بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على محمد وآله
أما بعد أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات فإلى هذه الكلمات:
كلام كيهان:
وهو الكلام الذي نُسب إلى حسين شريعتمداري في صحيفة كيهان الإيرانية بشأن البحرين. هذا ردّ مختصر في ثلاث كلمات:
1. هو كلام لا واقع له، فالبحرين بلد مستقلّ ولا سيادة عليه من دولة أخرى.
2. وهو على خلاف مقتضى المصلحة والتهدئة التي تحتاجها أوضاع المنطقة.
3. أي علاقة تفاهم أو اختلاف على بعض الأمور من شعب البحرين وحكومته -وهو موجود فعلاً- هي مسألة داخليَّة بالكامل وليس من الصحيح ولا الصالح ولا المقبول أن يأتي توتير لها من أي جهة أخرى.
المخدّرات غنى حرام وقتل ظالم:
عرّفوا المخدّرات بأنها كل مادة ينتج من تعاطيها فقدان جزئي أو كليّ للإدراك بصفة مؤقّتة، وتحدث فتورا في الجسم يجعل الإنسان يعيش في خيال واهم فترة وقوعه تحت تأثيره.
تؤثر المخدرات على متعاطيها على نحو خطير في بدنه ونفسه وعقله وسلوكه وعلاقته بالبيئة المحيطة.
يعاني من الإدمان على المخدرات أكثر من مئة وثمانين شخصاً في مختلف أرجاء العالم، ومحليّياً قالوا كما في بعض الصحف اليومية أن في البحرين البلد الصغير قليل السكّان 800 مدمن على المخدرات، هذا العدد من المدمنين لا يمثّل كل المدمنين وإنما هم الذين يتلقّون علاجهم في الطبّ النفسي حسب جريدة الوقت، وفي جريدة أخبار الخليج يزيدون على هذا العدد خمسين آخرين، هذا هو العدد الخاضع لتلقّي العلاج في الطبّ النفسي وليس كل المدمنين وليس كل المتعاطين، فطبيعي رقم المتعاطين اكبر حيث ينضم إليه من لم يخضعوا بعد للعلاج في الطب النفسي وإن كانوا مدمنين وغيرهم من المتعاطين بلا أن يصلوا إلى درجة الإدمان. والقتلى لظاهرة المخدرات في الستة الأشهر الأخيرة بلغوا اثنى عشر شابّاً بحرينيّاً لتناولهم جرعات زائدة من هذه السموم بينما يبلغ مجموع القضايا المتعلّقة بهذا الوباء للمدة نفسها ثلاثمائة وتسعاً وعشرين قضيّة، فأمام أي قضية خطيرة مستفحلة نحن؟! وأمام أي مؤامرة قذرة من مستوردي هذه المواد القاتلة؟! ظاهرة توقع شباب هذا الوطن وشاباته وناشئته بين أنياب الموت، وفي متاهات الضياع، ظاهرة ومؤامرة تصب في جيوب المترفين، وتقتل وتعذّب وتشقي المغرّر بهم من طبقات الفقراء والمحرومين، هذا والمنافذ لدخول البحرين قليلة معروفة ومحيطها الجغرافي صغير، والحدود محروسة، والتعرف على مستوردي المخدرات ومروجيّها الكبار أمر لا يعسر لضيق الرقعة الجغرافية وقلّة السكّان، والظاهرة ليست بنت يومها، وكل ذلك يجعلك تسأل لماذا استمرار التزايد في تعاطي المخدرات، وقبل ذلك تدفّقها من الحدود مع كون التعاطي لها الطريق المفتوح على الإيدز بكفاءة عالية. وبهذا الصدد كشف بيت الأمم المتحدة كما عن أخبار الخليج من خلال مسوحاته الميدانية وجود ثلاثمائة بحريني مصاب بمرض نقص المناعة، ستون في المائة منهم انتقل لهم المرض عن طريق حقن المخدرات. وعجيب أن لا يسيطر على هذه الظاهرة ولا يحدّ منها، وعجيب أن لا يُهتدى للمستفيدين الكبار من مردودات هذا السمّ القاتل، أو لا يكون من بين المحكوم عليهم واحد من أولئك الكبار على الإطلاق؟! والكبار هنا كبار دنيا لا كبار آخرة. جريمة من في الأصل هذه التي تحصد عشرات ومئات من أرواح المواطنين، وتهدم عوائل، وتخنق أمل شباب، وتسرق هناءتهم وصحتهم وسمعتهم، وتنهب منهم الحاضر والمستقبل؛ مستقبل الدنيا ومستقبل الآخرة، وتلغي دورهم المنتج الكريم في الحياة، وتزجّ بهم في المصحّات، أو تلقي بهم نفايا مجتمع في الطرقات، وتحولهم أدوات إضرار مخوفة ومكروهة من الناس، وإن كانوا مظلومين ظلماً لا يرفع عنهم مسؤولية قتل أنفسهم وإفسادها؟!
هل ليس وراء الظاهرة ولا متنفّذ واحد؟! ولا صاحب منصب كبير أو لقب يُشار إليه بالبنان؟! تمضي السنون والكثير من الناس المغمورين والمواطنين العاديين والمستأجرين في هذا المجال يُسحبون إلى السجون، ويودعون السجون باسم المخدرات، بينما لا نسمع عن شخص واحد من أصحاب الأوزان الضخمة الدنيوية بأنه متورط في هذا الجرم الفتّاك بشباب وشابات وناشئة هذا الوطن؟!
أمر يثير الشك والريبة، ويدعو للدهشة والاستغراب.
أيها الشباب والشابات والناشئة في هذا الوطن الكريم اهربوا من من يحاول أن يأخذ بكم إلى طريق المخدرات، طريق المرض والشقاء والموت وسقوط السمعة. اهربوا من أول جرعة، وعن أول تجربة للمخدرات لئلا تتحول حياتكم إلى هم وغم وسقم وعار وبؤس وضياع. إذا كنت كبيرا قادرا فازجر من يريد أن يوقعك في شقاء المخدرات، وانصحه بأن يطلب العلاج، وإذا كنت صغيراً لا تستطيع مواجهته فاستعن بأهلك لينقذوك من شره وسوئه وعبثه بحياتك ومصيرك، ولا تتكتّم على أمره على الإطلاق.
توضيحات لابد منها:
هذه التوضيحات تتعلق بما يدور حول موضوع العلمانية والإسلام في الساحة المحلّية هذه الأيام.
وُجد في هذا المجال تضليلان:
أ- فيما يتعلق بالبداية لهذا الموضوع، وأين كانت. أقول، وراجعوا الصحافة: إن الهجمة جاءت ابتداءً من الطرف العلماني. وجاءت الكلمات تهاجم الإسلام في أسبوع واحد، وكأنّ هناك تلاقي رأي على مهاجمة الإسلام.
ب- خلطوا خلطاً متعمّداً سيئاً لا ينبغي بين موضوع الاقتطاع وموضوع المناداة بعزل الإسلام والحجر عليه، والرد على ذلك. الاقتطاع موضوع، والرد على الهجمة الشرسة على الإسلام موضوع آخر، والخلط بينهما للتشويش والمغالطة. موقفنا من الاقتطاع كان واضحاً من أول كلمة لي في هذا الجامع، وقد ظلّ الموقف منسجماً ولم يتغيّر إلى الآن، وسيبقى هو هو، والبيان الرسمي للمجلس العلمائي متّسق مع هذا الموقف، وأننا نرفض الاقتطاع جملة وتفصيلا.
2- لماذا كلامنا نحن عن الوفاق؟ ولماذا الوقوف أحياناً مع الوفاق؟
أرى أن ضعف الوفاق اليوم وقوتها مؤثّرتان جداً سلباً وإيجاباً على مصلحة الشعب، وأن هدم الوفاق له نتيجة، واستمرار الوفاق وتدارك الخطأ الذي قد تقع فيه له نتيجة، الوفاق قوة للشعب، صوت جريءٌ يعبّر عن الشعب، الوفاق ليست معصومة، وليست عليّاً عليه السلام الذي يدور الحق معه حيثما دار ، ولكن في الوفاق رجال ثقاة مخلصون أوفياء لهذا الشعب حريصون على مصلحته، أصحاب دين وفهم، هذا تقييمي، ولا حجر لي على قناعات الآخرين.
قلت في هذا المسجد ومن هذا المنبر الشريف بأن موقفنا مع الوفاق مشروط، والأمر هو كذلك، نقف مع الوفاق ما وقفت مع الدين، وصدقت مع الدين، وأخلصت لأمر الدين، وما وقفت وأخلصت وتحمّلت بصدق ووفاء أمانة هذا الشعب. وقد تقدّم القول في خطبة من خطب هذا العام في هذا المسجد الشريف بأننا سنقف ضد الوفاق وسنسقطها إذا خرجت عن هذا الخط.
وضح بيان المجلس العلمائي في مسألة الاقتطاع أن الوفاق وبمقتضى عدم عصمتها قد يخونها التقدير الموضوعي، وهذا لا يمس إخلاصها ووفاءها للشعب، وتقديرها العام للموضوعات، وحرصها على دراسة المواقف.
3- لكل من الإسلام والعلمانية رأي في التدخّل في الشأن العام، وفي قضايا من مثل حدود الحرية الشخصية، والأحوال الشخصية، والمساحة التي يعمل فيها الدين، وإذا نفت العلمانية حقّ الإسلام في التدخّل في كل هذه الأمور فهذا يعني إسقاطاً للإسلام، بينما يعني إصرار الإسلام على التدخّل في هذه الأمور إسقاطاً للعلمانية، وهذا واضح جليّ جداً، هذا يسقط رأي ذاك، وذاك يسقط رأي هذا، هذا يقول بأن الحاكمية لله، وذاك يقول بأن الحاكمية للشعب وللرأي الغالب.
وحينما نقول بأن الحاكمية لله فهذا لا ينفي أن يُعطى الشعب خيار أن ينسجم مع إسلامه أو لا ينسجم.
والتسقيط من كل الطرفين قائم واقعا، والمناداة به بدأت في الصحافة من العلمانية، هناك اختلاف واقعي، وهناك تنافٍ من الطرفين في الواقع، بينما المناداة بالإسقاط بدأت من الجانب العلماني، فالإلغاء لرأي الإسلام معناه تحيا العلمانية ويسقط الإسلام(1). فالإلغاء لرأي الإسلام معناه تحيا العلمانية عملاً وواقعا ويسقط الإسلام كذلك، وإصرار الإسلام على فاعلية رأيه معناه يحيا الإسلام وتسقط العلمانية رأياً، تسقط العلمانية واقعاً. هذا معنى تمسّك الإسلام بطرحه، وتمسك العلمانية بطرحها، والتزاحم على الساحة قائم، كل منهما يزاحم الآخر على الساحة، على إيمان الشعب بهذا أو ذاك على أن يأخذ هذا أو ذاك مساحة من التطبيق. والهجمة في الحالة القائمة جاءت من العلمانية وبعدة أقلام وبلغة صريحة لا مواربة فيها.
4-كان مطروحي في أيام الانتفاضة ولا زال في العلاقة مع العلمانية يتركّز على قضيتين ولا أرفع يدي عن هذا المطروح:
أ- التوافقات العملية مع العلمانية أو غيرها والتي قد تقتضيها الظروف لا تعني أبداً التسامح في حرمة الإسلام أو الخروج على أحكامه.
ب- إن الاختلاف المبدئي لا يمنع من التوافقات العملية الداخلة في مساحة المباح والمحققة لمصلحة المجتمع المسلم، وهذا الوطن الكريم وطن مسلم مجتمعه مجتمع مسلم.
هذا وأشير إلى أن الكل يعرف أن هذا الطرف أو ذاك الطرف لم ينطلق في تحالفه مع الطرف الآخر إلا من خلال منظوره ومصلحته، وليس من منظور المقابل ومصلحته، فلا منّ للعلمانية علينا أن دخلوا في توافق معنا في بعض المسائل ولسنا الطرف الأضعف في المعادلة.
نعم، يأتي في هذا الإطار التنازل المتبادل أو من طرف واحد عن بعض المصالح ولكن بلحاظ الضرورة في الأكثر، ولو كانت هي ضرورة التحالف حدوثاً أو بقاءً. وكلمات المنّ على الشعب إما أنها لا مورد لها أساساً ولا موضوع أو أنها غير لائقة.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. اللهم إن يلجأ الواهمون إلى غيرك فلجأنا ليس إلا إليك، وتوكّلنا ليس إلا عليك، وثقتنا ليست إلا بك، فاقبل يا إلهي لجأنا، وأصدق ربي توكّلنا، وثبّت سيدي ثقتنا، وحقّق فيك أملنا، ولا تجازنا بسوء عملنا، وارفع درجتنا في الدنيا والآخرة، واجعل همنا رضاك، ومحذورنا غضبك، وسعينا إليك، وطاعتنا مخلصة لوجهك الكريم يا أكرم الأكرمين، ويا أرحم الراحمين.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
الشيخ عيسى أحمد قاسم - جامع الإمام الصادق (ع) - الدراز
التعليقات (0)