شارك هذا الموضوع

الشيخ عبد الحميد بن باديس .. الإصلاحي الجامع بين التربية والمقاومة

الشيخ عبد الحميد بن باديس .. الإصلاحي الجامع بين التربية والمقاومة



في السادس عشر من أبريل/ نيسان، من كلّ عام، تحتفل الأمة الجزائرية بذكرى رحيل واحدٍ من عظماء المصلحين المؤثرين في العصر الحديث. يحضر في الشيخ عبد الحميد بن باديس أكثرُ من إصلاحيّ، وأكثر من مناهض للاحتلال الأجنبي في بلاده الجزائر. فيه كلّ المواصفات التي يتنادى لها الحريصون على الترقي بنموذج رجل الدين الصالح، والنافع. تخصّص في العلم الشرعي على نهج جامعة الزيتونة في تونس، وفيها انفتح على آفاق رحبة أمدّها الطاهر بن عاشور بمعالم يانعة من الوعي اللغوي والتحليل البياني واليقظة الإصلاحية. كان يُفترض أن يخطو خطوته الأولى صوتا إصلاحياً بعد التخرّج من الزيتونة العام 1912 وعودته إلى الجزائر، ولكن خصوم الإصلاح لم يأمّنوا له الراحة لأكثر من عام، فغادرَ إلى مكة المكرمة حاجّاً، ثم لبث في المدينة المنورة شهوراً كادت أن تتحوّل إلى هجرة دائمة لو أنه أعطى سمعه لإلحاح بعض العلماء الذين وسوسوا له بالاستقرار الدائم هناك. هذه المحطة جسّرت الوعي الإصلاحي لابن باديس بخيوط جديدة من مفاهيم الأصالة ومحاربة الخرافات، وخلالها تعرّف على رفيق دربه الشيخ الإبراهيمي، وفيها أيضاً سيُجهّز انطلاقته المستأنفة إلى بلاده بعد نصيحة خيّرة من الشيخ حسين الهندي، أحد شيوخ الأزهر الأسبقين، مشيراً إليه بالعودة إلى الجزائر وتحمّل المسؤولية هناك.
في طريق العودة زارَ بلاد الشام ومصر، وكأنه يُعيد استلهام الثقافة الإسلامية الإصلاحية ليعدّ العدة لعمل تربوي، وجهادي، وإعلامي غير مسبوق في بلدٍ كاد الجميع ييأس من إمكان الخروج من التبعية الفكرية والوجدانية التي غرسها المستعمر الفرنسي في نفوس أبنائه، نخباً وجماهير. وظّف ابن باديس كلّ الخبرات والتجارب التي استوعبها من الإصلاحيين السابقين، وأسّس مدرسته الإصلاحية على قاعدة التعليم ونشر المعرفة، فكان العلم ميدانه الأول الذي دعا إليه، متجاوزاً كلّ الأوهام والعادات البالية والتقاليد العتيقة التي تغلف العلم بالخرافات، وتمنع المرأة من نهل العلوم، وتعزل المعرفة عن واقع الحياة. من ذلك نهض ابن باديس بنشر المعرفة الإسلامية على قاعدة بيداغوجية جديدة، مقدما جهوداً ومساع لإصلاح المناهج الدينية، ومؤسساً للجمعيات والمدارس القائمة بهمة تربية النشء الإسلامي على قاعدة معرفية وتربوية سليمة. وكانت قدرته على التوحيد العلمائي علامة أخرى تومئ برمزيته المنفتحة على الجميع، والمفتوحة على احتياجات الكل. لم يكتفِ بالمساجد والجوامع التي شغلها بالعلم الصحيح، والدعوة النافعة، والجهاد الواعي، لقد أدرك أهمية المؤسسة والنظام التربوي المدروس، مثلما وعى أهمية المنبر الإسلامي وإشرافه على تأسيس صحف ومجلات إسلامية جديرة. كانت تلك هي القاعدة الصّلبة التي زرع فيها ابن باديس فلسفة المقاومة وإرادة المواجهة ضد الاستعمار العسكري والثقافي لبلاده.


 

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع