خروج السبايا من الكوفة إلى الشام
بعد أن قتل الحسين(ع) وساروا برأسه الشريف ورؤوس أهله وأصحابه الكرام الطيبين , وبأهله وفتيانه وصبيانه سبايا إلى الكوفة بعث ابن زياد إلى يزيد يخبره بمقتل الحسين(ع) ومن معه وأن عياله في الكوفة , ينتظر أمره فيهم , فعاد إليه الجواب بحملهم إليه والرؤوس معه . فأمر ابن زياد زجر ابن قيس , وابا برده بن عوف الأزدي وطارق بن ظبيان في جماعة من الكوفة أن يحمل رأس الحسين(ع) ورؤوس من قتل معه إلى يزيد وسرح في أثرهم علي بن الحسين(ع) مغلولة يديه إلى عنقه وعياله معه على حال تقشعر لها الأبدان وتضطرب بها النفوس أسى وحزناً , قال الخوارزمي في وصف خروجهم إلى الشام :
ثم دعا عبيد الله بن زياد زجر بن قيس وأعطاه رأس الحسين(ع) ورؤوس اخوته وأهل بيته وشيعته ودعا بعلي بن الحسين فحمله وحمل عمّاته وإخوانه وجميع نسائه معه إلى يزيد فسار القوم بحرم رسول الله (ص) من الكوفة إلى الشام على محامل بغير وطاء من بلد الى بلد ومن منزل الى منزل كما تساق الترك والد يلم وقال صاحب مقتل الحسين(ع) أو حديث كر بلاء وكان معهم شمر بن ذي الجو شن ومخفر – أو مجفر- ابن ثعلبة العائذي وشبث بن ربعي وعمربن الحجاج وأمرهم أي – بن سعد – أن يلحقوا الرؤوس ويشهروهم في كل بلد يأتونها فجدوا السير حتى لحقوا بهم في بعض المنازل وقد بعث كل من يزيد وابن زياد رسولاً إلى عمر بن سعيد بن العاص أمير المدينة يبشره بقتل الحسين . فلما وصل الخبر أمر الرسول إليه أن ينادي بقتله فنادى – قال رسول ابن زياد : لما دخلت على عمرو بن سعيد قال : ما وراءك ؟ قلت ما يسر الأمير قتل الحسين بن علي فقال : اخرج فنادي بقتله فناديت , فلم أسمع واعية قط مثل واعية بني هاشم في دورهم على الحسين بن علي(ع) حين سمعوا النداء بقتله فدخلت على عمرو بن سعيد فلما رآني تبسم الي ضاحكاً ثم تمثل بقول عمرو بن معد يكرب الزبيدي .
عجت نساء بني زياد عجة كعجيج نسوتنا غداة الأرنب
ثم قال عمرو بن سعيد : هذه واعية بواعية عثمان . ثم صعد المنبر وخطب الناس وأعلمهم بقتل الحسين(ع) مظهراً شماتته وبغضه لأهل البيت عليهم السلام . فكان يزيد وابن زياد وعمال يزيد يهدفون إلى نشر خبر قتل الحسين(ع) في الآفاق ليعلموا الناس بقتله حتى لا يبقى لأصحاب الحسين(ع) أمل بمقاومة يزيد لأن الحسين كان أملهم وقد قتل وقد رأى إذ أمر ابن زياد بإرسال الرؤوس والسبايا إلى الشام وشهّرهم في كل بلد . إن من أبلغ أنواع الأخبار بقتل الحسين(ع) لتنقطع الآمال منه وليشفي قلبه منه وليستتب له أمر الملك ويصفوا له الجو وتستوي له الأمور بلا منازع . أن يرى رأس الحسين(ع) يطاف به في البلاد وان ترى نسائه وصبيانه سبايا يسار بهم في البلاد ويشهّر أمرهم في كل مكان يأتونها ولذا سلكوا بهم الطريق العامر بالبلاد الآهل بالسكان وهو الطريق من الكوفة إلى الموصل ثم إلى حلب فحماة فحمص فدمشق ويشير ابن شهر اشوب في كتابه . مناقب آل أبي طالب . إلى أنهم سلكوا هذا الطريق قال : وهو في مقام مناقب الحسين(ع) ورأسه الشريف قال : ومن مناقبه (ع) ما ظهر من المشاهد التي يقال لها مشهد الرأس من كر بلاء إلى عسقلان وما بينهما في الموصل ونصيبين . وحماه وحمص ودمشق وغير ذلك . فكلامه هذا يدل على أن رأس الحسين(ع) في كل ما ذكره من البلاد مشهد .
وصول السبايا والرؤوس إلى حلب
ذكرنا آنفاً أن الطريق العامر الذي كان يمر السالك فيه على مدن مشهورة عامرة وآهلة وينتهي منها إلى دمشق هو طريق الكوفة فالموصل ثم إلى نصيبين ثم إلى حلب فحماه فحمص , وقد أوضحنا أن هدف يزيد من جلب السبايا إلى دمشق والرؤوس معهم والمرور بهم على هذه البلاد هو أن يشتهر في الآفاق قتل الحسين(ع) حتى يستتب الأمر ويصفوا له الجو . وكانت حلب من جملة البلدان التي مروا عليها بأهل البيت (ع) مع الرؤوس ونزلوا في خارجها في سفح جبل الجوشن وإنما سمي بالجوشن لأن شمر بن ذي الجوشن كان من جملة من أمره ابن زياد أن يلحق بالرؤوس ويشهرهم في كل بلد .
ونفسية الشمر القاسية وفظاظته وخباثته لعنه الله تعالى . حيث تولى بنفسه قتل الحسين(ع) تستدعي أن يكون هو المتولي أمر الرؤوس الشريفة وشهرهم في البلاد . وأن يكون هو المتولي قيادة أهل البيت عليهم السلام إلى دمشق . فإن ما لحقهم من الأذى في الطريق ومن عدم الرحمة بهم . وجعلهم على الأقتاب بلا غطاء ولا وطاء . وحملهم للإمام زين العابدين (ع) وهو مريض وعليل مغلولة يديه إلى عنقه إن ما لحقهم من ذلك كله يليق بالشمر وابن زياد وأتباعهما أن يصدر عنهم ما صدر لأن تلك النفوس التي لم يخامرها شىْ من الإيمان ولم تعرف معنى للرحمة . أنّى لها أن تعيش في أجواء الحق والفضيلة والعطف الإنساني .
وقد أشار المؤرخ يحيى بن أبي طي في تاريخه إلى أن الجبل إنما سمي بالجوشن بسببه . قال : فيما نقله عن صاحب الدر المنتخب في تاريخ مملكة حلب : فإن نروي عن آبائنا أن هذا المكان يسمى بالجوشن لأن شمر بن ذي الجوشن عليه اللعنة نزل عليه بالرؤوس . وسنذكر هذا عنه أيضاً فيما سيأتي في أسباب بناء مشهد الحسين(ع) ومشهد المحسن (ع) الذي نراه من وضع المشهدين الشريفين وما بينهما من المسافة التي تزيد عن مائتي متر , وما نستفيد مما قيل في تاريخ بنائهما , يدل على أن محل وضع الرؤوس ونزول الرجال الحاملين لها هو محل مشهد الحسين (ع) . وان محل مشهد السقط محسن (ع) هو المحل الذي أنزلوا فيه نساء الحسين(ع) وبناته وأخوته وصبيانه . ولا يدري على وجه التأكيد إن الإمام زين العابدين (ع) المريض العليل كان مع جماعة الرجال حاملي الرؤوس . أم أنهم أنزلوه مع عماته واخوته يتسلين به ويمرضنه ويعالجن جرحه الذي كان في عنقه من أثر القيود الذي غل بها . فهذا ما لم يشر إليه التاريخ فيما رأيته من الكتب .
ومهما يكن من أمر فنزول القوم في هذين المكانين أمر لا شك فيه . وقد بقي فيها قبل الارتحال أثر إن شاء الله تعالى أن يبقيا لمصالح . فأحد الأثرين نقطة من دم الحسين(ع) سقطت من الرأس الشريف على حجر كان الرأس قد وضع عليه . وشاء الله أن تبقى آثار تلك النقطة الزكية من الدم فتكون سبباً لبناء هذا المشهد الشريف المذكر بالظلم لآل البيت (ع) . والاعتداء عليهم . والداعي إلى التمسك بهم . وثاني الأثرين قبر السقط الذي أسقطته أمه زوجة الحسين(ع) وهو المحسن بن الحسين(ع) فدفن في محل مشهده الآن . وقد بقي هذان الأثران بعد ارتحال السبايا والرؤوس معهم في ذاكرة الناس في حلب يتحدثون عنهما فيعرفهما ويعرف تاريخهما الكبير والصغير كما يشير إلى هذا ما تقدم ذكره قريباً قول ابن أبي طي (( فإن نروي عن آبائنا أن هذا المكان .. الخ )) . وهكذا توالت الأيام والأعوام عليهما وتاريخهما في الأفواه وفي ذاكرة الناس من شيعة وغيرهم . ويؤكد استمرار تاريخهما ظهور الكرامات التي تدعو لزيادة التعلق بهما وتأثير حادثتهما على النفوس .
وقد شاء الله تعالى أن يظهر أمر هذين الأثرين للوجود وأن تكون تلك الكرامات التي بانت لهذين المشهدين الأثر في نفس سيف الدولة مما دعاه إلى تشييد مشهد لكل منهما .
وكيف يمكن أن ينسى الناس أمر هذين الأثرين مهما طالت الأيام والأعوام وأسبابهما والفاجعة الأليمة بالحسين وبأهل بيته عليهم السلام التي لم يشهد التاريخ لها مثيلاً . تتعلق بالنبي (ص) فالحسين هو سبط النبي وحبيبه . ومحبة الرسول (ص) له ولأخيه الحسن عليهما السلام مما شاع بين المسلمين ويعرفه الكبير والصغير . فكيف لا يكون لهذه الفاجعة أثرها البالغ في نفوسهم ولا يكون النكير شديداً على بني أمية وعلى أفعالهم الشنيعة وكيف لا يقدس المسلمون تلك الآثار الطاهرة التي تخص أهل البيت .
وكيف لا يتسابق الناس إلى تقديس تلك القطرة من الدم والحفاظ عليها وتبقى رمزاً عندهم للجهاد في سبيل الله والحق ومثالاً للإباء والتضحية ومذكراً لهم على مر الدهور والأعوام بما فعله الظالمون من بني أمية بأهل البيت .
وكيف ينسى الناس أمر هذين الأثرين وما جرى على أهل البيت (ع) وقصة جبل النحاس الماثل إلى الآن في محل مشهد السقط محسن وما حواليه والذي بطل عمله فلم يصلح لأن يعمل منه النحاس بسبب دعاء زينب الكبرى أخت الحسين(ع) على أهله إذ فرحوا بالسبي فدعت عليهم زينب ففسد المعدن من ذلك اليوم هذا على رواية صاحب الدر المنتخب في تاريخ مملكة حلب . عن ابن أبي طي .
وفي رواية ياقوت الحموي في معجم البلدان أن التي دعت عليهم هي زوجة الحسين (ع) إذ طلبت من الصناع ف] جبل الجوشن الذي كان يحمل منه النحاس الأحمر خبزاً ماءاً فشتموها ومنعوها فدعت عليهم . وسنأتي على ذكر هذين الروايتين .
إن قصة هذا المعدن الذي بطل عمل النحاس فيه بسبب من ذكرنا لا تنسى بل تبقى على الدوام يتحدث بها الناس جيل بعد جيل فهي كرامة من الكرامات التي ظهرت لأهل البيت عليهم السلام المظلومين التي أراد الله تعالى أن تكون من الأسباب التي يعرف الناس بها مظلو ميتهم ويحيا بها ذكرهم ويرفع بها مقامهم . ولذا انعطف الملوك والأمراء والصلحاء على بناء مشهد الحسين(ع) والمحسن بدافع الحب والمودة لآل البيت . والغيرة الدينية وتعظيماً لمكانتهم من رسول الله (ص) .
بناء مشهد الحسين عليه السلام
الثابت تاريخياً وكما هو المعروف والمشهور بين الناس أن سيف الدولة الحمداني أمير حلب – هو الذي قام ببناء مشهد الحسين(ع) ومشهد السقط المحسن . وليس فيما بين أيدينا من المصادر التاريخية والتي تتعرض لتاريخ هذين المشهدين ما ثبت أو يشير إلى وجود بناء سابق على بناء سيف الدولة وحتى أرباب المقاتل الذين يتعرضون لذكر واقعة الطف تفصيلاً ويذكرون حوادثهم المتقدمة عليها وما تأخر عنها لم يذكروا شيئاً من ذلك .
واليك ما يذكره المؤرخون وما ثبت عنهم لمدينة حلب ذات الآثار القديمة قال الأستاذ العلامة المعاصر عبد الحمن الكيالي في كتابه (( أضواء أراء )) بعد أن ذكر أن شمراً لعنه الله قتل الحسين(ع) أرسل ابن زياد معه الرأس الشريف ومعه سبايا الحسين(ع) إلى الشام .
لما وصلوا _ أي من أمر بحمل الرؤوس والسبايا إلى دمشق (( والى حلب وضعوا الرأس على حجر وهم مخيمين في الجبل الواقع غربي حلب والذي يسمى بالجوشن باسم القاتل شمر بن ذي الجوشن . فقطرت منه قطرة دم على الحجر حفظه أهله إلى أن فتح سيف الدولة حلب وبقية بلاد الشام _ فشيد بناء المشهد المسمى بمشهد الحسين(ع) مقاماً له وذكرى للقطرة الغالية التي قطرت على الحجر _ ووضع الحجر فيه )) .
وشيد بجانبه على الجنوب وعلى مقربة منه مشهد آخر لضريح المحسن وهو طرح بنت الأمام الحسين (ع) أثناء وجود السبايا في حلب . وبناء سيف الدولة رحمة الله تعالى لهذين المشهدين معروف وشائع في حلب الان بين الشيوخ والشباب. فمشهد الحسين (ع) في موقعه الان في وسط حلب. ومشهد المحسن في جنوبه، وانه كانت تقام ذكرى الحسين (ع) في يوم عاشوراء كما سيمر عليك ذكر الله. وقد ذكر ذلك المؤرخون لهذين المشهدين. قال: الشيخ كامل الغزي في تاريخه نهر الذهب قي تاريخ حلب ناقلاً عن تاريخ يحي بن أبي طي سبب بناء سيف الدولة لمشهد الحسين(ع). واما مشهد الحسين (ع) فيعرف بمشهد النقطة وهو في سفح جبل الجوشن. قال: وعن يحي بن أبي طي في تاريخه أن راعياً يسمى عبدالله، يسكن في درب المغاربة كان يخرج كل يوم يرعى غنمه فاتفق ان نام يوماً بعد صلاة الظر في المكان الذي بنى فيه المشهد فرأى رجلاً اخرج نصفه من شقيف الجبل المطل على المكان ومد يده الى أسفل الوادي وأخذ عنزاً. فقال له: يا مولاي لأي شيء أخذت العنز وليست لك فقال: قل لأهل حلب يعمروا في هذا المكان مشهداً. ويسموه مشهد الحسين(ع).
فقال لهم لا يرجعون الى قول، فقال: قل لهم يحفروا هناك ورمى بالعنز من يده الى المكان الذي أشار اليه فأشتيقظ الراعي ورأى العنز قد غاصت قوائمها في المكان فجذبها فظهر الماء من المكان. فدخل حلب ووقف على باب الجامع القبلي وحدث بما رأى. فخرج جماعة من أهل البلد الى المكان الذي ظهرت فيه العين وهو في غاية الصلابة بحيث لاتعمل فيه المعاول وكان في معدن النحاس قديماً فخطوا في المشهد المذكور.
ثم قال الغزي، قال ابن ابي طي: ومقتضى هذه الحكاية- اي الراعي ان هذا المكان هو المشهد- المعروف بمشهد النقطة وهو قبلي المشهد بمشهد الحسين (ع) وهو الى الخراب اقرب واما مشهد الحسين (ع) فهو عامر آهل مسكون. قلت الظاهر من كلام ابن ابي طي، انه كان يوجد مشهدان- في شمالي حلب مشهد السقط، الاول مشهد النقطة، والثاني مشهد الحسين (ع) وكل منهما معروف بين الناس باسمه الخاص. وان مشهد النقطة اقرب الى الخراب. ومقتضى انه معروف وانه الى الخراب اقرب ان يكون قد مضى على بنائه مدة طويلة ومقتضى كونه اثراً ينسب الى شخصية عزيزة وغالية على النبي ان يكون البناء من الأحكام والضخامة ما يجعله ذا قوة ودوام واستمراره ليطول بقاؤه مع الزمن فيناسب ذلك ان يكون عروض الخراب عليه بعد أكثر من مائة عام كما هو شأن امثالة من البناء الضخم الذي يطول بقاؤة عامراً.
وهذا يقتضي ان يكون قد بني في ايام سيف الدولة اذا لم يكن كما فاده الاستاذ الكيالي في كتابه اضواء وأراء ولا مانع من ان يكون هناك مشهد آخر سمي بمشهد الحسين (ع) قد بني بعد قصة الراعي المتقدم ذكرة ثم توالت العمارات عليه وعلى مشهد النقطة كما سنذكره. واضيف اليه اضافات لحاجة الزوار والمسافرين والقراء فصار المشهدان مشهداً واحداً لا يتميز احدهما عن الآخر كما عليه المشهد اليوم وصار يطلق عليه مشهد النقطة ومشهد الحسين وعلى ما ذكرنا من التوجيه لا يرد قول الشيخ كامل الغزي في تاريخة نهر الذهب الجزء الثاني ص282 ان مشهد النقطة لا أثر له اذا كان يريد أن لم يوجد اصلاً. لأن مشهد النقطة كان قبل بناء مشهد الحسين كما ذكرنا.
وقد ذكر الغزي في نهر الذهب السبب في بناء مشهد النقطة قال: في الجزء الثالث: وفي سنة 16هـ قتل الحسين بن علي عليه السلام بكربلاء واحتز رأسة الشريف شمر ابن ذي الجوشن وسار به وبمن معه من آل الحسين الى يزيد بدمشق فمر بطريقة على حلب ونزل عند الجبل غربي حلب ووضعه على صخرة من صخراته فقطرت منه قطرة دم عمر على اثرها مشهد عرف بمشهد النقطة وقد المعنا الى ذلك في الكلام على المشهد من باب الآثار.
وفي الجزء الثاني ص282 قال: ان سبب بناء مشهد النقطة هو ان الرأس لما وصلوا به الى هذا الجبل وضعوه على الأرض فقطرت منه قطرة فوق صخرة بني عليها الحلبيون هذا المشهد وسمي مشهد بعد خرابه الى محراب مشهد الحسين (ع) فبني عليها. ومقتضي كلامة هذا ان بناء مشهد النقطة كان متقدماً على بناء مشهد الحسين (ع) بمدة طويلة جداً، كما ان مقتضاه ان الصخرة التي وقعت عليها قطرة الدم الزكي، كان المحتمل فيها انها نقلت الى مشهد الحسين ثم وضعت في محرابة. بل من المقطوع به أن الصخرة نقلت الى مشهد الحسين (ع) وبني المشهد العروف باسم النقطة واسم الحسين (ع) لاجلها. لانها موضع اثر عظيم هو قطرة الدم الغالية التي دعت اهل الدين والمروءة والغيرة والحمية ان يشيدوا عليها ذلك المشهد تكريماً وتعظيماً وتقديساً لصاحبها وحزناً عليه، لتبقي الا الابد تذكر المسلمين بنهضة الحسين عليه السلام غضباً للحق ونقمة على الظلم والطغيان وانتصاراً للدين الشريف. وقد بقيت هذه الصخرة الى يومنا هذا تذكرنا بالمأساة العظيمة والفاجعة الاليمة التى اوقعها يزيد بسبط النبي الاعظم وذرتيه وعيالة وأولاده واطفالة ونسائة واصحابة الكرام الذين بذلوا مهجهم رخيصة في سبيل الدين واعلاء كلمة الحق. وهذه الصخرة نقلت بعد خراب المشهد في عام 1337هـ الى مشهد المحسن (ع) ولا تزال موجودة فيه.
وقد وقع خطأ فيما نقلة الاستاذ الكيالي في كتابة " اصواء وآراء"الجزء الثاني ص78 . من عبارة ابن أبي طي التى ذكرها الغزي ونقلناها عنه آنفاً ونعيد نقلها ليتبين مورد الخطاً. قال : قال ابن أبي طي "وبمقتضى هذه الحكاية يكون هذا المكان هو المشهد المشهور بمشهد النقدة وهو قبلي المشهد المعروف بمشهد الامام محسن وهو الى الخراب اقرب، واما مشهد الحسين فهو عامر آهل مسكون". ومودر الخطاً: انه ذكر بدل الامام الحسين – كما نقله الغزي – الامام محسن مع ان الشمر واتباعه نزلوا بالرؤؤس في المكان الذي فيه مشهد الحسين (ع) واآن كما اشرنا اليه آنفاً.
ولعل الذي دعاه الى هذا التصحيف هو ان عبارة أبي طي تدل على ان مشهد النقطة بقع قبلي مشهد الحسين (ع). ويظهر من تاريخ الشيخ كامل الغزي انه ليس بين مشهد الحسين (ع) ومشهد المحسن مشهد. ولكن يؤخذ عليه ايضاً أنه لا يوجد في قبلي مشهد المحسن (ع) مشهد النقطة. وتوالي العمارات على المشهد بعد سيف الدولة قال ابن أبي طي فيما نقل عنه بعد قوله آنفا: ((فهو عامر آهل مسكون)) وتولى عمارته الحاج ابو النصر ابن الطباخ وكان ذلك في ايام الملم الصالح ابن الملك العادل نور الدين وكان الامير محمود بن الختلون اذ ذاك شحنة حلب فساعدهم في بنائه ولما شرعوا في البناء جاء الحائط قصيرا فلم يرض بذلك الشيخ ابراهيم بن شداد وعلا من ماله.
وتعاضد الناس في البناء فكان كل اهل حرفة يفرض على نفسه عمل يوم وفرض اهل الاسواق عليهم دراهم تصرف في المؤن والكلف وبنى الايوان الذي في صدره الحاج ابو غانم بن سويق من ماله فجاء قصيرا. فهدمه الرئيس صفي الدين ابن طارو بن علي النابلسي ورفع بناءه وانتهت عمارته سنة 585 والظاهر من العبارة التي نقلناها بطولها هو ان ابن الطباخ هو الذي تولى عمارة مشهد الحسين في ايام الملك الصالح وساعده من ذكر فيها بمعونة بقية الناس على بنائه وان عمارة المشهد انتهت في ايام املك الصالح.
واما الايوان الواقع في شرقي المشهد فبناؤه كان متأخرا عن بناء المشهد وبناؤه ثانيا من قبل الرئيس صفي الدين دام الى التاريخ المذكور ولما ملك الملك الظاهر غازي لب اهتم به ووقف عليه رحى تعرف بالكاملية. وفوض الظير فبه الى نقيب الاشراف الامام شمس الدين بن علي الحسين. والقاضي بهاء الدين بن ابي محمد الحسين بن ابراهيم ابن الخشاب.
ولما ملك ولده العزيز استأذنه القاضي بهاء الدين في ابنتاء حرم الى جانبه وبيوت يأةي اليها من انقطع الى هذا المشهد. فاذن له فشروع في بنائه واستولى التتار على حلب قبل ان يتم ودخلو إلى هذا المشهد ونهبوا ما كان الناس قد وضعوا عليه من الستور والبسط والفرش, والأواني النحاس, والقناديل الذهب, والفضة والشمع, وكان شيئاً كثيراً, وشعثوا بناءه ونقضوا ابوابه.
ولما ملك الظاهر جدد ذلك ورممه وبهذا انتهى كلام إبن أبي طي الذي نقله عنه في نهر الذهب. والمكتوب على صدر ايوان المشهد(( اي مشهد الحسين)) (( بسم الله الرحمن الرحيم: امر بعمل هذا الديوان المبارك العبد الفقير الى رحمته ابو غانم بن أبي الفضل عيسى البزاز الحلب رحمه الله. في شهور سنة 579)) والظاهران بناء الأيوان كان بعد الفراغ من بناء المشهد. فيكون الايوان من الاضافات الحادثة بعد بنائة، لان عمارة المشعد ثانياً – اي بعد عمارة سيف الدولة له كانت في زمان الملك الصالح بن نور الدين محمود زنكي، وكانت وفاة الملك المذكور سنة 577هـ. وقال ابن أبي طي أن الذي بني هو أبو غانم المذكور وعبارته المحكية في نهر الذهب هي هذه " وبني الايوان في صدره الحاج ابو غانم سويق".
وكان آخر بناء عرض عليه هو البناء الذي قمنا به. وقد بذلنا الجهد للحفاظ على ان يكون على الشكل الذي كان عليه حتى ايام الحرب العالمية. حفاظاً على اريته حيث انه يعتبر من الاثار الترايخية المهمة وقد ساعدتنا في ذلك وزارة التربية والتعليم ووزارة الشئوون والاوقاف وقدموا لنا كافة التسهيلات لذلك وهو الآن يطل على حلب من على تلك الرابية ببنائة الشامخ وهندسته الرابعة.
مشهد المحسن وسبب بنا سيف الدولة وما توالي عليه من البناء
فال فى نهر الذهب فأما مشهد المحسن فيعرف بمشهد الدكة ومشهد الطرح، وهو غربي حلب سمي بهذا لأن سيف الدولة حمدان كان له دكة الجبل المطل على موضع المشهد يجلس عليها لينظر حلية السباق فإنها كانت تقام بين يدية هناك.
وعن تاريخ ابن أبي بطي ان مشهد الدكة ظهر فس سنة 351هـ وان سبب ظهورة هو ا، سيف الدولة كان في احدى مناظرة التى بداره خارج المدينة فرأى نوراً ينزل على مكان المشهد، وتكرر ذلك فركب بنفسة الى ذلك المكان وحفره فوجد حجراً عليه كاتبة: " وهذا قبر المحسن بن الحسين بن على ب، أبي طالب (ع)" فجمع سيف الدلوة العلويين وسألهم، هل كان للحسين (ع) ولد اسمه المحسن، فقال بعضهم ما بلغنا ذلك، وانا بلغنا ان فاطمة كانت حاملاً فقال لها النبي صلي الله عليه وآله وسلم في بطنك محسن، فما كان يوم البيعة هجموا على بيتها لاخراج على الى البيعة فأحدجت، وفي صحة هذا نظر وقال بعضهم (أي بعض العلويين) ان سبي نساء الحسين لما مروا بهن على هذا المكان طرحت بعض نسائه هذا الولد، فإنا نروي عن آبائنا ان هذا المكان سمي بجوشن لأن شمر بن ذي الجوشن نزل عليه بالسبي والرؤؤس، وكان معدناً يستخرج منه الصفر، وا، أهل المعدن فرحوا فدعت عليهم زينب (ع) بنت الحسين ففسد ذلك المعدن، فقال ابن أبي طي: (ولحقت هذا المشهد وهو عليه باب صغير وحجر أسود تحت قنطرته مكتوب عليه بخط أهل الكوفة كتابة عريضة: عمر هذا المكان المبارك ابتغاء لوجه الله وقربة اليه على اسم مولانا المحسن بن الحسين بن على أبي طالب (ع) الأمير سيف الدولة ابو الحسن على بن عبدالله بن حمدان وذكر التاريخ المتقدم " أي تاريخ بنائة وهو سنة 351هـ".
ثم قال (أي ابن أبي طي) وفي أيام بني مورداس بني المصنع الشمالي من المشهد (أي بني بئر أو مخزن للماء) ثم بني قسيم الدولة اقاسنقر سنة 582 فى ظاهرة قبلي المشهد مصنعاً للماء وكتب عليه اسمه، وبني الحائط القبلي وكان قد وقع ووقف عليه رحي جنديات وعمل للضريح طوقاً وعرائش من الفضة وجعل عليه غشاء.ثم بنى نور الدين في صحنه صهريجاً وميضأة فيها بيوت كثيرة بنفتع بها المقيميون فيه. وهدم الرئيس صفي الدين طارو بن علي النابلسي رئيس حلب المعروف بابن الطريرة بابه الذى بناء سيف الدولة ورفعة وحسنه، ولما مات ولي الدين ابو القاسم على رئيس حلب وهو ابن اخي صفي الدين المتقدم ذكره، فدن الى جانب المصعن ونقض أيضاً باب المصعن الذي عليه اسم قسيم الدولة وبناه وكتب عليه اسمه وذلك في سنة 613هـ.
ثم في أيام الملك الظاهر غياث الدين غازي بن صلاح الدين يوسف وقع الحائط الشمالي فأمر ببنائه، وفي أيام الناصر يوسف بن العزيز محمد بن الظاهر القبلي فأمر ببنائه وعمل الروشن الدائر بقاعة الحصن، ولما ملك التتار حلب قصدوا هذا المشهد ونهبوا ما كان فيه من الأواني والبسط، وخربوا الضريح والجدرا ونقضوا الأبواب، فلما ملك السلطان الظاهر حلب أمر باصلاح المشهد ورممه وجعل فيه إماماً وقيماً ومؤذناً).
هذا ما نقله الشيخ كامل الغزي في تاريخه (نهر الذهب) حول بناء مشهد المحسن (ع) وسبب بنائه وما توالى عليه من البناء والعمارة. وقال الحموي في كتاب معجم البلدان وجوشن جبل مطل على حلب في غربيها في سفحه مقابر ومشاهد للشيعة، وقد أكثر شعراء حلب من ذكره جداً فقال منصور بن المسلم بن أبي الخرجني النحوي الحلبي من القصيدة:
عسى مورد من سفح جوشن ناقع فإني الى تلك الموارد ظمآن
وما كل ظن ظنه المرء كائن تحوم عليه للحقيقة برهان
ثم قال: " جوشن جبل في غربي خلب ومنه كان يحمل النحاس الأحمر وهو معدنه، ويقال انه بطل منذ عبر عليه سبي الحسين بن علي رضي الله عنه، ونساؤه، وكانت زوجة الحسين حاملاً، فأسقطت هناك فطلبت من الصناع في ذلك الجبل خبزاً أو ماء فشتموها ومنعوها فدعت عليهم فمن الآن من عمل فيه لا يربح، وفي قبلي الجبل مشهد يعرف بمشهد السقط، ويسمى مشهد الدكة، والسقط يسمى محسن بن الحسين رضي الله عنه".
وقال في أثناء كلامه على تاريخ حلب ص 314 ج3 أيضا :
(( وعند باب الجنان مشهد علي بن أبي طالب رضى الله عنه ، رؤي فيه فى النوم ، وفي داخل باب العراق مسجد غوث فيه حجر عليه كتابة زعموا انه خط علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وفي غربي البلد في سفح جبل الجوشن قبر المحسن ابن الحسين يزعمون انه سقط لما جيء بالسبي من العراق ليحمل الى دمشق أو طفل كان معهم بحلب فدفن هنالك ، وبالقرب من مشهد مليح العمارة تعصب الحلبيون وبنوه أحكم بناء وأنفقوا عليه أموالا يزعمون أنهم رأوا عليا رضي الله عنه فى المنام في ذلك المكان )).
وقال المحدث البحاثة الشيخ عباس القمي رحمة الله في كتابه نفس المهموم : (( اعلم ان فى قرب حلب مشهد يسمى بمشده السقط على جبل الجوشن بالفتح ثم السكون والشين المعجمة والنون ، وهو جبل مطل على حلب في غربه مقابر ومشاهد للشيعة منها مقبرة ابن شهر اسوب صاحب المناقب ، ومنها مقبرة حمد بن منير العاملي المذكور برجمته في أمل الآمل .
سبب انهدام مشهد الحسين
قال الاستاذ الكيالي (( ان مشهد الامام الحسين (ع) فى وضعه الحاضر مهدوم وخراب . وقد كنت أزوره قبل الحرب العامة ، وكان عامرا وكنا نقصده أيام عاشوراء للتبرك . وفي غير أيام عاشوراء للنزهة في جواره ، وكانت آثاره الهندسية داعية للاعجاب يقصده أكل الشيعة والسنة ، ويقصده الأجانب من علماء الآثار والتاريخ لتدوين ما فيه وما في الشهباء من كتابات وآثار ومبان قديمة لها أهميتها في تاريخ حلب خاصة ، وفي تاريخ البلاد الشامية عامة )) .
ثم ذكر لي الاستاذ الكيالي سببب انهدام هذا المشهد الشريف وزمانه ولكنه ذكر ذلك مختصرا . ونحن نذكر عبارة معاصره الشيخ كامل الغزي في ((نهر الذهب)) فانها مفصلة لسبب الانهدام . قال الشيخ كامل : (( وفي أيام الحرب العامة استعمل مستودعا للذخائر الحربية النارية واستمر على ذلك الى أواخر سنة 1337ه ، وذلك حين خروج الانكليز من حلب ودخول الفرنسيس اليها ، وكان الحرس الذين يحرسونه من قبل الانحليز قد انصرفوا عنه فهجم عليه جماعة من رعاع الناس وغوغائهم ونهبوا ما فيه من الذخائر والسلاح .
وبينما كان بعض اولئك الغوغاء يعالج قنبلة لاستخراج ما فيها من البارود اذ أورت نارا فلم يشعر الا وقد انفجرت وسرت منها النار بأسرع من لمح البصر الى غيرها من الأعتاد النارية المتفرقعة ، فانفجرت جميعها كانفجار بركان عظيم سمع له دوي عن بعد ساعات ، وشعرنا ونحن في منازلينا بحلب كأن الارض قد تزلزلت مصحوبة بدوي كهزيم الرعد القاصف ، وقد تهدم بنيان هذا المشهد كله سوى قيل منه ، وتطايرت أنقاضة في الهواء وسقط بعضها على بعض من فيه من الذعار والشطار فهلكوا عن آخرهم ، ويقدر عددهم بثلاثين انسانا على أقل تقدير ، اخرج بعضهم من تحت الردم أمواتا وترك الباقون فيه خشية أن يفاجىء غيرهم انفجار ما بقي من الذخائر النارية )) .
وقد زرت هذا المشهد قبل الشروع فى اعادة بنائه ، فوجدته كأنه جبل من أنقاض قد ترامى بعضها على بعض ، ولم يبق منه الانفجار شيئا سوى بعض الجدران المهدمة والقباب الممزقة والاحجار المبعثرة وسوى بقايا من جدران القاعة الشمالية الغربية العالية ودهليزها المصدع ، والغرفة المجاورة لها من طر ف شرقها ، وسوى المطبخ والحمام وبيوت الخلاء الواقعة في الشمال الشرقي من المشهد .
في كرامات رأس الحسين الشريف
لما نقل الرأس الشريف الى الكوفة ظهرت له كرامات وكذلك في أثناء الطريق لما سير السبايا والرؤوس الى دمشق ظهرت له كرامات . فمن كراماته بعد ان ذهب به عمر بن سعد وأصحابه الى الكوفة لابن زياد لعنه الله تعالى ما رواه المفيد في ارشاده قال : فلما أصبح عبيد الله بن زياد بعث براس الحسين (ع) فدير به في سكك الكوفة ((كلها)) وقبائلها . فروى عن زيد بن أرقم انه قال : لما مر به علي وهو على رمح وأنا في غرفة لي فلما حاذاني سمعته يقرأ : ((ام حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من اياثتنا عجبا )) وقف والله شعري علي وناديت رأسك يا ابن رسول الله أعجب وأعجب .
ومن كراماته ماذكره ابن حجر الهيثمي في صواعقة فال : ولما قتلوه (أي الحسين) بعثوا برأسه الي يزيد فنزلوا اول مرحلة فجعلوا يشربون بالرأس فبينما هم كذلك اذ خرجت عليهم من الحائط يد معها قلم من حديد فكتب سطرا بدم :
أترجو أمة قتلت حسينا شفاعة جده يوم الحساب
فهربوا وتركوا الرأس يوم الحساب فهربوا وتركوا الرأس وأخرجه منصور بن عماد ، وذكر غيره ان هذا البيت وجد بحجر قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بثلاثتمائة سنة وأنه مكتوب في كنيسة من ارض الروم ولا يدري من كتبه . وروى قصة هذه الكرامة ايضا في كتابه مناقب آل أبى طالب عن دلائل النبوة عن أبي بكر البيهقي بالاسناد الى أبي فبيل وامالي ابي عبدالله النيسابوري ايضا : انه لما قثل الحسين (ع) واحتز راسه قعدوا في أول مرحلة يشربون النبيذ ويتحيون بالرأس فخرج عليهم قلم من حديد من حائط فكتب سطرا بالدم :
أترجو أمة قتلت حسينا شفاعة جده يوم الحساب
قال: فهربوا وتركوا الرأس ثم رجعوا . وفي كتاب ابن بطة انهم وجدوا ذلك مكتوبا في كنيسة ، وقال أنس بن مالك احتفر رجل من أهل نجران حفرة فوجد فيها لوح من ذهب مكتوب فيه هذا البيت وبعده :
فقد قدموا عليه بحكم جور فخالف حكمهم حكم الكتاب
ستلقي يا يزيد غذا عذابا من الرحمن يالك من عذاب
فسألنهم منذكم هذا في كنيستكم ؟ فقالوا قبل ان يبعث نبيكم بثلاثتمائة عام . ومن كراماته ما ذكره ابن حجر الهيثمي قال: (( ولما كانت الحرس على الرأس كلما نزلوا وضعوه على رمح وحرسوه فرآه راهب في دير فسأل عنه ، فعرفوه به فقال : بئس القوم أنتم هل لكم من عشره آلاف دينار ويبيت الرأس عندي هذه الليلة ، قالوا نعم . فأخذه وغسله وطيبه ووضعه على فخذه وقعد يبكي الى الصبح ثم أسلم لأنه رأى نورا ساطعا الى عنان السماء من الرأس ثم خرج من الدير وما فيه وصار يحترم أهل البيت .
وكان مع هؤلاء الحرس دنانير أخذوها من عسكر الحسين (ع) ففتحوا أكياسها يقتسمونها فرأوها خزفا وعلى أحد جانبي كل منها ((ولاتحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون)) وعلى الآخر ((وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون)).
ونظير هذه الكرامة ما رواه علي بن شهر اشوب رحمة الله ، عن النطنزي في الخصائص لما جاؤوا برأس الحسين (ع) ونزلوا منزلا يقال له قنسرين اطلع راهب من صومعته الى الرأس فرأي نورا يخرج من فيه ويصعد الى السماء ، فأتاهم بعشرة الآف ردهم وأخذ الراس وادخله صومعته ، فسمع صوتا ولم ير شخصا قال: طوبى لك ن طوبى لمن عرف حرمته . فرفع الراهب رأسه وقال يارب بحق عيني تأمر هذا الرأس بالتكلم معي ، فتكلم الرأس وقال : يا راهب أي شىء تريد ؟ قال: من أنت ، فال : انا ابن محمد المصطفى ، وأنا ابن علي المرتضى ، وأنا ابن فاطمة الزهراء ، وأنا المقتول بكربلاء ، وأنا المظلوم ، أنا العطشان ، فسكت . فوضع الراهب وجهه حتى تقول أنا شفيعك يوم القيامة . فتكلم الرأس فقال : ارجع الى دين جدي محمد (ص) وأشهد أن محمدا رسول الله . فقبل الشفاعة ، فلما اصبحوا أخذوا الدراهم قد صارت حجارة . وقد ذكرت للرأس الشريف كرامات اخرى ذكرها ابن شهر اشوب في مناقبه وصاحب البحار وغيرهما من الشيعة والسنة . واكتفينا منعا بما ذكرناه للدلالة على مناقب الرأس وكراماته ، والله ولي التوفيق .
المقابر الموجودة حول المشهد
كانت توجد حول المشهد مقابر عديدة والظاهر انهم اتخذوا هذا المكان مدفنا تبركا باسم الحسين الذي شرف رأسه الشريف هذه البقعة وتبركت بتلك القطرة من الدم الزكي التي سقطت هناك . وقد اندرست تلك المقابر ولم يبق منها سوى مقابر بني زهرة الذين كانوا نقباء الاشراف . وقد ذكر اسماءهم الشيخ راغب الطباخ في كتابه أعلام النبلاء . وتقع قبورهم في سفح جبل الجوسن جنوبي مشهد الحسين (ع) ، ولكن الزمان افنى معالم هذه القبور ولم يبق منها سوى آثار غير واضحة ولا تتميز منها قبورهم . وفبر ابن شهر اشور موجودة في هذه المقار . وكذلك قبر احمد ابن منير العاملي . الا أننا لم نقدر أن نميزها .
والذي لا يزال له الأثر من القبور هو قبر الشريف حمزة ابن أبي المكارم الفقيه الأصولي المتكلم . المتولد سنة 511ه ، والمتوفي في سنة 585 ه ، وقد عبثت به أيدي الزمان فآل الى الخراب وبقيت له آثار . وعلى قبره صخرة كتب عليها اسمه وانتسابه الى الامام الصادق (ع) مع تاريخ وفاته وكانت مقبرته مع مقابر بني زهرة مردومة فاكتشفها سنة 1297ه جميل باشا وأحاطها بجدران حفظا لها .
أما الكتابة التي وجدت على أطراف قبر ابي المكارم وهي بالخط الكوفي المزهر فهذا نصها : بسم الله الرحمن الرحيم : هذه تربة الشريف الأوحد الطاهر ركن الدين ابن ابي المكارم حمزة لن عي بن زهرة بن علي بن محمد بن أحمد بن محمد بن الحسين بن اسحاق بن جعفر الصادق صلوات الله عليه وعلى آبائه وأبنائه الأئمة الطاهرين . وكانت وفاه سنة خمس وثمانين وخمسمائة رضي الله عنه .
وعشيرة بني الكواكب في حلب تنتسب الى بني زهرة . وحول المشهد قبول اخرى مندرسة وقد عثرنا على ترب مفخورة نقش على بعضها اسم الحسين (ع) مما يدل على ان هذه القبور كانت للشيعة . ونرجوا ان يوفقنا الله للكشف عن أحوال هذه القبور والله المستعاه وحسبنا الله وعم الوكيل .
التعليقات (0)