موقف من مواقف الإسلام في جو إسلامي كامل وفي ساحة يحكمها الإسلام، وبين أن تطبق هذه الجزئية في جو معادٍ تماما، ومن صناعة إطروحة جاهلية.
الجو الآن جو عزلة مفروضة على الإسلام، وتطبيقك للإسلام في أي جزئية من جزئياته يتطلّب منك أن تتحمل كلفة أكبر؛ لذلك فالقابض على دينه اليوم كالقابض على الجمر في يده، وأجره مضاعف.
الإسلام لا يدّعي أنه قادر على حلّ الأزمات بتطبيق جزئية منه أو جزئيتين، الإسلام يضمن للمجتمع حياة تعيش الرفاه والاستقرار والتقدم الروحي والنفسي والعقلي والمادي حين يطبّق بكامله، إما أن يُطبّق من الإسلام جزئية أو جزئيتان أو نظام من أنظمته دون البقية كما في تطبيق النظام العبادي وحده مثلا فذلك لا يعطي معه الإسلام الضمان بأن يحل أزمات الأرض، على أنه يجب تطبيق أي جزئية من جزئيات هذا الدين العظيم، أو أي نظام من نظمه ما أمكن حتى لو استحال تطبيق وحداته الأخرى.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبد الله وآله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم طهّر قلوبنا من النفاق، وعملنا من الرياء، وألسنتنا من الكذب، وعيوننا من الخيانة، واجعل همّنا رضاك؛ اللهم اكتب الغلبة والنصر والعزة والظهور والكرامة للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات.
{ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }
التعليقات (0)